أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي عبد العال - التكبير والتكفير















المزيد.....

التكبير والتكفير


سامي عبد العال

الحوار المتمدن-العدد: 5310 - 2016 / 10 / 10 - 19:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


التكبير...هذه الصيغة المقدسة لرفع الاسم عالياً بذروة التأليه...بات فاقدَ المضمون. وبخاصة حينما أغرقه الإرهاب في دماء الضحايا أثناء الثورات العربية ومعاركها. كان هذا جلياً في أحداث ليبيا واليمن وسورياً ومصر. وظل تيمة مشتركة حامية الوطيس على خلفية الفوضى السياسية العارمة. فلم تكد تستعر الأحداث حتى نسمع صرخات التكبير مع أزيز المدافع ودوي الرصاص. التزامن كان قاتلا ومؤلماً في حد ذاته. فأية ديانات تلك التي يصعد أتباعُها على الجثث نحو السماء؟!
ذلك العمل كان تقرباً للإله الرائي عن كثب والصامت عن كثب أيضاً. لكن هل هو صيغة اعتراف أم اقرار أم فعل؟ واضح أنه كان يمثل جميع ذلك بشكل عنيف. فالتكفير-فاعلاً- يحرك الألفاظ نحو النيل من المعاني الإنسانية، كالحرية والتسامح والإخاء، وقبول الآخر. وبالتالي فالتكبير إرهابي أنما هو صيغة متنكرة إلى أهداف إقصائية. نوع من الفرز الخطابي تجاه أعداء الدين والإيمان. والأغرب أنْ يسعى أصحابُه - بالصراع على الأرض- إلى حرمان مخالفيه من حق الحياة.
ونتيجة تنكيل المكبرين بأفراد المجتمع فقد سببت اضطراباً في مشاعر متلقيه. لقد غدت صيغة التكبير مرادفة للكوارث والتفجيرات والكر والفر لا للتنزيه الميتافيزيقي. لأنَّها لم تدعوا عندئذ للتطهر من الأدران الأخلاقية بل خاضت في أوحال الدماء. ولذلك هناك من ربط ربطاً شرطياً بين أصوات التكبير والإمعان في التدمير. لأنها أصبحت في العادة مقدمة للقتال وإهدار الحياة. ورغم كون التكبير من صميم التدين الاسلامي غير أن الناس أخذوا يصمون آذانهم عن سماعه. فالإسلاميون اتخذوها علامات مباشرةً لإعلان النصر المزيف واذلال خصومهم.
هكذا مع تساقط أوراق الربيع العربي أمسى الدين مجرد طقوس قتلِّ. ما الداعي وراء الأصوات التي تكبر بهوس الذبح؟ كان جلياً أن هناك فئات اسلامية تمارس أدوار السفاحين تحت عناوين التكبير الأهوج. حتى تشبَّع اسم الله بصور دموية فاجعة. وتدريجياً ظهرت الصور اعتيادية إلى درجة الغثيان. وبدا أنها تمارين شبه يومية لا تقف عند حد. وأخذت تفقأ العيون وسط الدمار القادم بالخراب الداعشي والسلفي والاخواني. وغدا الإنسان –تحت التكبير والسكين- شاة تبحث عن مهرب لن تجده. وهذا بمثابة التصور الفعلي لإرهاب يقتات على الأجساد والعقول والذاكرة. فلو كان لدى العرب ذاكرة ما كان ليذبحوا كالخراف على فضائيات بحجم العالم. المؤمن لا يذبح بسكين مرتين. لكن يبدو أنه سيذبح مرات طالما أضحى الاسلام تكفيراً مساوياً للموت.
وكم بلغت السخرية مبلغاً واضحاً حينما كان التكبير لقطات سينمائية مليئة بالرعب. قتل أحادي من إله يُصوَّر على أنه الفاعل الأصلي. كما جسده تنظيم داعش عندما كان ينفذ اعداماً لضحاياه مصحوباً بالأغاني والأناشيد. ولذلك جاء التكبير نصاً دينياً لا مجرد كلمات متتابعة تشمل "الاسم الإلهي والحدث". فليست هذه الثنائية هي المقصودة إنما هناك ثلاثة أطراف حاضرة. أولا: الشخص الارهابي الذي يردد الكلام. كأنه يقول أنا امتلك القوة الخفية ميتافيزيقياً التي تقف دوماً بجاني. وعلى التوالي ها أنا ذا احمل أداتها القاطعة(السكين) للإجهاز على الضحية. وهذا الشخص هو صناعة تفسيرات وتأويلات متطرفة للنصوص المقدسة. بينما هناك الضحية – ثانياً- في وضع امتثال كامل. سواء أكان نائماً أم واقفاً أم ملاحقاً بالرصاص. والأصوات المكبرة تكمل المشاهد بدلالة الشعائر السحيقة حول القرابين والأضاحي. ثالثاً: هناك عين الرائي، تلك التي تمتليء بكل الواقع، بكل الحقائق، بكل التاريخ في هذه اللحظة الحرجة. لأن الزمن يتقلص إلى وضع التلاشي. فالموت هو الاحساس بالفراغ الثلجي الذي يضرب الدماغ من الداخل. إنَّها ستكون باردة باختراق العدم مروراً إلى نهايتها.
