|
حول استحقاقات جائزة جائزة نوبل 2001
جاسم المطير
الحوار المتمدن-العدد: 14 - 2001 / 12 / 22 - 12:00
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
قرأتُ مقالة حامد الحمداني المنشورة في هذه الصفحة حول منح جائزة نوبل للآداب هذا العام التي منحت للكاتب الترينيدادي نايبول في عام الاحتفالية المئوية لميلاد الجائزة التي تأسست عام 1901 والواقع أن الاحتفالية وقرار منح جائزة الآداب كانا وما زالا مثار جدل كبير في الصحافة الأدبية العربية والعالمية العالمية . شريط من المساجلات النقدية ، كان بعضها عدائياً يتهم الأكاديمية السويدية بالانحياز في هذا العام أيضاً. مثلما لم تسلم هذه الجائزة من النقد والاتهام بشأن كثير من قراراتها في عدد من السنوات . و منذ أن فجّر برناردشو موقفاً ساخراً منها عام 1925 على وجه التحديد وهي لا تكف أن تكون مثار جدل طويل بين مؤيدي قراراتها بمنح الجوائز لمستحقيها وبين الذين يعترضون على بعض قرارتها خاصة جائزة الآداب ، لهذا السبب أو ذاك . تحقق هذا الجدل في العام الحالي أيضاً حول فوز الكاتب البريطاني ، المولود في ترينيداد ف.س. نايبول. موضوع الجدل هذه المرة يأتي كما يبدو من حالة التوقيت الحساس . فالجائزة تأتي في وقت يتصاعد فيها صاروخ الحرب على الأرض الأفغانية "المسلمة " وضد حكومة طالبان "المسلمة" وضد الإرهاب الدولي حيث المتهم به الرئيسي أسامة بن لادن " المسلم ". من الجدير التذكير به هنا أن نايبول في كتابه " ما بعد الأيمان " الصادر في عام 1998أدان الإسلام باعتباره أحد العناصر التي أدت إلى ضياع الشخصية الوطنية لمعتنقيه من غير العرب كالإيرانيين والباكستانيين والأفغان وغيرهم . فهل هناك علاقة بين أسباب منح الجائزة وأتساع حركة المعاداة للإسلام في الوقت الحاضر المنتشرة في العالم الغربي بعد أحداث 11 سبتمبر ..؟ هل تخضع أكبر جائزة عالمية لضوابط علمية محددة ولبرنامج مستقل متفق عليه.. أم أنها لا تستطيع التحرر من القوة الفكرية الرئيسية السائدة في العالم الغربي..؟ تأتي مقالة الحمداني بالتأكيد القاطع على أن جائزة هذا العام منحت بأنحياز " تام " ضد الإسلام . وقد تضمنت مقالته أحكاماً سياسية على الكثير من الأمور الجارية خلال السنوات الأخيرة ليس في العالم الاسلامي بل في العالم أجمع مما ليس له صلة لا من قريب ولا من بعيد بموضوع الجائزة " موضوع الرواية " ونائلها نايبول . لاشك أن جوائز هذا العام وقراراتها تمثلت بصياغتها النهائية قبل أحداث سبتمبر وليس للأحداث المذكورة مكانة في قرارات هذا العام ، فقد أعلنت الجوائز بعد شهر واحد من أحداث البرجين العاليين ، لكن ما تمخضت عنه قرارات سابقة كانت حتماً في ذاكرة الذين وجهوا الاتهام لصلة القرار بمنح جائزة الآداب لهذا العام بالعداء للإسلام. إن المنطق يفرض في غالب الأحيان التعامل مع أية ظاهرة أو واقعة وفق الموضوعية القادرة وحدها على فرز الأبيض عن الأسود وعدم الوقوع بين خليطهما. فمن الواضح ان سعير البغضاء ضد الإسلام اتقد