أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - كاظم الواسطي - عندما يكون الموت مقدّرا في ذاكرة اللغة/قراءة في رواية( الارهابي) لديفيد معلوف















المزيد.....

عندما يكون الموت مقدّرا في ذاكرة اللغة/قراءة في رواية( الارهابي) لديفيد معلوف


كاظم الواسطي

الحوار المتمدن-العدد: 1419 - 2006 / 1 / 3 - 05:40
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


نحن ، نعرف القتل،فرديا،فعلا يعبّر عن احتقان الذات،بنوازع ، وانفعالات ، يصعب التحكم فيها عند الشروع بعملية التنفيذ . وعند عودة القاتل إلى عقله وهدوئه ،ينتابه الوهن ، وفي أحيان كثيرة ، الندم والخوف من عواقب فعله،بين الجماعةأوالمجتمع الذي يعيش فيه ، والاستحقاقات القانونية المترتبة على ذلك .
ونحن، نعرف أيضا ، أن هكذا قاتل، يظل يحوم حول مكان جريمته ، ويرتبط،بدافع الخوف ،مع أثر ما ، قد يكون تركه في ذلك المكان ، يدلّ على هويته . ولأنه قاتل منفرد ، فان الوسيلة الوحيدة ، المضمونة ، للتحقق من تداعيات ما حصل بعد تنفيذ عملية القتل ، تمر عبره ، هو نفسه . من هنا ،فان الشك ، والريبة،وخشية افتضاح أمره ، تجعله عرضة للأوهام..أو الانهيار .
وفي رواية ديفيد معلوف ( الإرهابي ) أو ( ملعبة طفل) – كما ورد في العنوان الفرعي- نصادف قاتلا من نمط مختلف ، ليس في ذاكرتنا تصوّر مسبق عن نوعه، ولا عن طريقة تعاطيه مع ما سيقوم به . فعلى الرغم من معرفته ، بأن من سيقوم بقتله ، هو كاتب كبير، وشخصية معروفة في المجتمع ، فان ذلك لم يمنعه من الذهاب إلى مكان طفولته ، متجولا بين أشجار الكمثري والتفاح والزيتون،خائضا في الجدول المثلج ، ومداعبا أثلام الحجر بأنامل تجذّر فيها الإحساس،وتذكار الطفولة،قبل النطق والمنطق . كل شئ يحيط به له نكهة خاصة ، ابتداء من رائحة الروث ، إلى ضوء الخريف المشبّع برائحة التفاح . حتى أن طعم التفاح نفسه ، كان ، بالنسبة له، يشبه
( قضم الشمس) ، بل هو التهام لمستقبل يشع في داخله ، أملا بالنجاة من مهمة القتل المرتقبة : كان يفكر بعقد لاستئجار دار لتسع وتسعين سنة . ولم يظهر عليه ، أثناء تواجده في مكان الطفولة ذاك ، أيّ تقاطع سيكولوجي أو قيّمي مع ما ينتظره هناك، في ساحة الموت..قرب كنيسة سانت أوغستينو .
لقد حرص المؤلف على إبقاء بطل روايته بلا اسم ، أو هوية محددة ،كما لو أنه أراد بذلك ،أن يحافظ على أمنه الشخصي، وعدم السماح للقارئ بالاختراق السهل لعالمه،
واكتشاف الجانب الآخر من شخصيته الخفيّة ، حيث عناصر قوتها،في تلك الرغبات والومضات الخاطفة، التي لا يمكن الإمساك بها ، بسهولة، في أجواء الرواية العبقة بالغموض، ومناخها المشحون بالأحاسيس .
فبين فضاء ريفي مفتوح على ذكريات الطفولة وأحلامها ، وغرفة نوم ( ليست أوسع من خزانة ملابس ) ولا أفضل من جحر فأر، في مدينة نائية، وشبه مجهولة- هكذا فهمت جغرافيتها، وربما الأمر، جزء من نجاح المؤلف ، في إطلاق شهيتنا للتأويل وفائض الإحساس، على صفحات نثره الجميل ، بين تلك الأجواء الواضحة التباين والاختلاف ،تشكّلت شخصية( إرهابي) ديفيد معلوف ،ضمن الأسابيع الستة التي كان يُعد فيها ، من قبل المنظمة السرية ، لتنفيذ مهمة اغتيال الكاتب . وكانت الكنيسة،قرب ساحة القتل، مجرد صورة فوتوغرافية في ملف قضيته ، يستعين بها على تحديد الاتجاهات ،واختيار المكان المناسب لإطلاق النار، وتسهيل فراره ، بعد العملية،من هناك..لا أكثر .
