أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - نائل الطوخي - أن يصبح الجنود الإسرائيليين جنودنا, أبناءنا الوسيمين















المزيد.....

أن يصبح الجنود الإسرائيليين جنودنا, أبناءنا الوسيمين


نائل الطوخي

الحوار المتمدن-العدد: 1419 - 2006 / 1 / 3 - 09:21
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


تكتب الكاتبة اليهودية الإسرائيلية من أصل مصري, جاكلين كهنوف, في كتابها الصادر حديثا في إسرائيل "بين عالمين", و هو تجميع لمقالات قديمة كتبتها في الدورية الإسرائيلية "كيشيت", تكتب عن ذكرياتها في القاهرة التي ولدت فيها, تصف مشهدا محددا يخص اليهود في قاهرة الأربعينيات: "أحاطت مجموعة من الشباب بعربتنا المؤجرة. ضمتني أمي إليها بقوة. مد لي الشباب علما لوحت به و هتفت معهم "المصر المصري". فرحت, و كذلك هم فرحوا. لماذا إذن كانت أمي خائفة؟".
يثير هذا الكتاب تأملات ليس فقط حول حياة اليهود في مصر, و إنما كذلك حول الفرق الدقيق الفاصل بين العاطفي و السياسي. يفيض الكتاب حنينا لمصر. تسترجع الكاتبة مصر في أكثر من مقال في الكتاب. و تمتلئ حنقا على عائلتها التي كانت تحذرها من التصرف كما يتصرف الأهالي, و تردف: "بديهي أنني لم أكن أريد, لا أنا و لا أصدقائي, أن نتصرف كالأهالي, المقرفين, السود الصغار." و الأهالي المقرفون هم المصريون, الذين هتفت معهم الكاتبة "المصر المصري" بعربيتها الرديئة التي كانت تجهد نفسها لتركب عدة كلمات بها في جملة واحدة, غير أنها تردف: " و لكن عندما جاء الجنود البريطانيين للحديقة في وقت راحتهم عرفت أن الطلاب المصريين كانوا يتظاهرون ضدهم. و شعرت بأن جزءا مني ينتمي "للأهالي" و يؤيدهم, ضد البريطانيين". إذن شيء ما في داخل الكاتبة كان مؤهلا للانتماء إلى البيئة التي تعيش فيها ضد الاستعمار, ما الذي حدث إذن حتى يحدث هذا الانتقال من الميل لمعاداة الاستعمار إلى اختيار الإقامة في الدولة التي هي واحدة من أوضح مظاهر استعمار الشرق على يد الغرب "المتقدم"؟
في مقال بعنوان "تذكر مصر" تحكي الكاتبة عن رحلتها إلى قناة السويس بعد حرب 1967, و بعد أن كانت قد استقرت في إسرائيل بسنوات كثيرة. تصف المكان: (جنودنا الشباب, الوسيمون و الممتلئون بالحيوية, يركضون حولنا). تنتقل الكاتبة في الفقرة التالية على الفور إلى وصف غرفتها القديمة في القاهرة, إلى وصف الأهرام التي يرقد فيها الفراعنة, و تذكرها للزمن الذي (فسر فيه يوسف أحلام فرعون, و فرعون الآخر, الشرير الذي لم يعرف يوسف و الذي تحولت فيه مصر لبيت عبودية للعبرانيين. عبيدا كنا في مصر. العبرانيون, هكذا فكرت, هم من حملوا كتل الفحم الهائلة التي انتصبت على جانبي النيل, في مراكب منبسطة ذات أشرعة بيضاء عملاقة). هكذا تستولي إسرائيل على سيناء بقوتها العسكرية, و تستولي الكاتبة على تاريخ مصر لصالح الرواية العبرية بقوة ذكرياتها المتعاطفة مع مصر. ليس هذا فقط, بل إنها تعلن انتماءها الصريح, هي المصرية الأصل التي تزور سيناء المصرية الواقعة تحت سيطرة إسرائيل. تقول هي: (جنودنا), إشارة للجنود الإسرائيليين , و تحدد بسهولة لأي صف تنتمي.
تسرد الكاتبة فصولا مذهلة عن مصر, فصولا متعاطفة و تشكل بالقطع صوتاً آخر في إسرائيل, التي تحب شيطنة العالم العربي كله, غير أن الطريق التي تقطعها بين العاطفي و السياسي قصيرة جدا. تتحدث عن مصر و "الأرض الموعودة", إشارة لإسرائيل, التان تقعان خارج التاريخ, "ينتميان إلى الزمن السابق على التاريخ, عندما خلق الرب العالم من السرمد القديم. حتى المصريون لم يعرفوا, أو لم يتذكروا ماذا حدث للعبرانيين في مصر قبل أن ينشق البحر الأحمر و يحملهم موسى إلى صحراء سيناء. غير أننا, في عيد الفصح, من نتذكر هذا." هذا الزمن الأزلي الذي لا يتذكره أحد هو ما يساعد العبرانيين على بناء تاريخهم, على احتكار التاريخ لهم. بمعونة القوة العسكرية. "جنودنا" يقفون في ناحية. و يوسف يفسر أحلام فرعون في ناحية أخرى. و لأن هذا الزمن سرمدي, فهو عصي على الإثبات و الإقناع, هو زمن مقدس, هو زمن العهد القديم.
لا يمكن اختزال الكتاب في هذا البعد وحده, فجاكلين كهنوف تتحدث كثيرا عن التنوع الثقافي المطلوب لإسرائيل, و عن هوية إسرائيل البحر متوسطية, أي تخفف كثيرا من الطابع الاستعماري لإسرائيل و الذي يحب الإسرائيليون بمقتضاه رؤية أنفسهم كرسول الغرب المتقدم إلى الشرق البدائي, فهاهي تربط إسرائيل بالبحر المتوسط, أي بأسيا و أفريقيا و جنوب أوروبا, وليس بالولايات المتحدة و دول الشمال. حتى هنا, لا تبدو استنتاجاتها جذرية بما فيه الكفاية, فحرصها على التعددية الثقافية لم يمنعها من الإيمان بارتباط "الشعب اليهودي" الوثيق بأرضه, و تعلن أنه لا يكفي أن ينتج اليهود في "الشتات" أعمالا عالمية, مثل كافكا و فرويد و أينشتين و ماركس, و إنما على أعمال كتلك أن تتميز بيهوديتها وبعالميتها سويا. و هو ما لم يحدث على مدار التاريخ اليهودي في الشتات. لذا تصل إلى استنتاج صهيوني واضح: "لا تنتج حضارة كاملة إلا من خلال الصلة بين الشعب و بين أرضه". أي أنها تلغي كل اليهود في الخارج, ماركس و تشومسكي و دريدا و حنا أرندت و كافكا و فرويد, و تقرر كما فعلت الصهيونية أن فقط العودة للأرض المقدسة هي ما ستجعل اليهودي جديرا باسمه. لذا ليس من عجب في أن تقتبس كلمات المفكر الصهيوني ألبير مامي: "ليس إلا الحل القومي هو ما سيزيل صورة الشبح التي التصقت بنا, ليس إلا إسرائيل هي ما ستجعلنا شعبا من لحم و دم, ليس إلا حرية الشعب هي ما ستكون فرصة حقيقية لتطور ثقافته". لا مكان هنا للعلمانية, ليكون اليهود مواطنين فرنسيين أو ألمانا أو مصريين, حتى لو أدى تحرير "شعب" إلى حرق قرى شعب آخر, لا مكان هنا إلا لإبراز صفة اليهودي في بطاقة الهوية, هذا الإبراز الذي هو حجر الأساس في الصهيونية كما هو معلوم.
يربك هذا التأرجح بين التعاطف مع الشعوب الأخرى, و بين تبني الصهيونية, البعض من داخل إسرائيل. يكتب جيل هرأبين في يديعوت أحرونوت عن الكتاب: (حماسها فيما يخص العدل و المساواة يجعلها تنتمي إلى اليسار, غير أن حساسيتها بالنسبة للأسطورة, و حديثها عن "اكتمال الروح اليهودية" في أرض إسرائيل, يجعل هذا الانتماء صعبا). و بمناسبة حساسيتها بالنسبة للأسطورة, تكتب كهنوف بعد اجتياح الجيش الإسرائيلي لسيناء و الضفة الغربية محولة النصر العسكري الساحق لإسرائيل بالسلاح الأمريكي إلى قصة خيالية عن المعجزات: "وجدنا طريقا للانتقال من الزمن التاريخي النهائي إلى لا زمنية الأسطورة: بعد هذا النصر, الخارج عن المعتاد, ستعود الأسطورة مجددا إلى التاريخ". كان هذا هوسا لدى قطاع كبير جدا من الجمهور الإسرائيلي وقتها, عندما رؤوا الجنود العلمانيين يبكون أمام حائط المبكى فرحين بالنصر الذي حققه لهم الرب: نسيان البشر و تذكر الرب. تكتب كهنوف عن الأسطورة, أي عن الرب, لا عن "الأهالي" الذين وجدوا نفسهم مضطرين للجوء ثانية إلى بلاد محيطة, بدون أن تجد نفسها مضطرة للهتاف معهم هذه المرة كما فعلت في طفولتها, و إنما مع الصوت الذي اختارته بإرادتها الكاملة, الصوت الإسرائيلي.



