|
لروح ألفتاة التي -قررت- أن تستريح ..
قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا
الحوار المتمدن-العدد: 5343 - 2016 / 11 / 14 - 22:13
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
لروح ألفتاة التي "قررت" أن تستريح ..
جاءني صوتها عبر سماعة الهاتف كسيرا حزينا .. -ما بك ؟ هل حدث شيءٌ أو مكروه ؟ - نفسيتي تعبانة ، سأحدثك لاحقا .. وعلى عادة النفس الأمارة بالسوء، بدأتُ أضربُ أخماساً بأسداس .ما عساه قد جرى؟! وفي المساء ، أطلعتني على خبر إنتحار فتاة في السادسة عشر من عمرها .. قرأتُ نعياً للفتاة أو لنقل خبرا عن "إنتقال الفتاة "حنين" إلى رحمته تعالى"، دون الخوض في التفاصيل .. خبر عادي نقرأ أمثاله كل يوم.. فالحياة ولادة وموت. لكن.. لم تنتقل هذه الفتاة الى رحمته التي وسعت كل شيء، نتيجة مرض أو حادث .. بل وضعت حدا لحياتها التي قضتها في المعاناة.. عانت في طفولتها ومطلع جيل المراهقة من مشاكل نفسية ، ووصلت للعلاج ، لكنها وككل الذين يتلقون علاجا دوائيا للأمراض النفسية ، لم تواظب على تناوله وفق البرنامج العلاجي ، مما حدا بأمها وأختها التي تكبرها بأعوام إلى تذكيرها وتشجيعها على تناول العلاج في وقته المحدد.. الامر أدّى الى تحسن في حالتها النفسية .. مرضت أُمها بالسرطان الذي لم يمهلها طويلا ، وخلال فترة مرض الأم الشابة ، فقدت الفتاة الرعاية والحنان من أمها واختها .. ومما زاد الطين بلة ، زواج الوالد بعد وفاة الأم بفترة قصيرة، من شابة تصغره سنا، وتحمل في روحها ، كُرهاً لأبناء الزوج وبناته .. وما هي الّا أيام معدودة حتى ثارت المشاكل بين الأولاد (ذكورا واناثا) وزوجة ابيهم التي تكره رؤيتهم أو سماع صوتهم . وموروثنا الشعبي يقول،" زوجة الأب لا بتحب ( تحب) ولا بتنحب (تُحّب).. وعليها غضب من الرب". فللأولاد اسبابهم، فزوجة الأب تذكرهم بفقدان الأم، وخاصة إذا كانت فظة غليظة القلب كالعادة .. بينما زوجة الأب لا تريد أن تتحمل مسؤولية عائلة كبيرة العدد، من ذكور وإناث، لم تلدهم .. الأب يفضل رضاء زوجته الصغيرة على راحة اولاده ، لذا يقفُ في صفها دائما، ويتهم اولاده بالعقوق والتقصير بحقه وحق زوجته المدللة .. وكانت "حنين" هي الضحية . إذ قام ابوها بإيداعها في مؤسسة تعتني بالفتيات في ضائقة .. لكن هذه المؤسسة "تأوي" الفتيات حتى سن السادسة عشرة من العمر، والتي بلغتها "حنين" قبل أيام .. طلب والدها من المؤسسة أن تبقيها فيها، لأنه غير راغب أو بالأصح زوجته معارضة لعودتها الى البيت. لكن إدارة المؤسسة لم توافق . وهكذا قامت "حنين" بالتوقيع على وثيقة تقول بأنها غادرت المؤسسة بناء على رغبتها وبإرادتها ودون أن تُخبر أحدا ، ولا حتى أختها المقربة منها .. قضت "حنين" اسبوعا أو يزيد ، ولا أحد يعلم مكان تواجدها ..هل كانت تنام في الشوارع ، تتسول لقمة ونقودا ..؟! أو عطفا وحنانا ؟! وكان رد الأب حين علم بالأمر غاضبا .. لم يغضبه بأنه تخلى عن ابنته ورفض استقبالها .. لا بل ثارت ثائرته على شرف وسمعة العائلة ... فلعلها تقضي وقتها في أحضان رجل غريب .. ويستعين بالشرطة والتي تعثر عليها وتوصلها الى البيت .. وخلال الايام الأخيرة والتي قضتها في البيت ، لم تسمع "حنين" سوى التهديد بالقتل على تلويثها لشرف وسمعة العائلة .. لقد أحسّت بأن التهديد جدي ، لأنه تكرر من "شباب" العيلة ..