أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خالد الحروب - الإسلامويون و-فكرة الدولة-: توتر الواقع، قصور الخيال















المزيد.....

الإسلامويون و-فكرة الدولة-: توتر الواقع، قصور الخيال


خالد الحروب

الحوار المتمدن-العدد: 5348 - 2016 / 11 / 20 - 00:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



تنقل الاكاديمية المصرية هبة رؤوف عزت المتعمقة في تأمل حالة وفكر الإسلامويين العرب النقاش حول "فكرة الدولة" في فكر ومقاربات وممارسات هؤلاء إلى مساحات جديدة مهمة تستحق التوقف عندها. في كتابها "الخيال السياسي للإسلاميين: ما قبل الدولة وما بعدها" تبحث عزت في "آفاق المعنى"، او غيابه في جدل الإسلاميين حول الدولة، وتحاول إستكشاف اية "خرائط تفكير" في مجلة "المنار الجديد" بكونها منبرا ومساحة مُميزة جمعت ما يمكن اعتباره "افكار ورؤى جديدة" لاصوات عديدة من الإسلاميين المعاصرين، ثم تحلل "ما وراء الخطاب" وتفكك مرجعيات المقاربات الاسلاموية التي تراها في معظمها حداثية كسولة قبل ما جاءت به "الدولة الحديثة" من شكل ووظائف ومفاهيم. تقف هبة عزت على أنقاض ذلك التفكيك الذي اكتشفت عبره هشاشة وغياب اصلانية اية افكار متماسكة إزاء "فكرة الدولة" عند الإسلامويين، فتكتشف مسألة اخرى ربما اكثر خطورة ووعورة وهي قصور خيال الاسلامويين وربما اضمحاله في سياق طرح مستقبلات بديلة، او رؤى مغايرة ل "دولة الحداثة" التي تتبنى هبة رؤية نقدية ما بعد حداثية ضدها وتراها دولة صارمة مُتحكمة في الفرد، متحالفة مع عولمة رأسمالية، وذات ثقوب سوداء.
نقدْ عزت للإسلاميين لا يأتي من زاوية عدم تواؤمهم مع الحداثة السياسية ومع فكرة الدولة وإنما من الزاوية المعاكسة تماماً، اي من تماهيهم مع الحداثة السياسية وقبولهم دولتها كما هي. هي تقول: "... نزعم ان كثيرا من خطاب الإسلاميين هو ليبرالي رأسمالي في جوهره ومتسربل بالديباجة الدينية، يسعى إلى الأسلمة بتنقية الهياكل من ظواهرها الرأسمالية من دون نقض لها وإعادة تأسيس هياكل اقتصادية وسياسية وإدارية مؤسسة على بنيان الإسلام وفلسفته في العمران التي تقوم على العدل وشراكة الناس في مقومات الحياة". وهذا ما توصلت إليه الكاتبة من تحليل الإنتاج الفكري الذي قدمته مجلة "المنار الجديد" التي اسسها اسلاميون عام 1998 بأمل استئناف ما انتجته "منار" محمد رشيد رضا في الثلث الاول من القرن العشرين. لكن هذا النقد ينطبق ايضاً على الكتاب نفسه الذي ينطلق من منظور "اسلامي حركي" وكاتبته والافكار السجالية فيه تنتمي إلى فضاء الإسلاميين العام. فالكتاب في مجمله العام، وكما هي كتب عديدة قاربت القصور الإسلاموي في تقديم "نظرية سياسية عن الدولة"، او "ما بعد الدولة"، تتوقف عند التفكيك والنقد ولا تنجح في تقديم معالم ولو اولية لبدائل حقيقية عن "دولة الحداثة". ومرفوض ايضاً التبرير الخجول الذي تورده هبه بالإشارة إلى ان "... مناخ الهيمنة وبيئة المواجهة ليست المناخ الامثل للإجتهاد العميق ..."، بل ربما بالعكس تماماً، اي ان الإجتهاد العميق، شأنه شأن الإتيان بالافكار الخلاقة، لا يتحقق إلا بالتحدي الذي يفرضه مناخ المواجهة وبيئات المواجهة، مواجهة الواقع وسلطاته، ومحاولة تغييرهما، فضلا عن عدمية انتظار اي زمن يكون خالٍ من المواجهة والتحدي حتى يتطور الإجتهاد فيه بترف ودعة!
يبقى ان مسألة قصور الخيال الإسلاموي وفشل الفكر والتنظير عن تقديم "بديل" عن الدولة الحديثة تظل النقطة الأجدر بالنقاش والتي تقول نتيجتها وببساطة كبيرة لكن ثقيلة الوطأة انه لا بديل حقيقي حالياً وعملياً عن فكرة الدولة الحديثة، وأن كل السجالات التي تحاول نقضها، والمنطلقة في جوهرها من منظور ما بعد حداثي ناقم عليها، لم تقدم لحد الآن وفي مهدها الغربي المعمق ابتداءً، فضلا عن استيراداتها الشرقية المشوهة، اي بديل حقيقي يمكن ان يقف على قدمين صلبتين. لكن هذا لا يعني عماء وعدمية وعدم جدوى النقد ما بعد الحداثي لفكرة "الدولة" وتغولها في كثير من الاحيان. بل إن بقاء هذا النقد وتجدده ضروري كضرورة الدولة ذاتها، لأنها يظل كاشفاً لشراهتها للتسلط والتحكم، ويضطرها للتراجع تحت ضغط ترسيخ ما هو مدني فيها وحولها، وتكريس وتوسيع الفضاء العام للناس الذي يحاصر الأوجه المحتملة لتمدد غطرستها. النقد ما بعد الحداثي للدولة يقلم اوجه تغولها