واصف شنون
الحوار المتمدن-العدد: 1417 - 2006 / 1 / 1 - 09:37
المحور:
المجتمع المدني
كانت ِسهّام العمر إبنة عمتي (نجّية ) من أقرب الناس لي في طفولتي ومراهقتي ،وحين تخرجتْ من كلية الأداب فرع اللغة العربية ،أخذتني في رحلة معها إلى بغداد للحصول على وظيفة من (مجلس الخدمة العامة )التي يرأسها أنذاك خالّ صدّام(النائب في الرئاسة) ومرشده الروحي خيرألله طلفاح ..أبو ساجدة زوجته،
كنا ننتظر رئيس المجلس الذي لديه صلاحية تعيين كل موظف في دولة العراق..أي كل عنق عراقي يريد الإشتغال في وظيفة حكومية يمرّ ُ من خلال مكتب الرئيس..،والرئيس كانت الصفة التي يحبها طلفاح وليس غيرها....
في الباب الرئيسي كان كرديا ً معوقا ً يحمل ملفه ..وحين دخل الريس طلفاح ..قفز الكردي المعاق على رجلي طلفاح ..وسأله أن يعيّنه فراشا ً في بناية تقع الان في واحدة من مدن (الشمال ) كردتستان ..،لكن طلفاح رفسه ،
وقال إطلب هذا بعد .(.الريوك) ..أي بعد الفطور الصباحي ..وكانت الساعة العاشرة والربع صباحا ً.
بعد أقلّ من ساعتين وقفتُ مع سهام نرتجفان ،
أمام طلفاح الذي قال لها أنتِ من سوق الشيوخ سنعينك في البصرة ...!!
بعد عشرين عاما ً ،عرفتُ إمرأة تعمل خبيرة في معمل سيكاير سومر الشهيرة لدى العراقيين ،أخبرتني إن الحاج طلفاح وبعد أن تم إغتيال إبنه عدنان ..وبعد أن تم قطع رجليه بسبب أمراض عدّة ومتنوعة..وبعد أن أصدر صدّام قرارا ً لكافة وزارات الحكومة من عدم التعامل معه ، كان يأتي وهو
يدفع بكرسي ألكتروني سيّار ...ويصرخ ..أريد حصتي من السيكاير ..والله سأشعل بكم الدنيا والأرض وصدّام معكم ..إن لم تزودوني بحصتي ..
وبعد أيام مات الحاج خيرالله طلفاح..ولم يترك فلسا ً واحدا ً لمستشفى عراقي ..أو ليتيم عراقي واحد...
مات قبل يومين كيري باكر أغنى رجل استرالي على الإطلاق ....ولم يعبر السبعين كما عبره طلفاح ..،
قبل سنوات تعرض كيري باكر لأزمة قلبية ،وحين حضر رجال الإسعاف وأخبروه إنه كان محظوظا ً لأن سيارة الإسعاف التي حضرت لإسعافه كانت واحدة من إثنتين في ولاية نيو ساوث ويلز كبرى الولايات الاسترالية ،مجهزتين بأجهزة طبية تتعلق بأمراض القلب ...،فتبرع باكر على الفور بتزويد كل سيارات الإسعاف بتلك الأجهزة القلبية ..!!
قال باكر على شاشة التلفزيون الاسترالي يوما ما ،بعد أن مات لمدة ثمانية دقائق ..ثم عاد إلى الحياة مجيبا ً على سؤال الصحفي عن ما الذي شاهده هناك في العالم الأخر (إبني ..كنتُ في الأ خرة ..صدقني ..إنه لم يكن شيئا ً هناك ..!!!).
ثروة طلفاح ..فاقت التصور ....عشوائية ..لإنها من السرقة والقتل والجناية ..الثروة ضاعت مع السفلة ..
ثروة باكر ..فاقت التصور ..مبرمجة ...لأنها جاءت من الجهد والتعب والرياضة والسباقات والمنافسات والدهاليز والسياسة والحنكة واحترام وحب الاخرين ....والسفالة بعض الاحيان ..لكنها موجودة للعيان ومحسوبة كأصابع اليد الواحدة
#واصف_شنون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