بعد حادثة الهجوم على نيويورك وواشنطن كرد فعل عنيف لحادث عنيف آخر . ومن يدري ربما يصبح مقبولاً توجيه اتهامات معينة للجائزة إذ يندفع بعض آراء المسلمين ضد الكاتب البريطاني " نايبول " الذي تناولت رواياته الفائزة بالجائزة موضوعة " الأديان " باعتبارها رد فعل أيضاً من دون اعتبار لمنطق الموضوعية . بل اعتمادا على تصريح " بيير فاستبرج " عضو الأكاديمية السويدية التي منحت الجائزة إلى نايبول . حين ورد في تصريحه ( أن أعمال نايبول تتضمن نقداً لجميع الأديان لأنه يرى أن الدين يحد من قدرة الإنسان على التفكير والتجريب..). أما بيان الأكاديمية السويدية فقد أشار في حيثيات القرار ( إن أعمال نايبول ترغم القارئ لكي يفتح عينيه على التاريخ المهمل للجماعات التي تعيش على هامش الحياة ). أما الكاتب البريطاني " ف. س. بريتشت " فقد قال ( أن نايبول أعظم كاتب بالإنكليزية على قيد الحياة ). إلى جانب ذلك تداخلت آراء أخرى بشأن موقف الكاتب من الدين الإسلامي لعل أهمها ما قيل عن توجيه ثلاثة اتهامات عربية ـ إسلامية له" : اتهامه بالعنصرية . اتهامه بمعاداة العالم الثالث. اتهامه بمعاداة الإسلام . بل اتهامه بان الإسلام هو الذي قضى على الحضارة الهندية . وقد ركزت مقالة الحمداني أيضاً على نفس النقاط الثلاثة . أن ما نحتاجه في الجدل بمثل هذه الأمور ليس إطلاق الآراء جزافاً في القضايا الأدبية خاصة ، فكما هو معروف أن الأدب لن يكون حراً إذا لم يكن الأديب حراً . أما تقييدهما ( الأدب والأديب ) بسلسلة طويلة عريضة من الأحكام والمواقف " السياسية "المسبقة وفقاً لرأي " الناقد السياسي " فأن ذلك لا يؤدي لغير ضياع القيم النقدية الادبية في متاهات الصراعات السياسية التي من طبيعتها عدم تبلورها وتبلور أغراضها الحقيقية إلاّ بعد حين من الزمان . نايبول منذ شهرين كان موضوعاً لأراء المتجادلين في الحقول الأدبية ـ السياسية . إنقسمت الآراء النقدية العالمية بشأنه الى موقفين : موقف يدين " عنصريته " وانحيازه ضد الأسلام . وموقف آخر يقف مع حريته فيما يكتب كجزء من حرية التعبير . وقد وقف الحمداني أيضاً في مقالته المشار اليها الى الصف الأول ، أي في صف معاداة نايبول ، كجزء أيضاً من حقه في التعبير . لكن السؤال هنا : هل قرأنا أعمال هذا الرجل وقيمنا تجربته على ضوء ما توصلنا أليه من قيم نقدية ..؟ أم أننا ما زلنا نصدر أحكامنا بالإعدام وهدر دم الكاتب من دون أن نقرأه أو نفهمه ..؟ كما هو الحال الذي حدث مع سليمان رشدي من قبل ، إذ أتضح أن كاتب " التقرير " التحريضي لم يقرأ حرفاً واحداً مم كتبه رشدي .. إنني في الواقع لم أقرأ كتب نايبول . حسب علمي أيضا إن أعماله لم تترجم إلى لغتنا العربية بعد . فدور النشر العربية تأتي اهتماماتها بالأدباء الكبار بعد نيلهم جائزة من الجوائز العالمية أو بعد مواقف مثيرة أو بعد أزمات تجعل أسم الكاتب ، لهذا السبب أو ذاك ، لامعاً في الصحافة لبعض حين ، وآنذاك تهتم بترجمة بعض كتبه فتكون مؤهلة للرواج التجاري. بعض من نقادنا وكتابنا العرب أدانوا منح الجائزة إلى نايبول هذا العام معتبرين هذه الخطوة انحرافاً من الأكاديمية السويدية كشكل من أشكال معاداة الإسلام ، أو كشكل من أشكال التضامن مع الحملة المعادية للإسلام الناشطة حالياً في عدد كبير من الأجهزة الإعلامية الغربية وعلى لسان البعض من مسئوليها الكبار (بوش..