|
شنكال وخيارات بارزاني الضيقة
هوشنك بروكا
الحوار المتمدن-العدد: 5351 - 2016 / 11 / 24 - 20:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بلغ المشهد السريالي في شنكال، الأربعاء، ذروته بوصول أمين عام "منظمة بدر" وقائد قوات "الحشد الشعبي" هادي العامري إلى خط صد البيشمركة، والغريب في المشهد هو أن من كان يتهم قوى إيزيدية ب"العمالة" لما كان يسميها ب"هيئة الحشد الطائفي العميل لإيران"، والمعروف بتصريحاته النارية (محما خليل، قائمقام شنكال) كان في استقبال العامري. وظهر خليل مرافقاً للعامري في شريط فيديو وهو يستمع بسرور وغبطة لشعارات عناصر من "الحشد الشعبي" وهم يهتفون بعراقية شنكال.
وكان رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني قد أمر في نيسان 2015 بإلقاء القبض على قائد "قوة حماية شنكال" حيدر ششو بتهمة "الإخلال بالأمن القومي الكردستاني، لتعاونه مع جهات خارجية واستلام أموال وأسلحة منها"، بحسب بيان لرئاسة إقليم كردستان آنذاك. علماً أنّ هذه "الجهة الخارجية" كانت بغداد ممثلةً ب"هيئة الحشد الشعبي"، التي تتبع بشكل مباشر لأوامر رئيس الوزراء العراقي، والتي قامت في حينها (نوفمبر 2014) بتمويل ششو وقوته، بصرف رواتب للمقاتلين الإيزيديين وتقديم الدعم المالي واللوجستي لهم. بعد ثوران الشارع الإيزيدي وتدخل جهات عراقية ودولية في القضية، تمّ إطلاق سراح ششو الذي أعلن قبيل خروجه من المعتقل على الهواء مباشرةً عن "تنازله" لدعم "الحشد الشعبي"، مقترحاً على عناصره (لمن يريد) ب"الإلتحاق بصفوف البيشمركة والتسجيل لدى دوائر وزارتها والدوائر المعنية".
الآن وبعد مرور أكثر من سنة ونصف يصبح "الحشد الطائفي الخطر على الأمن القومي الكردستاني" "محررّاً ل"شنكال الكردستانية"، ويخرج "المسؤول الأول" في شنكال المعيّن بقرار من بارزاني مع قائد الحشد الشعبي لإلتقاط "صور تذكارية" معه ومع مقاتلي "الحشد الطائفي"، بحسب أدبيات كردستان الرسمية حتى وقتٍ قريب.
المشهد يختزل سؤالاً سبق وأشرت إليه مراراً: "لماذا حرّم ولا يزال بارزاني على الإيزيديين ما هو حلالٌ عليه؟"
"قوة حماية إيزيدخان" (قوة حماية شنكال سابقاً) رغم "تنازلها" عن دعم بغداد و"الحشد الشعبي" لها منذ أكثر من سنة ونصف، إلاّ أنها لم تحصل مقابل ذلك على أي شيء من هولير، ولم يفِ بارزاني بأي وعدٍ من تلك الوعود التي قطعها مع ششو. لم تكتفِ سلطات إقليم كردستان بمحاصرة هذه القوة الإيزيدية في زاوية ضيقة لقطع الإمدادات عنها فحسب، وإنما طبقّت على شنكال وأهلها حصاراً خانقاً لمنع حتى دخول المواد الغذائية والطبية إليها، إلا بصعوبة بالغة وبعد تدخلات ووساطات من هنا وهناك.
وصول معركة تحرير الموصل إلى مراحل متقدمة جداً، خصوصاً بعد وصول قوات "الحشد الشعبي" إلى شنكال وعزل الموصل عن كافة المحافظات العراقية وحصارها من جميع الجهات، سيغيّر الكثير من المشهد الإيزيدي، خصوصاً في شنكال.
