|
سانتا كلوز المصرى ... دماء فوق العشب فى حديقة المهندسين
هشام الطوخى
الحوار المتمدن-العدد: 1418 - 2006 / 1 / 2 - 12:03
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
" تتكلم فى أحلامنا أحياناً .... أصوات خفية حبيبة ... أصوات أولئك الذين ماتوا ، أو اولئك الذين هم بالنسبة الينا ضائعون كالموتى ...." كفافيس
الزمان : الساعة الثالثة من فجر 30 ديسمبر كانون الأول 2005 .... موسم الأعياد ..
الأجواء : مشبعة برائحة المحبة وأنفاس السلام ... ذكرى ميلاد السيد المسيح .. فقاعات من نور ملون تتهيأ للانطلاق الى عنان السماء .. نفوس تسعى للتسامى .. ألحان ترش أمنيات للتفاؤل .. تباشير عام جديد .. طقوس تتجهز لتداعب فرحة الأطفال على شفاههم البريئة .. حلوى ..أراجيح تشتاق الى يوم الأضحى .. عرفات ويوم العيد ..
المكان : ميدان مصطفى محمود .. حى المهندسين .. أحد أرقى أحياء القاهرة .. مصر المحروسة بعناية الله ومحبة شعبها الصابر .. أمام المفوضية العليا لللاجئين التابعة للأمم المتحدة .
الحدث: مذبحة .
تمهيد : أربعة ملايين من بؤساء البشر .. سودانيون .. سود البشرة .. مسيحيون ومسلمون ..مشردون ..لا يمتلكون سوى أرواحاً يائسة .. هاربة من حرب استمرت لأكثر من واحد و عشرين عاماً بين حكومة الخرطوم وجيش الحركة الشعبية لتحرير السودان ، ينضم اليهم مؤخراً مليونان من اقليم دارفور الواقع فى غرب السودان ... ليكون المجموع ستة ملايين من البشر الجنوبيين و الغربيين المشردين الهاربين من الموت .
فى التاسع والعشرين من سبتمبر أيلول 2005 يتقدم حوالى 2500 لاجئ منهم الى المفوضية العليا للاجئين بالقاهرة التابعة للأمم المتحدة - وهو مكتب اقليمى مسئول بمقتضى اتفاقية 1951 وبروتوكول 1967 الخاصين بحقوق اللاجئين عن تسجيل الحالات الواردة اليه بطريق شرعى أو غير شرعى ، تطلب حق اللجوء السياسى لاحدى الدول - ليقوم بترتيب سفرهم بعد تسجيلهم الى الدول التى يرغبونها أو التى تقبل استقبالهم .
سيناريو الأحداث : يطالب اللاجئون المفوضية بتسجيلهم وترتيب لجوئهم السياسى الى دول غربية توفر لهم حياة تعترف بانسانيتهم وتضمن لهم السلامة والمأوى والطعام والرعاية الطبية ، ترفض المفوضية ، وتقرر عدم منحهم اللجوء لدولة ثالثة بحجة التوصل الى اتفاقية سلام بين الخرطوم والجنوب ، وتطالبهم بالعودة الى المناطق التى فروا منها . يصر اللاجئون على مطالبهم ويعتصمون فى حديقة ميدان مصطفى محمود الذى يطل عليه مكتب المفوضية .
تمضى الأيام وتزداد المفوضية تمسكاً بقرارها .
يعلن دامتيو ديسالينى مساعد الممثل الاقليمى للمفوضية : " لم نر تحركاً ولذلك ليس هناك ما يمكن عمله أو قوله .. الرسالة التى تلقيناها من المحتجين هى أنهم لا يقبلون بغير التوطين خارج مصر ، ليس من الممكن ببساطة أن يطالبوا بالذهاب الى الولايات المتحدة أو كندا لمجرد أنهم لا يفضلون العيش فى مصر .. ان الأمر متروك للحكومة المصرية لايجاد حل للمشكلة ... ".