برلسكوني.. تاتشر .. بلير..). وإذ تتداعى الاتهامات يظل القارئ العربي الذي لم تتح له مطالعة أدب هذا الكاتب البريطاني الأصل تائها في الوصول إلى الحقيقة . ، كما هي حاله مع الكثير من القيم الأدبية الغربية التي تتعارض مع القيم العربية أو مع القيم الثقافية ذات الأفق الضيق . تأسيساً على هذا التداعي تقفز إلى الذاكرة مواقف النقد التي تعرضت لها الجائزة منذ أن رفضها الكاتب الايرلندي برناردشو عام 1925 متهماً إياها بالتقصير في تقييم الكتّاب تقييماً موضوعياً . وقد قال حين رفض الجائزة قوله الشهير : ( لقد وصلتُ إلى الشاطئ بدون جائزة نوبل ..) وقال أيضاً( يمنحون الجائزة لمن لا يستحقها أحياناً ولمن لا يحتاجها في أحيان أخرى ). لو تمعنا في جائزة نوبل منذ ذلك الحين وحتى الآن لوجدنا أنها مدانة فعلاً في العديد من جوانبها خاصة الأدبية : فأولاً : خضعت الجائزة لمقتضيات المصلحة الغربية في أيام الحرب الباردة . على سبيل المثال منحت الجائزة للأديب الروسي " بونين " في عام 1923بسبب عدائه للشيوعية وقد قيل الكثير من النقد حول فنونه الأدبية التي لم تكن بالمستوى المقبول أصلاً.. كما منحت الجائزة إلى " بوريس باسترناك " عن روايته الشهيرة " الدكتور زيفاكو " عام 1958 والتي كانت تحمل عداءً للاتحاد السوفياتي رغم الكفاءة العالية لهذه الرواية . وهكذا يقال عن منحها للكاتب الروسي سولجنستين المعارض للاتحاد السوفياتي . ثانياً: منحت الجائزة في عام 1953 لزعيم الاستعمار البريطاني التقليدي " ونستون تشرشل " معبرة بذلك عن الانحياز الفاضح للفكر الاستعماري ، فلم يكن تشرشل أديباً بل كان سياسياً عالمياً بارزاً أمّن السطوة البريطانية على كثير من دول العالم بالقوة العسكرية المسلحة أو بفرض الاتفاقيات الجائرة . وقد أثارت الجائزة في حينه انتقادات من عدد من الأكاديميين الإنكليز في الجامعات البريطانية كجامعة لندن وأكسفورد . ثالثاً: لم تخلو الأكاديمية السويدية من تأثيرات الصهيونية العالمية على قراراتها فمنحت الجائزة إلى عدد من المعادين لحقوق الشعب العربي والفلسطيني أو من المنفردين برؤية ذاتية لهذه الحقوق ( السادات ) ومنهم قادة في الدولة الإسرائيلية على نفس الأسس أعلاه ( مناحيم بيكَن ) بينما حرم أدباء عالميون حقيقيون منها مثل جورج أمادو وكازنتزاكي وغيرهما . وما زال الكثير من الأدباء العظام بانتظار استحقاقاتها وخاصة من العرب الذين لا يخلو الموقف منهم من تدخلات القوى الصهيونية المتحكمة . رابعاً : لا تخلو الأكاديمية السويدية من تدخلات أخرى بما فيها الرشوة ، والجنس ، والجاسوسية ، والمصالح المالية الدولية أو المتعلقة بالشركات