بالرغم من تمركز قوات إيزيدية تابعة لحزب بارزاني (فرماندا شنكال) في الجهة الشمالية من جبل شنكال وبسط سيطرتها على جزء كبير من مجمّعات الشمال، إلا أن تمركز "وحدات حماية شنكال" و"وحدات حماية المرأة ـ شنكال"، إلى جانب قوات أخرى تابعة ل"العمال الكردستاني" في خانصور وشلو وسكينية وجدالة ومناطق أخرى حدودية محاذية للحدود السورية، بالإضافة إلى وجود "قوة حماية إيزيدخان" وتمركزها في شرفدين ونقاط أخرى في المجمعات الشمالية، كلّ ذلك يجعل الباب في شنكال مفتوحاً أمام جميع الإحتمالات، الأمر الذي يضع بارزاني أمام خبارات ضيقة.
توحّد هذه القوات الإيزيدية بمسمياتها المختلفة، راهناً، تحت "قيادة مشتركة" أمر مستبعد جداً، والسبب هو تدخل الأحزاب الكردية في شئونها بشكل مباشر وعدم إعطاء الفرصة للإيزيديين لإدارة أنفسهم بأنفسهم، الأمر الذي قد يحوّل شنكال في المستقبل إلى ساحة لتصفية حسابات حزبية قديمة جديدة.
مقابل "فرماندا شنكال" التي حسمت خيارها مع بارزاني بإعتبارها جزءاً من قوات "البيشمركة التابعة ل"الديمقراطي الكردستاني، حسمت "القوات الإيزيدية" التابعة ل"العمال الكردستاني" خيارها بترجيح كفّة بغداد على هولير، خصوصاً بعد تسجيل حوالي 1000 عنصر من "وحدات حماية شنكال" و"وحدات حماية المرأة ـ شنكال" على ملاك "هيئة الحشد الشعبي". تبقى "قوة حماية إيزيدخان" التي لم تحسم خيارها ما بين بغداد وهولير بعد.
أمام هذا المشهد الشنكالي تبدو الخيارات أمام بازاني ضيقة جداً، خصوصاً وأنّ "العمال الكردستاني" تحوّل في شنكال بعد الثالث من أغسطس 2014 إلى قوة لا يستهان بها، حيث أنّ الأخير استطاع خلال مدة قصيرة تجنيد حوالي 1000 إيزيدي ضمن قواته المسلحة والمموّلة رسمياً من الحكومة المركزية، فضلاً عن سيطرته على بعض المنافذ والمناطق الإستراتيجية على الحدود السورية العراقية واتخاذه من جبل شنكال ك"قنديل آخر" لتمركز وتحصّ معسكراته.
الأمور لن تعود إلى ما قبل الثالث من أغسطس 2014، ولن يعود حزب بارزاني إلى عهد "حكومة الأمر الواقع" في شنكال، هذه الحقيقة باتت واضحة، ويدركها بارزاني جيداً. بدون سياسة "خلط الأوراق" لن يبقى أمام بارزاني هامش كبير للعب بالورقة الإيزيدية. والأرجح سترتكز سياسة بارزاني في قادم شنكال والإيزيديين على مسارين أساسيين: الأول: دعم "بيشمركة عربية" من العشائر العربية في المنطقة، لإستخدامها ك"قوة سنية" تحت الطلب، لمواجهة "صعود الإيزيديين" في شنكال بعامة، و"العمال الكردستاني" بخاصة. الثاني: خلق "جبهة إيزيدية" لمواجهة أطماع "العمال الكردستاني" في شنكال.
وجود "العمال الكردستاني" وتمدده في إقليم كردستان بعامة وشنكال بخاصة بات يقلق بارزاني كثيراً، خصوصاً وأنّ أحد أهم ركائز علاقة الإقليم بتركيا تقوم على أساس "معادة العمال الكردستاني" وملاحقته ضمن أراضي كردستان العراق.
لتحقيق "جبهة إيزيدية" معادية ل"العمال الكردستاني" وإرضاء تركيا، التي سبق لها وحّذّرت الأول مرارً من مغبة تحويل شنكال إلى "قنديل أخرى"، لا بدّ لبارزاني من "دغدغة" مشاعر الرأي العام الإيزيدي واستمالة "قوة حماية إيزيدخان" لتحويلها إلى قوة تابعة ل"وزارة البيشمركة".
