أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - تامر البطراوي - حوار التنمية بين الشمال والجنوب بالعقدين الأول والثاني















المزيد.....

حوار التنمية بين الشمال والجنوب بالعقدين الأول والثاني


تامر البطراوي

الحوار المتمدن-العدد: 5351 - 2016 / 11 / 24 - 02:36
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


لقد تغيرت خريطة العلاقات الإقتصادية الدولية عقب إنتهاء الحرب العالمية الثانية ، والتي بدأت بمرحلة التخلص من الإستعمار الكولونيالي (من 1945 إلى 1960) والذي كان يتحكم بأدوات السلطة بالأسواق المُستعمرة ، وبنهاية الخمسينات كانت أغلب دول العالم الثالث قد نالت استقلالها وسارت في طريق التنمية ، إلا أن تجربة الخمسينات –بالنسبة للدول التي قد نالت استقلالها- لم تُسفر عن تحسن يُذكر فيما يتعلق بالأوضاع المجتمعية بالرغم من معدلات النمو التي شهدتها تلك الدول ، وقد فسرت التبعية ذلك الإخفاق بأن دول العالم الثالث لم تتحرر بشكل حقيقي علاقات استنزاف فوائضها ، وانتقلت من مرحلة التحكم العسكري إلى مرحلة التحكم بأدوات السوق الحُر ، واستمرت التبعية بدءً من عَقد التنمية الأول (الستينات) في التأكيد على ضرورة إعادة صياغة العلاقات الدولية بشكل أكثر عدالة طالما كان المجتمع الدولي يهدف إلى حل مشكلة الدول النامية بشكل جاد ، ففي عام 1965 ظهر بحث مشترك لكاردوسو –رئيس البرازيل لاحقاً- والتشيلي فاليتو قدم التبعية في إطار وظيفي كمجموعة من الأنساق التي تؤدي إلى العلاقات اللامتكافئة ، وفي عام 1968 دعا غوندر فرانك إلى قطع الدول النامية علاقاتها بالشركات الدولية ومتعددة القوميات والتي تمثل الرأسمالية العالمية والتي تعمل على استنزاف فوائض تلك الدول تعبئته خارج المحل القومي ومن ثم وتواصل تخلفها الإقتصادي فيما أطلق عليه بـ (تنمية التخلف) ، وبالسبعينات برزت إضافات المصريان سمير أمين (1973) وفؤاد مرسي (1974 ، 1984 ، 1990) لتؤكد تحول التبعية إلى أشكال جديدة تستمر معها العلاقات اللامتكافئة واستنزاف فوائض الدول النامية وضرورة التخطيط لتعديل مسار تلك العلاقات.
إلا أن تلك الفترة أيضًا -السبعينات- شهدت ظهور تيار جديد -بدول الشمال- مضاد للثورة على التبعية وهو تيار الإنفتاح ، فإذا كانت التبعية تدعو إلى الحماية والتخطيط فإن نظرية الإنفتاح على العكس من ذلك ، جاءت لتؤكد على حرية الأسواق والعلاقة ما بين النمو الإقتصادي والإنفتاح وتحرير العلاقات الإقتصادية الداخلية والخارجية ، كدراسة الكندي ماكينون (Ronald Ian McKinnon) (1973) والأمريكي إدوارد شو (Edward Shaw) (1973) والأمريكي شيرمان ربنسون (Sherman Robinson) واليابانية ميكو نيشميزو –والتي عملت كنائب لرئيس البنك الدولي حتى عام 2003- (Mieko Nishimizu) (1984) ، والمجري بيلا بلاشا (Béla Balassa) (1985) والأمريكي هوليس تشينري (Hollis Burnley Chenery) (1986) والأمريكي هوارد وباك (Howard Meade Pack) (1988) وغيرها من الدراسات.
لقد كانت الترجمة الواقعية لتلك الأدبيات ما عاصره المجتمع الدولي خلال فترة الستينات والسبعينات من محاولات إجراء حوار بين الشمال والجنوب للإتفاق على صياغة مشتركة لنظام عالمي جديد ، إلا أن تلك المحاولات لم تُسفر في الحقيقة عن أية نتائج جوهرية ، لقد بدأت تلك المحاولات مع الدورة السادسة عشرة للأمم المتحدة والتي أعلنت جمعيتها العامة بالجلسة المنعقدة في (19 ديسمبر 1961) مبدأ العمل على إقامة برنامج تعاوني اقتصادي دولي يأخذ بعين الاعتبار ضرورة تسريع التطوّر الاقتصادي باتجاه النمو الذاتي للإقتصادات النامية ، كما طالبت الدول الأعضاء بتسهيل إمكانية بيع سلع دول العالم النامي بأسعار مستقرّة ، وفي عام 1964 انعقد بجنيف مؤتمر الأمم المتحدة الأول للتجارة والتنمية أو ما يعرف بمنظمة الأونكتاد (UNCTAD) كهيئة حكومية دائمة معنية بمناقشة قضايا التنمية والتخلف وموالية للدول النامية ، لذلك كانت أهم القررات المؤيدة للدول النامية إنما تمت برعاية "الأونكتاد" التي عادة ما تعرف بمنظمة معاكسة لاتجاه منظمة "الجات" المدافعة عن مصالح الدول الغنية ، وقد أقرت الأونكتاد في دورتها الأولى مبادئ العلاقات التجارية الدولية (15 مبدأ عام و13 مبدأ متخصص) ، وفي عام 1968 انعقد مؤتمر الأونكتاد الثاني لدعم مقررات المؤتمر الأول.
