سعادة أبو عراق
الحوار المتمدن-العدد: 5325 - 2016 / 10 / 27 - 01:23
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
لماذا ابتعدنا عن ثقافة المطالعة
تطالعنا يوميا كتابات تورد إحصاءات عن الكتب الصادرة في أي بلد أجنبي ، وتقارنها مع أعداد الكتب المتواضعة في العالم العربي، وفي تحليل إحصائي يقسمون عدد الصفحات على ملايين العرب ليخرجوا بنسبة هزيلة مضحكة تدعوا إلى الرثاء، أنا ضد هذه العجرفة الفكرية التي تبدوا وكأنها مأجورة ، فمن المخجل أن نعيب على المريض مرضه ، يل نعيب على الطبيب الذي لم يستطع أن يشخص المرض ويعطي العلاج المناسب.
: لم بكن للعرب، أي فكرة عن التدوين الكتابي، حتى بداية العصر العباسي، وقد تمت كتابة القرآن بعد جدل كبير بين ابي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولكن الحديث الشريف طل متناقلا شفاهيا، لقول رسول الله (ص)[نخن أمة لا تكتب ولا تحسب] لذلك فقد فهم هذا الحديث على استكراه الكتابة، فعن ابن عباس قال (إنّا لا نَكْتُبُ العلم ولا نُكتِبُهُ) وعن سعيد بن جبير أن العباس كان ينهى عن كتابة العلم يقول ( إنما ضل من كان قبلكم بالكتب) فهذه النصوص وغيرها تذم الكتابة والكتاب، و تعلي من ثقافة المشافهة والتدريس المباشر ، وظلت ثقافة السماع إلى يومنا هذا،
في يقيني أنه لا يوجد في جينات المواطن العربي ما يثبت أن العرب أمة لا تقرا كما يروج الأدعياء، بل هناك ظروف هي التي تملي على العربي سلوكا يصبح فيها غير مكترث بالقراءة، وأظن أن الأسباب كامنة في المجالات التالية :
1- النظام المجتمعات العربية ، بسبب فشل الحكومات العربية في تكوين مفهوم الوطن الذي يضم المواطنين كافة ،بقيت المفاهيم العشائرية سائدة رغم أن الزمن قد تجاوزها كثيرا ، فما زالت الوجاهة والمشيخة والزعامة المجتمعية مرهونة بالقيم القديمة ، كالفهلوة ووراثة الزعامة والجاه والقدرة على استقطاب الأتباع، له معرفة بالمحافظ ورئيس البلدية ومدير الشرطة ومدراء الدوائر، أما المثقف والمتعلم فلا قيمة له، إلا من باب المجاملة لأنه لا يحسن مهارات المتنفذ، والدولة تأخذ برأي زعماء العشائر وليس المتعلمين وأصحاب الاختصاص في الجامعات, لذلك لا نستغرب من قناعة الكثيرين بأن الثقافة ميزة لا تفيد، وعليه فلم يصبح المثقف النموذج الأمثل في المجتمع ، بل أُعطيت الأهمية الكبيرة لشيوخ العشائر ورجال الأعمال والأثرياء والموظفين الكبار في الحكومة وأصحاب الرتب العالية في الجيش.
2- النهضة الحضارية : هذه النهضة التي نبتت بصعوبة في القرن التاسع عشر حفزت الكثير من المفكرين للخروج من التخلف الحضاري، فهبوا إلى بناء حضارة تليق بهذا العصر، إن رجال الفكر في مصر وغيرها كانوا يجترحون المعجزات في ظل المستعمر الذي يريد الإبقاء على التخلف، وهي جذوة خلقت متلازمة الكتابة والقراءة, وفق المقولة التي شاعت بان القاهرة تؤلف وبيروت تطبع وبغداد تقرأ، هذ الحركة التي توقفت في الربع الأخير من القرن الماضي، وبدأت الانهيارات المجتمعية، ذلك أن الفكر لم يواكب التطور، ولم يكن عصب الحركة التاريخية, وأصابنا الخواء الفكري، أفضى إلى تدمير مجتمعات وشعوب هي منبع الحضارات.
3-الحركات الإسلامية: ظهر مشروع أسلمة المجتمع في سياق الحرب الباردة بين المعسكرين لوقف المد الشيوعي لصالح الهيمنة الأمريكية في المنطقة ، لذلك كان هجوم الإسلاميين شرسا على مشروع النهضة والنهضويين, وفي ظنهم أنهم يثأرون من جمال عبد الناصر وتركته الحضارية، ولكنها كانت كارثة حينما توقف تطور الأمة وتعرقل نموها، من خلال ضرب ثقافتها، في منهجية مدروسة كما يلي.
