خالد حسن يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 5325 - 2016 / 10 / 27 - 15:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
- المقال يمثل وجهة نظر يمكن تفنيذها من قبل أي متابع او مهتم -
كثير من الصوماليين المنحدرين من الأراضي الصومالية الخاضعة لدولة الاثيوبية, يهتمون بشؤون الصومال وجيبوتي أكثر من اهتمامهم بخصوصيتهم الإقليمية, وهذه الظاهرة ليست سائدة بشدة مع اقرانهم من الصوماليين الخاضعين لدولة الكينية.
اهتمامهم بمدن كسمايو,جربهاري,بورذوبو,بوالي,مقديشو,بلدوين,ذوسامريب,عادادو,جالكعيو,جاروي,لاس عانود,برعو,هرجيسا,بورما,زيلع,جيبوتي العاصمة,علي صبيح, أكبر من اهتمامهم بالإقليم الذي ينحدرون منه.
في اعتقادي المبدئي انهم يميلون لعدم التضحية ويرغبون في العيش السهل, ناهيك عن الكثير منهم قد انذمجوا مع البلدين الصومال وجيبوتي, وليس هناك رابط فعلي يربطهم مع الإقليم الذي اصبح بذاكرة نسيان مستحبة بالنسبة لهم.
فهل هناك تصور آخر؟ أم ان الفرضية ذاتها خاطئة؟
معلوم انه بفعل الصراع الصومالي-الاثيوبي منذ عام 1963 نزح الكثير من الصوماليين من إقليم الصومال الغربي او الاوجادين نحو الصومال الدولة وفي اتجاه آخر نزح سكان صوماليين من الإقليم ذاته في اتجاه جيبوتي المستعمرة والدولة بفعل التنكيل الذي كان ينالهم من قبل الحكم الملكي القائم في اثيوبيا او بفعل ظروف طبيعية كانت تدفعهم للانتقال إلى إقليم جيبوتي او تداعيات الحرب ما بين الصومال واثيوبيا, وهذه الظروف ذاتها دفعت سكان إقليم اوجادين لتوجه نحو الصومال, وترتب على استقرار أعداد كبيرة من السكان الصوماليين في كلاتى الدولتين, وكانت النتيجة ان اصبح ملفهم ما بين ترحيب شعبي ونقمة في كل من الصومال وجيبوتي.
و لكونهم صوماليين وفي ظل مشاعر قومية فاستيعابهم اجتماعيا وسياسيا كان حتمية في الصومال, وفي المقابل هناك من نظر لهم كعامل تهديد لتركيبة السكانية القائمة في كلاى البلدين واعترض على الترحيب بهم, في جيبوتي لعب العفر ذلك الدور وفي ظل دولة شراكة ما بين القوميتين الصومالية والعفرية, ورغم ان الكثير من عفر جيبوتي ذاتهم قد كانوا انتقلوا من اريتيريا في زمن ثورتها على الاحتلال الاثيوبي, بينما وقف بعض الصوماليين الموقف ذاته تجاه بعض النازحين الصوماليين ولاسيما المنحدرين من قبيلة الاوجادين والتي تمثل أكبر الأطياف الاجتماعية القاطنة في الصومال الغربي(الاوجادين).
وفي الصومال فان تواجدهم اجتماعيا وحضور نخبتهم سياسيا وعمل النظام لاستخدامهم كأداة لمواجهة خصومه, اسهم في استهدافهم سياسيا واجتماعيا من قبل المكون الاجتماعي الاسحاقي, في حين ان سيطرة المكون العيسى على النظام السياسي القائم في جمهورية جيبوتي قد اسهمت في استيعاب النازحين الصوماليين الذين حلو عليها وكان الغالبية منهم منحدرين من قبيلة عيسى, رغم ان الكثير منهم تم إدراجهم تحت تصنيف الاجئين وانتهوا كورقة سياسية يلوح باستخدامها الرئيس اسماعيل عمر جيلي, تجاه خصومه السياسيين والقوى الاجتماعية الرافضة لسياسته.