ويحفظ سمتهاالوظائفية والخدمية ما امكن، مع التنازل لها عن اوجه لا يمكن لها الحياة من دونها مثل الإستئثار بإستخدام القوة والسيادة والتنظيم الإداري وتنظيم العلاقات الدولية وغيرها. البديل الراهن والمُتخيل شبه الوحيد للدولة في الزمن الراهن وفي الزمن المُستقبلي الذي يمكن التنبوء به هو التذري لأشكال ما قبل الدولة مثل القبيلة والطائفة والجهوية وامثلة ذلك في الدول الفاشلة او المنهارة، والبديل الآخر هو الإندماجات ما بعد القومية التي غالباً ما قد تتم عبر القوة والإحتلال في مسار قد يعيد انتاج حقبة الامبرطوريات الاستعمارية بشكل مختلف. ربما يُرى في هذا التقدير اختصار وإغلاق ل "الخيال السياسي" لكنه ليس كذلك لأنه تقدير مبني على ما هو قائم وليس على تمنيات اليوتوبيا.
مشكلة كثير من الكتاب الإسلاميين المهجوسين بتقديم بديل او بدائل عن الدولة او النظرية السياسية الحديثة السائدة هو ان "الخيال السياسي" ينطلق من نصوص دينية نظرية، او تخيلات لنظرية اسلامية قائمة على "العدل والعمران ومشاركة الناس في مقومات الحياة"، وهي تخيلات لم تجد لها ترجمة في واقع المسلمين على مدار اكثر من اربعة عشر قرناً. مشكلة ذلك الخيال انه لا ينطلق من التجربة التاريخية المريرة لتسيس "إسلامي" واقعي خلال الحقب الاعرض من زمن المسلمين، حيث لم تعكس ممارسات الحكم الاسلامي في الجغرافية الاسلامية الشاسعة سوى تمثلات "دولتيه" تحتل فيها الدولة، والسلطان، والخليفة، ومؤسساتها، ما تحتله الدوله الحديثة في ايامنا هذه. صحيح ان ثمة فروقات عديدة يمكن رصدها، فلقائل ان يقول مثلا ان "الوقف" الاسلامي كان يمثل المجتمع المدني، وان "الشورى" كانت هي اداة الحكم، وسوى ذلك من سجالات مكرورة، لكن جوهر "الدولة" هو ذاته، والسلطة هي ذاتها، و"النموذج الاسلامي" التاريخي في السياسة لم يقدم لنا سوى شكل من اشكال "الدولة الحديثة" التي نراها اليوم، لكن مع غياب مكون الديموقراطية والمحاسبة بمعناها الحديث. وهكذا يتورط النقد الإسلاموي للدولة الحديثة في مغالطة ابستمولوجية وهي محاولة نقض وتفكيك لمشروع عملي قائم، الدولة الحديثة، ومقارنته بمشروع خيالي غير قائم، ويهرب من عقد مقارنة "تاريخ تجربة الدولة الاسلامية" ب "بواقع وتجربة الدولة الحديثة" بأمل التقاط عناصر تستثير خيالاً راهنا يقدم بديلاً مستقبلياً يقوم على مقاربة واقعية وليس نظرية خيالية.
اقتربت هبة عزت كثيراً من التقاط هذه النقطة وترسيمها لكن سرعان ما انتقلت لغيرها بسبب الإستجعال في النص وعدم الإسهاب الكافي في المعالجة. ففي سياقتوظيفها النظري لمناهج التحليل "التفسيري" (الهيرمنيوطيقي)، والمورفولوجي، والتفكيكي،تتساءل عن النقطة التي يتواصل فيها الخطاب (الاسلامي هنا) مع جذوره القديمة وكيفية وزمانية تفاعله "مع انساق مناقضة له بالإستبطان والتلبس تأثرا ربما بقوتها الواقعية كنماذج متحققة فعلا ومهيمنة، او متى ينطلق عند تأسيس مشروعيته من مناقضة السائد محض مناقضة". وهنا تكمن بالضبط النقطة الاساسية التي كان اجدر بالكاتبة التأمل فيها والتوقف عندها ملياً وهي ان ضغط الواقع العملي ونجاحه على الضد من المفهوم الغائي المثالي، من خلال تكرس فكرة الدولة هنا، هو الذي دفع ويدفع الإسلاميين وغيرهم في ثقافات اخرى إلى إعادة تشكيل مفاهيمهم الاصلية واخضاعها لهذا الواقع (مورفولوجياً)، اي واقع الدولة. لماذا تترسخ "دولة الحداثة، ليس فقط وسط ديار المسلمين بل وايضا وبظافرية كبيرة في الصين والهند وغيرها من حضارات وثقافات كانت سابقة للحداثة زمناً وتاريخاً؟
وفي التأمل في فكرة الدولة الحديثة تقصر الكاتبة الدولة وصفها لها بكونها الدولة الصارمة المُستبدة الطاحنة للأفراد والمسيطرة على الفضاء العام والموجهة للمجتمع والمسيطرة على الدين والمؤممة لكل ما من شأنه ان يترك مساحة لحريات الافراد ومسؤوليتهم العامة. لكن هذا التعريف لا يصف إلا الدولة الستالينية وشبيهاتها (والدولة العربية بتنويعاتها وهي الدولة التي تقف خلف رؤية وتعريفات المؤلفة). لكن ثمة دولة اخرى لا تتسم بنفس الصرامة ولا التوحش، وهي دولة "الحد الأدنى"، ودولة الناس والافراد والحريات، دولة تحرير المساحات للافراد وافكارهم واديانهم وليس احتلالها، كما هي نماذج الدولة الاسكندنافية. اين تقع هذه الدولة في مقاربة المؤلفة، وهي تنطبق عليها صفات التوحش ايضا؟

