مسعود عكو
الحوار المتمدن-العدد: 1418 - 2006 / 1 / 2 - 09:14
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
كالصاعقة؛ كان وقع مقابلة عبد الحليم خدام نائب رئيس الجمهورية العربية السورية, على كل هرم الحكم في سورية, عندما ظهر في مقابلة بثتها قناة العربية الفضائية في خبر عاجل سمي "انشقاق خدام" وأسرد في هذه المقابلة نقاط كثيرة هامة, وخطيرة تعزز فرضيات تقرير لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري, وتفتح سجلات كثيرة, وكبيرة في قضايا الفساد, والسرقة, ونهب المال العام.
انتسب خدام إلى حزب البعث بعد وصول الحزب إلى السلطة في آذار 1963, ثم عين محافظاً لحماة, ثم القنيطرة, ثم محافظاً لدمشق عام 1967، ووزيراً للاقتصاد والتجارة الخارجية 1969, وبعد "الحركة التصحيحية" التي قام بها الرئيس الراحل حافظ الأسد عام 1970، عين خدام وزيراً للخارجية, ونائباً لرئيس الوزراء, ثم نائباً لرئيس الجمهورية عام 1984.
عبد الحليم خدام الذي ظل مرافقاً للرئيس الراحل حافظ الأسد منذ بداية حياته السياسية, والذي برز نشاطه في حزب البعث عام 1969 عندما تحالف مع الأسد الأب, واستمر في تحالف قوي معه, ولعب دوراً سياسياً بارزاً عندما كان يمسك بالملف اللبناني, وبعد سقوط نظام صدام حسين, وبروز علاقته المتينة مع زعماء عشائر عراقية فضلاً عن الدور الأبرز على صعيد الحياة السياسية داخل سوريا.
على صعيد الحياة السياسية الداخلية كانت أبرز القرارات التي اتخذها خدام هي تلك التي جاءت بعد رحيل الرئيس حافظ الأسد عندما عين خدام رئيساً لسورية لمدة 37 يوماً باعتباره النائب الأول للرئيس إلى أن تولى الرئيس بشار الأسد سدة الحكم, حيث بقي خدام نائباً له, وأصدر خدام القانون رقم /9/ تاريخ 11/6/2000 القاضي بتعديل المادة 83 من الدستور التي تحدد عمر المرشح لرئاسة الجمهورية بإتمامه الرابعة, والثلاثين من عمره.
وقام بترقية العقيد الركن بشار الأسد إلى رتبة الفريق ليصار بعد ذلك إلى توليه منصب القائد العام للجيش, والقوات المسلحة, وبقي عبد الحليم خدام متمسكا بقيادة حزب البعث "للدولة, والمجتمع" حيث أكد أن المادة الثامنة من الدستور السوري, والتي تنص على أن حزب البعث هو قائد الدولة, والمجتمع "ستبقى قبل المؤتمر القُطري العاشر, وبعده" موضحا أن "من يطمح لتغييرها عليه أن يحقق أكثرية برلمانية, ويعدل الدستور".
خدام أمسك بالملف اللبناني خلال فترة تربعه على رأس الدبلوماسية السورية بين 1970- 1984, وأسس علاقات قوية مع شخصيات لبنانية بارزة منها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري, وقد جمعها لقاء مشترك قبل 10 أيام على اغتيال الحريري, وذلك عندما كان خدام يجري فحوصات طبية في مستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت.
بعد اندلاع الحرب اللبنانية كون الرئيس الراحل حافظ الأسد فريقا لمتابعة الوضع في لبنان كان في عضويته عبد الحليم خدام, والذي لعب دوراً في التوصل إلى اتفاق الطائف عام 1989, وعندما تعرض الرئيس الأسد لعارض صحي, ودخل مستشفى الشامي عام 1983 شكل لجنة سداسية لإدارة الشؤون الداخلية, والخارجية كان فيها خدام, وعبد الله الأحمر, وزهير مشارقة, وآخرين.
عقب سقوط النظام البعثي في العراق برز دور آخر لنائب الرئيس عبد الحليم خدام على الساحة العراقية, وذلك من خلال صلاته, وعلاقاته القوية بشيوخ عشائر عراقية، وبدا ذلك بوضوح تام عندما كانت وفود العشائر تزور سوريا, وتلتقي خدام قبل أن تلتقي مع أية جهات حكومية أخرى.
أنهى حياته الحزبية, والسياسية بعد أن حكم سوريا 37 يوماً, وكان الرجل الثاني في حزب البعث بعد الرئيس الراحل حافظ الأسد فجّر نائب الرئيس عبد الحليم خدام مفاجأة المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث بإعلانه تقديم استقالته من مناصبه في الحزب, والسلطة.
القنبلة السياسية الأقوى التي فجرها خدام في مقابلته مع قناة العربية, والتي هي أشبه بشهادة حقيقية على الحقبة السورية في لبنان بالإضافة إلى تقديمه تورط سورية في اغتيال الحريري على طبق من ذهب إلى اللجنة الدولية, وأمريكا, وبريطانيا, وفرنسا تلك الأطراف التي تجمع مع الأغلبية اللبنانية بتورطها في هذه الجريمة, ومن المفارقة أن خدام لم يتكلم إلا بعد هذه الفترة الطويلة من اغتيال الحريري حيث اختار باريس ملاذاً أمناً له, ولأولاده, وأمواله بعد أن قام بتصفية كافة أموره في سورية من أملاك, وأموال, وعقارات ناهيك عن القصور في بلودان, ودمشق وبانياس مسقط رأسه, وميناء خاص به كما أعلن أحد أعضاء مجلس الشعب السوري ناهيك عن المحال التجارية التي يمتلكها أبناءه في أفخر الأسواق الشامية.
