|
الرئيس السيسي والرمزية
إدوار فؤاد بورى
الحوار المتمدن-العدد: 5315 - 2016 / 10 / 15 - 01:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا أخفي تأييدي للرئيس عبد الفتاح السيسي ولا أخفي أيضا خيبة أملي في بعض قراراته وأفعاله. الرئيس السيسي خطاباته تحمل جديدا؛ تسمعه مثلا يدعوا الي تجديد الخطاب الديني. ولكنك ولمدة سنة بعد هكذا خطاب تنويري في منتهي الشجاعة، لا تجد شيئا يتغير في مصر..فالإعلام هو هو بمواضيعه و أشخاصه وأساليبه. والقوانين هي هي بنصوصها، والقائمون علي تنفيذها نفس القضاة، و الجميع علي خضوعهم الكامل لإبتزاز التيارات الدينية. التيارات السلفية بنفس انتشارها في المجتمع. ولا تكاد تصدق نفسك! ماذا كان يقصد الرئيس بتجديد الخطاب الديني وماهو مدي تطبيق دعوته إذا لم يكن في أدني تغيير ملموس للإعلام أو القانون أو أيا من القائمين علي التعليم الديني؟ هل يعقل أن خطاب الرئيس الواضح الدلالة، كان مجرد.. كلام؟ مثال آخر ..زيارة الرئيس لبطريركية مسيحيي مصرلتهنئتهم بعيد الميلاد. زيارة لم يقم بها حتي عبد الناصرذاته. زيارة كان لها أكثر من الرمزية، الود ، المحبة ، التقدير وقل ما شئت من قيم جميلة، لن تكون مخطئا..وماذا بعد؟ هل تعدلت قوانين الدولة المجحفة في حق الأقباط؟ هل تغير تعاطي أجهزة الدولة الأمنية مع ملف الأقباط؟ هل خفت قبضة الجماعات المتطرفة علي أقباط الصعيد؟ أبدا..لم يتغير شئ..وبقي الرمز وبقي للسيسي المحبة الجمة في قلوب أقباط مصر. مثال إقليمي هذه المرة.السيسي صاحب المقولة الرمزية" مسافة السكة" كناية بالعامية المصرية عن قرب جيش مصر من بلاد الخليج وعلي الأغلب، إستعداد جيش مصر للتحرك لحمايتها حال تعرضها لأي تهديد. علي الأقل هكذا فهم الجميع هذه الجملة عالية الرمزية. ورغم انضمام مصر، الرمزي أيضا، الي تحالف السعودية العسكري لضرب اليمن، الا أنه لم تتحرك فرقة أو طائرة أو جندي مصري واحد لمشاركة زعيمة العرب الجديدةفي مهزلة ضرب اليمن..فما هو المغزي الواقعي لكلمة مسافة السكة إذا؟! ولأنهي بمثال دولي هذه المرة، إستقبال رسمي بحفاوة منقطعة النظير للرئيس السيسي في روسيا. هدية لها مغزاها من الرئيس بوتين، سترة عليها نجمة الجيش الأحمر تبعها السماح للرئيس بدخول غرفة عمليات الجيش الروسي. ثم استقبال لا يقل حفاوة أو رمزية للرئيس الروسي بمصر وأخبار لا تنقطع عن تعاون روسي مصري في مختلف المجالات وبالذات الإستراتيجية منها. فهل يحق للمحلل أن يستنتج من كل هذه الرموز أن السيسي ووراءه مصر غير من معسكر تحالفاته؟ هل خرجنا من المعسكر التابع دائما للولايات المتحدة و اصبحنا ولو رمزيا، أمام قرار مصري، مستعد، ولو بالإتكال علي حماية روسية، أن يخالف الإتجاه الأمريكي في أيا من القضايا التي تهم مصر؟ للأسف، لا يمكنك ذلك..فمسيرة الأحداث لا تؤكد ذلك علي المطلق وإن لم تنفيه بالمطلق أيضا. وتبقي التساؤلات حائرة مع رئيسي المحبوب: كيف تدعوا لتجديد الخطاب الديني وتقبل بسجن إسلام البحيري ؟ كيف تقبل دعم السعودية وتأتي بتصريحات من نوعية "مسافة السكة" وانت لا تفتأ تقول أنك ضد تقسيم سوريا وهو هدف أو علي كل، نتيجة حتمية، لدعم السعودية للإرهابيين بسوريا؟ هل ينتهي الود للأقباط عند حدود تهنئتهم بالعيد دون أدني تغيير لظروفهم وحرياتهم بالمجتمع المصري؟ لا أملك طبعا أية إجابة يقينية علي ما أظنه تساؤلات مشروعة لأناس كثيرين من المتابعين لأحداث مصر. لكنني أملك نظرية أسمح لنفسي بمشاركتها معكم...