اتجه الإسلاميون العرب إلى السياسة ولم يتجهوا إلى التجديد والتفكير وإبتكار خيال جديد، كما تجادل الكاتبة، يؤهلهم للعب دور إنساني على مستوى العالم. لكن ما تتردد هبة عزت في استنتاجه هو تجذر غياب الخيال عند الإسلاميين في قصور مصادر المعرفية الاصلية وعدم صلاحيتها لمواجهة وطأة العالم المضطرد اتساعاً وبشرا ومفاهيماً، بدولته الحديثة ام بدونها. انكشف الفقر الفكري والنموذجي لنظريات التسيس الديني البدائية وتوقفها عن مد العالم الفائر بالجدة والتجديد والمندرج في سيرورة لا تتوقف من التحولات الهائلة والكبرى سياسياً واجتماعيا ودولتيا. وبسبب قصور الإمكانيات على مستوى الفكر والنموذج لخلق وتفصيل سياسة ومعنى جديدين فقد تبدت "السياسة" كما هي معروضة من قبل "الدولة الحديثة" ومطروحة من قبل الافكار والنماذج الاخرى ميداناً شبه وحيد والاكثر إغراء للإنخراط فيها بكل قوة من قبل الاسلاميين، اي قبول اللعب في ملعب "الخصم" بالنسبة لهم، وبحسب قواعد الملعب التي فرضتها "الدولة الحديثة" التي انتجها الغرب، "الخصم والحكم". بتعبير اكثر وضوحاً واقل دبلوماسية، يمكن القول ان "النزعة السياسوية" التي سيطرت على الإسلاميين كانت بشكل ما هروبية واضحة تتفادى مواجهة الحقيقة الكارثية الفاضحة وهي الإفلاس الفكري في تقديم ما هو جديد.