هو لايجد نفسه إرهابيا إلا بتسمية الصحف فقط ، وفيها تتخذ الجريمة حقيقتها في أذهان الناس ، كونها مرّوعة وبشعة . وخارج ذلك ، هو شخص مستأجر لعمل محدد
وعليه أن يتميز بدقة الأداء والتنفيذ لأمر منظمة، تحمي أفرادها بمستلزمات احتراف عالية الدقة، تضمن له، أن يمارس حياته ، بشكل اعتيادي ، كما هي حال الآخرين في أيّ وظيفة أخرى : يحتسي القهوة صباحا، في مكتبه، ويدرس بعناية موضوع ملف الحادث القادم ، ويتقيد بنمط معّين من العلاقات، وتصبح أخلاقه جزءا من أخلاق الجماعة التي يعمل معها . وهو بهذا ، لا يعتبر نفسه قاتلا، بصفة نهائية ومطلقة،بل هو أيضا ( رياضيا ، متزلجا على الهمالايا ، طيار مسافات طويلة مثل لندبرج ) .
وهو مثلهم ، يحتفل بملذات الطبيعة والحياة ، بعد اجتياز تمرين ناجح .أو هو، بحسب تعبير المترجم ، الشاعر سعدي يوسف ( ليس نابولونيا . ليس راسكولينيكوف بالطبع، وهو يهزأ بثوريي القرن التاسع عشر الذين يحرّمون على أنفسهم الكحول والنساء وحتى التبغ ) .
ففي زمن تتشظى فيه مكونات الحياة والمجتمع ، وتتنوع الاختصاصات والجماعات والمفاهيم ، لن يكون هناك مكانا ، لبطل منتصر، أو مذنب مثقل بالخطايا . ويصبح الانتماء لجماعة صغيرة ، أو فرصة عمل ، وإن كانت طارئة، جزءا من هوية ، في فراغ يلتهم من لا هوية أو عمل له . إن ما يقوم به هذا ( الإرهابي) ، ليس بدافع مبادئ عليا لها علاقة بالسماء ، ولا بدافع البحث عن حياة أفضل ، بل (باسم الشوارع ذاتها ، عادية، غنيّة بفوضاها ) والتي سيعود إليها حال انتهاء مهمته .
إن مخيلة ديفيد معلوف ، بعد كل هذا ، قد أبدعت موضوعا صادما لتصورنا الآخر، حيث القاتل متماسك الأحاسيس، بوعي لا يكف عن إضاءتها، بذاكرة هادئة، تتداخل في حياة الكاتب- الضحية، والقراءة المتميزة لمؤلفاته، بطريقة، تسّوغ اختياره لقرار القتل، واعتباره امتدادا لقدر سعى إليه الكاتب، منذ كتابته لإحدى رواياته القصيرة، التي تصف اغتيال بروفوسور من قبل أحد الشباب ،( ألقى نظرة سريعة استغرقت نفق حياته، ورآني، في خطف اللحظة ، أقف أمامه والمسدس في يدي ، لكن ليس أنا تماما . بل هو مثيل لي ،مؤذن بي ) . أو منذ موت ابنه في حادث إطلاق نار، لأنه لايملك ( خدعته الخاصة)، مثل أبيه . وعذاب ابنته الصغرى، التي تدخل إحدى مصحات جبال الألب . وقد تكون خدعته الخاصة نفسها ، التي تمنحه قوة ومناعة، وتتخذ في مخّيلة الآخرين حقيقة لا يملكون القدرة على مقاومة أبخرتها السامة . فهو كاتب له رؤيته ، الممتزجة بخياله الخاص، للحرب ، والرعب الكامل لجيل أقحم في حقائقها المرّة . فكان كل ذلك كل ذلك ( الانفتاح المستسلم لدمار الأشياء ) من حوله . حيث ماتت زوجته ، وتفرّق أصدقاءه ومجايليه، أو ماتوا ، وبقت صورته، بعد ذلك، قوية ، وحاضرة في واقع مختلف، سمّاه ( الوحش المقدس ) .
ربما كل ذلك، مجرد تداعيات لعدمية جديدة ، بدأت تشكّل أسلوبا مميزا في حياتنا، ووجودا ضاغطا على أفكارنا ، وخيالنا ، بشكل ، يصعب تجاهل إمداداتها في المجتمعات الحديثة ،والتي أرادت بعض القوى- سلطات مستبدة ،منظمات إرهابية،
عصابات جريمة منظمة – أن تكون لهما أصول ، ومبادئ وظيفة إدارية ، تتماثل مع باقي وظائف المجتمع . أو كما يقول ( الإرهابي) ( كون هذا الحدث قتلا ، فالأمر لا يهم . ثمّت مشاجرات ،وحوادث طرق... ثمّت موت . الشيء الهام ألا ترى الحدث المنفرد معزولا ) .