- انذماجهم في الصومال وجيبوتي
طيلة عقود من الزمن استطاع النازحيين الصوماليين ان يصبحوا بجزء من التركيبة السكانية في دولتي الصومال وجيبوتي حيت تجذرت اجيال منهم في البلدين, خدموا في القوات المسلح ودافعوا عن الجغرافيا السياسية وقدموا تضحيات كبيرة بفعل العامل القومي, عملوا في شتى المؤسسات, ومع انهيار الصومال كدولة ولاسيما مع انخراط البعض في الصراع الصومالي في ظل مرحلة النظام وجد البعض منهم كهدف للمؤتمر الصومالي الموحد, مما أدى لعودة الكثير من المنحدرين من قبائل الابسمي إلى إقليمهم الأم, بينما لم يشمل ذلك أقرانهم من النازحين ممن توزعوا على المدن وتراب الصومال عموما إلى على مستوى الحالات الفردية, وساهم النازحين خلال استقرارهم في عمران مدن ومناطق ريفية على امتداد جغرافيا الصومال واصبحوا بذلك بجزء من النسيج الاجتماعي وسهل ذلك انهم تمازجوا مع ابناء قبائلهم المستقرين في الصومال, والمعلوم ان أراضي إقليم الاوجادين كانت تمثل أراض مشاع للكثير من القبائل الصومالية التي كانت تنتقل في هذا الاتجاه الجغرافي في مواسم العام للحصول على الكلاى والماء.
- الصراع ما بين الصوماليين والاثيوبيين
إندلاع الصراع المسلح بعد انهيار الدولة الصومالية في عام 1991 لعب دور بارز في عدم عودة الكثير من النازحين إلى مناطقهم, حيت اصبح إقليم الاوجادين بمسرح عمليات عسكرية ما بين تنظيم الاتحاد الاسلامي والحكومة الاثيوبية لاسيما في الفترة 1993-1996 وتلك الأحداث لم تسهم في استقرار الاقليم, بل انها شكلت سبب في موجة تشتت لبعض السكان وعامل غير جاذب لعودة النازحين السابقين إلى ديارهم, كما ان العامل المعنوي لعب دورا في عدم عودتهم, فنازحين الذين اعتادوا ان يجدوا ذاتهم كجزء عضوي من محتمع صومالي استوعبهم وساهموا في ادوار خدمته والتفاعل معه وجدوا ان عودتهم في ظل الاحتلال الاثيوبي يمثل بواقع غبن بالنسبة لهم ولاسيما في ظل المواجهات القائمة في الاقليم ما بين الصوماليين الممثلين في الاتحاد الاسلامي الصومالي والجبهة الوطنية لتحرير الاوجادين من جهة والحكومة الاثيوبية, مما اسفر عن انتقال نازحين جدد ممثلين في هيئة التنظميين.
عوضا عن ذلك فان جزء منهم قد اصبح يتماهى مع قوى سياسية صومالية تسيطر على بعض الجهويات الجغرافيا ويرى ذاته انه شريك في الإرث الجهوي مما يعفيه من خوض عناء سياسي ومسلح مع الدولة الاثيوبية والتي اصبح لها رابطة سياسية وثيقة ومسيطرة تجاه هذه الجهويات الصومالية, وهذا النموذج يتمثل في إدارة الانفصال ,أرض البونت وبعض جهوية قبائل الهويي وإدارة جوبا, وبشكل عام فان النازحين الصوماليين إلى الصومال او جيبوتي اعتادوا على عيشهم في ظل رعاية دولة وهذا ما هو ليس بحاضرا في الاقليم الذي كانوا قد نزحوا منه منذ عقود, فالادارة الصومالية للاقليم والخاضعة لدولة الاثيوبية لا تمثل بكيان سياسي قادر على استيعاب النازحين كمواطنيين وبمعزل عن التمييز العنصري القبلي او نظرا لفساده السياسي, الاداري والمالي وبتالي فان هذا النموذج لا يشكل ككيان جاذب للبعض منهم, وبهذا الصدد هناك نادرة من صنع أمير حرب محمد سعيد حرسي(مورجان), كان قد اطلقها في عقد التسعينيات عند توزيع إعانات على سكان محافظة جوبا إذ حصر في إحدى المواقف على ثلاثة قبائل وهم الاوجادين,المريحان والذولبهنتي, وحين اعترض الآخرين من قبائل دارود على موقفه, برر ذلك بان هؤلاء لا يستطيعون الاعتماد على انفسهم بصورة مستقلة, بينما الآخرين يستطيعون الاهتمام بامورهم, إلى ان المقولة لا تخلوا من الخبث السياسي والمنطلق من تصور امير الحرب الساعي إلى استقطابهم سياسيا وعسكريا وجعلهم كأداة لحروبه التي خاضها.