بعد مرور أكثر من سنة ونصف على وعوده التي قطعها مع ششو، سيسعى بارزاني على الأرجح لتقديم بعض "الإغراءات" ل"قوة حماية إيزيدخان" التي قد تُفهم لدى البعض على أنها "تنازلات" للظهور أمام الرأي العام بمظهر "حسن النية"، إلى حين إسقاطها ك"قوة إيزيدية مستقلة" في فخ التبعية ليس ل"وزارة البيشمركة" فحسب وإنما ل"الديمقراطي الكردستاني" وأجنداته السياسية أيضاً. الأمر الذي سيحوّل القضية الإيزيدية في شنكال والمناطق الأخرى من قضية شعب حُرم من حقوقه المشروعة إلى قضية "صراع حزبي مقيت" قديم جديد، بين "العمال الكردستاني" و"الديمقراطي الكردستاني"، لن يكون للإيزيدي فيه ناقة ولا جمل. بات معروفاً للجميع، للبعيد قبل القريب، أنّ المزاج الإيزيدي العام ليس في صالح بارزاني، خصوصاً بعد انسحاب كامل منظومة الدفاع الكردستانية من شنكال بدون أي مقاومة ما تسبب في ارتكاب عناصر "داعش" الإرهابية لأفظع جينوسايد بحق الإيزيديين في هذا القرن، ما أدى إلى توسيع الهوة وتعميق الشرخ وكسر جدار الثقة بين الطرفين. عليه فإنّ أي تقارب في هذا المنحى، وفي هذا الوقت بالذات خصوصاً بعد بلوغ معركة الموصل إلى مراحل متقدمة، بين طرف إيزيدي مثل "قوة حماية إيزيدخان" كسب شرعيته من الشارع الإيزيدي بإستقلاليته واستطاع أن ينأى بنفسه حتى الآن عن الصراعات الحزبية في شنكال، وبين وبارزاني وحزبه، بدون ضمانات حقيقية وإشراف جهات دولية، قد يؤدي إلى نتائج كارثية وإعادة القضية الإيزيدية إلى المربع الأول. ناهيكم عن أنّ ذلك سيؤدي إلى خلط كبير للأوراق وتحوّل الإيزيديين إلى حطب تأكله نار الصراعات الحزبية.
بعد تراجعه عن "خطاب بعشيقة" وفشله في الظهور بمظهر "رئيس كردستان القوي"، سيتوجه بارزاني قريباً جداً إلى شنكال، لإعادة بعض التوزان إلى خطابه، وزفّ "بشرى التحرير" للإيزيديين، كما فعلها منذ أكثر من سنة.
سيحمل بارزاني في كلمته لشنكال والشنكاليين ثلاث رسائل: واحدة للشعب الإيزيدي مفادها: "أنتم أكراد أصلاء.. وليس لكم خيار عدا كردستان، ومن يقول بغير ذلك عليه البحث عن جغرافيا بديلة.. قلنا لكم بأننا سنحرر شنكال وها نحن حررناها بجهود البيشمركة الأبطال، لتعود إلى حضن كردستان مرّة أخرى". وأخرى للعمال الكردستاني، ما معناها "شنكال لإقليم كردستان، عودوا من حيث أتيتم، فأعذر من أنذر". وثالثة للمكون السني الشنكالي مؤداها: أنتم أخوتنا.. داعش زائل ولكنكم باقون.. كردستان بيتكم.. من دخل دار أبي مسرور فهو آمن".
#هوشنك_بروكا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كردستان وسيناريو الإقتتال الإيزيدي الإيزيدي
-
-سيمون- بين نكاح الدين ونكاح السياسة
-
البارزاني و-ضيعة- كردستان
-
في -يوتوبيا- جوان حاجو الجميلة
-
في -انقلاب- عادل إمام على الإسلام
-
جامعة العرب وفرقة الأسد
-
ما وراء اغتيال المعارض الكردي المشعل تمو
-
الثورة حلالٌ أم حرام!؟
-
الإخوان المسلمون وجبة الخزنوي الليبرالية
-
النظام السوري: من تحرير الجولان إلى -تحرير- درعا
-
في هروب الأسد من التاريخ
-
خطاب الأسد، أول مسمارٍ في نعش عرشه
-
فلسطين -المدسوسة- في -الفتنة السورية-
-
وخرج الأكراد من مولد دمشق بدون حمّص
-
عندما يقطع الحزب أيادي الوطن
-
كردستان في القرآن!
-
شريعة الجَلد
-
عن بيتي الأجنبي وأشجاري المكتومة!
-
في -خرافة- صلاح بدرالدين
-
سيد القمني: من عقل العقل إلى عقل النقل!
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|