حسن الهاشمي
الحوار المتمدن-العدد: 1416 - 2005 / 12 / 31 - 07:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تلعب الظروف التاريخية والتراثية والاجتماعية دورا في ممارسة الديمقراطية وكذلك في الشرط الموضوعي
لتاسيسها .
سقوط حكم صدام الاستبدادي والغاء دولته بكل بناها الاقتصادية والسياسية والعسكرية ترتب عليه نشوء نظام
سياسي جديد احد اوجه هذا النظام هو ظهور كم هائل من الاحزاب والتشكيلات السياسية والدينية . وهي
ظاهرة استطاع الواقع العراقي استيعابها لتخلفه اولا ولان العراق بلد مدمر البنى الاقتصادية والاجتماعية ثانيا
هذا الكم سيظل هلامي ستلغيه المرحلة التي انتجته وكذلك الذين نظروا الى الجمعية الوطنية على انها وظيفة
شاغرة يمكن التقديم لها .
الحدث المهم في الوضع السياسي الجديد في العراق هو صعود التيار الديني الى السلطة والذي ترجم الايدلوجية
الدينية الى نظام سياسي وشهدنا ذلك في محاولاته والتي نجح فيها في تضمين الدستور لهذه الايديولوجيا .
ومن هنا ستكون نتائج الانتخابات مطابقة للواقع تماما والذي يتصور عكس ذلك يعيش الوهم وفق قناعات نظرية
ساذجة .
فلو كان عدد المصانع في العراق ومصر وفلسطين بعدد الجوامع لما استطاع الاخوان المسلمين في مصر من
الحصول على هذا العدد من المقاعد ولم تستطع , حماس , من السيطرة على الانتخابات البلدية وربما حتى
الانتخابات التشريعية القادمة وكذلك الحال بالنسبة للعراق . ففي هذه البلدان المدمرة البنى الاقتصادية والاجتماعية
ويعصف بها التخلف والجهل والامية . لاتجد هذه المجتمعات غير حبل الدين تتمسك به . فالناس صوتوا " للدين"
وهم غير معنيين بالبرامج السياسة المطروحة فهم صوتوا حبا " لآهل البيت " وتنفيذ دعوة المرجعيات الدينية
في التصويت ضد مايسمونه " الكفار" من العلمانيين والليبراليين.
لذا لايمكن الحديث عن تغيير تفكير الفرد دون العمل على تغيير الوضع الذي يطوف فية وكما قال المفكر الفرنسي
لوسان " نمط العلاقات الاجتماعية هو الذي يحدد الوعي وليس العكس "
المجتمعات العربية على عكس المجتمعات الاخرى ظلت متمسكة بالماضي وعظمت الاسلاف واصبح التحديث
والتجديد يلاقي معارضة شديدة وربطت كل تحديث " بالبدعة " والبدعة حسب تفكيرهم هي ضلالة تفضي الى
النار وعمل منتجوا الايديولوجية الدينية الى ايجاد بنى فكرية دينية ينعكس فيها البناء الاجتماعي من خلال ربط
" التاؤيلات " لايجاد نسق من الوعي يطغي على الاعتقاد والسلوك وتلزم المجتمع بالعيش والخضوع لها اي
ايجاد الانسان المجبور . وازاء هذا الواقع فليس كل ما تاتي به صناديق الاقتراع صحيحا فنجد الكثير من الكفاءات
والطاقات العلمية والاكاديمية وكذلك القوى المؤمنة بالمجتمع المدني المتحضر قد خذلتها الانتخابات . اي ان الفرد
العراقي صوت ضد مصلحته.
النكوص الذي اصاب القوى العلمانية والليبرالية يوضح مدى هشاشة المجتمع العراقي وغياب طبقته الوسطى التي
دمرها صدام وحل محلها العسكر الهمجيون, هذه الهشاشة وغياب دور الطبقة الوسطى وضعف التطور الحاصل في
البنى الاقتصادية والاجتماعية وفر الظرف الموضوعي لصعود التيار الديني الذي فقد مواقعه في مراحل سابقة.
والذي يواجه القوى العلمانية والليبرالية هو كيفية احياء الثقافة الديمقراطية والفكر العقلاني واعادة الفرد الذي نفض
يديه من مشروعها العلماني للتطور . فالعراق ينتقل من التطرف القومي ونظام الاشتراكيات الخاصة والدولة الممركزة
الى نظام اثني / طائفي/ ديني/ اقاليم واصبحت الولاءت على هذا الاساس, اصبح الولاء للمذهب اكثر اهمية من الولاء
للوطن, الولاء للمذهب يعني التقرب والتزلف لقادة المذهب وهو في نهاية المطاف نفس الانحطاط الذي رايناه في
الدولة القومية المتطرفة .
والذي سوف نراه في المرحلة القادمة هو ظهور الدولة المتدينة والتي سوف لن تكون ارقى من الدولة التي هدمها
" جيش التحالف " ففي مرحلة الدولة القومية المتطرفه كان القائد السياسي هو الحقيقة وفي مرحلة الدولة المتدينة
سيكون القائد الديني هو الحقيقة اي في كلا الحالتين رفض تفسير الظواهر على اساسها الموضوعي وهذا لايعني
انهاسوف لن تنتج اعلاميوها وصحفيوها والذين سوف يخاطبون قطاع واسع من الناس بعبارة اخرى ايجاد الوسائل
التي تعبر عن هذه الايديولوجيا.
الانقلاب الذي حصل في حياة الناس في فترة البعث " الدولة القومية المتطرفة " التي طرحت الدولة الممركزة
والقادرةعلى الحفاظ على وحدة الوطن والمتمثلة بشخصية القائد الذي هو الرمز والضرورة للوطن والدولة وهو
عمليا تجسيد الدولة القمعية الاستبدادية وعملت على تحويل مواقع وظيفيةكبيرة داخل المجتمع وكذلك محتويات
ثقافية شملت قطاع كبير من الناس بما يناسب نهجها. على سبيل المثال تجنيد اعداد كبيرة من المعدمين من
ابناء الجنوب العراقي ومدينة الثورة في الاجهزة الامنية والمخابرات واجهرة القمع والوحدات العسكرية الخاصة
بحماية حكم صدام الفاشي . وعملت على ايجاد رهط من الادباء والشعراء والمغنيين والصحفيين ليمجدوا القائد
الضرورة الى ان وصلت هذه الدولة الى نهايتها .
الانقلاب الاخر في حياة الناس هو وصول التحالف الديني الى مواقع السلطة الذي بشر باانهم يريدون ان يقيموا
" مملكة الله على الارض " وانهم النص المنزل الصارم والمبين في كتاب الله ولاشك انهم يريدون ان يقود المجتمع
نحو بعض التحولات وهذه التحولات سيحددها وعي هذه المجموعة ووعي هذه المجموعة يحدده مستوى تطور
البنى الاجتماعية والصراع الذي سوف يشهده العراق في المرحلة القادمة هو ليس صراع على نمطية الانتاج
وانما سيكون صراع على الخلافة بين هذه العائلة اوتلك اوشيخ العشيرة هذا او ذاك وهو اقرار بشرعية نظام
العشيرة والدين .
حسن الهاشمي
الشمال الامريكي
2005/12/29
#حسن_الهاشمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