|
الطريق إلى الوعي الطريق إلى الديمقراطية والمدنية.
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5325 - 2016 / 10 / 27 - 23:50
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الطريق إلى الوعي الطريق إلى الديمقراطية والمدنية.
كتبنا كثيرا حوا أهمية الديمقراطية كممارسة أساسية ومهم لتشكيل إدارة مدنية لمجتمع إنساني يتحكم للقانون والعدل وتساوي الفرص تحت شروط المواطنة الحقيقية، وكتبنا أن المدنية ليست أيديلوجية أو فكر فلسفي أو أجتماعي كي نعتنقه بقدر ما هو إعادة ترتيب وتنميط العلاقات الأجتماعية داخل المجتمع الواحد، ترسم للفرد والمجتمع منظومة متكاملة من العلاقات التبادلية التي تحترم إنسانية الإنسان ووجوده من جهة وتحاول مساعدة المجتمع للتوفيق الإيجابي بين الحقوق والواجبات وفق مبدأ الضروريات أولا في ممارسة الحرية والقانون هو من يحرسها، أي أن نتحول من ديكتاتورية السلطة في فرض ورسم طريقة تطبيق القانون إلى ديكتاتورية القانون في رسم طريقة ومراقبة عمل السلطة. هذا التحول الجذري في دور مؤسسة السلطة جعل الإنسان الفرد الأجتماعي محمي من أنتهاك السلطة وتعسفها بأستخدام القانون ليكون الفرد الأجتماعي مطمئنا بحقوقه أن القانون سيفتح عيونه بأوسعها لحمايته لأن في ذلك حماية لمجتمع الذي شرع القانون، تقييد السلطة بموجب نظرية مدنية إدارة السلطة يحمي السلطة من الأنحراف طالما أنها تخضع للمراقبة والتغيير المباشر مع أي أختلال في عملها وستكون حريصة في تطبيق معايير القانون وتحرص على أن تخضع له لأنه الطريق الوحيد الذي يضمن لها شرعيتها ومشروعيتها، هذا التنميط الفكري العملي هو الحل الذي يجب أن يعاد عليه صياغة الوعي الأجتماعي ولأجله لا بد من أعادة بناء الثقافة السياسية والفكرية الأجتماعية بما يساهم من تجذير لها في الواقع العملي. المسألة الأهم في بناء النظام الأجتماعي المدني الديمقراطي هو ليس فرض الشاعرات أو تشريع الحق الديمقراطي، بل مهمة بناء الوعي الضروري اللازم والمستخلص من التجربة الإنسانية كمقدمة أساسية تسبق بلورة الفكرة كواقع، لقد كانت تجربة المجتمعات العربية مع الديمقراطية بغياب الوعي المستلزم أنها أعادت إحياء فكرة الاستعباد الديني بدل ظهور ترحيب وأستعداد نفسي وعقلي لبناء مجتمع مدني، والسبب الأساس هو أن كوامن الذات العربية ما زالت تبحث عن الحل الأسلم والأسرع بنظرها وهو تطبيق الفكرة الدينية كمثالية مطلقة، بناء على تصوراتها عن التجربة الأولى لحياة الإسلام/ مع تكرار ممل وفشل متواصل لكل النماذج الذي طبقت سياسيا وأجتماعيا كنظرية حاكمة وأيضا بغياب الوعي اللازم بها. لم يخطأ المجتمع العربي في أختياره للإسلام والدولة الدينية كخيار نتج عن ديمقراطية ناشئة جديدة لم يألفها ولم يعيها على حقيقتها الكاملة، وتقبل كل ما نتج عنها لأن ذلك توقع طبيعي لمجتمع لم يتبلور لديه حس واعي تجاه العالم الخارجي، وتجاه الحاجة إلى منظومة قيم تعيد له إنسانيته وبشريته، لم يكن أمام هذا المجتمع صورة متاحة وفاضلة ومطمئنة إلا العودة للدين الذي نشط دعاته برسم أحلام اليوتيبيا في ذاكرته، وأختيار شعار الإسلام هو الحل كمقدمة لجر الناس إلى تجربة غير منفصلة عن زيف تأريخنا الذي وصل إلينا على طبق من ذهب، دون أن نرى حتى ما في هذا الطبق من جرائم وأنتهاكات للإنسان المؤمن بالدين والمخالف، هذا القصور قصور وعي بنيوي وتشكيلي في عقل الإنسان العربي المضطهد والذي يتوق للحرية الطبيعية ليمارس إنسانيته المحجورة بالديكتاتورية والتجهيل والفقر والظلم الأجتماعي والأستلاب بسبب طغيان السلطة وطغيان القوة المحورية فيه. إن تزييف الوعي وتحريف الصور الذهنية عن الفكرة