وفي عام 1969 اقترح تقرير برنامج شركاء في التنمية (Partners in Development) والتابع للأمم المتحدة فكرة تقديم الدول الغنية نسبة 0.7 % من إجمالي ناتجها القومي للتنمية العالمية ودعم الدول النامية ، وقد قوبل ذلك الرقم بترحيب دولي واسع ، مما مهد لإصدار قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها الخامسة والعشرين عام 1970 رقم 2626 توصية للدول الدول الغنية بتقديم ما نسبته (0.7%) من دخلها القومي الإجمالي كمساعدة للدول النامية ، وبالرغم مما قدمته الدول الغنية من معونات إلا أن التزامها بتلك النسبة لم يأخذ حيز واسع من التطبيق الفعلي ، والسبب في ذلك أن إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة عن مشروع ما أو توصية والالتزام بتحقيقه أمران مختلفان ، فالجمعية العامة يمكنها الاقتراح والاعلان ، إلا أنها لا تتمتع بصلاحية فرض قراراتها على الدول الأعضاء ، خاصة ان هناك هوة بين موقف الدول الصناعية ودول العالم الثالث ولكن هل هذه النسبة قادرة فعلاً على تضييق الفجوة؟ ، إن كل فرد بالدول الغنية يقابله 6 أفراد بالدول الفقيرة ومتوسطة الدخل (وفقا لبيانات البنك الدولي) وذلك يعني أن 1% من دخل فرد غني سوف يتم توزيعه على 6 أفراد بالدول الفقيرة والمتوسطة ، أي في حالة التطبيق الفعلي لسياسة المعونات –ومفي حالة وصولها الفعلي لمستحقيها وتوزيعها بشكل عادل- فسيقوم كل فرد غني بدعم بدعم كل فرد محدود الدخل بنسبة 0.17% من دخله والذي يرتفع سنويا بمتوسط أعلى من 2% ، فهل هذه النسبة فعلاً قادرة على تضييق الفجوة بين العالمين؟.
بحلول السبعينات بدأ الحوار ما بين الدول المتقدمة والنامية أو ما بين دول الشمال والجنوب ينتقل إلى مرحلة جديدة أكثر جدية ومواجهة ، فمع صدمة نيكسون عام 1971 وانهيار نظام بريتون وودز ، ومناقشة الأونكتاد الثالث عام 1972 للعلاقات الاقتصادية الدولية ومسألة التراكم وتمويل التنمية والحد من تسرب رؤس الأموال من الدول النامية ، والثورة النفطية الأولى عام 1973 ، أدت تلك الأحداث إلى انتقال الحوار حول إقامة نظام اقتصادي دولي جديد إلى مرحلة أكثر مواجهة تحت شعار حوار الشمال والجنوب ، والتي بدأت مع وزير الخارجية الفرنسي ميشال جوبير في حكومة الرئيس جورج بومبيدو (1969 - 1974) بدعوة إلى الحوار العربي الأوروبي عقب حرب 1973 ، ثم إعلان الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان (1974 - 1981) الدعوة للحوار بين الشمال والجنوب عام 1974 ، وهو نفس العام (1974) الذي شهد إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها التاسعة والعشرين حول العمل على إقامة نظام عالمي على أساس من العدالة والمساواة "نحن نعلن عن قرارنا بالعمل على إقامة النظام العالمي على أساس من العدالة والمساواة والتكامل والمنفعة المشتركة والتعاون بين جميع الدول" ، وفي عام 1975 انعقد مؤتمر "الحوار بين الشمال والجنوب" بباريس -خارج أروقة الأمم المتحدة- بدعوة الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان (1974) –وعدم استحسان من الولايات المتحدة- وبحضور سبع وعشرين دولة ممثلة على المستوى الوزاري من الجانبين (الشمال والجنوب) تشكلت من (8 دول من منظمة التعاون الاقتصادي الاوروبي ، و6 دول من أميركا اللاتينية ، و6 دول من آسيا ، و7 دول من افريقيا) بهدف الإتفاق على إقرار نظام إقتصادي عالمي يقوم على أساس من العدالة والمساواة والتكامل ، وقد إستمرت المناقشات نحو عامين تمسك خلالها كل طرف بمواقفه الثابتة والمتعارضة مع الطرف الآخر وانتهت المناقشات إلى طريق مسدود ، وانعقد المؤتمر الوزاري الختامي (30 مايو و 2 يونيو من عام 1977) الذي تضمن بيانه الختامي أنّ الأطراف المجتمعة لم تتوصل إلى أي اتفاق حول عدد من الأمور والإجراءات (كتحديد الأسعار وتثبيت القوة الشرائية لموارد تصدير الطاقة، والتراكمات النفطية، والمساعدات المالية المتعلقة بحل مشاكل المدفوعات الخارجية للبلاد المستوردة للنفط وحول متابعة المشاورات والتبادل التجاري ولم يتوصل المؤتمر إلى أي اتفاق حول تسوية المشكلات المتعلقة بمديونية الدول النامية، والدخول إلى أسواق الدول المُصنّعة ، بالإضافة إلى أوضاع الشركات المتعددة الجنسية) ، ولعل السبب في فشل مفاوضات الشمال والجنوب كان غياب التكافؤ والتماثل في القدرات.
وفي عام 1979 شهد العالم الصدمة النفطية الثانية ، والتي حركت قضية حوار الشمال والجنوب من جديد لتتم مناقشتها هذه المرة داخل أروقة الأمم المتحدة ، كما ناقشها المؤتمر الخامس للأونكتاد (1979) والمنعقد في مانيلا بالفيليبين ، كما عقدت مجموعة الـ77 (الدول النامية بالأمم المتحدة) بعام 1982 مؤتمر كراكاس (فنزويلا) لوضع برنامج "التعاون الإقتصادي للدول النامية" ، وبالرغم من أنها نجحت في التجمع حول هدف إقامة نظام عالمي جديد وصياغة برنامج تعاوني ، إلا أنها لم تنجح في دفع الشمال للإستجابة لهذه المطالب والأهداف ، لقد تزامنت تلك الإخفاقات حول إيجاد صيغة اتفاق مشترك بين الشمال والجنوب مع أزمة الديون الخارجية للدول النامية بعام 1982 وإعلان بعض الدول النامية عدم قدرتها على دفع تلك الديون ، والتي صاحبها عدة ضغوط وتدخلات سياسية مما دى إلى عرقلة المفاوضات مرة أخرى ، وتواصلت حالة التخلف بالدول النامية والتي فسرتها التبعية بالعلاقات اللامتكافئة ، بينما فسرها السوق الحر بالتدخل المفرط للحكومة في الإقتصاد ، والتي أكدت على ضرورة تحرير الأسواق واتباع سياسة الخصخصة لتنمية الدول المتخلفة.


