|
عبد الحليم خدام: الفضيحة غير المتوقعة للنظام السوري
منذر خدام
الحوار المتمدن-العدد: 1419 - 2006 / 1 / 3 - 09:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أبى السيد عبد الحليم خدام، وهو السلطوي المزمن، وأحد كبار حيتان الفساد، واللصوصية في سورية، والمحافظ، والوزير، والنائب السابق لرئيس الجمهورية السورية، والعضو الدائم في القيادة السياسية، والبعثية في سورية لأكثر من خمس وثلاثين عاما، إلا أن يكون نجم الإعلام على مشارف أفول العام 2005، وقدوم العام 2006. لم يكن عبد الحليم خدام شخصا عاديا، وبالتالي لم يكن ما تحدث به، عاديا أيضا، بل أكاد أجزم أنه بتصريحاته التي أدلى بها إلى قناة العربية، قد "عكر" على القيادة السورية أمسية رأس السنة الجديدة، وربما أذهب النوم عن جفون الكثيرين من قيادات أجهزتها الأمنية، وغير الأمنية، لأيام وأيام تالية. خطورة تصريحات خدام بالنسبة للنظام السوري لا تأتي من كونها تكشف عمق الفساد المستشري في سورية، ولا حجم النهب الذي تعرض له السوريون، فهذه أمور يعرفها القاصي والداني في سورية، وكان خدام واحدا من الرموز البارزين على هذا الصعيد، بل كون تصريحاته جاءت في ظرف عصيب على القيادة السورية، كانت قد ظنت أنها تجاوزته، على الأقل لبعض الوقت، خصوصا بعد أن جاء تقرير المحقق الدولي في جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري، مخففا وغير قاطع في أي من محاور استقصاءاته السورية. وإذا كانت القيادة السورية قد وظفت جيدا لصالحها، فضيحة الشاهد محمد زهير الصديق، وكذلك الشاهد الذي تخلى عن قناعه، هسام هسام، فكيف سوف تتعامل مع الشاهد الجديد عبد الحليم خدام؟!!!. بالنسبة لنا السيد عبد الحليم خدام، هو وغيره، كان مكشوفا منذ عام 1970، وقد قلنا، في ذلك الحين، ونحن على مقعد الدراسة، وفي وجهه مباشرة كلاما يصف انتهازيته، وطموحه الشخصي الذي لن يقف به عند حد، حتى ولو تحول الوطن إلى خراب وأنقاض، وقد حوله، وزمرته من الفاسدين والمفسدين، حقيقة إلى ما يشبه ذلك. سورية للأسف مريضة منذ وقت طويل بمرض خبيث، متمثل في نظامها الأمني المخابراتي، لا تجدي معه أية علاجات إسعافية، بل جراحة دقيقة لا تبقي منه أية خلية. والجراحة هنا ليست سوى عملية واضحة، وشفافة، وممنهجة، تفضي إلى الانتقال من طراز الدولة الأمنية، إلى طراز الدولة الديمقراطية، بجهود جميع القوى الوطنية الديمقراطية في البلد، بما فيها انفتاحيو السلطة. ومنذ ما يقارب السنة، وكان السيد عبد الحليم خدام لا يزال في السلطة، وفي وظيفة نائب الرئيس، كتبنا مادة صحفية نحاوره فيها على خلفية محاضرته التي ألقاها في جامعة قطر. ومن جملة ما قلناه في تلك المقالة، أن السيد عبد الحليم خدام، وأمثاله، لا يحق لهم الحديث عن الديمقراطية، وعن ضرورة احترام خيارات الشعب السوري، بعد عقود من ممارسة القمع عليه، ونهب ثرواته، ولا يزال دوره في قمع، ما أصبح يعرف بربيع دمشق، حاضرا في ذاكرة السوريين جميعا، وأثاره لا تزال مستمرة من خلال وجود مجموعة من رموز ربيع دمشق في السجن، وفي مقدمتهم الصديق الدكتور عارف دليلة. إن ما صرح به السيد عبد الحليم خدام، كان من الممكن تجاهله، واعتباره خلاف في داخل بيت النظام، لولا خطورة ما قاله على مصالح سورية، ومصالح شعبها. حتى أن صديقا نصحني بعدم التعليق عليه، مستخدما عبارة " فخار يكسر بعضه "، غير أن هذا الفخار قد يتكسر فوق رؤوسنا جميعا، ويزعزع استقرار البلد، بل يهدد كيانه السياسي برمته، أجبت الصديق الحريص. إن خطورة كلام السيد خدام من منظور مصالح الشعب السوري، لا تكمن فقط في المعطيات التي قدمها، وتتعلق بخلق المناخ السياسي، وغير السياسي، الذي سبق جريمة اغتيال السيد الحريري، وهي معطيات سوف تكون بالتأكيد في