الأجتماعية المطروحة كانت واحدة من أهم عوامل فشل التجربة الديمقراطية في بناء مجتمع عربي قادر على التحول والتطور، ليس لأن العرب لا يؤمنون بالديمقراطية ولا يفهمون قانونها، ولكن لما يمارسه اللاعب الديمقراطي النشط في الساحة العربية الان وهو ما يسمى بالإسلام السياسي من قوة سلخ الإنسان من واقعه المحطم واللا إنساني نتيجة لما يزعمه من أنه فشل أكيد ولا إصلاح له في التجربة الإنسانية خارج إرادة الله، والدليل أن العرب عندما تخلوا عن دستور الرب القرآن الكريم لم ينجحوا بأن يعيدوا مثلة أيام الحكم الراشدي، فكل التجربة الإنسانية يجب أن تعود لتسير وفق قانون السماء وترك قانون الأرض وهكذا تم صياغة الخديعة الكبرى التي حطمت المجتمع الإسلامي العربي وأعادته بمكاسبه البسيطة إلى عصور تاريخية لا يمكن حتى الفخر بها أو تذكرها بما هي حقيقية جرت على الواقع. من الأسباب المهمة التي يعود لها فشل التجربة الديمقراطية في بناء مجتمع إدارته وفكره وقانونه مدني يعود أضافة لما ذكرناه من تخلف الوعي المجموعي أو الوعي الغالب عن دوره في قيادة المجتمع نحو رؤية حداثية إنسانية بمشروع كامل، هو أيضا غياب مشروع ديني واحد موحد يقف أمام طائفية المذاهب وتشتت الفكرة الدينية وتحويل الصراع الأجتماعي مع السلطة الغاشمة إلى صراع داخل المنظومة الدينية، لذا برزت الأحزاب الدينية الممثلة لكل طائفة ومذهب لتمارس التجزئة والتفريق والاختلاف بعنوان حماية المذهب أو صراع الشيعة والسنة، لقد حرصت السلطة السياسية الديكتاتورية على تغذية هذه الصراعات وتعميقها وتبني أتجاهات فئوية في محاولة خندقة الصراع وتجذيره لأنه في النهاية كمشروع يخدمها ويخدم أهدافها في البقاء أطول فترة ممكنة خارج إرادة الشعوب. أما العامل الأخير والذي أشرنا له سابقا من باب التلميح فهو غياب كامل لمنظومة دستورية وقانونية تؤمن بحقوق الإنسان وتعمل على حماية مؤسسات المجتمع، في المقابل هناك قوانين وأنظمة وحتى دساتير تمجد السلطة وتجعل من نفسها مع السلطة ضد المواطن بدل أن يكون المواطن والسلطة خصمين متساويين أمام القانون، هذا الأختلال في البناء الأجتماعي والسياسي سمح للقوى الحاكمة أن تمارس لعبتها في كبح أي توجه مدني أو ديمقراطي بحجة حماية المؤسسة الوطنية أو النظام الحاكم، وأستخدمت القانون الذي يخدمها لتصفية معارضيها وبقسوة دون أن يتمكن المواطن كفرد ومجتمع أن يحتمي به، فلو قرأنا كل القوانين الجزائية في كل المجتمعات العربية نجد مثلا أن القانون يعاقب بشدة على التعدي على موظف أثناء الخدمة، ولكن لم ولن نجد فقرة ولو صغيرة تعاقب الموظف الذي يعتدي على مواطن أثناء ممارسة الوظيفة.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وأنا المجنون زماني
-
صراع الماضي على أطلال الحاضر(تركيا الحاضر والعصملية المتجذرة
...
-
تأزيم المأزوم وسياسة تشتيت الوعي
-
ليس بالخمر وحده يموت الإنسان.
-
وهم الظل المتعافي
-
المشرع العراقي بين وهم ثوابت الإسلام ومبدأ الحرية الشخصية وح
...
-
شبهة الردة وحكم النص القرآني في إبطالها
-
جواد الشلال .... شاعر يركب صهوة الحب بهدوء
-
القضية الأخلاقية في النظرية الفلسفية المثالية
-
غدا........................
-
الحزن دراسة في فهم المعنى وكشف الدلالة _ ح3
-
الحزن دراسة في فهم المعنى وكشف الدلالة _ ح2
-
الحزن دراسة في فهم المعنى وكشف الدلالة _ ح1
-
النار تحرق وجه الارض
-
رحلتي في المرافئ القديمة
-
قراءة باردة على صفيح يغلي
-
قتل الطفولة وتجريم المجتمع.
-
وما ذا بعد؟
-
في ذكراه الخالدة “الحسين ينهض من جديد-.
-
في رحابة ليلة الحزن السرمد
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|