صائب خليل
الحوار المتمدن-العدد: 1418 - 2006 / 1 / 2 - 12:03
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
مقدمة
صار تزوير الإنتخابات في العراق القاعدة وليس الإستثناء, فمن المؤكد اننا سنستغرب تماماً لو قيل لنا ان انتخابات جرت دون أي تزوير.
لذا فأنتم وأنا نعلم جميعاً وقبل ان تبدأ الإنتخابات, بأنها ستزور, إنما السؤال هو: الى اية درجة؟ والسؤال الأهم منه: ما هو الحل وما هي المخاطر التي تهدد العراق اليوم؟
التزوير في الإنتخابات العراقية ابتداءً من الخروقات وانتهاء بالعبث بصناديق الاقتراع بدأ مع ولادة الديمقراطية ولعله سيبقى طويلاً, والسبب انه في صالح الاقوى, والأقوى لن يسمح بتغيير ماهو في صالحه, إلا لأسباب اخلاقية, وهي تبدوا بعيدة عن إهتمام الاطراف السياسية العراقية حالياً.
لقد تضمنت الخروقات أحياناً أوجهاً صارخه شملت القتل وحرق المقرات والتزوير.
ومن اكثر وسائل التزوير انتشاراً كان ازالة الحبر المستعمل لمنع تكرار الانتخاب
كذلك كثرت الاتهامات بأعادة استعمال الورقتين الزائدتين بدل من تمزيقها كما هو مفترض*. ربما تعلم المزورون من تجربتهم اكثر مما تعلمت المفوضية لمحاربتها
وفي حين طالب البعض بالتحقيق في الاحداث والشكاوي وتعديل النتائج وفقاً لها, يذهب البعض الآخر الى المطالبة بإعادة الإنتخابات كلها. كذلك هدد تجمع "مرام" باللجوء إلى العمليات المسلحة.
وزير الصناعة والمعادن أسامة عبد العزيز النجفي، عضو القائمة العراقية بزعامة اياد علاوي، قال: "ان الكتل التي تمتلك قوة عسكرية متمثلة بالميليشيات والموجودة على الأرض كانت الوحيدة المستفيدة من الانتخابات"
هل هذه المرة اكبر؟
منظمة "مرصد الديمقراطية" في العراق ذكرت ان الانتخابات اتصفت بتمييز طائفي وعرقي ومناطقي, وقالت منظمة "تموز" ان التزوير كان واضحا وان وكلاء بعض الكيانات السياسية قاموا بالتصويت ولأكثر من مرة بدون تحبير
لكن ممثل الامم المتحدة في مفوضية الانتخابات غريغ غينيس أكد ان الانتخابات جرت وفق المعايير الدولية وانه لايرى حاجة لاعادة الانتخابات
وذكر غينيس ان عدد الشكاوى «ضئيل جداً» حيث ان معدل الشكاوى بلغ شكوى واحدة لكل سبعة الاف مقترع.
وذكر حسين الهنداوي، عضو مجلس المفوضية، ان «وجود اكثر من 1500 شكوى مقارنة بوجود 350 ألف وكيل كيان سياسي ومراقب لهم الحق بتقديم الشكاوى والطعون موزعين على 31 ألف محطة اقتراع، فضلاً عن تقارير المراقبين المحليين والدوليين وتقارير مفتشي المفوضية وتقارير فرق الامم المتحدة الجوالة ونسبة الاقبال العالية على المشاركة، كلها دلائل على نجاح الانتخابات ونزاهتها»
الضغط على الحكومة
إذن نستطيع القول أن الانتخابات عانت من درجة معتدلة او معتادة من التزوير فلماذا صارت الضجة عليها اضعاف ما صارت على تزويرات الإنتخابات الاولى والتصديق على الدستور؟
قد يكون من المفيد مراجعة اهداف "الرافضة" لنتائج الإنتخابات, وتوقع السيناريو المحتمل للحل.
إن صدّقنا ادعاءات المطالبين بإعادة الإنتخابات, فهم يهدفون بلا شك الى إدخال العراق في حرب اهلية حقيقية والقضاء النهائي على فكرة الديمقراطية. فلنتصور للحظة انه تمت الموافقة على إعادة الإنتخابات, وأن تلك الإعادة (والتي لاشك ستكون مزورة بدرجة ما) أفرزت نتائج مخالفة لنتائج الأنتخابات الحالية, فما سيكون موقف الائتلاف؟ لاشك أنهم سيطالبون بإعادة الإنتخابات أيضاً, ولاشك ان طلبهم سيرفض ولاشك انهم سيلجأون الى حمل السلاح جميعاً, ولن يستطيع احد أن يلومهم, وسيمكنهم بمصداقية تامة رفض اية إنتخابات قادمة لأنهم سيشعرون أنهم حرموا حق الحكم كما حدث للإسلاميين في الجزائر, ولسوف يستحيل اصلاح ذلك الإشكال مستقبلاً ولا إعادة حكم القانون إلا بالعنف الشديد والحرب الطاحنة.