وتمضى الأسابيع والشهور والمفوضية تزداد اصراراً على قرارها ، وتنتظر من الحكومة المصرية حل المشكلة ، ويستمر اللاجئون فى اعتصامهم فى الحديقة الجميلة الواقعة فى الحى الراقى .
ألفان وخمسمائة من البشر .. رجال ونساء وأطفال .. بلا مأوى أو طعام أو رعاية صحية ... يشكل بعض الرجال منهم مجموعة تنتشر فى الشوارع القريبة لتسول الطعام ، ورغم ذلك يسقط منهم بعض الضعفاء .. يقتلهم الجوع وانعدام الدواء .. والمفوضية تنتظر من الحكومة المصرية حلاً للمشكلة !
تتنبه منظمات المجتمع المدنى وناشطو حقوق الانسان للمشكلة ، ويطالبون المفوضية والحكومة المصرية بالوفاء بواجباتهما تجاه هؤلاء التعساء ، ويدعو أيمن نور من سجنه حركة كفاية والناشطين السياسيين للتضامن معهم . وتصمت الأحزاب المصرية ما عدا حزبى الغد والتجمع ، وتصمت جماعة الاخوان المسلمين !
أخيراً يتحدث السيد أحمد أبو الغيط وزير الخارجية المصرية .. يقول : " بعد اتفاقية نيفاشا الوضع مستقر ، وقد قرر المكتب عدم التجاوب مع مطالب اللاجئين المعتصمين ، وأن مصر كدولة مضيفة قررت التعامل مع المشكلة بحكمة وهدوء ..." .
ويعود ليضيف : " ان منظر هؤلاء اللاجئين فى الحديقة بميدان مصطفى محمود يسيئ الى هؤلاء اللاجئين ويسيئ للمفوضية ويسيئ للشعب المصرى المضياف " ! .. ، " وأن أحد الحلول المقترحة بعد تفريغ الميدان من هؤلاء اللاجئين هو نقل المفوضية الى خارج القاهرة ، لأن هذا الأمر قد يتكرر بعد عام أو اثنين نتيجة لمشكلة أخرى .."!!
أحمد أبو الغيط وزير الخارجية المصرى - وهو ليس وزيراً للداخلية - يرى أن المشكلة هى أن منظر هؤلاء اللاجئين البائسين السود الفقراء المعتصمين فى الحديقة الجميلة بميدان مصطفى محمود فى حى المهندسن الراقى يسيئ الى سمعة مصر ، ويقترح حلاً لعدم تكرار المشكلة يتمثل فى نقل مكتب المفوضية الى خارج القاهرة !
فى الساعة الثالثة من فجر الجمعة الموافق 30 ديسمبر 2005 ، وبينما يرقد اللاجئون على عشب الحديقة .. يحتمون من برد الشتاء بأكياس النايلون يفتح رجال الشرطة المصريون مدافع المياة تجاههم ، وتهاجمهم قوات مكافحة الشغب - المحتمية بالدروع - بالهراوات والعصى ... ، يتدافع اللاجئون فى حالة من الهلع والذعر ، ويقذفون رجال الشرطة بالحجارة !
ستة آلاف من جنود الشرطة يسحلون اللاجئين المحطمين بالهراوات الى أتوبيسات النقل العام التابعة لوزارة النقل والمواصلات ، و تنقلهم الى ليمان طرة !!
فى الساعة الخامسة من فجر نفس اليوم ، وبعد ساعتين من بدء الأحداث يلف السكون المكان ، ولا يوجد فوق العشب الا أكياس النايلون ، وحقائب صغيرة ، وبقايا أطعمة ، وأوراق هوية ... ، و25 جثة !!
الضحايا : 25 قتيل سودانى أسود فقير بينهم الطفل محمد عوض عبد الرحمن عمره عامين والطفل مصطفى عوض عبد الرحمن عمره عام واحد !!
