رمضان عيسى
الحوار المتمدن-العدد: 5328 - 2016 / 10 / 30 - 19:12
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
مقدمة :
إن كل إنسان يتمنى أن يعيش في مجتمع خال من الظلم الاجتماعي ، مجتمع تسوده المساواة وتكافؤ الفرص . ولكن يبدو أن هذا هو مطلب عصي على التطبيق ، إنها أُمنية بعيدة المنال . ولكن هل يعني هذا أن نتوقف عن السعي إليها لكي نحصل عليها بهذا القدر أو ذاك ؟ بالطبع لا ، فيجب على الإنسان أن يكون الطموح لديه لتحقيق المجتمع الأفضل ضمن أولوياته للمحافظة على بقائه الشخصي والاجتماعي .
إن الديالكتيك هو علم التطور ، وهو جوهر الفلسفة العلمية والذي يوحي لنا بعلائم مستقبلية عن المجتمع الأفضل الذي سيكون نتيجة لحل الكثير من المتناقضات الحادثة في المجتمع ، والحلول الصحيحة ستقربنا أكثر فأكثر من المجتمع الأفضل .
ولكن الديالكتيك يعمل في المجتمع ليس بطريقة حسابية مستقيمة ، إنه يعمل بطريقة تفاعلية وصراع بين المتضادات في المجتمع يتخللها التدرج والقفزات ، وهذا لا ينفي إمكانية حدوث ارتدادات ، وهذا الطريق لا يمكن تحديده زمنيا ، فقد يطول أو يقصر حسب نوعية المتناقضات الاجتماعية ودرجة التفاعل الواعي والمشاركة النشطة من جانب القوى الاجتماعية التي لها المصلحة القوية في بناء المجتمع الأفضل .
إن الطريق طويل ، والنضالات لا تتوقف ، ولكننا نعلم أنه مادام هناك مجتمع إنساني على سطح هذا الكوكب ، إذا هناك إفرازات فكرية وسلوكية لا مناص منها ، حيث لا مفر من وجود مظاهر سلبية تلازم المجتمع الإنساني مثل : الفردية والأنانية ، والتي تزكي الجنوح لتنمية وخلق فوارق اجتماعية وطبقات .
ويقابلها الجماعية والاجتماعية ، والعادة الجمعية ، والنزوع إلى إظهار قيم الحق والخير والجمال. وبما أن الناس ليسوا بنفس المستوى من الفهم والاستيعاب للمجريات والمظاهر الحياتية ، إذا لا بد من وجود مستوى ولو بسيط من الجهل ، وبالمقابل مستوى نامٍ من العلم .
وهذه الفوارق ، وفي ظل ظروف معينة قد تنمو بحيث ينتج عنها طبقات اجتماعية تظلم بعضها بعضا ، وبالتالي تبقى هناك أيديولوجيات متلازمة مع هذه الفوارق أو الطبقات الاجتماعية . فالأغنياء سيتمسكون بالأيديولوجية الرأسمالية ، والأفكار البرجوازية التي يدافعون بها عن مصالحهم ، والجموع الغفيرة المُضللة سيكون عزاؤهم في الأيديولوجية الدينية التي ترسم لهم عالما آخر بعد الموت سيكون نصيبهم كتعويض عن العذاب والظلم الطبقي الذي يواجهونه في الحياة الدنيا .
أما من لديهم قسطا من الوعي الاجتماعي الطبقي ، وتعرفوا على الأسباب الحقيقية للظلم الاجتماعي ، فإنهم يرفضون الأيديولوجيا الرأسمالية ، والأيديولوجيا الدينية ، لأنهم عرفوا أن البديل لهذه وتلك هو الطريق الثوري للتغيير ، وستكون الأيديولوجيا الماركسية هي ملاذهم الفكري لأنها توضح لهم المبررات الواقعية والعلمية للتغيير ، وتمنحهم الثقة وتخلق لديهم الدوافع لإمكانية تحقيق المجتمع الأفضل على الأرض .
فعلى مدى التاريخ لم يستطع أي نظام حكم شمولي سواء كان نظام حكم ديني أو شيوعي من فرض أيديولوجية واحدة على شعب من الشعوب إلا بالعنف والإرهاب . فعلائم وجود أيديولوجية خفية خلف الأبواب المغلقة تطل برأسها من آن لآخر .
والسؤال ، لماذا هذه الأيديولوجيات ، باقية ؟
أولا : الأيديولوجيا البرجوازية
تتربع البرجوازية كطبقة مالكة على رأس الدولة في النظام الرأسمالي بوصفها المسيطرة على منابع الإنتاج الاقتصادي ، وتحت تصرفها ليس ما فوق الأرض ، بل ما في باطنها .
والرأسمالية كنظام اقتصادي تحت سيطرة الطبقة البرجوازية التي نشأت في رحم النظام الاقتصادي الإقطاعي ، ورفعت شعار الحرية والإخاء والمساواة ، استطاعت أن تبني أيديولوجيا تحافظ على مصالحها ، وان تطيل عمرها لأجل غير مُسمى .
فالفرد في النظام الإقطاعي كان مقيدا بنظام الإنتاج الزراعي الذي تكون فيه الأرض هي المصدر الرئيسي لإنتاج الغذاء ، ومقيدا أيديولوجياً بالفكر الديني وسلطة الكنيسة .
