أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيثم بن محمد شطورو - الجسدي التائه















المزيد.....

الجسدي التائه


هيثم بن محمد شطورو

الحوار المتمدن-العدد: 5329 - 2016 / 10 / 31 - 03:12
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


فاتـنة تعبر الطريق ببطء. سيارة يقودها شاب وسيم تلامسها بلمسة خفيفة تدل على براعة السائق. لم تـفـزع أو تخـف و إنما التـفـتت إليه و ابتسمت. كانت تدرك إثارتها للعالم بقوامها الرشيق و كانت تريد للعالم أن يتكلم. إن جسده في السيارة امتد في لحظة لمسها فكأن بيده هي التي لامستها و هي كذلك من خلال ابتسامتها رأت جسده يلامسها و ليس السيارة...
إن الجسد الإنساني بما هو نفساني يمثل بؤرة كل المعارف و الادراكات و الوجود. انه الجوهر الممتد إلى خارجه. خارجه يحتويه بأحاسيسه و ادراكاته و يمتد إليه بانفعالاته و تصوراته.
علاقة العالم بالجسد مزدوجة، فهو مدار التأثير و هو مدار الامتداد و التضخم للجسد فيه.. الشمس رائعة لأني أتحسس دفئها كما أني أتمتع بنهار لا تعكره ـ تعكرني فيه ريح أو برد قارس أو ما إلى غير ذلك. العاصفة الهوجاء تبهج صديقي فيكون العالم لديه ذو جمال و روعة. و هكذا فالعالم هو نحن أو ما يصلنا به من أحاسيس مختلفة برغم كونه كذلك من زاوية موضوعية عالم صامت يتحرك بعماء و لكن ليس له وجود أو إيقاع وجودي بدون الإنسان و أحاسيسه و تعبيراته و كلماته. ما ينـتاب العالم من أحوال إنما هي تـنـتابني لمجرد إدراكي لها حسيا و إن كان ذلك على مستوى التـفكير التأملي الذي ينـقـل العالم إلى صور.
انه الجسد الممتد في كل ما يستعمله أو يصنعه أو ينجزه أو يمتلكه. فبيتي أنا و سيارتي أنا و ما أنجزه أنا الذي يتحول إلى لحمي و دمي. كل تلك الأشياء تـثير فينا أحاسيس نابعة من الجسد، حتى أن صورة البعث ما بعد الموت لا يمكن أن تكون مقبولة للعقل البشري إن كانت دون جسد ـ جسدي الخاص..روحي هي أنا جسدي..
فأغـلب الناس لا ترى في العالم غالبا إلا أشيائه المادية، ذاك أن التعبير المباشر و الواضح و العفوي هو التعبير الجسدي بما هو ادراكات حسية و انفعالات.
إن الثـقافـة كذلك ما هي إلا امتداد للجسد لمسافات أوسع و كأنه يتضخم في الزمان و المكان. كأن الجسد ينـتـشر و يكبر و يتضخم لأن العالم الذي في رأسي ضخم بفضل التصورات و الادراكات العديدة. و حتى الثـقافة العميقة المشتغلة بالكليات أي الفلسفة ما هي إلا تضخيم للجسد و رحلة له إلى ابعد ما يكون عن نقطة تواجده. رحلة إلى الكون برمته و الخلق و الله و خبايا النفوس و المجتمعات و إلى غير ذلك...
و المفارقة التاريخية التي حصلت هو التصورات الجسدية الجوهر كيف حولت نفسها إلى وجود ماهوي مستـقـل عنه بل متميزة عنه لتصنع لنفسها مفاهيم قمعه.. إنها لم تـفصل نفـسها عن جسدها فقط و إنما قسمت العالم إلى روحي و جسدي و عالم الحضور و عالم الغياب.. إنها حقـقـت استلاب الجسد و تعليقه و بالتالي قتله و لكنها في الوقت الذي قـتـلته فهي قد قـتلت نفسها كذلك.. غاب الجسد في المخاوف و الكوابيس و الرعب التصوري حتى غدا الجسد بالملموس يحترق و يقطع وسط الدمار المنتـشر لثـقافة القـتل للجسد و الحياة..
انه كذلك الجسد المستلب المتحول إلى شيء للاستغلال في المدنية الحديثة.. الجسد المقبور في بوتـقاته الفردانوية في المدن المكتـظة التي لا ينفتح فيها الجسد على الجسد في التواصل.. سكان عمارة واحدة لا يعرف بعضهم بعضا و الجالسون في المقهى يعزل الفرد نفسه عن الجسد الآخر الحي باستغراقه في العالم الافتراضي المنبعث من هاتـفه الجوال. مدن مكتظة بقوانين اهانة الجسد و تشييء الذات و عزل الجسد عن الجسد في نسخته الرأسمالية العولمية التي تحيل الواسطة بين الأجساد ليس عبر الانطباعات و الادراكات و الأحاسيس العفوية النابعة من الجسد للجسد، و إنما عبر واسطة المال الذي تحول من واسطة إلى عازل و إلى الاه يشيء الأجساد و يقـتل الذات بما هي جسد متضخم في العالم، ليعود العالم المعولم إلى عازل للجسد عن عالمه، و بالتالي إلى العزلة و الإحساس بتـقـزمه أمام العالم فيلتجئ إلى الجريمة و الإرهاب و المخدرات و بيع نفسه ليوهم نفسه بأحقية وجود وهمية تكرس عزلته عن العالم أكثر فأكثر.. عزلته عن العالم هي عزلته عن نفسه..