هذا الهدف ليس مستبعداً من قبل البعض, لكن الغالبية يرفضونه بلا شك.
أما إذا كان الهدف من ذلك التصعيد الضغط على الفائزين لتقديم التنازلات, فأقول ان على الضاغطين ان يحسبوا النتائج ايضاً. فالضغط كمية فيزيائية غير متجهة لايمكن التكهن بوجهة تنفيسه. وربما يبدوا الضغط السياسي ضغطاً موجهاً نحو اهداف محددة, لكنه في الغالب يشبه الضغط الفيزياوي في عشوائيته عملياً.
فغالباً ما يكون للجهة المعرضة للضغط خيارات متعددة للتنفيس عن الضغط المسلط عليها, وغالباً ما تكون تلك الخيارات متنوعة الإتجاهات وقد تكون متناقضة. فتستطيع قائمة الائتلاف مثلاً التخفيف من الضغط المسلط عليها أما بقبول شروط غير منصفة من قبل الاكراد, او الاتفاق (السري مثلاً) على تحجيم "اجتثاث البعث" أو اطلاق المزيد من رموزه, او الموافقة (السرية) على عقود اقتصادية أمريكية لم تكن ستقبلها لو أنها لم تتعرض للضغط. ومن المحتمل ان تقرر ان تزيد من صلابة موقفها وأعتمادها على مجموعتها الطائفية من خلال كسب المزيد من تعاطفها من خلال مواقف دينية اكثر تشدداً.
لذا فمن المناسب ان يأخذ الضاغطون تلك الاحتمالات بنظر الإعتبار, ويحسبون حسابها, رغم ان ذلك ليس سهلاً إلا لمن تتوفر له استشارة خبرة أجنبية مدعومة بمعلومات يتم تحديثها برصد ردود فعل الجهة المضغوطة واتجاهها.
كيف ستتصرف الحكومة
ليس من السهل بالطبع أن يقرر المرء الموقف الأمثل للقائمة الفائزة, لكن هناك بضعة نقاط اكيدة ومفيدة للتحليل. أنبه أولاً واعترف ان التحليلات القادمة مبسطة لكنها تغطي الخطوط الرئيسية في رأيي.
فأولاً لدى القائمة الفائزة ورقة رابحة قوية هي ان التآمر عليها لحرمانها من حق الحكم سيكون بمثابة القضاء على الديمقراطية نهائيا أو لزمن طويل جداً في العراق, حتى لو كان ذلك التآمر سلمياً من خلال التلاعب على نقاط قانونية محددة. فلا يمكن لقائمة فائزة بكل ذلك الفارق عما يليها ان تقتنع ان إزاحتها عن الحكم عملية نزيهة بأي شكل من الأشكال. فالتآمر على حق الإئتلاف بالحكم لن يمر الا على جثة الديمقراطية في العراق.
النقطة الثانية التي يجب ان تكون القائمة قد تعلمتها من تجربتها السابقة, هي انها محاطة بشركاء يرغبون بإفشالها, وهم على استعداد لكل انواع المراوغات والضرب تحت الحزام حتى وللإضرار بالعراق من أجل ذلك. لذا فأن التنازل عن الملف الامني مثلاً يعد انتحاراً سياسياً وربما عسكرياً للقائمة, ولذا فهو ليس خياراً مطروحاً حتى إن اضطرت الى مقاطعة الحكم حيث لايمكن تشكيل حكومة بدونها الا بالغاء الديمقراطية.