والثورة الصناعية التي انطلقت في أوروبا أطلقت العنان للانفلات من كل القيود الفكرية والاقتصادية التي كان يفرضها النظام الإقطاعي . من هنا ترعرعت الأفكار الداعية للتحرر من القيود العملية والفكرية السابقة ، وانطلقت إلى نظام فكري تحرري يتطابق مع التركيبة الاقتصادية الجديدة .
فكان أولها التحرر من ربقة الكنيسة التي انكشفت في ثورات الإصلاح الديني التي قادها " مارتن لوثر " (10 نوفمبر 1483 - 18 فبراير 1546) الذي أطلق حركة المعارضة (البروتستانت) على صورة خمسة وتسعين سؤالاً، علقها على جدار كنيسة (فيتنبرجWittenberg)، يسأل فيها كيف يمكن لمجرم ارتكب كل الذنوب، أن يدخل جنة نعيم ؛ بتذاكر اشتراها من مال حرام، ونبت لحمه في الحرام؟؟
وجاء بعده توماس كامبانيلا فأصدر كتابه " هزيمة الإلحاد " وعرضه على شكل سؤال وجواب ، وهو ما يذكر بكتاب (قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن) لنديم الجسر بين حيران وأستاذه ، مع الفارق .
وكان كامبانيلا يعرض حجج اللوثرين والمارقين بقوة ووضوح ، ثم يأت برد الكنيسة على شكل ممل تقليدي عويص ، فاحتارت الكنيسة في أمره ، فهو يعرض آراءها مقابل الشبهات ، ثم اقتنعت أن الرجل كاثوليكي صالح وأنه فعل جهده في اعتناق المذهب الصحيح والذود عنه ، وهكذا أطلقت سراحه بعد 23 سنة من حبسه الطويل ، وتلقف الناس كتاب الرجل فلم يكن هزيمة للإلحاد ، بل كان نبعاً للإلحاد ، وهكذا أصبح إنجيلا في يد كل من ينافس ويعارض الكنيسة ويريد النيل منها ، بسبب قوة الحجج المعروضة على لسان خصوم البابا والكنيسة . وكشف هذا الكتاب عدم قدرة الفكر الكنسي على الصمود أما أي تساؤل حتى في القضايا الدينية .
ساعدت ثورات الإصلاح على ظهور النظام الرأسمالي وشعاراته (الحرية والإخاء والمساواة) , ولكن وعلى الرغم من قيم الحرية الفردية والديمقراطية السياسية التي رسختها الرأسمالية بفكرة " العقد الاجتماعي " ، إلا أنها بتطورها زجت بالبشرية في حروب عالمية لا زال العالم يعاني من ويلاتها .
وكنظام اقتصادي لم يستطع أن يقضي على الظلم الاجتماعي ، وتقسيم المجتمع إلى طبقات ، طبقة برجوازية مالكة لوسائل الإنتاج ، وطبقة عمالية غير مالكة ، ولكي تعيش فهي مضطرة لبيع قوة عملها . كما عملت الرأسمالية على تقسيم العالم إلى "شمال وجنوب" ، أي عالم متقدم ، رأسمالي ، يملك الآلة العسكرية الجبارة والقوة الاقتصادية القادرة على إخضاع الجنوب الذي لا زال تحكمه العلاقات الإقطاعية الزراعية ، وتسيطر عليه أنظمة حكم ملكية وعشائرية متحالفة مع الاكليروس وفقهاء وممثلي الفكر الديني ، وهذه النظم لا تستطيع أن تنافس رأسمالية قائمة متطورة صناعيا وعلميا وسياسيا ، أي بقي الجنوب – إلا القليل من البلدان - تخيم عليه الروابط التي تعيق تطوره الاقتصادي والسياسي والثقافي .
فالأيديولوجية الرأسمالية التي تطورت إلى الإمبريالية ، باقية ما دامت تنهب خيرات الشعوب الأُخرى ، ما دامت دول الجنوب في الصف الثالث والأخير وبعيدة عن التطور الصناعي ، وغير قادرة على الاكتفاء الذاتي .
كما أن الرأسمالية بنهبها لخيرات الشعوب الأُخرى تخلق نوعا من الرفاه الاقتصادي لشعوبها على حساب الشعوب المنهوبة ، وهذا ما يكون بمثابة مسكن للاحتجاجات العمالية والفئوية .
كما تتناسب الرأسمالية مع الحرية الفردية والأنانية التي زرعتها الرأسمالية في أفراد المجتمع ، كما أن انتهاج الديمقراطية التي تفترض التنوع السياسي والفكري تستوعب كل أشكال الانفلات واللامبالاة ، وأيضا أشكال التمرد التي تحدث من آن لآخر نتيجة للأزمات الاقتصادية المتكررة التي تفرز مجموعات مثل " دعوات المحافظة على البيئة " أو " إحتلوا وول إستريت " ، فهذا الآراء والأفكار ليس لها القدرة على زعزعة الأسس الاقتصادية التي تقوم عليها الرأسمالية .
لهذا فالأيديولوجيا الرأسمالية باقية ما دام هناك نظاما اقتصاديا رأسماليا اخطبوطيا تسيطر عليه الشركات العابرة للحدود والقارات ، وما دامت هناك نظما اقتصادية متأخرة ، زراعية استهلاكية ، وغير قادرة على الاكتفاء الذاتي الصناعي .
#رمضان_عيسى (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