عدنان فرحان الجوراني
الحوار المتمدن-العدد: 5348 - 2016 / 11 / 21 - 23:14
المحور:
الادارة و الاقتصاد
يعد تقرير رأس المال البشري من التقارير المهمة عالميا ويصدره المنتدى الاقتصادي العالمي بشكل سنوي، وقد شمل تقرير هذا العام 130 دولة من دول العالم، وحسب التقرير فان رأس المال البشري يمكن تعريفه على أنه " المعرفة والمهارات التي تمكن الأفراد من تحقيق القيمة المضافة في الاقتصاد"، ويمكن اعتبار رأس المال البشري المورد الأكثر أهمية لتحديد استدامة النمو والتنمية الاقتصاديين على المدى الطويل، وهذا المورد يجب استثماره بالشكل الأمثل وزيادة مهاراته من أجل الحصول على أفضل عائد ممكن للأفراد أنفسهم وللاقتصاد ككل، لأن رأس المال البشري أمر بالغ الأهمية ليس فقط لإنتاجية المجتمع ولكن أيضا لعمل المؤسسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، فهم حالته الراهنة ومدى الطاقة والقدرة التي يتمتع بها أمر بالغ الأهمية إلى مجموعة واسعة من أصحاب القرار.
يسعى مؤشر رأس المال البشري ليكون بمثابة أداة لتوضيح مدى القدرة على احداث الانسجام بي كل من التعليم والعمل والقوى العاملة بشكل ديناميكي بحيث تكون مختلف الجهات المعنية قادرة على اتخاذ قرارات صحيحة. في عدد العام الماضي من تقرير رأس المال البشري تم التركيز على استكشاف العوامل التي تسهم في تطوير قوة عاملة متعلمة ومنتجة وصحية. وفي تقرير هذا العام تم التعمق في التحليل من خلال التركيز على عدد من القضايا الرئيسية التي يمكن أن تدعم وضع استراتيجية مستقبلية أفضل مكونة من سياسة التعليم وتخطيط القوى العاملة.
مشهد رأس المال البشري العالمي أصبح أكثر تعقيدا وتطورا من أي وقت مضى ويتغير بسرعة أكبر. فهناك حوالي 25,000 عامل جديد يدخل سوق العمل في العالم النامي كل يوم حتى عام 2020، وأكثر من 200 مليون شخص على مستوى العالم يستمرون عاطلين عن العمل. في الوقت نفسه هناك نقص متوقع بحوالي (50) مليون عامل من العمال ذوي المهارات العالية في السنوات العشر القادمة. ونحن أيضا ما زلنا نعيش في عالم حيث هناك 90 مليون طفل دون الوصول إلى المدارس الابتدائية، و 150 مليون طفل غير قادر على الذهاب إلى المدرسة الثانوية ومئات الملايين من الشباب الذين لا يستطيعون الذهاب إلى الجامعة، في حين أن العالم يشهد نقصا يقدر بأربعة ملايين معلم مؤهل سنويا.
يتوقع أن تكون هناك موجة جديدة من ثورة الابتكارات التقنية ستعمل على أحداث تغيير جذري في الصناعات وأسواق العمل في جميع أنحاء العالم على سبيل المثال، بعض من أسرع من تبنى الروبوتات الصناعية الآن هي الاقتصادات الناشئة مثل الصين وجمهورية كوريا. ومع يوم عمل على مدار 24 ساعة، فان فترة الاسترداد لرأس المال اصبحت الآن سنة ونصف في الصين، مقابل 10 سنوات منذ وقت ليس ببعيد. في حين أن بعض الدول مثل سنغافورة احتاجت الى 30 سنة للتطوير من خلال استراتيجية رفع مستوى المهارات المستمر عبر الصناعات التصديرية في سلاسل القيمة العالمية، فان الصين فعلت الشيء نفسه بنجاح على مدى السنوات ال 20 الماضية. دول في جنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى قد يكون لها نافذة لفرصة متبقية خلال السنوات العشر القادمة قبل أن يغلق باب التكنولوجيا بشكل دائم على هذه الاستراتيجيات.