من جهة اخرى تسعى الأطراف "الخاسرة" جهدها لتخويف الإئتلاف لتقديم مثل هذا التنازل. فمثلاً قال وزير العدل السابق رئيس قائمة «شمس العراق» مالك دوهان الحسن لـ
«الحياة» ان «الجميع يبدي اعتراضه على تولي التيارات الاسلامية، بغض النظر عن عدد المقاعد التي فازت بها، ادارة الملف الامني»، مشيراً إلى ان غالبية الاطراف تفضل ان يتولى وزارتي الدفاع والداخلية «اشخاص غير متحزبين ويمتازون بالحيادية»
بالطبع "الجميع" الذي يبدي اعتراضه, بالنسبة لدوهان الحسن, لا يشمل حوالي 60% من اصوات الشعب العراقي التي صوتت للإتئلاف, بل يقصد قادة القوى السياسية, فأيهما يجب ان يؤخذ بنظر الإعتبار في نظام حكم ديمقراطي؟
إسرائيل هي الأخرى لها رأي في من يجب ان يتولى الملف الأمني العراقي:
فصرّح مثال الالوسي زعيم "حركة الامة العراقية" أن «مراكز القوى هي التي طرحت فكرة اسناد ادارة الملف الامني إلى اختصاصيين»، وقال: «لا نريد ان تمنح وزارتا الدفاع والداخلية إلى الاحزاب الكبيرة ليكون العمل مهنياً ومحترفاً»، وزاد: «نعمل على منع تسييس الاجهزة الامنية والقضائية خلال المرحلة المقبلة»، مشيراً إلى ان «الفاشية القومية في العراق تحولت إلى فاشية دينية أخيراً».
ولفت الالوسي إلى ان الملف الامني «لن يكون في يد ميليشيا مسلحة او قوى متطرفة دينياً وسيؤول الى محترفين»،
وبالطبع فـ "حيادية" دوهان الحسن حيادية خرافية مثلها مثل "حرفية" الآلوسي, فلايوجد وزراء لارأي سياسي لهم. والحقيقة ان الوزير وضيفة سياسية ومحاولة جعلها حرفية ليس الا خدعة ** والمقصود منها تقديم اشخاص "مجهولي الهوية السياسية", لا يكون احد مسؤول عن تصرفاتهم, وهي مسألة في غاية الخطورة.
وما ذكر عن الأمن ينطبق على الدفاع ايضاً ولو بدرجة اقل قليلاً.
أما بالنسبة للنفط, فهو الآخر موضوع ذو اهمية عظمى بالنسبة لأميركا ( اللاعب الأقوى في الحقيقة, فزلماي خليل يتصرف ويتفاوض ويناقش كأنه رئيس كتلة انتخابية كبرى, بل أكبر الكتل جميعاً, اضافة الى تصريحات تعتبر اهانات مباشرة للقائمة المنتخبة وبالتالي للشعب العراقي, لكن بقية القوائم تبدوا سعيدة بذلك), او ان شئت الدقة, بالنسبة للشركات الامريكية. وهنا نلاحظ ان مرشح الإئتلاف الأول لرئاسة الوزراء عادل عبد المهدي, من المتحمسين للخصخصة ولايبدوا لديه اعتراض على خطط الأمريكان للنفط العراقي, ولا كذلك الشهرستاني. هذا الاتجاه المجاني حرم الإئتلاف من ورقة كبيرة للمفاوضة. فالأمريكان يشعرون بدرجة او بأخرى انهم لن يعانوا في مفاوضات خصخصة النفط حتى ان كانت الوزارة مخصصة للإئتلاف, لذا لم يعد تسليم تلك الوزارة الى احد ممثليهم (من خارج الإئتلاف) امراً حيوياً جداً.
حكومة وفاق وطني
يطرح الجميع بلا إستثناء فكرة "حكومة وفاق وطني" بإعتبارها الحل السحري لـ "ألمشكلة", فلم أقرأ ان احداً رفض الفكرة أو تحسب لإشكالاتها, ولم يتورع الامريكان عن الاصرار عليها رغم انهم يفترض ان يحترموا استقلال القرار العراقي. فأشارَ زلماي زادة بشكل واضح بان الولايات المتّحدةَ تريد إشتراك أوسعَ بالسلطةَ في الحكومةِ القادمةِ. " حيث لا يكون لأي حزبَ أغلبية مطلقة ، سيكون هناك حاجة لتَحَالُف عريض جداً"
. لكن اسم "الوفاق الوطني" الجميل يخفي فراغاً ومخاطر حقيقية تشكل تهديداً كبيراً لكل من الديمقراطية والحكومة القادمة.
"فالتوافق" بالنسبة للديمقراطية يعني في الحقيقة "الغاؤها"! فهو يعتمد اساساً على فكرة حرمان حق التصويت من توزيع السلطة أو حرمانه الجزئي منها, ومشاركته آياها, واستبدال حقه في تقرير الحكم بتوزيع يعتمد على القوة. القوة العسكرية والإرهابية والدعم الأمريكي (سياسياً وعسكرياً وغيره). لذا فأن "التوافق" او "الوفاق الوطني" ليس إلا تسمية جميلة لتنازل الديمقراطية عن السلطة, أو جزء منها, الى القوة.