#نائل_الطوخي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سؤال في هاآرتس: لماذا لا يكون المطرب محمد منير قد مجد الإرها ...
- حوار مع نائل الطوخي في السفير اللبنانية: كلمة السر عندي إربا ...
- تموت أمي فتحيا الكتابة
- كتاب إسرائيلي يرصد: تقاطع الذكورة و النزعة العسكرية الإسرائي ...
- مجلة ميتاعام الإسرائيلية.. التعاطف مع المعاناة الفلسطينية لم ...
- المسلمون و الأقباط.. من يملك الصوت المصري؟
- الطرف الأقصى للكابوس
- silence
- خفض إضاءة العالم
- سيدة السواد
- بمناسبة عدم حصوله على نوبل! أي حظ! لن نسمع دفاعا عن شارون يل ...
- ما لم يفعله وزير الثقافة المصري فاروق حسني.. سلطات تحتمي ببع ...
- هل هناك -هوية يهودية-؟ .. قراءة في مقالة للأديب الإسرائيلي أ ...
- خطايا فيروز الكبرى... لماذا لا يسمع المصريون فيروز
- سرير الجيش.. السرير المحمول
- إمكانية السرطان
- الأمن المركزي المصري.. القاهرة المتشحة بالسواد و جدار السجن ...
- إعلان حسني مبارك ترشحه لانتخابات الرئاسة..الإفلاس البليد لبا ...
- رواية مرآة 202 لمصطفى ذكري.. هوس البدايات غير المكتملة.. الت ...
- نوال علي و سوزان مبارك.. كيف تستخدم -نسوية- النساء في مظاهرا ...


المزيد.....




- وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق ...
- جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
- فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم ...
- رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
- وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل ...
- برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية ...
- الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في ...
- الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر ...
- سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة ...


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - نائل الطوخي - أن يصبح الجنود الإسرائيليين جنودنا, أبناءنا الوسيمين