في الوقت نفسه فان استخدام الإنترنت عبر الهاتف النقال في كل مكان قاد إلى نشوء سوق العمل العالمي الحقيقي لأول مرة. منصات المواهب الرقمية لديها القدرة على تمكين الملايين من العمال الفقراء والمهمشين للوصول إلى سوق العمل العالمية كما لم يحدث من قبل. المشهد الجديد لفرص العمل العالمية – حيث سوق العمل أصبح عالميا حتى لو لم يكن العمال كذلك- يمكن أن تخلق فرصا للبلدان النامية لتجاوز مراحل التطور التكنولوجي من خلال تزويد العاملين لديها بالمهارات المطلوبة للاستفادة بشكل مباشر من سوق العمل العالمي.
فوق كل ذلك أصبح الانتقال من التعليم إلى العمل محفوف بعدم اليقين في جميع أنحاء العالم. وهناك حاجة ملحة لكسر الفجوة بين وزارات العمل والتعليم، وبين التعليم العالمي ومفاوضات التوظيف التي تجري بين بعض دول العالم. مؤسسات الأعمال لها دور حاسم في تكثيف الاستثمار في التعليم، وذلك من خلال توضيح النتائج للمناهج الدراسية المطلوبة. وقد أصبحت الاقتصادات اليوم أكثر من أي وقت مضى قائمة على المعرفة، والعولمة، ولأننا ببساطة لا نعرف كيف سيبدو شكل وظائف المستقبل، هناك أيضا اعتراف متزايد بأن علينا إعداد الجيل القادم مع القدرات المعتمدة على التعليم التكنولوجي المستمر، اذ أن فكرة التعليم لمرة واحدة وتزويد الناس بالمهارة مدى الحياة من خلال التطوير والتأهيل المستمر هو شيء من الماضي.
مؤشر رأس المال البشري يتخد منهجا لقياس رأس المال البشري، من خلال تقييم مستويات التعليم والمهارات وفرص العمل المتاحة للناس في خمس مجموعات عمرية مختلفة، بدءا من سن 15 عاما إلى أكثر من 65 عاما. والهدف هو تقييم نتائج الاستثمارات السابقة والحالية في رأس المال البشري وتقديم نظرة ثاقبة لتوضيح كيف ستبدو قاعدة المواهب في بلد ما في المستقبل. ويوفر المؤشر تصنيفا للدول التي يشملها يسمح بعقد المقارنات الفعالة في مختلف المناطق وفئات الدخل. والقصد من وراء منهجية التصنيف العالمي لتكون بمثابة أساس لتحليل السلاسل الزمنية التي تسمح للدول لتتبع التقدم المحرز، نسبة إلى أدائها فضلا عن أداء الآخرين.
مؤشر رأس المال البشري هو من بين مجموعة من أدوات المعرفة التي يقدمها المنتدى الاقتصادي العالمي كجزء من نظام المبادرة في التعليم والنوع الاجتماعي والعمل. نظام المبادرة يقدم تحليلا ورؤى تركز على التنبؤ بالمستقبل من العمل والمهارات في مختلف البلدان والقطاعات الصناعية وكذلك أفضل الممارسات من الشركات التي تأخذ زمام المبادرة في معالجة ثغرات المهارات والفجوات بين الجنسين. كما يخلق نظام المبادرة الحوار والتعاون بين القطاعين العام والخاص في مجال التعليم والنوع الاجتماعي والعمل في عدة مناطق من العالم وداخل المجموعات الصناعية.
