|
في المشهد السياسي السوري: انتهاء صلاحية .. ومخاض عسير..!؟
جهاد نصره
الحوار المتمدن-العدد: 1416 - 2005 / 12 / 31 - 10:21
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
مثلما كان للجغرافيا السورية دورٌ حيوي في صياغة أحداث التاريخ الكبرى، تعود الآن للزمن السوري حيوية هذه الجغرافيا بعد نصف قرن من سبات طغى فيه عجز الحكام، وناست شعلة جدلية المكان والزمان لتصبح سورية في ذيل القائمة كلما كانت هناك قائمة لتصنيف المتقدمين.. وفي رأس القائمة كلما كانت هناك قائمة لتصنيف المتأخرين..! ربما يكون من الصائب هذه الأيام القول: إن التمعّن في ما مرَّ من أحداث خلال السنوات الخمس المنصرمة في محاولة لفكفكة ألغازها، وحلِّ معادلاتها، وكشف المجهول من رموزها، لا يحتاج إلى كثيرٍ من العناء كما كان عليه الوضع طيلة زمن الحكم المديد للرئيس الراحل. لقد انكشفت جملة الأوضاع السياسية الاقتصادية والاجتماعية بعد أن ظلَّت مستترة ومدعاة للتزييف من خلال التضليل الأيديولوجي عبر الإعلام المسيطر عليه بإحكام تعسفي قلَّ نظيره حتى في الأنظمة الشمولية المماثلة هذه الأنظمة التي وضعت هدف ديمومتها على رأس الأهداف إن لم يكن الهدف الوحيد.! وهكذا، كان لا بد للهزيمة الحاصلة دوماً على الأرض من أن تتحول إلى انتصار باهر على الورق وأن يصبح التخلف تقدماً.. والفقر المعمَّم وطنية.. والسكينة صموداً .. والجبهة المنقادة جبهة قائدة.! إن الأمر الذي يحتاج إلى كثيرٍ من العناء إنما يتحدد في تبصر طريقة وكيفية الخروج من نفق هذه الأوضاع الذي يقترب حجم تراكمها من لحظة الانفلات الداهم.!؟ لقد شهدت السنوات الخمس من عهد الرئيس الابن مساعي شتى في هذا المنحى بدءا من حزب السلطة الذي ( دستر ) لنفسه ديمومة التسلط مروراً بأحزاب الموالاة وانتهاء بأحزاب المعارضة..لكن، بعد التغيرات الكبرى التي حصلت في ميدان الفكر السياسي وتحديداً بعد انهيار المنظومة الشيوعية وملحقاتها، وبعد تسارع العولمة النشطة، وبعد اجتياح ثورة المعلومات وأنظمة الاتصال والإعلام حدود الدول إلى درجة أن هذه الحدود تحولت إلى مجرَّد بوابات جمركية بما يعني ذلك من انفتاح الشعوب على بعضها وانفتاح الجميع على مشهد عالمي جديد من أهم عناوينه: موضوعة الديمقراطية ومن أهم تفاصيله: قضايا حقوق الإنسان، فإن المشهد السياسي السوري الراهن يدلِّل على حجم الأزمة التي ترزح سورية تحت وطأتها.. وإلى أن جميع الأطراف الحاكمة والمحكومة لم تفلح في مسعاها لتلمس سبل الخلاص.! لقد تبين أن جميع اطروحات، ومسلكيات، وأدوات هذه الأطراف دون مستوى تحفيز القاعدة الاجتماعية بما يعني ذلك من حقيقة عدم تمثيلها لغالبية الكتلة السكانية من جهة أولى ومن ثم كونها دون مستوى الاستحقاقات المتوجبة والتي تفتح الطريق لإعادة تأهيل البلاد من أجل اللحاق بالعصر بله الانضمام إلى نادي الدول المتقدمة من جهة ثانية..!؟ ونحن لا نقول جديداً حين نذكر أن أول تلك الاستحقاقات يكمن في عودة الرعية إلى وضعية الشعب بما يعني ذلك من عودة الرعايا ليكونوا مواطنين في إطار منظومة – دولة - بمؤسساتها المستقلة وهذا غير ممكن من دون عودة السياسة والعمل السياسي بمقاييس العصر ومفردات الحداثة وانطلاق العملية السياسية المفتوحة وتغليب سيادة القانون والقضاء المستقل وتوفر فضاء حرية الإعلام والتعبير بكل صنوفه ومن غير كل ما تقدم لا يمكن إعادة تأهيل سورية في ظل – سلطة - للعودة من جديد إلى جغرافيتها السياسية الحيوية. لقد أصبح واضحاً للعيان خلال السنوات الخمس من عهد الرئيس الابن أن هناك تجانس شبه كامل بين مكونات الطبقة السياسية السورية من أحزابٍ موالية وعلى رأسها الحزب القائد وأحزابٍ معارضة لا رأس لها ومرد ذلك بالطبع إلى كونها أحزاب أصولية من حيث تشبثها بمراجعها المعرفية.. وشمولية من حيث خطابها السياسي المستحاثي واللغة الماضوية.! ولقد جاء ما عرف بإعلان دمشق ليشير إلى هذه الحقيقة الساطعة من جانب أحزاب المعارضة.! وفي واقع الحال إنما