حقائق وتفاصيل جديدة :
التيار الوطني الديموقراطي وراهن المعارضة العراقية .
" الجزء الأول "
تتكاثر الأسئلة في الوسط العراقي هذه الأيام عن حقيقة وماهية التيار الوطني الديموقراطي العراقي وراهن المعارضة العراقية خصوصا بعد أن نشط هذا التيار في الفترة الأخيرة وأطلق مبادرة جديدة لعقد مؤتمر للمعارضة العراقية يعقد على أسس الانتماء الوطني العراقي وليس على أساس الولاءات الطائفية أو الإثنية و بموجب آليات الشفافية والديموقراطية في تسيير أعماله . ولو أن الأمر توقف عند حد الأسئلة المشروعة والاستفسارات المفيدة لكان الأمر طبيعيا وإيجابيا ولكن بعض الأطراف والقوى والأشخاص ممن فاجأهم زخم التحرك الأخير للتيار وما حققه حتى الآن من نجاحات طيبة على طريق تكريس خيار الحل السلمي و التغيير الداخلي لإنهاء الدكتاتورية ودرء الحرب وعلى طريق تحقيق مبادرة المؤتمر الجديد للمعارضة العراقية ولكن هذا البعض راح يزدري ويشنع على التيار وبعض أسماء رموزه المعروفة ، زاعما تارة بأن التيار ليس إلا ( شخصين أو ثلاثة من مدينة عراقية جنوبية ) كما زعم أحدهم قبل أيام أو أنه مجرد أوهام يروج لها " كاتب موتور " ! ومع أن العبرة ليست في العدد والكم ، وهذا ما يعرفه العراقيون من خلال تجربة حزب البعث الحاكم في العراق الذي بلغ عديده التنظيمي الملايين، ومن خلال بعض الأحزاب التي تدفع رواتب ومخصصات حضور لأعضائها بالدولار ، ولكننا سنحاول تفنيد هذه التخرصات والتقولات المتحاملة بنقل الخبر التالي ليطلع عليه الرأي العام : أن المبادرة التي أطلقها التيار الوطني الديموقراطي بخصوص المؤتمر الجديد للمعارضة العراقية الوطنية قد وافق عليها حتى الآن عشرون حزبا ومنظمة وجمعية عراقية معارضة إضافة الى مجموعة تضم العشرات من الشخصيات المستقلة والمرجعيات الدينية ، وباختصار فإن عدد الموقعين على المبادر الى الآن فاق الستين عراقيا وعراقية !
ما هو هذا التيار وما أفكاره السياسية وكيف نشأ وما علاقته بالمعارضة العراقية ؟
إن التيار الوطني الديموقراطي العراقي ليس حزبا أو تنظيما سياسيا حتى الآن ، وليس إطارا تحالفيا بين تنظيمات أو أشخاص ، بل هو امتداد جماهيري سياسي وثقافي مؤلف من شخصيات ومجموعات صغيرة متضامنة نقديا نشأ وسط المعارضة العراقية نتيجة لشدة الاستقطاب السياسي والفكري بين تياراتها التي انقسمت الى اتجاهين رئيسيين ذهب الأول باتجاه التعامل فالتعاون فالتحالف مع العدوان الأمريكي البريطاني على العراق وشعبه فأيد جميع الاعتداءات المسلحة الأمريكية ضمنا أو ومباشرة ، سرا أو علنا وطالب باستمرار الحصار الإجرامي الغربي ضد الشعب العراقي أو سكت عنه وانتهى هذا التيار اليوم الى مؤتمر لندن القائم على التقسيم الطائفي والإثني والبلدياتي للعراق وعقد معاهدة سلام مع العدو الصهيوني .
أما الاتجاه الثاني وهو أصغر كثيرا من الأول ولكنه لا يختلف عنه من حيث الضرر الذي يلحقه بالشعب وقضية الحرية إنه التيار المقابل والذي دافع عن النظام الدكتاتوري تحت دخان الشعار المظلل ،شعار " الدفاع عن الوطن " وقد التحق رموز هذا التيار مؤخرا بالنظام معلنين عن هويتهم السياسية الحقيقية ومغادرين طوعا خندق المعارضة ومقاومة الدكتاتورية ليكونوا جزءا منها يروجون لبرامجها وبالونات اختبارها التي سئمها ومل منها الشعب .
بين هذين التيارين ،ومنذ أن فرض الحصار على العراق وشعبه ، ارتفعت أصوات شجاعة تندد بممارسات الدكتاتورية والمعارضة المتعاونة مع المعتدين الغربيين وتطالب برفع الحصار عن العراق فورا ودون قيد أو شرط ومن تلك الأسماء التي لا ينساها المرء يبرز بفخر اسم المرجع الديني الكبير سماحة الشيخ محمد مهدي الخالصي الذي كان علما من أعلام الحركة الإسلامية الوطنية المعارضة للعدوان على العراق وللدكتاتورية الحاكمة معا حيث أفتى سماحته ضد العدوان وضد فرض مناطق الحظر الأمريكية .كما لا يمكن نسيان أو تجاوز الملحمة الكفاحية التي سطرها المفكر العراقي الجريء هادي العلوي البغدادي والذي خاض نضالا شجاعا وعنيدا ضد الأمريكان و المتعاملين المتعاونين معهم وضد النظام الشمولي الذي نعته ورموزه بأبشع النعوت وفضح طبيعته الدموية وجذوره التاريخية إضافة الى أنه طالب برفع الحصار الظالم عن العراق والدفاع عن نهري دجلة والفرات من الابتزاز الذي مارسته وتمارسه حكومة تركيا الأطلسية للاستحواذ على نهري دجلة والفرات . ويبرز أيضا اسم القيادي الشيوعي العجوز زكي خيري ورفيقة دربه المناضلة المخلصة للعراق وشعبه السيدة سعاد خيري . لقد مثل زكي خيري مثالا باهرا للحزبي الذي يضع قضية الشعب قبل قضية الحزب دائما فهو الذي تسلل الى كردستان سرا وهو يحمل على كاهليه ثمانين عاما ومجموعة أمراض وعلل جسدية في محاولة لدفع مؤتمر الحزب الخامس الذي عقد في بداية التسعينات الى اتخاذ قرار بالدعوة الى رفع الحصار ضد العراق فورا ودون قيد أو شرط مثبتا للتاريخ بداية حقيقية للتمايز والافتراق الحاسم بين المنهج الاستقلالي التحرري الثوري وبين المنهج الآخر الذي ما زال يواصل رقصة التلكؤ والتردد واللعب على جميع لخيارات .
