|
الدين والثورة ومستقبل المجتمع. ح 3 (راهنية التجربة في الواقع العربي والعراقي إنموذجا.)
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5334 - 2016 / 11 / 5 - 00:32
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
راهنية التجربة في الواقع العربي والعراقي إنموذجا.
في بداية القرن العشرين وأثر أندلاع الحرب العالمية الأولى وأنكاسار الدولة العثمانية التي كانت تمثل أخر تجربة للخلافة الإسلامية، وبأعتبارها شكل حقيقي مجسد لرؤية فرع (إسلامي) من فروع الفكرة التي أستولدها الواقع من الإسلام الرسالة خارج المنطقية العقلية، وأستجابة لضغط الواقع البيئي وأحكامه المادية المتجذرة فيه على الدين بعد مرحلة التشتت والتفرق، خرجت مجموعة كبيرة من الدول التي تعرف اليوم بالعالمين العربي والإسلامي من منظومة الحكم الخلافي، وهي محملة بإرث سلطوي ديكتاتوري متفرد بصناعة الرؤية وتنفيذها وثقافة أستبدادية أمتدت لأكثر من الف وثلاثمائة سنة متواصلة من الخلاف والأختلاف والتقاتل والقهر والأستلاب، لتواجه حضارة مادية جديدة بقوة لم تألفها من قبل بسلاحي النار والمال وأستخدام العلم والتقنية. والتي بدأت معها تلك البلدان والمجتمعات أشبه بقطة صغيرة أمام أسد متوحش وكلاهما يحمل في ذاتياته الواعية والعميقة فكرة الكراهية للأخر، كراهية مزمنة ذات الجذور الدينية المتأصلة وعيا وممارسة ونتائج الصراعات التاريخية الطويلة بين أتباع الأديان الإبراهيمية، هذا الواقع الجديد لم ينجح في جمع وجلوس الأطراف المتناقضة على مائدة الحوار في ظل عالم جديد على أنقاض عالم الحكم الثيوقراطي القديم كما يزعم البعض، عالم منطور يحمل قيم إنسانية وفكرية وفلسفات متعالية ومفاهيم أخرى عن الوجود وعن الإنسان، وعن رؤية العالم من خلال مفهوم المصلحة وقاعدة العيش المشترك في عالم ممتد لا حدود له إلا حدود القانون والحقوق. خرجت هذه الدول والمجتمعات من دهاليز الحكم الإسلامي العنصري في أداءه وجوهره لتقع فريسة حكم أستعماري أستحلالي لا يعبأ بالإنسان العربي والمسلم ويساهم في إنقاذه وإعادته للسيرورة البشرية، بل حاول بأقصى ما يمكن أن يستغل الواقع الجديد لبناء عالم ثنائي القطبية البشرية بين مستغلين وأستغلاليين وبين فاتحين وعبيد، لم يدرك الأستعمار الغربي حقيقة دور الدين كسلاح في مواجهة حالة الأحتلال والأستعمار الأجنبي ولم يعتمد سياسة مدنية توازن بين مصالح الشعوب المفتوحة أراضيها بالقوة وبين الفاتحين الجدد، هنا جمع الإسلام السياسي مبرراته ونهض بقوة ليقود المواجهة وينتصر بقوة النقطتين الأولى والثانية التي ذكرناهما في مقدمة البحث، مثالية عالية في المعالجة والنخبة القائدة التي لها ملامح الفضيلة والمثالية المطلقة. لم يكن هذا الخروج ناجز وحقيقي من ربقة الاستعمار الغربي ولم ينجز الإسلام السياسي مشروعه بالكامل الذي سرعان ما تبدل وتحول أمام مغريات وبرغماتية السلطة ومغانمها، وفي تحالف غير معلن بين المستعمر القديم والسلطوي الجديد تحولت عمليات التحرير والثورة إلى مجرد تغيير في عناوين وشكل السلطة الظاهري، وبقي الحنين إلى فكرة الخلافة والحكم المطلق، عزز الفكر الإسلاموي المنحاز للماضي في تبلور النزعة القومية التي شعرت فيها الشعوب إنها الملاذ الأمن لها والذي عده الكثير هو الطريق الأمثل للعودة للماضي المصور تأريخيا إنه النجاح الفريد للإسلام، فولد المد القومي من رشح المد الإسلامي كنقيض لمفهوم العنصرية العثمانية وتقليدا للقومية التي قادت الغرب إلى تحدي الخلافة وإسقاطها. ما لبث أن أشتد الصراع بين القوميين والإسلامين ليس على شكلية السلطة وطريقة الحكم فكلاهما أقصائي وعنصري، وكلاهما لا يؤمن بحقوق الإنسان والحرية والديمقراطية، ولكن الصراع كان مفتعلا لإشغال الجماهير عن المأزق الفكري والحضاري المتمثل بعجز كلا الفكرتين من الأتيان بالحل، الفكر القومي لم