أ- نشر الثقافة السمعية من خلال إغراق السوق بأشرطة لرجال دعوة، مما دفع الكثيرون لاستبدالها بالكتب التي تعتبر مراجع يجب الأخذ منها, وليس من دعاة يقدمون رأيهم، الذي قد لا يكون صائبا
ب- ترسيخ ثقافة اسأل الشيخ، حيث ساهمت هذه الثقافة أيضا بالقضاء على القراءة، وجعلت الاتكاء السهل على معلومات الشيخ، وأن يصبح الشيخ مرجعا موثوقا, وأهمل الناس القراءة ، وكان على الشيخ أن يجيب السائل لأن يرجع لكتاب كذا في الصفحة كذا لمؤلفة فلان.
ج - عدم الاهتمام بالتثقيف الحزبي، وإجبار أعضاء الحزب الإسلامي القراءة في مجالات غير النصوص التراثية السهلة، وخاصة أفكار وثقافة الخصوم المستهدفين.
د - تم التقليل من أهمية العمل الدنيوي وتهميشه لصالح الفوز بالجنة، وهذا عزز الفردية عند الناس, إذ صار همه يجمع الحسنات بالأعمال البسيطة، كأن يقول سبحان الله وبحمده ليكسب الف ألف حسنة، أن مشروعه هذا لا يتطلب منه القراءة والاطلاع، ويكفي ما يسمعه في خطبة الجمعة وما يقوله الدعاة وما يسمع من أشرطة، وبالتالي ما عادت يلزمه الكتاب ولا تفيده المطالعة
هـ - تم تشويه أفكار رجال النهضة الميتون منهم والأحياء ، مثل جبران وطه حسين ولطفي السيد ومحمد عبده، واغتيال فرج فودة ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ، وبهذا الموقف المعادي جعل الإسلاميين يبتعدون عن قراءة هؤلاء بل واعتبارهم أعداء للأمة والدين.
4- الأحزاب والمؤسسات الاجتماعية : إن تعطيل العمل الحزبي لنصف قرن من الزمن، ما كان إلا تعطيلا لدوْر الحزب في تثقيف أعضائه، هذه المهمة كانت أساسية لخلق شخصية حزبية مثقفة ، وذلك من خلال قراءة مستديمة، هي بالتأكيد تساهم بنشر الثقافة، ولكن الأحزاب التي نشأت أخيرا كانت أحزاب وجاهات لم تلتفت إلى هذا الواجب، وكذلك أحزاب السلطة والأحزاب الإسلامية كما أسلفنا، لم تشجع على القراءة بل الاستماع لما يقدم لهم، وكذلك مؤسسات المجتمع المدني لا تجد من واجبها تشجيع القراءة والبحث والثقافة، فعلى كل جمعية خيرية أو ناد أو مؤسسة أن تضع ضمن خطتها أنشطة ثقافية تعمل على تحقيقها .
5- الدولة : رغم أن الدولة من واجبها أن ترعى النشاط الثقافي، إلا أنها لم تقم بهذا الدور على ما يرام
أ- ما زالت تتعامل أمنيا مع المثقفين، وإرسال المخبرين إلى الندوات، ولا أدري من أين جاء هذا الوهم للسلطات الأمنية بأن الكاتب خطير جدا ، وأنه مسموع الكلمة ، وأنه قادر على تحريك الشارع والناس، فكيف والحالة هذه أن نقيم ثقافة، والمثقف ملاحق أمنيا؟
ب- تبنت الدولة الكتاب المنافقين الذين يدافعون عن سياستها وإجرآتها، واستبعدت غيرهم ، لذلك فقد وقر عند الكثيرين أن كل الكتاب منافقون، ولا داعي لسماع مزيد من النفاق.
ت- كيف لدولة تشك في نوايا مثقفيها وتعتقلهم كخارجين عن القانون أن تبني احتراما لهم في النفوس ، فالقارئ يقرأ لمن يحبه، ولمن هو مشهور، وبما أن الدولة لا ترى في المثقف مواطنا صالحا ومطيعا, فكيف تجعل الناس يقبلون على قراءته ؟
ث- على الدولة والناس أن يعرفوا أن الكتب هي ثمار الحضارة ، وأن دولة التي ليس بها كتاب أو فنانةن ومفكرون أو مثقفون هي شجرة عقيم ، وإن المبدعين خالدون ويخلدون معهم أممهم، ويعطونها هويتها، ويقال أن تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا قالت لمن ادعى أن شكسبير عربي : خذوا ما تريدون من بريطانيا إلا شكسبير.
` وأخيرا ،سواء أصبت فيما أوردت من آراء أو جانبني التوفيق، فإني اجتهدت في البحث عن الأسباب الممكنة، وهي أسباب قابلة للتصويب، وقابلة للزيادة، عند من استهواه الموضوع، وأن الأمور ليست سوداوية كما يوحي المقال، بل هناك ثقافة ومثقفين ومفكرين وفنانين ومبدعين نعتز بهم، وقراء يعرفون قدر الكتاب ، وأن هناك جهود من وزارة الثقافة لحمل الناس على القراءة من خلال مشروعها( القراءة للجميع )
أعجبنيعرض مزيد من التفاعلاتتعليق
#سعادة_أبو_عراق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