أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن عجمي - علمانية اللغة العربية و ديمقراطيتها















المزيد.....

علمانية اللغة العربية و ديمقراطيتها


حسن عجمي

الحوار المتمدن-العدد: 5310 - 2016 / 10 / 10 - 22:04
المحور: الادب والفن
    


اللغة العربية علمانية و ديمقراطية بامتياز. فهي تحتوي على معلومات متوارثة تدافع بها عن مبادىء العلمانية و الديمقراطية. هكذا اللغة العربية من أفضل و أنجح الثوار العرب.

فعل " أؤمن " في اللغة العربية لا بد من استخدامه في سياق الدين كاستخدام عبارة " أؤمن بالإسلام " أو " أؤمن بالمسيحية ". أما أفعال " أعلم " و " أعرف " و " أعتقد " و " أظن " فلا بد من استعمالها في سياقات أخرى كاستعمال " أعلم " في سياق العلوم المُبرهَن على أنها صادقة و استعمال " أعتقد " مع ما لدينا حجج متواضعة على صدقه و إن لم تكن كافية للوصول إلى مرتبة العلم و استعمال " أظن " في سياق ما نعتقد بلا حجة أو بحجة ضعيفة. أما المعرفة في اللغة العربية فمعتمدة على العُرف بسبب إمكانية اشتقاقهما لغويا ً من بعضهما البعض. على هذا الأساس , تميّز اللغة العربية بين فعل " أؤمن " فتحصره في سياق الدين و بين فعل " أعلم " فتحصره في سياق امتلاك الحجج القوية كما تحصر فعل " أعتقد " في سياق حجج ضعيفة و تحصر فعل " أظن " في سياق اللاحجج أو في سياق الحجج الأضعف. و بذلك تفصل اللغة العربية بين سياق الإيمان الديني و العلم و المعرفة و الاعتقاد و الظن. و بما أن اللغة العربية تفصل بين سياق الإيمان الديني و سياق العلم , إذن بالنسبة إليها من الخطأ الحكم على العلم من خلال الدين أو الإيمان و العكس صحيح ما يعني أن معيار الإيمان الديني يختلف جذريا ً عن معيار الإعتقاد العلمي أو المعرفي المعتمد مثلا ً على العلوم الطبيعية أو المعارف العملية في حياتنا اليومية.

من هنا , تقدِّم اللغة العربية فلسفة علمانية بفضل فصلها بين السياق الديني و معيارية حكمه و بين سياق العلوم و المعارف و معاييرها. لذا تتضمن العربية مبدأ مفاده أنه يجب الفصل بين الإيمان الديني من جهة و العلوم أو المعرفة المستخرجة من الاختبار العلمي أو اليومي أو العُرفي من جهة أخرى. و علما ً بأن اللغة العربية تفصل بين الإيمان الديني و الإعتقاد العلمي أو المعرفي فتتضمن بذلك لا صوابية الحكم على المتدين من خلال العلم و لا صوابية الحكم على العلم من خلال الدين , إذن تدعو اللغة العربية إلى عدم رفض المتدينين بدين ما من خلال ما نعلم و نعرف و نعتقد و عدم رفض مَن يتبع فقط العلوم النظرية و المعارف العملية من خلال ما نقبل من إيمان أو دين. و بذلك تحتوي اللغة العربية على مبدأ الفصل بين الدين و النظام السياسي و الاقتصادي المعتمد على ما نعلم تماما ً كما تحتوي على دعوة إلى قبول الآخر المختلف عنا في دينه أو علمه على أساس الفصل القائم بين الدين من جهة و العلم و المعرفة من جهة أخرى. هكذا اللغة العربية علمانية و أخلاقية في آن.