بعد ساعات يعلن المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيريس في بيان له أنه " ليس هناك مبرر لمثل هذا العنف والخسارة في الأرواح " !!
ويذيع التليفزيون المصرى فى نشرة أخباره أن المفوضية العليا لللاجئين التابعة للأمم المتحدة تقرر حق مصر فى فض اعتصام اللاجئين !!
ويعلن المستشار الرئاسي السوداني محجوب فضل في تصريحات نقلتها وكالة أنباء الشرق الاوسط إلى أنه " من حق الحكومة المصرية أن تعيد النظام وتفرض هيبتها ، كما هو حق كل سلطة في السيادة على أرضها ، ومن حقها أن تفض الاعتصام الذي نظمه اللاجئون السودانيون " !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!.
ويصدر بيان عن حركة الاخوان المسلمين يقول : " يدين الإخوان المسلمون أسلوب القسوة الشديدة الذي استخدمته قوات الأمن المصرية في إخلاء مخيمات اللاجئين السودانيين من أبناء الجنوب والذي أدى إلى وفاة خمسة وعشرين شخصًا من الرجال والأطفال ، فضلاً عن الجرحى والمصابين ... ويقدِّم الإخوان المسلمون خالص العزاء لشعب وادي النيل وللحكومة السودانية " !!!
النهاية .....................
تهنئة : نتقدم الى ... السيد أحمد أبو الغيط والسيد حبيب العادلى على الثقة الغالية ، واعادة تعيين الأول وزيراً للخارجية والثانى للداخلية فى حكومة السيد أحمد نظيف بناءاً على قرار السيد رئيس الجمهورية رقم 424 الصادر بتاريخ 30 ديسمبر 2005 !!
اهداء : نهدى للشعب المصرى هذا المقطع من قصيدة " المدينة " لكفافيس : " لا تأمل فى بقاع أخرى .... ما من سفين من أجلك ، وما من سبيل ... وما دمت قد خربت حياتك هنا ، فى هذا الركن الصغير ، فهى خراب أينما كنت فى الوجود ... "
#هشام_الطوخى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نص الاعلان العالمى لحقوق الانسان ... هل يمكن أن نتبناه ؟
-
نص كلمة د / نصر حامد ابو زيد فى الجمعية الفلسفية المصرية - ا
...
-
امبراطورية الاخوان : تعبيد الناس والثورة على العالم
-
الزرقاويون فى شارع ليبسيوس : بين رسائل البنا وقطب ورسالة الع
...
-
الوهابيون عند حصن بابليون و الميكيافيلليون يتصارعون حول زعام
...
-
المجاذيب
-
العبور الى المستقبل ... الطريق الى حافة الجسر
-
الزرنيخ
-
أهل الكهف
-
انتخابات عصر التحنيط
-
المصريون : شرعية الحاكم المقدس
-
العقل الأبوى : موت العقل العربى
-
نحن والتطرف : الصمت شريعتنا والمجد للصامتين
المزيد.....
-
مزارع يجد نفسه بمواجهة نمر سيبيري عدائي.. شاهد مصيره وما فعل
...
-
متأثرا وحابسا دموعه.. السيسي يرد على نصيحة -هون على نفسك- بح
...
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف على أطراف م
...
-
السيسي يطلب نصيحة من متحدث الجيش المصري
-
مذكرات الجنائية الدولية: -حضيض أخلاقي لإسرائيل- – هآرتس
-
فرض طوق أمني حول السفارة الأمريكية في لندن والشرطة تنفذ تفجي
...
-
الكرملين: رسالة بوتين للغرب الليلة الماضية مفادها أن أي قرار
...
-
لندن وباريس تتعهدان بمواصلة دعم أوكرانيا رغم ضربة -أوريشنيك-
...
-
-الذعر- يخيم على الصفحات الأولى للصحف الغربية
-
بيان تضامني: من أجل إطلاق سراح الناشط إسماعيل الغزاوي
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|