يصنف مؤشر رأس المال البشري 130 بلدا من حيث مدى قدرتهم على القيام بتطوير ونشر إمكانات رأس المال البشري. مؤشر تقييم مخرجات التعلم والتوظيف على مقياس من 0 (الأسوأ) إلى 100 (أفضل) عبر خمس مجموعات عمرية مختلفة لكل بلد وكما يأتي:
(0-14سنة) هذه المجموعة تشكل أصغر أفراد السكان الذين يشكل التعليم لديهم أهم العوامل الحاسمة.
(15- 24 سنة) في سن الشباب هذا فان عوامل مثل التعليم العالي والمهارات التي تستخدم في مكان العمل تشكل العوامل المهمة.
(25- 54 سنة) هؤلاء يشكلون الجزء الأكبر من قوة العمل، والذين أكملوا تعليمهم واكتسبوا المهارات المطلوبة.
( 55- 64 سنة) يشكل هؤلاء أبرز الأعضاء وأصحاب الخبرة في معظم القوى العاملة، والذين يتم تقييمهم من خلال استمرار مشاركتهم في العمل.
(65 سنة فأكثر)أعلى الناس عمرا في مجموع السكان والذين يتم تقييمهم من خلال استمرا فرص الحصول على عمل والصحة التي يتمتعون بها.
عدسة الأجيال تسلط الضوء على أنماط السن المحددة للإقصاء من سوق العمل والامكانات غير المستغلة لرأس المال البشري. في المجموع فان المؤشر يشمل 46 مؤشرا فرعيا. قيمة كل مؤشر تأتي من البيانات المتاحة للجمهور التي جمعتها المنظمات الدولية مثل منظمة العمل الدولية (ILO)؛ منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)؛ ومنظمة الصحة العالمية (WHO). وبالاضافة الى البيانات الموثقة، فان المؤشر يستخدم مجموعة محدودة من بيانات المسح النوعية (الاستبيان) من استطلاع آراء المدراء التنفيذيين للمنتدى الاقتصادي العالمي. هذه المنهجية تسمح بالمقارنات داخل البلد وكذلك بين البلدان المختلفة.
على المدى الطويل فان استثمار رأس المال البشري والتخطيط هو ليس أمرا حاسما على مستوى كل بلد على حدة فحسب بل على نحو متزايد يطالب القيادة السياسية على أعلى المستويات الدولية لتجاوز منافسة محصلتها صفر وإعداد القوى العاملة في العالم لمواجهة تحديات القرن ال21. قضايا مثل تنقل المواهب عالميا والدعوة الى الهجرة واتباع نهج منسق للحد من المخاطر وفتح باب الفرص للأفراد والاقتصادات ككل. العديد من أنظمة التعليم و معايير تطوير المهارات الوطنية تبقى دائما في المقام الأول في التوقعات المستقبلية لكل بلد. وعلاوة على ذلك، فإن الدول تعمل على تزويد السكان الشباب والبالغين سن العمل بالتعليم والمهارات اللازمة للثورة التقنية القادمة سوف تتطلب تعاونا دوليا أكبر من حصر القضية في قطاعات الصناعة والحدود. ويسعى مؤشر رأس المال البشري ليكون بمثابة أداة مرجعية لهذه الجهود بحيث يكون مختلف أصحاب القرار قادرين على اتخاذ قرارات سليمة.
وحسب منهجية التقرير فقد كان ترتيب الدول العشر الأولى في القائمة كما يلي:
1- فنلندا وسجلت قيمة المؤشر (85,86) نقطة.
2- النرويج وسجلت قيمة المؤشر (84,64) نقطة.
3- سويسرا وسجلت قيمة المؤشر (84,61) نقطة.
4- اليابان وسجلت قيمة المؤشر (83,44) نقطة.
5- السويد وسجلت قيمة المؤشر (83,29) نقطة.
6- نيوزيلندا وسجلت قيمة المؤشر (82,79) نقطة.
7- الدانمارك وسجلت قيمة المؤشر (82,47) نقطة.
8- هولندا وسجلت قيمة المؤشر (82,18) نقطة.