بالإضافة إلى ذلك , في اللغة العربية كلمة " دولة " مشتقة من " دالَ " بمعنى إنتقل من حال إلى حال أخرى. و بذلك اللغة العربية تقول إن الدولة هي التي تتغير و لا بد أن تتغير من حال إلى أحوال أخرى ما يتضمن أن العربية تدعو إلى تغيير الدولة و أنظمتها السياسية و الاقتصادية بشكل مستمر. و هذا ما يحدث في الديمقراطية من استبدال لأصحاب السلطة و مشاريعهم السياسية و الاقتصادية و ذلك من خلال الانتخابات المتواصلة لأفراد مختلفين و أحزاب مختلفة. من هنا , اللغة العربية ديمقراطية بامتياز فترفض احتكار السلطة من جراء دعوتها إلى استبدال الدولة و مشاريعها باستمرار. لكن حين ترفض العربية احتكار السلطة من قبل فرد أو جهة و تدعو إلى التغيير المستمر للدولة و مشاريعها أو قوانينها السياسية و الاقتصادية فهي في الحقيقة تدافع عن حقوق الأفراد و حرياتهم ما يجعل اللغة العربية تحتوي على دعوة ضمنية إلى احترام الحقوق الإنسانية و الحريات. هذا لأن عدم احتكار السلطة و استبدالها بأخرى بشكل دائم يضمن عدم خرق حقوق الناس و حرياتهم. فحين يحدث احتكار السلطة و عدم استبدالها يؤدي ذلك لا محالة إلى عدم احترام حقوق الآخرين كعدم احترام حقهم في الاختيار الحر لِمَن يحكم. هكذا اللغة العربية تدافع عن الديمقراطية و الحقوق الإنسانية و الحريات. و هذا متوقع لأن في اللغة العربية " السياسة " مشتقة من " ساسَ " بمعنى إهتمَّ و اعتنى. بذلك تعتبر اللغة العربية أن السياسة هي الإهتمام و الإعتناء بالمواطنين فالحفاظ على حقوقهم , و بذلك أيضا ً سياسة الدولة يجب أن تتوجه نحو إعلاء شأن المواطن كالإعتناء به إقتصاديا ً فمساعدته ماديا ً. هنا تتضمن اللغة العربية مبدأ من مبادىء توزيع الثروة بطريقة أو أخرى فتقترب من الدعوة إلى نوع معين من المساواة الاقتصادية بين المواطنين. فبما أن السياسة هي الإهتمام و الإعتناء , و علما ً بأن من الإعتناء بالآخر أن نعتني به إقتصاديا ً أيضا ً , إذن اللغة العربية تحتوي على فكرة مساعدة المواطنين إقتصاديا ً.

أما كلمتا " الحكم " و " الحاكم " فمن الممكن اشتقاقهما من كلمة " حكمة " حيث الجذر هو ( ح - ك - م ). من هنا بالنسبة إلى اللغة العربية , الحاكم لا بد من أن يمتلك الحكمة ما يتضمن أن اللغة العربية تقول إنه يجب اختيار الحاكم المالك للحكمة و إن لم يملك الحكمة فهو ليس بحاكم حقا ً فلا بد من إستبداله و تعيين حاكم حكيم. هكذا تحتوي اللغة العربية على فلسفة في الحكم مفادها الدفاع عن الديمقراطية لكونها تقول ضمنيا ً إنه لا بد من اختيار الحاكم الحكيم و السلطة فعلا ً بِيد الشعب الذي له الحق في إزالة الحاكم إن لم يكن حكيما ً. على هذا الأساس , تدعو اللغة العربية إلى بناء نظام ديمقراطي فتغدو بذلك ديمقراطية بامتياز. و هذا متوقع لأنها علمانية أيضا ً, و الديمقراطية و العلمانية زوجان لا فراق بينهما. فبما أن اللغة العربية علمانية , إذن من الطبيعي أن تكون ديمقراطية أيضا ً. فالديمقراطية الحقة تحافظ على و تحترم الحقوق الإنسانية و الحريات و لذا تفصل بين الدين و الدولة فتصبح علمانية لا محالة و إلا تحزبت الدولة لدين معين دون آخر فخرقت حقوق و حريات الآخرين المنتمين لأديان أخرى. بالإضافة إلى ذلك, " المحكوم " كلمة مشتقة من " حكمة ". و لذلك من منظور اللغة العربية , لا بد من حكم المحكوم أي المواطن بالحكمة و ليس بالعنف و القوة مثلا ً. لذا بالنسبة إلى العربية , لا بد عدم اعتماد العنف و القوة في الحكم بل لا بد من اعتماد الحكمة في حكم الناس و في هذا دعوة لرفض العنف و عدم استخدام القوة ما يحافظ على حقوق الأفراد و حرياتهم.