خدمة التحقيق الدولي، وربما تفتح أبوابا على النظام، وعلى سورية يصعب إغلاقها لا حقا، إلا بثمن غال جدا من استقرار سورية ومصالحها، بل بكشفه لطريقة تعامل النظام السوري مع لبنان طيلة ثلاثة عقود، هذا من جهة، ولطريقة إدارة المصالح السياسية العليا لسورية، وكيفية اتخاذ القرارات المصيرية، من جهة ثانية. بطبيعة الحال لم يكن كل ما قاله السيد خدام على هذا الصعيد سرا، وإن كان أغلبه في دائرة عدم التأكد، فجاءت تصريحاته لتضعه في دائرة اليقين. السيد خدام يؤكد دور سورية المزعوم في خلق المناخ السياسي التحريضي، لجريمة اغتيال السيد رفيق الحريري، من خلال الكلام القاسي الذي قيل في حقه، ومن خلال الحملة الإعلامية الممنهجة، سوريا، ولبنانيا، لتسويد تاريخ الرجل، وهو المعروف بوطنيته وعروبته. ففي جواب عن سؤال مراسل العربية: "من قبل من أسمع الحريري الكلام القاسي؟" أجاب السيد خدام بلا تردد: "من قبل الرئيس بشار". وعندما سأله ثانية المراسل: "أين تكمن قساوته مثلا؟". أجبابه " أنت تريد أن تأتي برئيس لبنان، أنت تريد كذا، أنا لا أسمح لك سأسحق من يحاول أن يخرج عن قرارنا". بل ولم يفوت السيد خدام الإشارة إلى أن التهديد لم يكن تهديدا لفظيا فقط، بل أوحى بتجاوزه إلى التهديد بالقتل، من خلال قوله أن رستم غزالة كان يداعب مسدسه وهو يشتم الحريري..الخ. بطبيعة الحال لو كان ما تفوه به السيد خدام هو لخدمة كشف الحقيقة بجريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري، لكان ذلك مرحبا به من قبل الشعب السوري برمته، فهو لا يقل لهفة لمعرفة الحقيقة المتصلة بهذه الجريمة عن أي لبناني غيور على وطنه، ولو اقتصرت إيحاءات خدام على تورط بعض رموز الأجهزة الأمنية السورية، لتفهم السوريون ذلك، فهم قد اختبروا سطوة هذه الأجهزة قبل غيرهم، لكن المسألة تتجاوز تماما هذه الغرض، إلى غرض آخر، وهو توريط الرئاسة السورية بجريمة الاغتيال. لقد كان خدام جازما بأن ما من جهاز أمني في الدولة السورية يستطيع اتخاذ هكذا قرار بدون علم الرئاسة السورية، وأنه لم يكن يتوقع أن تغتال سورية الحريري..الخ. ويدرك السيد خدام أن توريط الرئاسة السورية بجريمة الاغتيال، في ظل هكذا نظام، كان قد صرف أغلب سنوات عمره في بنائه، وفي خدمته، يعني حكما أن من سوف يدفع الثمن هو سورية، هو الشعب السوري برمته!!. أي لعبة خطيرة يلعبها السيد خدام؟ الجواب عن هذا السؤال كان ينبغي الحصول عليه، ليس من خلال البيانات، والتحريض الإعلامي، أو من خلال ما قام به مجلس الشعب، بل من خلال استدعائه للمثول أمام لجنة التحقيق السورية للإدلاء بشهادته، خصوصا وقد صرح بمعلومات ذات صلة بجريمة اغتيال الحريري. وفي حال امتنع السيد خدام عن الحضور، عندئذ كان من الممكن استخدام الإجراءات الدولية المعروفة لاستدعائه، وفي حال تعزر ذلك، عندئذ كان يمكن اتخاذ العقوبات القانونية بحقه وفق الإجراءات القضائية السورية. للأسف فإن مثل هذا النمط من التفكير والتعامل يتطلب عقلا سياسيا، لا أمنيا، وهذا غير في فاعل في الوقت الراهن في سورية. لنتجاوز ما قال به خدام عن تورط محتمل للنظام السوري في جريمة اغتيال رفيق الحريري، إلى المسألة الأخرى التي تعنينا أكثر، والتي حكمت سورية طيلة العقود الماضية، والتي في حال استمرارها سوف تقود البلد إلى الكارثة، وهي تقوده فعلاً، أعني مسألة إدارة السياسة العليا في سورية، وكيفية اتخاذ القرارات المصيرية. على هذا الصعيد يمكن القول أن السيد خدام لم يكشف سراً، وهي مسألة معروفة في سورية وفي خارج سورية، وما تعاني منه البلد من ضعف ووهن، على مختلف الصعد، ليس سوى من نتائج ذلك. لا نريد بالطبع تفصيل القول به، فهو معروف كما ذكرنا، لكننا نريد أن نعيد الحديث، ونكرره مرات ومرات بلا ملل، حول