أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جعفر المظفر - كيف تكون ملحدا في أسبوع















المزيد.....

كيف تكون ملحدا في أسبوع


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 5333 - 2016 / 11 / 4 - 20:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كيف تكون ملحدا في أسبوع
جعفر المظفر
إن إبعاد الدين عن السياسة هو في صالح الطرفين, الدين والسياسة, ولست أرى السياسة وسخة كما يراها الأخرون بحيث أكون غيورا على الدين منها, بل إنني اخالف الأخرين في تحديد العلاقة بين الوساخة والسياسة لأجد أن السياسة تكون وسخة حينما يكون السياسي الذي يتعاطى معها وسخا. وأرى أننا قد نكون وضعنا للميكافيلية نفسها تعريفا متعنتا, وحتى مخالفا, لما أراده ميكافيلي نفسه .. وكل ذلك لحساب, فما يريد أن يقنعنا به السياسيون الفاسدون, وفي المقدمة منهم أصحاب الدين السياسي, أن السياسة هي في طبعها وجوهرها ومضمونها فاسدة, وهذا سيسهل عليهم تفسير خروجهم عن المعايير الأخلاقية بحجة ضغوط السياسة نفسها. هؤلاء يحاولو ن بطبيعة الحال تفسير الميكافيلية على أنها تعني السياسة بدلا من أن تكون إحدى النظريات التي تفسرها.
إن ذلك هو منطق تبريري دون شك للسوكيات المنحرفة, وهذا المنطق هدفه في النهاية تبرير سلوك السياسيين الفاسدين من خلال الإتيان بتفسيرات متعنتة للفكرة الميكافيلية نفسها, ويمكن لنا أن نتبين طبيعة الفشل الذي عاصر تجربة الإسلامويين لكي ندرك أن وصفهم بالميكافيلين هو بمثابة الثناء عليهم. فإن كان السياسي الميكافيلي اللاديني يبرر الإنحراف في الإسلوب بنبل الغاية, فإن السياسي الديني يفتقد إلى نبل الغاية الذي يجعله على المستويين : غياب الغاية النبيلة مع وجود الإسلوب الوسخ, وسخا بالنتيجة, بحيث يصبح تبويبه في خانة الميكافيلية عدوانا على الميكافيلية نفسها.
والميكافيلية نفسها ليست مطلقة الزمان والمكان, وأجد أنها كانت معنية بجانب رئيس هو جانب القسوة في بناء الدولة لحساب توحيد الإمارات الإيطالية المتفرقة, ولم تكن معنية ببناء العلاقات المجتمعية على أسس أخلاقية أو غير أخلاقية, ولذا قلت انها ليست مطلقة في الزمان والمكان, بمعنى أن هدفها الرئيس والتاريخي كان محكوما بواقع خاص تحكمت فيه قوانين إقتصادية وثقافية تختلف عما عليه حال العالم اليوم.
خذ أمريكا الدولة الأضخم, قبل قرن كانت تجارة العبيد رائجة, أما اليوم فهناك رجل من أصول أفريقية رأيناه وقد اصبح رئيسا للبلاد. ومن الأكيد أن ذلك لم يكن قد حصل نتيجة لصحوة ضمير أو بتأثير من ثقافة تبشيرية لمفكر أو رجل دين, وإنما هو قد حصل نتيجة لتفاعل عوامل متعددة منها الإقتصادي والثقافي ومنها الإجتماعي والحضاري.
لنقف مثلا أمام الإقتصادي: كان إقتصاد القطن قد خلق الحاجة المادية إلى تجارة العبيد, ولم تستطع المسيحية لوحدها أن تكبح جماح تلك التجارة العار. وحتى في الإسلام فإنه لا يوجد تحريما قانونيا فعليا لقضية الإستعباد هذه. بل لعل كل ما يردده المسلم في أكثر الأحيان هو قول ينسب لإبن الخطاب (متى إستعبدتم الناس وقد ولدهم أمهاتهم أحرارا). بل إنني اجد أن اللجوء إلى ذلك القول مرارا يكشف عن ضعف حقيقي في نهج وقوانين التعامل مع قضية الرق التي ظلت في القرآن غير محسومة البتة, كما أنه يكشف عن عتب وليس منع أو تحريم, كما ظل التعامل معها يقوم على تحفيز الرغبات الفردية بدلا من سن قوانين تحريمية عامة وصارمة لتحريم التعامل بالرق.
ما أريد قوله أن بعضا غير قليل من التشريعات الإنسانية الحالية لم يأتِ بها الدين نفسه وإنما أتت بها مناهج إنسانية كان الوصول إليها قد تم بفعل تفاعل العديد من العوامل, ثم ذهبت السياسة إلى تطبيقها عمليا. وفي النتيجة كانت السياسة هي صاحبة الفضل في خدمة الإنسان في حين أن المؤسسة الدينية كانت تقوم في أفضل أحوالها بدور المتلقي إن لم تقم بدور المناهض للتحول الإنساني الذي يأتي نتيجة تطورات وضعية أرضية وليس بفعل أوامر ربانية سمائية. التطور الصناعي مثلا, حتى على صعيد المكننة الزراعية قد ألغى الحاجة إلى كثرة الأيدي العاملة. تطور الصناعة إستبدل الفلاح بالعامل, والإقطاعي بصاحب المعمل وقد صاحب ذلك سن قوانين سرعان ما نقلت أمريكا من عصر الزراعة إلى عصر الصناعة.