9- كندا وسجلت قيمة المؤشر (81,95) نقطة.
10- بلجيكا وسجلت قيمة المؤشر (81,59) نقطة.
وقد شمل المؤشر اثنا عشر دولة عربية، كان وضعها في المؤشر ضعيفا للغاية واحتلت البحرين المرتبة الأولى عربيا والسادسة والأربعين عالميا مسجلة (72,69) نقطة، وحلت قطر في المرتبة الثانية عربيا والسادسة والستون عالميا بمؤشر بلغ (68,64) نقطة، تلتها الامارات العربية المتحدة في المركز الثالث عربيا والتاسع والستون عالميا، ثم الأردن في المركز (81) عالميا ومصر في المركز (86) ثم السعودية (87) ثم الكويت بالمركز (97) والمغرب بالمركز (98)، وتونس بالمركز (101) ثم الجزائر بالمركز (117) ثم اليمن بالمركز قبل الأخير وموريتانيا في المركز (130) والأخير.
اذ قسمنا ترتيب المؤشر المكون من 130 دولة الى أربعة أرباع فان الدول التي احتلت المراكز من الأول الى (33) تعد ضمن الربع الأول وهذه ليست بينها أية دولة عربية، أما الدول التي احتلت المراكز من (34- 65) فتعد ضمن الربع الثاني وهذه بينها دولة واحدة فقط هي البحرين ، أما دول الربع الثالث فهي التي احتلت المراتب من (66- 98) وكان من بينها قطر والامارات ومصر والسعودية والكويت والمغرب، أما دول الربع الرابع والأخير فهي التي احتلت المراتب من (99-130) وهذه شملت تونس والجزائر واليمن وموريتانيا، أي أن كل الدول العربية التي شملها التقرير ما عدا البحرين جاء أداؤها أقل من المتوسط وهذه اشارة خطيرة الى عمق الأزمة التي يعيشها رأس المال البشري في العالم العربي من حيث تردي نوعية التعليم وكفاءة المؤسسات التعليمية وقدرتها على اتباع آخر التطورات العالمية في هذا المجال، فضلا عن التدني الكبير في عدد براءات الاختراع فلو جمعنا عدد براءات الاختراع لجميع الدول العربية خلال المدة (2010-2013) وعددها (2867)، فان اسرائيل وحدها وهي الأقل عددا لبراءات الاختراع بين الدول المتقدمة حققت حوالي مرتين ونصف ضعف هذا العدد في سنة (2013) فقط، ما يوضح حجم الهوة الشاسعة بين الدول العربية وبقية دول العالم المتقدم. وأن هذه الهوة بحاجة إلى جهد كبير ومتواصل في تدعيم البحث العلمي ومن خلال إعداد استراتيجيات للعلم والتكنولوجيا في الدول العربية في هذا المجال من أجل تقليصها.
كما تعاني مراكز البحوث العربية من ضعف البنى التحتية في مجالات البحث العلمي وهذا ما ينعكس سلبا على كفاءة وانتاجية الجامعات العربية في ذلك المجال. إذ تشير الدراسات إلى أن انتاجية عشرة باحثين عرب توازي انتاجية باحث واحد في المتوسط الدولي. هذا ويعد مؤشر متوسط عدد الباحثين الى اجمالي عدد السكان من المؤشرات التي تستخدم للإشارة الى اهتمام الدولة بالبحث العلمي. في العالم العربي وخلال المدة (2000-2014) بلغ متوسط عدد الباحثين لكل مليون شخص حوالي 398 باحثا وهذا على اعتبار ان حاملي شهادات الدكتوراه والمدرسين في الجامعات محسوبون كباحثين في حين بلغت تلك النسبة حوالي (6600) باحثا لكل مليون شخص في اسرائيل. و بلغ (5194) في اليابان. وبلغ (4087) في كوريا الجنوبية.
#عدنان_فرحان_الجوراني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