و بما أن الرأسمالية لها عقول تـفكر مسبقا لتأمين نفسها كنظام شبه ديني و مقدس، فإنها حثت الخطى
و استبقـت العالم للثورة عليها و على العولمة بواسطة مفاهيم العالمية الإنسانية التي تتمحور حول مطلب إعادة الجسد إلى عالمه و إعادة العالم إلى جسدانيته الإنسانية التي يعيشها الإنسان بثـقافة التواصل الحي المعري لحجب الجسد عن الجسد و حجب الذات عن الذات.. فالرأسمالية الامبريالية خلقت ما يسمى الإرهاب الإسلامي ليس لأجل جعله عدوها الافتراضي القادرة على السيطرة عليه بدل العالمية الإنسانية أو بالأحرى لقطع الطريق عنها بواسطة الإرهاب العولمي، و لكنها كذلك لأنها في جوهرها لم تـفارق بعد عالم المفارقة بين الإنسان و جسده. فليس غريبا أن تجد المسيحية الإنجيلية التي تعتبر الملكية مقدسة هي البيوتات الرأسمالية المهيمنة في العالم. كل ما قامت به هو تـفاعلها أو خضوعها للاكتـشافات العلمية التي أجبرتها على الاعتراف بجسدانية العالم فحولت هي هذه الجسدانية إلى تـشيـيئية له و بالتالي إلى موضوع استغلال و سيطرة..
و إنها ليست بالخطوط المتـقاطعة فقط، و لكنها ثورة الحرية العربية التي يتم الاشتغال على قتلها بتحويلها إلى إرهاب عولمي للسيطرة أكثر فأكثر.. و بدلا من التوقف هنا، فانه يجدر عدم الاكتـفاء بالأحكام السطحية التي قادت العرب من خيبة إلى خيبة اشد خطورة و بؤسا.. يجب أن يتم التعمق في النظر..
شعوب هي أجساد مقموعة يلفها الرعـب من كل جانب. انتـفضت على مصدر رعبها المباشر في الخارج و المتمثل في الاستبداد السياسي.. يتم التلاعب بها و إزاحتها إلى المربعات الأولية للضياع الجسداني الذاتي بفصل الجسد عن أحاسيسه و انطباعاته و ادراكاته، لتـتم عملية تغيـيب له بالكامل في بوتـقة الرعب الميتافيزيقي الذي يترجم نفسه بالدمار الذي نراه.. الدمار الذي ما هو إلا تـشضي للذات و موت لها عبر العقود و القرون بما هي ذات غائبة عن عالمها أو منفصلة عنه.. هذه اللحظة التي تتعاقد فيها إرادة عولمة الإرهاب مع عولمة تـشييء الذات و الجسد في العالم، هي في نفس الوقت لحظة ثورة حقيقية للذات التي تريد التواصل الفعلي مع جسدهاـ عالمهاـ تواصلها الحي مع نفسها و العالم.. التواصل الحي هذا ليس سهلا لأنه في قلب حرب عالمية عظمى تترجم نفسها في السياسات الدولية التي تعبر ليس عن الصراع بين واحدية القطب و تعدده فقط، و إنما بين انهيار الرأسمالية كتـشييء للذات و اغترابها عن نفسها و بين العالمية الإنسانية التي تريد القضاء على هذا التوحش و القسوة التي تفصل الإنسان عن نفسه و تـفصل الإنسان عن الإنسان بترسانة هائلة من الأكاذيب التي ثـقبت السماء و تهدد الكرة الأرضية بالفناء..



#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين العلم و الايمان
- حصان الثورة
- -جمنة- بين الثورجية و المعقولية
- تعاونية -جمنة-
- الكاتب و الزبالة
- أمريكا الداعشية
- -بورقيبة- و الثورة
- -يلزمنا ناقفو لتونس- رئيس الحكومة الجديد يستحضر شعار -شكري ب ...
- في الالحاد الاسلامي
- الفردوس المفقود المأمول
- رئيس الجمهورية التونسية يسحب البساط من الجميع
- الصادقون و الكاذبون
- هل تتجه تونس نحو سلطة الشعب؟
- تركيا نحو الانهيار
- سؤال بسيط: هل انت مؤمن فعلا؟
- -أردوغان- يفلت من العقاب
- أبي الغائب الحاضر و الإمام الغائب
- فتاة -هرقل-
- تقدمية المثقف الستيني
- الرئيس يلعب بالنار


المزيد.....




- تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
- ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما ...
- الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي ...
- غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال ...
- مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت ...
- بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع ...
- مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا ...
- كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا ...
- مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في ...
- مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيثم بن محمد شطورو - الجسدي التائه