- الاسلام السياسي النازح
يشمل النازحين صوماليين متنمين لتنظيمات الاسلام السياسي والتي يشكل الصومال مسرحها سياسي ومنها الاتحاد الاسلامي الصومالي والقوى المتفرعة منه,حركة الاصلاح,الحركة الاسلامية الصومالية(الدم الجديد), وهناك اعداد من قادة هذه التنظيمات واسرها تنحدر من اقليم الاوجادين, وهؤلاء استطاعوا ان يبنوا مجدهم السياسي ومصالحهم في الصومال وساهم بعض قادة التنظيمات في صناعة كنتونات سكانية ساهم النازحين في إقامتها, ويمثل ذلك بدافع مساهم في عدم عودة النازحين إلى ديارهم, ومن استثناءات ذلك تجربة إنشاء بلدة راسو Raaso والتي تم تعبيدها عبر إهدار دم الأهالي من قبل أحد أبرز رجال حركة الاصلاح ممثلا بالطبيب ابراهيم دسوقي والذي دعم الصراع المسلح على المنطقة ما بين قبيلتي الاوجادين والشيخال في الاقليم.
والأهم من كل ذلك ان المنحدرين من اقليم الاوجادين تورطوا في صراعات الصومال الدولة والمعارضة السياسية والحروب الاهلية, وبعد حرب الاوجادين 1977-1978 اصبحوا باداة هدم للقومية الصومالية اكثر من ان يشكلوا كجدار منيع باستثناء من خدموا في مؤسسات الدولة ولم يكونوا كمعول هدم على المستوى الصومالي وغير منخرطين في صراعاته الداخلية, وتقضي الضرورة بان يعيد هؤلاء ولاسيما الجيل الشاب منهم شريط الذاكرة التاريخية التي تلقوها من اسلافهم في مدى سمو القضية التي يمتون لها بصلة عضوية وهي حرية اهاليهم واراضيهم الخاضعة لدولة الاثيوبية,ولا يتخذوا الصومال كوطن بديل وان يسيروا على خطاى النازحين الذين عادوا إلى اراضيهم وساهموا في تعميرها وتنميتها, وفي المقابل ان لا يحصر النازحين إلى جيبوتي ارتباطهم مع اراضيهم في مشهد زيارة سنوية للهروب من شدة الحرارة صوب مدينة ديرذابا -dir-dhaba والآرياف والعودة مجددا إلى جيبوتي, ومبدئيا فكلاى البلدين يمثلان بحواضن اجتماعية لأقرانهم الصوماليين في اقليم الاوجادين متى ما اقتضت الضرورة ذلك وهذا ليس حصرا على الدولتين حيت ينزح صوماليي الدولة بدورهم نحو جييبوتي واقليم الاوجادين, بينما التجربة التاريخية لصوماليين الخاضعين لدولة الكينية مختلفة, فهؤلاء نزوحهم إلى الصومال لا يذكر اتساعا وهو ما قد ساهم في تجذرهم في اراضيهم.
#خالد_حسن_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