يحمل مشروعا أقتصاديا محددا ولم يتبنى فلسفة أجتماعية للنهوض سوى شعارات وأهداف لم تنجح في تثبيت واقعها على الأرض، بسب سرعة تحولها من شعارات إلى قوانين متحجرة لم تعي أشتراطات التطور والملائمة مع الزمن، وكونها كانت أفكار حالمة أكثر من كونها مناهج واقعية، يشاركها في العلة رؤية العقيدة الإسلامية المطروحة كمشروع للحل وهي تحمل ذات التناقضات التي أطاحت بها في كل التجارب السابقة. في منتصف القرن الماضي ونتيجة للصراعات السياسية والأجتماعية بين القومية والمشروع الإسلامي وإنشغال المؤسسة السلطوية في تثبيت أركان حكمها، بعيدا عن مستلزمات البناء الأجتماعي الحقيقي والشامل، حدثت نكبة فلسطين في عام 1948 وكانت تتويجا لسلسة من النكبات والإنتكاسات المتلاحقة التي ضربت الواقع العربي في الصميم، أذهلت أنظمة الحكم ولم يعد لها مبرر تواجه به الجماهير، فعادت للتاريخ ولشعارات المواجهة وبناء منظومة جديدة لعلها تكون بديلا عن الحلول الواقعية للإشكالات الوجودية، رافق ذلك طغيان سلطوي في مواجهة النخبة المتنورة سياسيا وفكريا قادها الجناح العسكري من السلطة في تبادل للأدوار داخل المنظومة الفاسدة الحاكمة بنظرية الوكالة عن الله. نجح بعض اليسار السياسي العربي في قلب أنظمة الحكم وحاول اجنحة أخرى وفشلت وتدرعت بعض الأنظمة بالمؤسسة الاستعمارية وبتحالف معلن مع المؤسسة الدينية العتيدة، أنقسم المجتمع العربي والإسلامي عموما إلى معسكرين وأنتقل الصراع من داخل المجتمعات ليصبح أمتداده أوسع، بين معسكرات وتحالفات تغذيها السياسة والمصالح الفئوية الضيقة بدلا من المصالح الكبرى والأهداف الجامعة، أشتد الصراع وتداخل الخنادق وأصبح الخلاف والشقاق بين هذه المجتمعات والكتل الدولية سياسة يومية يدعمها الغرب الأستعماري ويغذيها لمصالح أستراتيجية وتعبويه تتعلق بالصراع الأساسي بين الشرق والغرب، صراع المصالح الدولية الكبرى أو ما يعرف بالحرب الباردة.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدين والثورة ومستقبل المجتمع. ح2
-
الدين والثورة ومستقبل المجتمع. ح1
-
إختلاجات الموت في موسم الحياة _قصة قصيرة
-
غناء للموت والحياة والمطر
-
الفكر الإسلامي وعقلية الأحتواء
-
اليسار العربي والمدنية الديمقراطية ... أختلاف وأتفاق
-
فضاءات العقل الإنساني بين المتخيل والواقعي
-
المدنية وصراع الهيمنة الثقافية والأجتماعية _ ح2
-
المدنية وصراع الهيمنة الثقافية والأجتماعية _ ح1
-
التجربة البشرية ومهمة الدين.
-
الطريق إلى الوعي الطريق إلى الديمقراطية والمدنية.
-
وأنا المجنون زماني
-
صراع الماضي على أطلال الحاضر(تركيا الحاضر والعصملية المتجذرة
...
-
تأزيم المأزوم وسياسة تشتيت الوعي
-
ليس بالخمر وحده يموت الإنسان.
-
وهم الظل المتعافي
-
المشرع العراقي بين وهم ثوابت الإسلام ومبدأ الحرية الشخصية وح
...
-
شبهة الردة وحكم النص القرآني في إبطالها
-
جواد الشلال .... شاعر يركب صهوة الحب بهدوء
-
القضية الأخلاقية في النظرية الفلسفية المثالية
المزيد.....
-
مصر: الدولار يسجل أعلى مستوى أمام الجنيه منذ التعويم.. ومصرف
...
-
مدينة أمريكية تستقبل 2025 بنسف فندق.. ما علاقة صدام حسين وإي
...
-
الطيران الروسي يشن غارة قوية على تجمع للقوات الأوكرانية في ز
...
-
استراتيجية جديدة لتكوين عادات جيدة والتخلص من السيئة
-
كتائب القسام تعلن عن إيقاع جنود إسرائيليين بين قتيل وجريح به
...
-
الجيشان المصري والسعودي يختتمان تدريبات -السهم الثاقب- برماي
...
-
-التلغراف-: طلب لزيلينسكي يثير غضب البريطانيين وسخريتهم
-
أنور قرقاش: ستبقى الإمارات دار الأمان وواحة الاستقرار
-
سابقة تاريخية.. الشيوخ المصري يرفع الحصانة عن رئيس رابطة الأ
...
-
منذ الصباح.. -حزب الله- يشن هجمات صاروخية متواصلة وغير مسبوق
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|