طارق علي حامد
الحوار المتمدن-العدد: 5338 - 2016 / 11 / 9 - 22:03
المحور:
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
أردت قاصدا ان لا أكتب حول موضوع (الاستقالات الجماعية) التي تقدم بها عدد من أطباء الحزب الشيوعي السوداني , وذلك في (مشهد أعلامي) مهيب تداعت له كل وسائل الاعلام (الحكومي) من أذاعة وتلفزيون والصحف البرجوازية , فضلا عن الرشق في وسائل التواصل الاجتماعي , الأمر الذي فتح شهية عدد من أعداء الحزب يخوضون فيما (لا يعلمون) مدبجين في ذلك (الخروج) المقالات الطوال في الصحف وفي المواقع الالكترونية , وعدم استعجالي في الكتابة ناتج عن سببين , الأول هو ان الحزب الشيوعي بطبيعته التي وضع معالمها دستوه المجاز في المؤتمر السادس هو اتحاد اختياري (طوعي) بين مناضلين ومناضلات سودانيين ثوريين تعاهدوا علي انجاز برنامج الحزب الشيوعي السوداني بما يتناسب مع الواقع الموضوعي للبرنامج الوطني الديمقراطي وصولا للاشتراكية , ولتنفيذ برنامج محدد الملامح تعاهدنا علي تسميته ببرنامج (مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية) , وبالتالي ان الوجود داخل الحزب الشيوعي أو الخروج منه محكوم بطبيعة بالصراع الطبقي داخله , فمتي شعر عدد من الشيوعيين ان الحزب لا يعبر عن وطموحات وأشواق الطبقات التي ينتمون اليها , خرجوا منه (وهذا حقهم) اما السبب الثاني للتأخير في هذه الكتابة هو (زهدي) في امتطاء صهوة موجة (الاعلام الزائف) الذي اشتعل ساعة خروج اولئك الرفاق أو الذين (كانوا رفاق) من الحزب . وحاول هذا الاعلام جاهدا ان يعطي الأمر أكبر من حجمه الطبيعي , بالاضافة الي خوض كتاب وصحفيين ـ لا نثق أساسا في (حرصهم) علي وجود الحزب ـ فأصبح أؤلئك يقدمون النصائح ليل نهار بضرورة (اصلاح) الحزب , بل ومنهم كاتب (اسلامي) معروف يكتب عمودا راتبا في واحدة من صحف النظام , فيا سبحان الله .
(2)
الدكتور المأمون علي صالح , والذي ورد أسمه ضمن الموقعين علي (الاستقالة الجماعية) من الحزب , استطيع ان اقول انني من خلال متابعتي لما يكتبه انه (ترجل) عن الحزب الشيوعي منذ ان اختار طريقا آخر غير طريق (الانضباط الحزبي) , وتحديدا عندما كتب مقالا مطولا بصحيفة (الأخبار) التي كان يرأس تحريرها الاستاذ محمد لطيف , وأقصد به ذلك المقال الذي عنونه الدكتور المأمون علي صالح بـ( أثافي يوسف حسين الثلاث ـ الحزب الشيوعي يحتاج لوجيع ـ مؤتمر استثنائي او انقلاب ديمقراطي داخلة) ونشر المقال بتاريخ 16 أغسطس 2010م . والمقال في مجمله هو هجوم شديد علي (المؤتمر الخامس) والذي وصفه كاتب المقال بـ(المؤتمر المضروب) ووصف القيادة التي انتخبت من ذلك المؤتمر بـ(القيادة المضروبة) , وهجوم غير موضوعي علي الزميل الاستاذ يوسف حسين , والزميل الراحل الاستاذ محمد ابراهيم نقد ـ عليه رحمه الله ـ , واستخدام لغة في الخطاب لا تليق بين الرفاق في مؤسسه حزبية واحدة مثل وصفه لتصريحات الزميل يوسف بـ(الخبل السياسي) وغيرها من المفردات التي علي ذات الشاكلة , فضلا عن المطالبة بـ(مؤتمر استثنائ) , هذا ما خرجت به بعد قرأءتي لمقال دكتور مأمون علي صالح . ويستطيع القارئ المتابع لصحيفة (الأخبار) ان يلاحظ في تلك الفترة ـ فترة ما بعد المؤتمر الخامس ـ ان صحيفة (الأخبار) استضافت عدد من كتاب المقالات الصحفية التي (أستهدفت) بشكل مباشر مخرجات