جعفر الحكيم
الحوار المتمدن-العدد: 5320 - 2016 / 10 / 21 - 15:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حوارات في اللاهوت المسيحي 2
مفهوم (المحبة) في الإيمان المسيحي
تعتبر فكرة المحبة من أهم المفردات الأساسية خطاب التبشير والكرازة في الديانة المسيحية (سابقا) والايمان المسيحي(حاليا), نظرا لما لهذه الكلمة من معاني ذات تأثير في النفس وجاذبية رومانسية ودغدغة لمشاعر المتلقين.
وقد أوضحنا في المقال السابق ان (محبة الله) وحسب نصوص الكتاب المقدس هي محبة (مشروطة) ومخصصة) و(منحازة).
هذا المقال سيتناول مفهوم المحبة بمداه الأفقي وليس العمودي ,اي المحبة بين الناس او المجتمع حسب تعليمات ونصوص الكتاب المقدس.
العهد القديم تناول مفهوم المحبة -كالعادة- باعتبارها امتياز للمجموعة البشرية التي اختارها رب الكتاب المقدس واحبها وقدسها ورفعها على بقية البشر,اعني بني إسرائيل ,الذين اعتبرهم الرب أبنائه وشعبه المختار والمحبوب
( انتم اولاد الرب...لأنك شعب مقدس للرب الهك) تث14- 1,2
وعند متابعتنا لنصوص الكتاب المقدس نجد الحث على المحبة والتآلف والتعاون بين ابناء اسرائيل فقط !
تلك المجموعة المرتبطة مع بعضها برابطة الدم والقرابة والانحدار من أسرة واحدة ,التي عليها ان تحافظ على روابط المحبة والرحمة بين أفرادها حصرا, لان هذه هي إرادة الرب وتعليماته لأبنائه المفضلين!
اما الشعوب الأخرى فقد جعلهم الرب بشرا من الدرجة الثانية يصنفون ك(كلاب) مقابل اليهود(البنين) , وهم مجرد أغيار وخدم لأبناء الله.
(وَيَقِفُ الأَجَانِبُ وَيَرْعَوْنَ غَنَمَكُمْ، وَيَكُونُ بَنُو الْغَرِيبِ حَرَّاثِيكُمْ وَكَرَّامِيكُمْ
امَّا أَنْتُمْ ... تَأْكُلُونَ ثَرْوَةَ الأُمَمِ، وَعَلَى مَجْدِهِمْ تَتَأَمَّرُونَ) اشعيا 61 6و5
ونجد الكتاب المقدس يأمر الشعب المختص بمحبة الرب أن لا يتعاطفوا أو يتشبهوا بالأغيار من بقية البشر حتى بأحزانهم
(أنتم أولاد للرب إلهكم لا تخمشوا اجسامكم ولا تجعلوا قرعة بين اعينكم لأجل ميت) تث 14-1
وفي العهد الجديد نجد ترسيخ لهذه المفاهيم في بداية دعوة الشاب اليهودي (يسوع) والتي كان يحرص فيها على اجتذاب المؤيدين لدعوته من أبناء قومه اليهود
فنجد (يسوع) يؤكد مفهوم ان اليهود هم (بنين) الله مقابل بقية البشر من غير اليهود (الكلاب) كما قال للمرأة السورية
(ليس حسنا ان يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب) متى 15 :26
وكذلك نجد (يسوع) المصلح اليهودي حين سأله احد اليهود ان يوصيه, يجعل وصيته الثانية لليهودي -بعد محبة الرب- هي
(ان تحب قريبك كما تحب نفسك) متى 22-39
ونلاحظ هنا استعمال (يسوع) لكلمة(قريبك) لأنه ابن الثقافة والأعراف اليهودية والمتأثر بها ,عندما يخاطب يهودي مثله يؤكد له ان نطاق المحبة يجب ان يكون محصورا ضمن المجموعة اليهودية المرتبطة مع بعضها برابطة القرابة.
النص السابق والذي خصص المحبة للأقارب فقط, جعل الذين كتبوا الأناجيل يستشعرون الحرج عندما أرادوا كتابة إنجيل موجه لأبناء الجالية الغير يهودية من وثنيين و رومانيين, لذلك نجد كتبة الانجيل المنسوب الى (لوقا ) والمكتوب للجاليات الغير يهودية قد قاموا بإضافة بعض البهارات بشكل متنطع وأسلوب متكلف ومفضوح ليغيروا مفهوم(القرابة) ليجعلوها تعني(الرحمة), فاضافوا للقصة تكملة غير موجودة اصلا في الأناجيل المنسوبة إلى (متى) و(مرقص) السابقة لإنجيل لوقا في زمن الكتابة,انظر لوقا 10
وبالانتقال الى العهد الجديد, نلاحظ حرص المؤسسين للديانة المسيحية (الجديدة)وبشكل لافت على نقل جميع الخصائص والامتيازات التي اعطاها رب العهد القديم لليهود ليجعلوها هبة من رب العهد الجديد الى مجموعة (المؤمنين) الجدد الذين آمنوا بألوهية يسوع.
فالعهد الجديد يقول للمسيحيين بأنهم شعب الله, وأبناء الله المخصوصين بمحبته التي انسكبت فيهم مع روح القدس التي اعطاها الرب لهم, لأنهم وحدهم اولاد الله الأنقياء ,الأتقياء, البررة, ولأنهم (هيكل الله المقدس والحي) الذين خصهم الله وابنه بالمحبة!