جاء هذا الاعلان ليؤذن بانتهاء صلاحية الجزء المعارض من هذه الطبقة السياسية الشائخة بعد أن كان الجزء الموالي قد استهلك من زمنٍ طويل.! ومن المؤكد أن عقم هذه الأحزاب تجلى في عدم قدرتها على التجديد الفكري والإبداع السياسي فظلَّت قابعة في مربع إعادة إنتاج الأفكار والسياسات وما التحالف المعلن هذا والذي جمعها مع تنظيم ديني سوى مؤشر على ما ندعيه فهي عوضاً عن القيام بمحاولة لتشجيع الإخوان على التحول إلى تنظيم سياسي مدني بما يعني ذلك من إعلامهم بتوافق الجميع على خطل إصرارهم على دينية الدولة وهو نقيض ما يدعونه عن الدولة المدنية، وأن سعيهم إلى الدولة الدينية يدفع إلى حالة نكوص تاريخي يعيد سورية إلى الوراء.! وبدلاً من محاورتهم حول أهمية تفعيل مفردات لغتهم السياسية الجديدة وبخاصة مفهوم التعددية وترجمة ذلك بعدم الإصرار على واحدية الشريعة الإسلامية واعتبارها مصدراً أساسياً فحسب وهو المؤشر اللازم لتثبيت مصداقية دعوتهم للتعددية التي تقتضي احترام كافة العقائد والمذاهب.! بدل كل ذلك تتراجع هذه الطبقة بمكوناتها القومية، والشيوعية، والشيوعية المتحولة إلى نصف ليبرالية، نراها تتراجع نحو الخلف سنة ضوئية..! اليوم وبعد إعلان دمشق تتبدى حاجة الداخل السوري المتدين بغالبيته إلى قوى وتعبيرات سياسية جديدة ومما لا ريب فيه أن المخاض وبالرغم من أنه مخاضٌ عسير إلا أنه سيدفع بالتأكيد باتجاه ولادات عديدة وقد يكون من بينها حزب إسلامي سياسي ديمقراطي يستوفي المعايير المدنية المعاصرة.!؟ نعم، حزبٌ بهوية إسلامية لا مذهبية وببرنامج سياسي لا فقهي.. برنامج لا يجيز استخدام شعارات دينية من أي نوع كانت ولا يجيز انغماس رجال الدين في العمل السياسي.. برنامج ينظر بنفس السوية إلى كافة الأديان والعقائد والمذاهب.. برنامج مدني لدولة مدنية من هذا النوع كفيل بتجفيف المستنقعات الطائفية .؟ ومن شأن مثل هذا الحزب أن يكسر احتكار التنظيمات الدينية لله ( جلََّ جلاله ) وأن يلغي مصادرتها للإسلام وتاريخه. ولم يبق إلا أن نقول: من غير ولادة تعبيرات وقوى جديدة تفتح الباب لنشوء طبقة سياسية جديدة سيبقى المشهد السياسي كما هو عليه الآن بما يعني ذلك من انعدام أية فرصة للتغير الديمقراطي في الأمد المنظور. وكيف لا وقد غابت كل محفِّزات النهوض الخلاق.!؟
#جهاد_نصره (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن كلِّ شيء.. وأشياء أخرى..!؟
-
والروبوت كاذباً ..!؟
-
ألتيكو الكتاب العرب والعيون الثلاثة
-
حالة انشقاق..!؟
-
حزب يبحث عن قاعدة
-
تضامناً مع المصلحة العامة وليس مع إبراهيم اليوسف
-
الدستور العراقي ومناحة القوميين العرب
-
الحراك الشعبي أمُّ المؤتمرات
-
الروبوت كاتباً
-
البنية المجتمعية للإرهاب
-
أتمتة الحزب القائد
-
فساد..تنا الإصلاحيين..!
-
مقدمة في علم الانشقاق
-
الإخوان المسلمون وتوافقات الحد الأدنى.!؟
-
في سورية الآن: فنتوزة* الفانتازيا.!؟
-
الدور التكاثري لاتحاد شبيبة الثورة
-
وما أكثر الإرهابيين الجبناء.!؟
-
أخيراً..جاء المخلِّص.!؟
-
فرقة السعادين القومية
-
الفتاة الممسوخة أم العقل الممسوخ.!؟
المزيد.....
-
أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد ل
...
-
في خطوة تثير التساؤلات.. أمين عام الناتو يزور ترامب في فلوري
...
-
ألم الظهر - قلق صامت يؤثر على حياتك اليومية
-
كاميرا مراقبة توثق لقطة درامية لأم تطلق كلبها نحو لصوص حاولو
...
-
هَنا وسرور.. مبادرة لتوثيق التراث الترفيهي في مصر
-
خبير عسكري: اعتماد الاحتلال إستراتيجية -التدمير والسحق- يسته
...
-
عاجل | نيويورك تايمز: بدء تبلور ملامح اتفاق محتمل بين إسرائي
...
-
الطريقة المثلى لتنظيف الأحذية الرياضية بـ3 مكونات منزلية
-
حزب الله يبث مشاهد استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية بصواريخ -ن
...
-
أفغانستان بوتين.. لماذا يريد الروس حسم الحرب هذا العام؟
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|