يثير عنوان الرواية الرئيسي ( الإرهابي)، تأويلا ، ومعنى محدد ، في ذهن المتلقي، اليوم ، وخاصة الذي يعيش في مجتمعات مازالت دون الطور الأول من آليات الحضارة ، وتعقيداتها السلوكية ، وأقل بأطوار ، من مكوّنات مجتمعات التقانة الحديثة . وإن الإرهاب يحتل ، في الوقت الحاضر- رغم أن الرواية قد كتبت قبل أحداث أيلول 2001- مساحة واسعة في حياتنا ، وله انعكاس مشوّه واحد في مرايا أفكارنا ، وأرواحنا ، قد يبعد المتلقي عن الحقول الدلالية الأخرى في باطن النص الروائي ، والتي أراد معلوف أن يخفي جواهره ، المصنوعة من معانٍ مختلفة ، وراءها . وحيث المتعة الحقيقة ، تكمن بالكشف عنها ، في قراءات متنوعة لهذه الرواية ، لا قراءة واحدة .
للعنوان ، في النص الأدبي ، تأثير ، ونفوذ ، على مخيّلة القارئ ، ومغامراته القرائية لسبر أغوار النص ، وكشف دلالاته الأبعد . فلو كان عنوان الرواية الرئيسي ( ملعبة طفل ) ، لأصبح دخول القارئ إلى عالم الرواية مختلفا ، حيث الاهتمام بالتفاصيل الأخرى ، خارج انتظار المشهد الرئيسي المرتقب بذهنية تعرف معنى محدّدا له،أكثر إشغالا لذهنه ومخيّلته ، ولصار لتلك التفاصيل إيقاعا آخر : مثل ، استجابته لاستغاثة العجوز في المصعد ، ودخوله إلى شقتها ذات الأجواء الغريبة ، حيث أقفاص الطيور المنتشرة في كل مكان ، والساعات الكثيرة المعلّقة على الجدران . سلوك وتصرفات الأشخاص المقيمين معه في مكتب دراسة ملفات العمليات القادمة . والأكثر من كل ذلك ،طبيعة العلاقة التي يقيمها مع تفاصيل حياة الكاتب- الضحية ، عبر قراءته المتميزة ، لمؤلفاته وأفكاره ، للخروج بمحصلة ، ذات دلالة عميقة في نفسه ، تلغي الحد الفاصل بين الجريمة والعقاب ..( ألائم نفسي ، لأمسي أخيرا إحدى شخصياته التي يتمثل دورها في وضع هذا الإبداع التخيلي عند أذنيه ، وتقديمه إليه مع نهايته انه أمر أفعله لنفسي ، ولكن أود أن أعتقد بأني أفعله من أجله أيضا ) .
وبذلك يتوصل إلى قناعة ذاتية ، بأن ما سيقوم به ، إنما هو فعل خارج حياته الاعتيادية ، واستجابة لنداء ينطلق من أعماق لغة الكاتب نفسه ، مثلما هو مقرر في داخله ، ضمن زمكان محدّد . وهنا يأخذ القتل منحى نوعيا جديدا . ويصبح ما يرتكبه ضد الكاتب ، نوعا من ( جرائم لغة ) تكون للكلمات فيها ، حروبا تتفجّر في دواخلنا .
إن قراءة ( الإرهابي) لإحدى روايات الكاتب ( العمل يتقدم) ، و اعتبار بطلها صورة في مرآته ، يخشى أن يصنع الكاتب نهاية له ، لأنها قد تكون نهايته هو أيضا . لذا فأن وضع نهاية لحياة الكاتب ، هو نوع من حرية التحكّم بحياته . ولن يعود لسيكولوجية القتل ، بعد كل هذا ، امتداد في حياته القادمة . ويأمل أن يعود ، يوما ،إلى الساحة التي نفّذ فيها عملية قتل الكاتب ، برفقة زوجة و أطفال وحياة هانئة . وحين خرج من ساحة الموت تلك ، لم تكن هنالك عقوبة تنتظره ، بل ( أشجار تفاح تتألق تحت شمس الأصيل ) والسير بأمان ( تحت البراعم المبكّرة



#كاظم_الواسطي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متى يصل مغني القيثارة إلى مسرحه؟.
- ثقافة الإعلامي العربي: بين واقع الصورة وسلطة الفكرة
- إشكاليات المثقف النخبوي


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - كاظم الواسطي - عندما يكون الموت مقدّرا في ذاكرة اللغة/قراءة في رواية( الارهابي) لديفيد معلوف