والشواهد على هذه الامتيازات الربانية للمسيحيين كثيرة, و سأختصر بذكر بعضها فقط
(لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا) رومية 5
(كما أحبني الآب كذلك أحببتكم أنا. اثبتوا في محبتي )يوحنا 15-9
(أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به )يوحنا 15-3
(أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ 1)-يوحنا -2
(أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم ...لأن هيكل الله مقدس الذي أنتم هو) بولص 3 لكورنثوس16 -17
وَأَمَّا الآنَ فَأَنْتُمْ شَعْبُ اللهِ. الَّذِينَ كُنْتُمْ غَيْرَ مَرْحُومِينَ، وَأَمَّا الآنَ فَمَرْحُومُونَ." (رسالة بطرس الرسول الأولى 2: 10)
هذا الحشد من النصوص هدفه شحن شخصية المسيحي بمتلازمة (انتفاخ الذات الإيمانية),وجعل نشوة الشعور (بالاستعلاء الإيماني) مسيطرة على الذهنية العقدية للفرد فلا يستطيع الانفكاك من سكرتها .
فالفرد في الديانة الجديدة أصبح يؤمن بافضليته الإيمانية على بقية البشر مع وصايا وتعاليم تحثه على المحبة والتراحم والرأفة ,ولكن, في نطاق مجموعته الإيمانية فقط!
لان المسيحيين هم (جسد واحد, روح واحدة) وعليهم أن يكونوا(لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ), ويحبون بعضهم البعض كما أحبهم ربهم يسوع!
(هذِهِ هِيَ وَصِيَّتِي أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ) يوحنا 15
وهناك الكثير من التعاليم المبثوثة في نصوص الكتاب المقدس التي تحث المسيحيين على أن تكون محبتهم و شفقتهم محصورة ضمن نطاق دائرتهم الإيمانية فقط .
وعلى النقيض تماما نجد نصوص العهد الجديد تتخذ موقف عدائي فج ومشبع بالكراهية والازدراء والاحتقار (للآخر) الذي لا ينتمي لدائرة الإيمان المسيحية مع تعاليم واضحة ومباشرة تحث على عداوة (الآخر) وعزله ومحاولة افنائه!
فالمسيحيون (ابناء الله) بينما الذين لايؤمنون بالوهية يسوع هم ابناء ابليس!
(انتم من اب هو ابليس وشهوات ابيكم تريدون ان تعملوا) يوحنا44:8
وغيرالمؤمنين بالوهية يسوع هم من الحيّات اولاد الافاعي, اشرار,آثمين ,جهلة, عميان , وانجاس وكل الأمم التي لا تشارك المسيحي معتقده هم
(مظلمو الفكر,ومتجنبون عن حياة الله لسبب الجهل الذي فيهم بسبب غلاظة قلوبهم,الذين أسلموا نفوسهم للدعارة ليعملوا كل نجاسة في الطمع) رسالة بولص 4:1
والذين لايعتقدون بنفس عقيدة الايمان المسيحي هم( أَمَّا هؤُلاَءِ فَكَحَيَوَانَاتٍ غَيْرِ نَاطِقَةٍ، طَبِيعِيَّةٍ، مَوْلُودَةٍ لِلصَّيْدِ وَالْهَلاَكِ، يَفْتَرُونَ عَلَى مَا يَجْهَلُونَ، فَسَيَهْلِكُونَ فِي فَسَادِهِمْ) بطرس 2-12
ونجد ان كتبة الاناجيل احيانا تأخذهم نشوة الكراهية إلى أقصى مدياتها فيصورون الآخر باحط وأبشع الصفات تصل لحد تشبيه المختلف معهم بالكلاب والخنازير!
(كَلْبٌ قَدْ عَادَ إِلَى قَيْئِهِ)،وَ(خِنْزِيرَةٌ مُغْتَسِلَةٌ إِلَى مَرَاغَةِ الْحَمْأَةِ). بطرس 2-22
(اُنْظُرُوا الْكِلاَبَ. انْظُرُوا فَعَلَةَ الشَّرِّ. انْظُرُوا الْقَطْعَ)رسالة بولس إلى أهل فيلبي 3
فالذين لايشاركون المسيحيين بنفس ايمانهم ( أَوْلاَدُ اللَّعْنَةِ) بطرس 2-14
لان المسيحي من الله وغيره من الشر!
(نعلم اننا نحن من الله و العالم كله قد وضع في الشرير) يوحنا الاولى 19:5
والمسيحي هو المؤمن الطاهر,البار, المغفورة كل خطاياه ,وغيره
غير مؤمن(كافر) نجس, مصيره الخلود في جهنم مهما فعل من خير بالدنيا
(كل شيء طاهر للطاهرين وأما للنجسين وغير المؤمنين فليس شيء طاهرا بل قد تنجس ذهنهم أيضا وضميرهم) رسالة بولس لتيطس 1-15
في الحلقة القادمة سأستعرض النصوص التي تحث على كراهية الآخر وعدم التعامل معه بل ومحاولة تحقيره وتدميره
وساتوقف ايضا عند مقولة(احبوا اعداءكم) وتوضيح أصل هذه (السرقة النصية) ونسبتها للسيد المسيح ,وكيف ان السيد المسيح نفسه لم يلتزم بها !.
#جعفر_الحكيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