كان تحرير العبيد قد أصبح واقعا بفضل السياسيين لا بفضل رجال الدين الذين أِضطروا للعودة للتنقيب في كتبهم المقدسة من أجل اللحاق والتناغم مع هذه التطورات الحضارية على الصعيد الإنساني. فالمؤسسة الدينية غالبا ما تقف في البداية ضد التطور الإجتماعي وما يسبقه على صعيد التطور العلمي, حتى إذا تحول ذلك التطور إلى حقيقة واقعة لا يمكن صدها أو إلغاؤها فإن رجال الدين يعودون للتنقيب عن كل ما يتوافق معها, أو على الأقل لا ينتاقض معها, إن لم يدعِ شرف التبشير بها. والكنائس نفسها, قبل قانون تحرير العبيد, وحتى إلى فترة لما بعده ظلت مقسمة على العنصَرَيْن, إذ كان للبيض كنائسهم المعزولة عن كنائس السود. ولو كان الأمر قد إستمر على هذا المنوال لإضطر السود إلى تصنيع مسيح أسود, ورب أسود.
هناك محاولة واضحة لإلقاء تبعية فساد المؤسسة الدينية السياسية على مفهوم السياسة ذاتها, وهكذا يصبح ميكافيلي رغم أنفه منقذا لهؤلاء الفاسدين, إنه يصبح المنديل الذي يستعمله رجال الدين السياسي لكي يمسحوا به أنوفهم القذرة. الواقع أنه لا توجد عبر التاريخ تجارب دينية سياسية تنبئ بإمكانية أن يكون هناك توافق بين الدين, القيم الأخلاقية والروحية, وبين السياسة كونها محاولة وضعية للوصول النسبي إلى المطلق.
إن السياسي الوسخ, هو وسخ بطبيعته وليس لأن السياسة ذاتها هي وسخة بطبيعتها, وبالنسبة للسياسي غير الديني الذي يكون بعيدا عن المقدسات والمثاليات الأخلاقية المُنزلة فهو لن يكون مجبرا على (أما أن يأخذه كله أو يتركه كله) فهو بإستطاعته التصرف بحرية في خياراته وبطرق لا تخلق إشكالية بين المثال والواقع. أما رجل الدين السياسي, فهو في حقيقته, إذا سلمت النوايا, سيكون رجلا محبطا, وغير قادر على تصريف المثال الديني بمرونة السياسي الحر, وهذا سيجعله, أمام مغريات السلطة وبضغط من إشكالية الضد بين ما هو مثالي وما هو واقعي, إلى الإلتزام بالنصف الثاني من المعادلة, أي ان يتركه كله, وسيكون تخريجه للأمر أن السياسة هي القذرة, ثم لا يتورع أن يلقيها برقبة ميكافيلي.
الواقع أن رجل الدين السياسي يخلق إشكالية حقيقية لدينه أولا ولشعبه ثانيا, وفي العراق على وجه الخصوص يستطيع إسلاميو الدين السياسي أن يعلموك كيف تكون ملحدا في أسبوع.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ترامب وخطاب الكراهية ضد المسلمين
- طقوس الحزن الحسيني في إيران والعراق .. لماذا الإختلاف رغم ال ...
- وهل يرضى الحسين بهذه الكوميديا السوداء (2)
- وهل يرضى الحسين بهذه الكوميديا السوداء
- حتى جاء غاليليو
- العراق وتركيا .. البحث عن عبد ربَّه
- فساد ما فوق الطاولة .. فساد ما تحت الطاولة
- الموت عَضّا
- مفهوم الأغلبية السياسية في الوضع الطائفي الراهن
- في المسألة الهُزئقراطية والعراق الأمريكوراني
- الطائفة الشنية أو السيعية
- مرة أخرى .. خالد العبيدي رجل مع الملح لا مع السكر
- الإنتهازية والنفاق السياسي .. سليم الجبوري إنموذجا
- وهل ظلَّ لنا نفق لكي يبقى هناك نور في نهايته
- البرلمان العراقي لصاحبه سليم الجبوري
- قضاؤنا النزيه
- رجل مع الملح لا مع السكر
- حينما يكون الأستاذ فلان الفلاني ضد الطائفية
- الإنتخابات الأمريكية الحالية .. ساحة فضائح لا ساحة برامج.
- تركيا .. مَنْ إنقلب على مَنْ (2)


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي ...
- أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع ...
- الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى ...
- الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي- ...
- استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو ...
- في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف ...
- ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا ...
- فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
- ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جعفر المظفر - كيف تكون ملحدا في أسبوع