المؤتمر الخامس التي أكدت علي الطبيعة الطبقية للحزب باعتباره حزب (الطبقة العاملة) , والمرجعية الفكرية (الماركسية) بأعتبارها منهجا يسترشد به الحزب الشيوعي لدراسة الواقع السوداني , كما استهدفت تلك المقالات أيضا القيادة المنتخبة انتخابا ديمقراطيا من أعلي هيئة حزبية (المؤتمر الخامس) , ومن تلك الأمثلة مقال الاستاذ احمد الحاج المعنون بـ(الشيوعيون السودانيون ـ نقد ومقترحات) والمنشور بصحيفة (الأخبار) بتاريخ 21/9/2009 , ومقال آخر للدكتورة شيراز محمد عبد الحي في نفس الصحيفة بتاريخ 17/5/2009م بعنوان :(الحزب الشيوعي السوداني ـ الخروج من النفق) وكلها مقالات تلتقي عند نقطة واحدة وهي المطالبة بـ(مؤتمر استثنائي) . وعدم الاعتراف بمخرجات المؤتمر الخامس , فضلا عن الهجوم علي قيادة الحزب والسكرتير السياسي ـ تحديدا ـ في ذلك الوقت الراحل الاستاذ محمد ابراهيم نقد . فالصحافة السودانية ليست بعيدة عن مواقع (الصراع الطبقي) فبالضرورة لها مصالحها وانحيازاتها الطبقية .
(3)
نعود لمقال الدكتور مأمون الذي أشرنا اليه في موقع آخر من مقالنا هذا , يصف دكتور مأمون علي صالح (الانضباط الحزبي) والقنوات التنظيمية المعروفة بـ(العادة السرية) في ثنايا مقاله المشار اليه اعلاه , وذلك فيما أسماه بالرد علي أجابات الزميل يوسف حسين التي قدمها أثناء حوار صحفي أجرته معه صحيفة (الميدان) بتاريخ 11/5/2010م , وانا هنا لست في موقع الدفاع عن الزميل الاستاذ يوسف حسين , فهو أقدر مني بألف مرة في الدفاع عن نفسه لو أراد ذلك , ولهذا فأنا هنا ايضا لست معنيا بأجابات الزميل يوسف حسين في حواره مع (الميدان) بقدر ما يعنيني تعليق دكتور مأمون علي هذه الاجابات وهو تعليق يحمل في طياته الكثير من لغة (التعالي البرجوازي) والخروج السافر عن (ضوابط التنظيم) , حيث يقول الدكتور مأمون , وبنص كلماته دون أي تعديل (وهروبا من شراك الخداع التنظيمي الذي يفرض دوما حل المعاضل بشكل سري , واستقواء بروح المشاففة والبراح الديمقراطي للتعبير عن الفكرة , ألوذ في ردي ونقدي لهذه الاجابات الثلاث بالمنشور الواسع القرأءة بدلا عن العادة السرية التنظيمية التي تستسهل لوك واعادة لوك الأزمات) ـ انتهي الاقتباس ـ , وانا أذ انقل هذه الفقرة من مقال الدكتور مأمون فأنني في غاية الأسف والأحراج لأيرادي مثل هذه الكلمات التي ما تعودنا ـ نحن الشيوعيين ـ ان نخاطب بها بعضنا بعضا , وان نصف بها أنبل مهامهنا ـ كشيوعيين ـ وأقصد مهمة (التنظيم) بأعتبرها شرطا ضرروريا لخلق (التراكم) الذي يقود الي التغيير , كما لم نتعود ان نخاطب بمثل هكذا لغة القراء الأعزاء , ففي الفقرة التي أقتطفناها من مقال دكتور المأمون نجده لا يتورع في وصف (الانضباط التنظيمي) بعبارت جد غريبه , مثل قوله بأنه (شراك الخداع التنظيمي) , و (العادة السرية) . والتي هي ـ في رأيه ـ تستسهل لوك و اعادة لوك الأزمات كما جاء في الفقرة التي اقتبسناها من مقاله , وفي المقابل نجده لا يتررد في وصف ما يمكن ان أسميه (الفوضي التنظيمية) وعدم الانضباط ، بعبارات غزلية علي شاكلة (روح المشاففة) و (البراح الديمقراطي للتعبير) . فالدكتور مأمون يحتفي أيما احتفاء بحالة (اللا تنظيم) التي ظل يمارسها هو خارج قنوات الحزب . وهو تغريد خارج قنوات الحزب , مثله كمثل المياه في الدلتا , فسرعان ما يضربها الهواء وتجف .