#خالد_الحروب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسطينيات -عائشة عودة-: الساعيات نحو الشمس!
- كيف نتفادى الحرب العالميّة في منطقتنا؟
- ماذا رأى ابراهيم نصر الله فوق قمة كليمنجارو؟
- -نكبة- الرواية الفلسطينية بين التحسر المدمر والثورة
- اغتيال ناهض حتر ... داعشيتنا الكامنة!
- أسماءُ نسائنا: -الشرف السمج- ... والقيعان المتلاحقة!
- «سيد قطب» متخفياً في كتاب «استحالة الدولة الإسلامية» (١ ...
- الحق في عدم التدين .. بين المواطنة والدعشنة الكامنة
- الإرهاب المُنتسب للدين: سؤالان صريحان ومواجهة!
- بريطانيا: شعبوية صادمة ... ثم تعود لاوروبا!
- الإنقسام الفلسطيني: هل تكرس سيناريو -قبرص الغزاوية-؟
- سنغافورة ... لماذا نجحت وفشل العرب؟
- «النهضة التونسية» وتحولاتها: دمقرطة إسلامية جديدة؟
- صادق خان: تجديد التعددية الثقافية وتصحيحها
- طرابيشي.. مثقف المروءة
- «الإخوان المسلمون»: مقاربات القطبيّة والتطرّف
- بروفايل «الفلسطيني العادي» ... خليط الأزمنة والهويات
- هل يستقيل عباس ويقلب أوسلو على صانعيه؟
- رحيل فاطمة المرنيسي سندبادة فاس المعولمة (٢ من ٢ ...
- رحيل فاطمة المرنيسي سندبادة فاس المعولمة (١ من ٢ ...


المزيد.....




- هكذا أعادت المقاومة الإسلامية الوحش الصهيوني الى حظيرته
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة-إيفن مناحم-بصلية ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تعلن استهداف مستوطنة كتسرين بصلية ...
- المواجهات الطائفية تتجدد في شمال غربي باكستان بعد انهيار اله ...
- الإمارات تشكر دولة ساعدتها على توقيف -قتلة الحاخام اليهودي- ...
- أحمد التوفيق: وزير الأوقاف المغربي يثير الجدل بتصريح حول الإ ...
- -حباد- حركة يهودية نشأت بروسيا البيضاء وتحولت إلى حركة عالمي ...
- شاهد.. جنود إسرائيليون يسخرون من تقاليد مسيحية داخل كنيسة بل ...
- -المغرب بلد علماني-.. تصريح لوزير الشؤون الإسلامية يثير جدلا ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف حيفا ومحيطها برشقة صاروخي ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خالد الحروب - الإسلامويون و-فكرة الدولة-: توتر الواقع، قصور الخيال