فكرة اللغة العربية القائلة بأن الحاكم لا بد من امتلاكه للحكمة مرتبطة بفكرة أخرى كامنة في لغتنا و مفادها أن العالَم لا بد أن يُحكَم بالعلم. فكلمة " العالَم " مشتقة من " علم " و العكس صحيح. و لذلك من منطلق اللغة العربية , العالَم يجب أن يُحكَم بالعلم. و لذا الحاكم عليه أن يملك العلم فالحكمة ليحصل على مشروعية حكمه. و بما أن في العربية كلمات " العالَم " و " العلم " و " المعلومات " مشتقة من بعضها البعض حيث الجذر هو ( ع - ل - م) , إذن تقول اللغة العربية إن العالَم يتكوّن على ضوء العلم و العلم مصدره العالَم و العالَم مجموعة معلومات. على هذا الأساس , اللغة العربية تحتوي على فلسفة معينة في ماهية العلم و العالَم و من جراء هذه النظرية تُلزِم الحاكم بامتلاك العلم فالحكمة لكون العالَم محكوما ً بالعلم. و تصر اللغة العربية على قبول نظريتها في الكون و تكوّنه بفضل الارتباط اللغوي بين مصطلح " الوجود " و فعل " وَجَدَ ". في العربية , مفهوم الوجود مشتق لغويا ً من وَجَدَ. من هنا , من منظور اللغة العربية , الوجود هو ما نجد أي ما نكتشف و نعلم. و بذلك الوجود مبني على ضوء العلم. هكذا أيضا ً العربية ترفع من شأن العلم و تدعو إلى اعتماده فتصبح اللغة العربية مؤمنة بالعلم كأسمى تجل ٍ من تجليات المعرفة ما ينسجم مع علمانية اللغة العربية.

اللغة العربية علمانية و ديمقراطية و ترفض العنف و تدعو إلى احترام الحقوق الإنسانية و الحريات. فاللغة العربية تمتلك عقلا ً خاصا ً بها و تفكر و تتصرف كفيلسوفة بامتياز. و هذا لكونها مجموعة معلومات متوارثة كمعلومة أن السياسة هي الإهتمام و الإعتناء.



#حسن_عجمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفلسفة الأخلاقية في اللغة العربية
- الفلسفة التربوية و صراع الحداثة و التخلف
- فلسفة الميتافيزياء و العلوم المعاصرة
- فلسفة العلوم
- المعنافوبيا
- المعنالوجيا
- فلسفة الحداثة في مواجهة ما بعد الحداثة
- الفلسفة الإنسانوية في مواجهة فلسفة الثنائيات
- غزل فلسفي : كولونيا
- الفلسفة الاسلامية و دورها الاجتماعي و السياسي
- فلسفة الدين بين الحداثة و ما بعد الحداثة
- فلسفة الحياة و العقل و اللغة
- البحث عن لغات فكرية جديدة
- فلسفة الزمن و الكون و الوهم
- فلسفة العلم و الديمقراطية
- سوبر تفكيك الأصولية و الإرهاب
- الديمقراطية نظام تواصلي و معلوماتي
- فلسفة الكون المعلوماتي
- الكون نظام تواصلي
- العلم إعجاز لغوي


المزيد.....




- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن عجمي - علمانية اللغة العربية و ديمقراطيتها