(4)
في تقديري لا يمكن بأي حال من الأحوال النظر الي موضوع (الاستقالات) بمعذل عن الوضع السياسي العام الذي يكتنف الوضع في السودان , فلا يمكنني علي المستوي الشخصي ان اعتبرها (مجرد استقالات) والسلام , ففي المنعرجات الحرجة والمعركة الشرسة التي يخوضها الشيوعيون السودانيون مع جماهير الشعب السوداني في وجه النظام الحاكم , واتساع دائرة الاضرابات والاحتجاجات وسط الاطباء لا يتوفر (حسن النية) في مثل هكذا ظروف , ففي الساحة السياسية السودانية الآن ما يسمي بـ(الحوار الوطني) , وهناك ضغوط دولية كبيرة بقيادة أمريكيا لفرض هذا الواقع المسمي بالحوار الوطني علي النظام الحاكم في السودان وجميع اطراف المعارضة ـ المسلحة والمدنية ـ لانفاذ تغييرات طفيفة علي النظام الحاكم في السودان , مع الابقاء علي جوهره وطبيعته الطفيلية او ما اسميناه في خطابنا السياسي بـ(مشروع الهبوط الناعم) , وفي ظل هذا الوضع السياسي ظل الحزب الشيوعي السوداني هو الحزب الوحيد الذي لم يدخل مع النظام في أي حوار , وظل الحزب يطرح بقوة شعار (اسقاط النظام) والسير في طريق الانتفاضة الشعبية بوضوح نظري لا لبث فيه , فكان طبيعيا ان يجد هذا الموقف الحاسم من الحزب تجاه النظام ـ بعض الرافضين له ـ داخل الحزب , وان لم يعبروا عن وجهة نظرهم بوضوح في اختيار (المصالحة) مع النظام , فاختاروا طريق (الخروج) او القفز من ـ سفينة الحزب ـ التي كانوا يحسبونها سوف تغرق , ولكن نقول لهم ان سفينة الحزب هي لا محالة راسية علي شواطئ الاشتراكية والتقدم في المستقبل القريب , أختتم هذا المقال بفقرة من وثيقة الشهيد الاستاذ عبد الخالق محجوب , والتي قدمها الشهيد للمؤتمر التداولي للحزب الشيوعي المنعقد في عام 1970م لحسم الصراع الفكري الذي دار داخل الحزب حول الموقف من انقلاب 1969م اوضح الشهيد عبد الخالق محجوب :( نستطيع ان نقول ان التيار اليميني كان نتاجا حتميا لصعوبات العمل في فترة الثورة المضادة , وما تحمله الحزب من صعود وهبوط , وما واجهه من حملات فكرية شرسة , فالانتصار النسبي للثورة المضادة ينتج عنه تقلص في عمل الحزب الشيوعي , وهذا يؤدي الي تسرب اليأس الي بعض أعضاء الحزب , ولذلك يظهر اتجاه في الحزب يقلل من جدوي العمل الثوري والتكتيك الصبور لتجميع قوي الثورة) .
#طارق_علي_حامد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