وعلى الرغم من أن اقتراح زكي خيري لترسيم وترسيخ مطلب الرفع الفوري وغير المشروط للحصار على العراق قد هزم في المؤتمر الحزبي المذكور بفارق الأصوات على يد التيار الآخر المعارض والذي مازال مهيمنا على دفة اتخاذ القرار ورسم السياسيات العامة ولكن اقتراح خيري تحول الى صرخة غضب في صفوف التحرريين والوطنيين العراقيين جميعا وفي معسكر اليسار بوجه خاص . وقد خاضت جريدة "المجرشة" الساخرة التي يحررها مجموعة من الكتاب والفنانين العراقيين بإشراف من قبل الفنان الشيوعي العراقي فيصل لعيبي حملة جريئة ضد النظام والحصار والنظام معا ولم يسلم منها حتى بعض رموز الحزب الشيوعي مع أن المحرر المسؤول عنها أي الزميل فيصل كان وربما مازال عضوا في الحزب . وقد هاجمت "المجرشة " وكتابها التحرريين الوطنيين الولايات المتحدة الأمريكية وتلك كانت المرة الأولى التي يهاجم فيها طرف عراقي هذه الجهة كما هاجمت واتقدت وسخرت بحدة من المعارضة العراقية المتعاملة والمتعاونة معها وخصت منظمة " المؤتمر الوطني الوحد " بقسط دسم من هجماتها الهادفة الى دفع قيادة الحزب الشيوعي الى الخروج من هذه المنظمة وقد حصل ذلك جزئيا حين جمد الحزب عضويته في حزب المؤتمر الجلبي .
ومن الأصوات التي عبرت بوضوح عن إرهاصات الفكرية المبكرة للتيار نشرة " اللجان الديموقراطية " التي كان يصدرها تنظيم صغير بذات الاسم وكان يشرف على تحرير هذه النشرة المصممة والمصورة بالفوتوكوبي كاتب هذه السطور حيث صدر العدد الأول منها في آذار سنة 1990 ، والثاني في شهر آب من ذات السنة ، ثم جاء العدوان على العراق بعد ذلك بعدة أشهر وخلط الحابل بالنابل . وكان تنظيم اللجان الديموقراطية قد أنشئ على أساس فكرة تحدي النظام الشمولي الحاكم ودعوته لإجراء استفتاء شعبي تحت إشراف دولي على رئاسة صدام حسين للدولة العراقية وهي فكرة كانت في غاية الفنطازية في ذلك الحين وكان المفكر العراقي الراحل هادي العلوي قد علق على هذه الفكرة حين عرضت عليه بتشاؤم كبير ولكنه استحسنها في ظروف المعارضة العراقية التي وصفها( بانعدام الخيال السياسي والقدرة على الإبداع ) في رسالة خطية الى المشرف على تحرير تلك النشرة وهو كاتب هذه السطور كما أسلفنا ، و من بين جميع صحف المعارضة العراقية تضامنت جريدة " الغد الديموقراطي " التي كان يصدرها التجمع الديموقراطي بقيادة المناضل الشجاع الراحل صالح دكلة " أبو سعد " ونشرت نص مبادرة اللجان الديموقراطية على صفحاتها . و يمكن من الناحية الأرشيفية والتسجيلية اعتبار مبادرة اللجان الديموقراطية الداعية الى تحدي النظام في استفتاء شعبي مراقب دوليا أول إرهاص يستبطن أسلوب اللاعنف والكفاح السلمي في مواجهة نظام فاشي غاية في القسوة والاستهتار بالأرواح الإنسانية .
ولا يمكن أن نختتم هذه المرحلة الأولى من ظهور التيار الوطني الديموقراطي والتي يمكن أن نطلق عليها مرحلة التبلور الفكري والنظري دون أن نمر على تجربة مجلة فكرية مهمة هي " خماسين " الذي كان يشرف على تحريرها عبد الأمير الركابي في سنتي 1993 و 1994 واهتمت المجلة بالواقع الفكري والنظري لتجليات ومواقف متميزة في المعارضة العراقية الوطنية الديموقراطية ونشرت بعض بيانات معادية للحصار ومطالبة برفعه وقعت عليها مجموعات من المعارضين العراقيين . وقد خصصت " خماسين "جزء مهما من متنها لموضوع التيار الوطني وتجلياته الفكرية السياسية في المعارضة العراقية وناقشت العديد من القضايا العراقية الملتهبة ونشرت لعديد من البيانات وحملات جمع التواقيع ضد الحصار الجائر على العراق وضد العدوان الأمريكي وبعض البيانات حول موضوع دجلة والفرات والمشاريع التركية الاستحواذية ..
وللحديث صلة في الجزء الثاني .