خدام الذي نهب بكل تأكيد من أموال هذا الشعب كأي مسؤول أخر فاسد لا يسقط بهذا الاعتراف التهمة عنه كونه كان في موضع المسؤولية, وعلى رأس الهرم الحكومي في هذه الدولة طيلة عقود عدة, والتراجيديا التي أطلقها حول عيش نصف سكان سورية تحت خط الفقر, وتناول السوريين للقمامة كلام صحيح مائة في المائة لكن؟ لماذا لم يحاول خدام إزالته هذه الوذمات, والأورام الخبيثة في هذا الجسد الذي كان رأسه يوماً من الأيام؟
كل ما أورده خدام حول الغنى الفاحش للمسؤولين السوريين هو عين الصواب, ولكن لماذا لم يسأل خدام نفسه من أين له أن يملك قصوراً من دمشق إلى باريس, واختياره العيش في فرنسا ألا تتطلب المعيشة فيها ملايين الدولارات؟ وعندما يكون أحد الموظفين يتوفى عن ثروة تقدر بأربعة مليارات دولارات, وأخر عن ثمانية مليارات فإن عبد الحليم خدام سيترك ثروة قد تكون مضاعفة مئات المرات لهذا الأرقام.
الكل بات في قفص الاتهام منهم بارتكاب جرائم بحق أبناء الشعب السوري, ومنهم بتورطهم في جريمة اغتيال رفيق الحريري, وما اعترافات خدام إلا أدلة قوية على كل مسؤول فاسد, وما يسردونه الكثيرون اليوم عن صفقات أبناءه لدفن النفايات النووية في صحراء تدمر, وأبو الشامات, والسلمية, وصفقات اللحوم الفاسدة, والمرتديلا, وتهريب الدولارات من سورية إلى الخارج, بالإضافة إلى التصرف بالمال العام إلا تهم موجهة إليهم أيضاً كونهم كانوا يعرفون بها, وتستروا عليها, وقانونياً التستر على جريمة هي بحد ذاتها جريمة.
أسئلة كثيرة, ومبهمة طرحتها مقابلة عبد الحليم خدام, ووضعت النظام السوري في موضع لا يحسد عليه من خلال الاتهامات المباشرة لأكثر من مسؤول قيادي بتهم شتى, وتبقى هذه الأسئلة أسيرة أجوبة مبهمة قد تكلف باهظاً الكثير من المسؤولين إذا ما تأكد كل ما أسرده خدام في مقابلته, ونقل الملف السوري - اللبناني إلى مرحلة جديدة, وأسند تعقيداً حين أعلن استقالته من منصبه كنائب للرئيس السوري أثناء مقابلة مع قناة العربية الفضائية, وتوجيهه انتقادات حادة للنظام السوري, وللرئيس بشار الأسد شخصياً، مشيراً إلى أخطاء عديدة في الإدارة السورية الحالية, وفي التعامل مع الملف اللبناني الأمر الذي جعله ينشق عن النظام الحالي رغم استمراره في ممارسة العمل السياسي.
امتداح خدام في حوار فريد من نوعه بثته العربية مساء يومي الجمعة والسبت (30-31/12/2005 ( وموضوعية تقرير ميليس, وكون ميليس لم يسيس التقرير، وهو ما يخالف تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد، كما أكد أن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري لا يمكن إلا أن يكون قد نظم من خلال جهاز أمني ذي قدرة خاصة، ولا يمكن تنظيمه من قبل أفراد, أو منظمات، مؤكدا كذلك أنه لو تورطت أجهزة الأمن السورية في مقتل الحريري فإن ذلك لا يمكن أن يتم إلا بعلم الرئيس السوري, ووجه خدام انتقادات حادة لرستم غزالي, وانتقد الرئيس الأسد لأنه لم يبادر بعزله, ومعاقبته على سلوكياته أثناء وجوده في لبنان، وخاصة أنه كان يتصرف, وكأنه "حاكم مطلق للبنان" وصدرت عنه سلوكيات كثيرة تسيء لسوريا حسب تعبير خدام.
خدام الذي شارك في حكم سوريا إلى جانب الرئيس حافظ الأسد, ومن بعده الرئيس بشار الأسد لأكثر من ثلاثين سنة، بدأ حواره مع "العربية" بأنه لم يغادر سورية بسبب تلقيه تهديدات, أو مضايقات، وإنما لرغبته التفرغ لكتابة تاريخ جديد للبلاد, و"تأريخ المرحلة للإطلاع على الوقائع الصحيحة" في سياق ما أسماه بالواجب الوطني فهل سينجح خدام في هذا أم أن هذه المقابلة هي صفقة سياسية بينه, وبين الجهات الأخرى التي تحاول أن تخرج مسلسل السياسة السورية بهذا الشكل, ولأنه لم يحصل على ما يريده فكان انشقاقه ردة فعل وانتقام من هذا النظام الذي خدمه لعدة عقود, وكان أحد أبرز مكوناته, ومؤسسيه.
عبد الحليم خدام شريك رئيس في كل تهم الفساد لأنه, وباختصار واحد من هؤلاء الفاسدين الذين ضللوا الشعب السوري, وبددوا ثرواته واستحوذوا على أمواله, وممتلكاته, وليس بريء من أية تهمة توجه لغيره بالفساد كما يتبن من خلال توقيت هذه المقابلة بأنه متفق مع جهات معينة لتوريط سورية أكثر في قضية اغتيال الحريري, وما تأخيره لهذا الوقت إلا لأخذ مكانه, وتمركزه بشكل أقوى, وقد يكون ذلك انتقام منه للنظام فأدى به إلى تلك المقابلة, والتي كانت طلقة الرحمة له أولاً, ولكل الفاسدين من بعده.
#مسعود_عكو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