المخارج، بل المخرج الوحيد المتاح، للخروج مما نحن فيه. وإذا كان السيد خدام قد قال الكثير من الحقائق في هذا المجال، بغض النظر عن " الباطل " الذي يريده، فإن ما تقول به المعارضة الوطنية الديمقراطية السورية، يمثل حقيقة المخرج الصحيح، أعني أنه هو الطريق الوحيد السالك للخروج من الأزمة الراهنة. تقول القوى الوطنية الديمقراطية، في إعلان دمشق، وفي بقية الإعلانات التي صدرت عنها، سواء إعلان حمص، أو إعلان البلازا، أو إعلان حلب، أو نداء لجنة العمل الوطني الديمقراطي في اللاذقية، وقبلها جميعها إعلان دير الزور..الخ، تقول أنه لا بديل عن الانتقال السلمي المتدرج الآمن من طراز الدولة الأمنية، إلى طراز الدولة السياسية الديمقراطية. وخير تفعل السلطة إذا بادرت بدون تأخير أو مماطلة، إلى إغلاق ملف السجن السياسي، وما يتصل به من إخلاء سبيل الموقوفين السياسيين جميعا، والسماح بعودة جميع المنفيين طوعا أو كرها إلى الوطن، وبعد ذلك المبادرة بالدعوة إلى ندوة حوار وطني شامل مع جميع القوى الوطني الديمقراطية السورية في الداخل والخارج، يمهد لعقد مؤتمر وطني شامل يضع التصورات الممكنة والمحتملة لإنقاذ سورية، ويرسم السياسات المناسبة، وتتحمل تنفيذها حكومة وحدة وطنية جامعة. لا يجوز التقليل من خطورة ما تحدث به السيد عبد الحليم خدام، على سورية الكيان السياسي، وعلى مصالح الشعب السوري، وعلى السلطة أن تقرأ الحدث بصورة صحيحة وتتعامل معه بجدية، ونأمل أن لا تنساق بعض القوى المعارضة بدوافع انتهازية، للتعامل مع تصريحات خدام من منطلق أنها لا تهدد سوى النظام وسلطته. الزمن يمر بسرعة وهو في غير صالح النظام أولا، وفي غير صالح سورية ثانيا، على الأقل في المدى المنظور، فهل عقلاء سورية يعكسون اتجاهه، ويزيدون في معامل استثماره، مزيدا من الحرية، والديمقراطية، وسلطة القانون، ومحاربة الفساد، و و و.... لتكون سورية أكثر منعة، وتقدما، وازدهارا، فهل نحن فاعلون؟!!
#منذر_خدام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سورية للجميع: هل الجميع فعلا لسورية؟
-
الاصلاح في سورية- ضروراته ومعيقاته
-
مساهمة في إعادة صياغة إعلان دمشق
-
الخطر الذي يواجه سورية قادم من أين؟
-
تقرير ميلتس: بوابة عبور خطرة جداً
-
سورية إلى أين؟
-
إعلان دمشق والمسؤولية الكبيرة
-
ما أفسدة دهر الاستبداد هل يصلحه عطاره الجديد؟!
-
في سبيل حوار رصين وهادئ
-
أدوات قديمة لا تصنع جديدا
-
نحو حزب بلا تاريخ- مرة اخرى
-
محددات السياسة الامريكية في الوطن العربي
-
وأخيرا عقد البعث مؤتمره
-
السوريون يكسرون القاعدة الذهبية لنظامهم
-
في سبيل مشروع وطني ديمقراطي لإنقاذ سورية
-
نحو حزب سياسي منفتح على المستقبل
-
مساهمة في نقد العقلية البعثية
-
الليبرالية وحذلقة المثقفين
-
بحث في طبيعة السلطة في سورية واحتمالات انفتاحها على العصر
-
حتى لا يخطئ أحد في قراءة التحركات الشعبية
المزيد.....
-
-قريب للغاية-.. مصدر يوضح لـCNN عن المفاوضات حول اتفاق وقف إ
...
-
سفارة إيران في أبوظبي تفند مزاعم ضلوع إيران في مقتل الحاخام
...
-
الدفاعات الجوية الروسية تتصدى لــ6 مسيرات أوكرانية في أجواء
...
-
-سقوط صاروخ بشكل مباشر وتصاعد الدخان-..-حزب الله- يعرض مشاهد
...
-
برلماني روسي: فرنسا تحتاج إلى الحرب في أوكرانيا لتسويق أسلحت
...
-
إعلام أوكراني: دوي صفارات الإنذار في 8 مقاطعات وسط انفجارات
...
-
بوليتيكو: إيلون ماسك يستطيع إقناع ترامب بتخصيص مليارات الدول
...
-
مصر.. غرق جزئي لسفينة بعد جنوحها في البحر الأحمر
-
بريطانيا.. عريضة تطالب باستقالة رئيس الوزراء
-
-ذا إيكونوميست-: كييف أكملت خطة التعبئة بنسبة الثلثين فقط
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|