السيسي رجل ذكي، والذكي في السياسة هو من يحسب حساب إختياراته ومغبة أفعاله. فلو ساند الأقباط لهاج السلفيون ولربما أعملوا إرهابهم في الوطن ولو ساند سعودية سلمان وإبنه بالأفعال لربما خسر أمنه القومي وقد يخسر جنوده . لو إعترض كلية علي المملكة قد يخسر دعمها المادي أو لا يربح الا تضييقها علي مواطنيه العاملين فيها. وأما لو انضم لحلف روسيا بالجملة حتي لو لمصر فيه مصلحة آنية، هاجت عليه ولية النعم المتحدة وأعوانها. وهكذا في كل قرار يحسم جدل أو خلاف..الإختيار له مستتبعات ، وقد لا تقبل ارتباط القرار بمستتبعاته فتفصل الكلام عن الأفعال بنفس الطريقة. للكلام متطلبات تنفيذ وللقرارات التنفيذية مستتبعات. لعل هذه الفكرة واضحة ، ولكنها تبرز سؤال أعمق : وهل نملك ترف عدم الإختيار؟ وهل مرور الوقت دون حسم أو إختيارات حقيقية علي كل الأصعدة في صالح مصر ؟ الحقيقة الإجابة ليست سهلة، فالأمر ليس فقط أمر حسم ايديولوجي لفرد. نسمع كثير من الأصوات المصرية" الرئيس سلفي الهوي ،أو ليس سلفي الهوي". أو ." الرئيس مدعوم من السعودية" أو حتي".الرئيس زهق من الإملاءات الأمريكية و مال ناحية روسيا"..ليس المهم فقط ما هو فكر الرئيس...الأمر أعقد..الرئيس يعبر عن نفسه أكيد ولكن قراره نابع من التباس الوضع نفسه ولا غرابة أو فرادة في ذلك. فكل وضع إقليمي أو دولي ما هو الا محصلة لمجموعة من القوي المتعارضة في الأهداف والكل يسعي لحشد الحلفاء كبروا أو صغروا، لا جديد في هذا. والحلفاء بدورهم كل يسعي لإستخلاص مصلحته قبل مصلحة الحليف الأكبر ولا جديد في هذا أيضا. السيسي فضلا عما أسميته ذكاء، هو إبن لعصره وابن ظروف هذه المنطقة بكل أوانيها المستطرقة. فمصالح الكبار متضاربة : إتفاق أمريكي روسي علي حل سياسي في روسيا لكن مع بقاء دعم أمريكا للسعودية والتي تعارض بقاء الأسد وبالتالي تعارض الحل السياسي. وفي نفس الوقت أمريكا توقع علي إتفاق نووي مع ايران حليف الأسد الثاني بعد موسكو! هذا عن الإناء الأكبر، مصالح وتصرفات تكاد تكون متضاربة ومثل ذلك علي مستوي القوي أو الآنية من الدرجة الثانية وأقصد تركيا والسعودية فما بالكم إذا بالإناء الأضعف، بلاد الصف الثالث دخلا وتأثيرا وأعني مصر مع الأسف وقبلها سوريا الجريحة. لايملك رئيسي الا الرمزية..فهو وبلده لا يمتلكون ترف الحسم..فللحسم علي أي صعيد مما ذكرت مستتبعات ولا قبل للضعيف وعديم القوة بالمستتبعات. والله غالب علي أمره. أي هوان هنت يا وطننا العربي.! تحت دعاوي تغيير الإنتماءات وتحرير الإقتصاد والتفاهم مع من لا قبل لنا بهم، أرجعنا قرارنا لمؤتمرات جنيف و قرارنا الإقليمي لزعيمة الرجعية ، السعودية، تزيد من تبعيتنا للكفيل الأمريكي ولم يبقي لنا الا التباكي علي الأوطان المنهدمة أو التي في سبيلها للهدم. إستقلالنا فقد دون أن يدخل أوطاننا المحتل بصورته التقليدية. دخل المحتل هذه المرة بواسطة أتباع الأتباع بل بحثالة ورديف أتباع الأتباع!! رمزية السيسي ما هي الا إدراك لهوان الوطن ولعل الحل ليس في حسم مستحيل. لعل الرمزية وكفي، هي أفضل الخيارات لحين مرور العاصفة ولكن هل تمر العاصفة؟ أو ليست هناك أية فرصة لقرار، نابع من إرادة قائد ممثل لمصلحة وطن كبير كمصر؟ قرار قد يدفع بقية الأطراف لإعادة حساباتها بناء على الموقف المصرى بدلا من أن تبقى مصر فى انتظار إرادات الجميع. لعل الموقف يحتاج حسما تبنى عليه حسابات بدلا من حسابات تضيع الحسم.
#إدوار_فؤاد_بورى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يا لبنان أنقذنا...بكائية وإستلهام
-
ذكري وفاة ناصر
-
حادثة مكة وعقولنا
-
منطق مرسي ومشاركة الإسلاميين في البرلمان
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|