أما الخطر المتمثل بافشال عمل الحكومة القادمة فمسألة واضحة. فالجهات الأساسية المكونة للطيف السياسي العراقي مختلفة ومتصارعة الى درجة ان اي أتفاق بينها هو اقرب الى اتفاق اعداء لم يتمكن احد منهم من القضاء على الآخر. فالخلافات بين شريكي الحكومة الحالية المنتهية, الإئتلاف والاكراد كان قد وصل حدوداً خطيرة, ولم يخف الاكراد تضايقهم من شركائهم وخيبة املهم بهم حتى عندما كان الموقف السياسي والدبلوماسي يتطلب عكس ذلك, والأمثلة كثيرة جداً.
أما علاوي, ورقة الامريكان الخاسرة لحد الان, فيتعبر العدو اللدود للإئتلاف, والذي سعى جهده للغم الوضع الأمني قبل ان يسلمهم السلطة في الدورة السابقة, وكذلك اشتهر بكثرة وزرائه الفاسدين.
الإئتلاف يدرك اليوم افضل من الأمس ان تقديمه التنازلات لن تجعله يكسب الاصدقاء, لأن هؤلاء اعداء مقسمين على العداء, بل أن هؤلاء لن يتورعوا في استخدام اية تنازلات ضده في أول مناسبة, ويشمل ذلك الأمريكان الذين سعى الإئتلاف سعياً حثيثاً لتقديم نفسه كصديق لهم بديلاً عن علاوي, لكنهم, وفي اللحظة الحاسمة افتعلوا الأزمات لإخراج الإئتلاف من الحكم باية وسيلة ***.
فحكومة "الوفاق الوطني" مشروع متناقض هزيل لايختلف عن مشروع كتابة الدستور بطريقة "التوافق": مشروع يتكون من اطراف متخالفة ويقدر كل طرف من الاطراف المشاركة فيه على عرقلته وشله!****
لذا فالفرصة الاكبر للنجاح بالنسبة للإئتلاف هي أولاً: عدم تقديم اية تنازلات الا بالحد الأدنى خاصة فيما يتعلق بالسلطات الهامة الحساسة, وثانياً: تقديم تعهدات مؤكدة ومضمونة بطريقة أو بأخرى بالإبتعاد عن الطائفية وضمان حصص متساوية لمختلف الجهات فيما يتعلق بالوضائف الحكومية غير الخطيرة. اما الوضائف الخطيرة فيحق للحكومة اللجوء الى استحقاقها الانتخابي ومسؤوليتها المفردة في نجاح الحكم. وثالثاً الابتعاد عن القرارات التعسفية الصبيانية فيما يتعلق بالدين, وعدم التخوف من خسارة المتطرفين من مؤيديها مقابل موقف متوازن يكسبها شعبية طويلة الامد. ورابعاً الجرأة في محاسبة الكبار ومحاكمتهم ان وجدت ما يكفي من المستندات لذلك, وان لاتتردد في ذلك أمام اكبر رؤوس حكومتها أو المعارضة. وخامساً: ان يكون لها موقف شجاع فيما يتعلق بعلاقتها بالامريكان. فليس من المناسب استمرار الطريقة المهينة التي اتبعها الجعفري في التعامل مع السفير زلماي أو الجيش البريطاني. فيجب ان يشعر المواطن العراقي ان لديه حكومة حقيقية وليس مجموعة تتحرك ضمن أطر تضعها لها قوات الاحتلال. وكنت اود ان اضيف سادساً: ان تراعي في الإتفاقات الاقتصادية مصالح الفقراء من الشعب العراقي, لكني في الحقيقة يائس من ذلك.
* لعل من المناسب هنا ان نقترح وضع جميع القوائم الكبيرة المتنافسة (في الانتخابات والتزوير) في ورقة واحدة من الورقات الثلاثة مستقبلاً.
** أقرأ مقالتي: بحثاً عن التكنوقراط: http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=18742
*** أخبرَ الرائد الطبيبَ جون ستوكي من الجيشِ الأمريكيِ، صحيفة الكرستيان ساينز مونتور: بأنّه والشرطة العسكريةَ الأمريكيةَ زارا مراكزَ إعتقال وزارةِ داخلية وابلغ عن أدلة للتعذيبِ وسوءِ المعاملة الأخرى،ِ في تلك المراكز إلى سلسلةِ المراجع العليا قَبْلَ أَنْ يتَركَ بغداد في يونيو/حزيرانِ. ومع ذلك فإن واشنطن بَقيتْ صامتة على هذه القضيةِ.
**** إقرأ مقالتي: التوافق هو الحل... ان لم تكن هناك مشكلة: http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=40460
#صائب_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