الرأسمالية الكبرى في العالم الغربي ، كما فضح هذه التدخلات كلها الكاتب الأميركي " أرفنج والاس " حين أصدر روايته (الجائزة ) في بداية الستينات موثقاً فيها الكثير من العوامل أعلاه . ( صدرت الترجمة العربية لرواية " الجائزة " باللغة العربية عام 1965) وقدم لها تقديماً رائعاً الكاتب المصري أنيس منصور . لا شك أن قرار منح الجائزة لهذا العام يستوجب التمعن والدرس الدقيقين فيما احتوته من أفكار وأحداث حول الأديان ومنها الدين الإسلامي ( كان أدوارد سعيد من جملة الذين أدانوها واصفاً إياها بأنها سوف تؤدي إلى مزيد من الأذى للإسلام ). ونتيجة متابعاتي لما كتبه عرب ومسلمون عن رواية نايبول الفائزة قبل أيام بجائزة نوبل ممن أدانوا أفكارها المفتعلة وأحداثها التي " قيل " إنها مفبركة بعمدٍ ضد الإسلام ، فأنهم أشادوا بذات الوقت ببنيتها الروائية الفريدة وبتركيبتها الفائقة في الأعمال الروائية العالمية . على هذا النحو ينبغي أن لا نتجاوز أو نهون من شأن الأضاليل المدانة أياً كانت لكن ذلك لا ينبغي أن يتم بالانفعالية أو التسرع ، كما هو حال صديقنا حامد الحمداني الذي تنطبق مقالته على كوفي عنان ، أكثر من أنطباقها على نايبول . كوفي عنان نال جائزة السلام بدون استحقاق واضح والدليل على ذلك معاناة الشعوب العربية والاسلامية ومنها شعبنا العراقي المحددة صورها في المقالة الحمدانية نفسها كمظهر من مظاهر الحروب والعنصرية في العصر الراهن . أما ما يخص نايبول والأدب وتعقيدات رؤيتهما الفنية والسياسية فلدينا من البحاثة الأدباء العرب المتخصصين ممن يملكون مقدرة فكرية عالية تمكنهم من دراسة الرواية بما تحمله من الأفكار المختلفة والمتنوعة قبل اللجوء إلى أسلوب " التكفير " مما يجعل المساجلات عقيمة في آخر المطاف . إن السؤال الحيوي الذي ينبغي طرحه هنا يتناول أساساً موضوعية العلاقة النظرية بين إنسانية العمل الأدبي وليبرالية قرار الأكاديمية السويدية التي تشير ببساطة إلى كفاءة مستحقي الجوائز حيث لا يرى أي داعٍ لإثارة أي افتراض دون جدوى حول طبيعة القرارات . أعتقد أن هذه الطريقة في النظر إلى الأمور الأدبية لها من الأهمية الكبيرة في رفع مستوى النقد العربي إلى مستوى أنطباق المبادئ الأدبية مع الأشكال المنهجية الإنسانية بكشف المغزى الفلسفي لأعمال الكتاب العالميين على مستوى تاريخي عام لمضامين الخاصية الفلسفية للدين الإسلامي والمسيحي وغيرهما من الأديان السماوية . من دون معرفة موضوعية محققة يقوم بها عرب ومسلمون ضمن دراسات عالية المستوى لتقييم الرواية ، فأن الأعلام العربي ـ الإسلامي سيدخل دائرة الأعلام الغربي نفسه تائهاً ومروجاً لقيم روائية ـ سياسية معينة المروج شاء أم أبى .. ويقع عندئذ داخل المنهج المنغلق والموقوت .. ــــــــــــــــ جاسم المطير بصرةلاهاي في 21/12/001
#جاسم_المطير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
... !! كلام الناس : نظريات عسكرية
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|