(العائلة).. لذا وذات صباح وحينما خرج الأب بصحبة زوجته الى المدينة القريبة ليطلب من المسؤولين إعادتها الى المؤسسة ، وضعت "حنين" حدا لحياتها .. ومن خلال تجربتي الطويلة في تأهيل المرضى النفسيين ، لاحظتُ فروقاً شاسعة في التعامل مع المريض الذكر والمريضة الأنثى .. فعائلة الشاب المريض لا تخجل بمرض ابنها كما تخجل بمرض ابنتها .. فالشاب يستطيع الزواج وبناء عائلته الخاصة ، يستطيع الخروج من جدران البيت ، وربما يعمل في اعمال خفيفة ... بينما البنت تبقى حبيسة البيت ، لا تخرج إلّا نادرا وبصحبة فرد من افراد الأسرة ، ولا يحق لها التصرف بمخصصاتها،(معاشها). والخوف أشد الخوف عليها ، هو في جوهره الخوف منها .. فبما انها مريضة نفسيا ، قد يقوم شاب بخداعها وممارسة الجنس معها .. مما يسبب عارا للعائلة لا يُمحي .. وقد أكتب عن تجربتي في إقامة مركز يومي للفتيات العربيات المريضات نفسيا ، والصعوبات التي واجهتني وخصوصا مع العائلات في مقال لاحق.. الفتاة العربية تُعاني من تمييز ضدها ، لكن الفتاة العربية المريضة نفسيا تُعاني من اضطهاد مزدوج ، كونها فتاة وكونها مريضة تحمل شرف عائلتها على كاهلها المثقل بالآلام.. غادرت "حنين" هذه الدنيا الظالمة ، فلعلها ستجد الراحة الأبدية .. لكن أختها المقربة والتي رعتها وحاولت أن تعوض على "حنين" ، حنان امها الراحلة ، لن تتجاوز هذه الصدمة بسهولة .. ويبقى السؤال ، من المسؤول عن هذه النهاية ؟ هل هي العائلة ممثلة بالأب ،الخدمات الاجتماعية والصحية، المجتمع أم "حنين" ؟! أم كلهم جميعاً ؟!
#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دفاعا عن حرية المُعتقد ..
-
ترامب واستطلاعات الرأي..
-
زوّجتُكَ وأنكحتُك ..
-
على غير العادة.
-
ليبرمان وعُقدة أم الفحم .
-
الكتابة كعلاج ذاتي ..!!!
-
زيارة غير متوقعة .. قصة قصيرة
-
الهموم بين عامة وخاصة
-
فأر في مصيدة ..
-
غُدّة الهَبَل.
-
ألشعب هو البوصلة ..
-
صقر أم حمامة ؟!
-
المُسالِم ينقرض؟؟!!
-
الديغلوسيا مرة أُخرى ..
-
ما في حدا بنام بِهَم عتيق ..!!
-
اللغة أم أبناؤها؟! تداعيات على مقالات الزميل صالح حماية ..
-
عالسريع ..!!
-
مسيحيو الشرق ؟؟!!
-
تركتها تموت ..
-
النحو والبيدوفيلية ..!!
المزيد.....
-
متحدثة البيت الأبيض: أوقفنا مساعدات بـ50 مليون دولار لغزة اس
...
-
مصدر لـCNN: مبعوث ترامب للشرق الأوسط يلتقي نتنياهو الأربعاء
...
-
عناصر شركات خاصة قطرية ومصرية وأمريكية يفتشون مركبات العائدي
...
-
بعد إبلاغها بقرار سيد البيت الأبيض.. إسرائيل تعلق على عزم تر
...
-
أكسيوس: أمريكا ترسل دفعة من صواريخ باتريوت إلى أوكرانيا
-
ميزات جديدة لآيفون مع تحديث iOS 18.4
-
موقع عبري يكشف شروط إسرائيل لسحب قواتها من الأراضي السورية ب
...
-
مصر.. -زاحف- غريب يثير فزعا بالبلاد ووزيرة البيئة تتدخل
-
تسعى أوروبا الغربية منذ سنوات عديدة إلى العثور على رجال ونسا
...
-
رئيس الوزراء الإسرائيلي: ترامب وجه لي دعوة لزيارة البيت الأب
...
المزيد.....
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج
/ توفيق أبو شومر
-
كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
كأس من عصير الأيام الجزء الثاني
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية
/ سعيد العليمى
-
الشجرة الارجوانيّة
/ بتول الفارس
المزيد.....
|