عماد الدين رائف
الحوار المتمدن-العدد: 5323 - 2016 / 10 / 24 - 20:12
المحور:
الادب والفن
وأنا على مقاعد الدراسة، وصلتني قصيدة "أغنيتي" للشاعر والكاتب والعالم اللغوي الأوكراني الكبير إيفان ياكوفليفيتش فرانكو (1856-1916) عبر ترجمة روسيّة لشاعر ومترجم مُبدع عاصره هو قنسطنطين بوريسوفيتش بارخين (1876-1938). في ظلال الأحرف الروسية للترجمة كان بإمكان قارئها تلمّس مدى روعة الأصل الأوكراني، ولا عجب في ذلك حين يترجم شاعر أمين لشاعر يحفرُ وقعُ كلماتِه عميقًا في الوعي الجماعي للمتحدثين بلغته.
تلك الكلمات سرعان ما اقترنت بلحن دينيس سيتشينسكي (1865-1909) وانتشرت تحملها النسائم الأوبرالية للمغنية الأولى في ذلك الوقت سالوميا كروشيلنيتسكايا (1872-1952). لكن النسخة التي وصلتنا من الأغنية هي بصوت ديانا بترينينكو الملائكي، في تسجيل نادر لإذاعة أوكرانيا السوفياتية يعود إلى العام 1972. اليوم، وبعد تنقية صوت التسجيل ما أمكن، وعند بثّ أغنية فرانكو التي غنّتها ديانا عبر قنوات التلفزة في المناسبات، غالبًا ما تقترن بمشاهد من فيلم سوفياتي شهير يؤرخ لسيرة حياة سالوميا بعنوان "عودة الفراشة" (إخراج أوليغ فيلاكو، إنتاج "فريميا" 1982).
كثيرة هي قصائد فرانكو التي تحوّلت إلى أغان فلكلورية، خاصة الغزلية منها. فأول ما يتبادر إلى الذهن عند سماعك أغنية تراثية أوكرانية، سؤال: أهي لإيفان فرانكو أو تاراس شيفتشينكو؟ كما أن مترجمي الأدب الأوكراني من الأوكرانيين والغربيين نقلوا العديد من قصائده إلى لغاتهم، إلا أن مناجاة الشاعر لأغنيته – قصيدته لم تسلك طريقها إلى الدواوين الغربية التي ظهرت باللغات الحية في أوروبا وأميركا، بعضها كان مخصصَا لفرانكو واحده وبعضها الآخر للقصيدة الأوكرانية بشكل عام، والتي احتل فيها فرانكو موقعًا رياديًّا. ولا نعلم بالفعل إن كان المترجمون الغربيون يعرضون عنها لانتقاء القصائد الأكثر بهجة، أم أن الانتقاء كانت له معايير أخرى. وهنا يسلك سؤال آخر طريقه إلى الذهن، يتعلق بالخصائص الشرقية للحزن الذي ضمّنه فرانكو في قصيدته.
الأغنية الحزينة، أرادها إيفان فرانكو "عصفورة جريحة" رسخت في أذهاننا "طفلة مسكينة"، أما "عشق الجرح المسموم" الذي ضمّنه في أحلام المجانين، فبات دندنات عن "الأخوَّة والحريّة"، ومع ذلك، وبالرغم ممّا اقتضته قواعد الأوزان والقوافي، تجلّى إيفان عبر أغنيته وهو يُسدل الستار على نضال طويل في الحياة، خاضه في سبيل إعلاء شأن الكلمة.. وكان له ما أراد.
يقول فرانكو في قصيدته "أغنيتي":
أغنيتي.. أيا عُصفورتي الجريحة،
عمَّا قريب - أنت أيضًا - ستصمتين!
أراها نسِيَتنا شمسُ الظفر،
ولم تعد تشعُّ علينا من عليائها.
"المجانين - وحدهم - يحلمُون في ليلهم الأزلي،
بالأخوَّة، والحريَّة، والحبّ..."
فعلامَ تبكي عيناي الحزينتان، وتقطران دماءً حارَّة!
الليلُ كالقبر، صامتٌ معتم، تخنقُه يدٌ خفيّة...
فيا أغنيتي، يا عصفورة بلا مأوى،
أخفضي صوتك! آن لك أن تسكُني.
---
إيفان فرانكو: أغنيتي – عيون الشعر الأوراسيّ المغنّى (2)
#عماد_الدين_رائف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