البطراوي، تامر (2016). أبحاث في الإقتصاد السياسي، مطبعة دار السلام: الطبعة الأولى، الأسكندرية.

Facebook: Tamer Elbatrawy
Email: [email protected]



#تامر_البطراوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرية التنمية الإقتصادية - الجزء الأول
- نظرية الثورة على التبعية للرأسمالية الإمبريالية: الإرهاصات ا ...
- قراءة أكرونولوجية للتحولات المفاهيمية للسببة التراكمية والدا ...
- روشتة مختصرة للخروج من الأزمة الإقتصادية المصرية الحالية
- ماكليلاند والدافعية للإنجاز.. دفع الهمم نحو التميز والتفوق و ...
- هايجن ورؤية ثقافية لتغيير المجتمعات النامية..
- الدرجة التحصيلية والإضافة العلمية ما بين النظرية والتطبيق وع ...
- ذِكرياتٍ فاحشة وآمالٍ لامُوحِشة
- السائحة (لا عفيف)..
- عاهرةٌ في حَيِّنا
- مقاربة أبستمولوجية
- الأصول النظرية لمفهوم العلم
- النظرية الإقتصادية الكلية مُقاربة تأصيلية
- المدرسة الإقتصادية للإسلاميون الجُدد
- مناقشة لبعض مواد الدستور المصري
- دستورية موضوع الهوية (دراسة مقارنة)
- الحُقبة الماركنتيلية الجذور السياسية والثقافية وانعكاساتها ع ...
- البكيني والحرب المُقدسة
- مقاربة أنطولوجية
- متى ظهر مصطلح الإقتصاد ومتى ظهر مصطلح الإقتصاد الإسلامي؟


المزيد.....




- سعر جرام الذهب عيار 21 اليوم الموافق 9 من نوفمبر 2024 “مش هن ...
- خطة واسعة لإصلاح الاقتصاد الأوروبي بعد انتخاب ترامب
- عملة البتكوين تواصل الصعود وتتجاوز الـ 77 ألف دولار
- فارق ضئيل فصل بين رودري وفينسيوس في تصويت الكرة الذهبية
- كيف يؤثر فوز ترامب على الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم؟
- بعد فوز ترامب.. قيمة تسلا تكسر حاجز تريليون دولار لأول مرة م ...
- بعد فوز ترامب.. وزير مالية اليابان يعد بالتدخل لكبح تراجع ال ...
- هذا ما قاله تركي آل الشيخ عن إنتاج جزء جديد من -مرايا- بعد ل ...
- نظرية الإدارة بالحجج.. الماهية والمعالجة
- لمواجهة ترامب الصين ترفع سقف ديون حكومات المقاطعات


المزيد.....

- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - تامر البطراوي - حوار التنمية بين الشمال والجنوب بالعقدين الأول والثاني