فالتكبير كان يستهدف أن تتردد أصداؤه من جميع الأمكنة، من جميع الاتجاهات. وليست النبرة الصارخة إلاَّ ايقاعاً لخوف متواصل لدى المتابعين. الله أكبر... الله أكبر... خطاب يذهب إلى اخضاع المشاهد عنوة. كأنه يقول: يا من لا تؤمن – كما يصرخ صاحب النداء- عليك أن تسمعه رغم أنفك. يا من تكفر بالدين كما أعتنقه أنت تحت رحمتي. لأن عبارات التكبير ستتحول إلى فعل انتهاك حالاً. كما أنك قد تعتقد أنه شيء بسيط أو هين. لكنه يساوي حياتك وحياة الآخرين بضربة واحدة. لماذا لا تؤمن بما أُمن به؟ هل تعرف العواقب؟ إذا كنت لا تتحسب ذلك، فلتنتظر حادثة القتل. تلك الحادثة التي تقطع المألوف. وبمقدار ضخامة التكبير سيكون أثرها الواقع عيلك كوقع الصخرة فوق دماغك. وكم رأينا الدواعش يعدمون مخالفيهم بهرس( دغدغة) رؤوسهم بالأحجار الثقيلة!!
ولأنَّ الإنسان يشعر بما يعتمل في نفس الآخر، ولكونه يشعر بما يشعر به كما لو كان يعيش حياته كما يقول فيلهلم دلتاي، فهناك من القتل ما سينالك ألماً أو خيالاً أو وعداً أو هدفاً. إنه اختبار لإنسانية مفقودة لن تجدها بسهولة. ولهذا فالتكبير لهو تمثيل بالجثث على طاولة الدين مهما تكن صوره بعيدة عن الوصف. إنه انسداد انطولوجي يتعلق بفقدان معنى الإنسان واختلافاته. ربما الحادثة كفعل لا تصدق. فمن هذا الذي يترصد إنساناً صانعاً منه قرباناً لإلهه. وهل ينتظر الإله من اتباعه ضحية منكسة الوجه؟ هل ينتظر دماء جديدة لكي يقبل التقرب إليه؟ هل يأتي الرضاً الإلهي بالأساس مع قتل ما دون الإله وباسمه؟
والأمر كان أكثر من هذا فالمَشاهد الدموية اعتبرت الاله بهذا التكبير جزءاً من الأعمال الارهابية. كأنه حاضر وسط البرك الطافحة بالطقوس. كأنه يشرف ويخطط ويضرب ويذبح. هذا هو التصور التكفيري عن الله. ليس هناك من حقوق ولا قيمة لأي إنسان ولا لأدنى معتقد مخالف. المهم هذا الطابع الحيواني الذي ينمو و يتضخم على أشلاء الضحاياً. إن بؤساً ميتافيزيقياً لكائن إرهابي يعتقد إنه يرفع رايات الجهاد إنما هو دال على فساد المعتقدات في ذهنه. طبعاً ليست مصادفة أن تقترن أسماء المقدس وصفاته بتلك المشاهد. لأن هناك تاريخ للذبح في هذا المجال. جميع فتاوى القتل تتلخص في تكبير يظن الارهابي كونه ينفذها كما أمرته الشريعة. حتى أصبح الجهاد نموذجاً بلا ضابط وقابلاً لأن يكون قتلاً على الهوية الدينية والعرقية والأيديولوجية.
إنَّ أفعال التكبير رفض لأي تجاوز ممكن لهذا الخراب الذي خلفه الاسلاميون. لأن القتل والتخريب جاءا هذه المرة بحكم المخزون الميتافيزيقي لمعاني الجهاد ومحاربة الكفار. وهذا ما أدي إلى توحش التكبيرات أثناء تقطيع الأجساد وعقب تدمير المباني والجسور. واستعملت للإشارة إلى الظفر بضحايا جدد. وكأن الإنسان مجرد فريسة في غابات مفتوحة- الدول العربية سابقاً- يتعقبها القناصون بأسماء الإله.
وإذا لم ينل الارهابيون من الفريسة مباشرة فإن التكبير يلاحقها إلى مفترق الكفر والإيمان. لأنه إعلاء لشأن ايماني كما يزعمون. وقد وُضع من يخالف في خانة مهدر الدم. وبدا التكبير عاماً وطاغياً. فملاحقة اعداء الدين عند هؤلاء أهم من كل القيم الإنسانية. لقد اعتبروا غريزة الموت في مقدمة الصراع. وليس أدل على ذلك من أن كل المدن التي دخلها الإرهابيون – أثناء الربيع العربي- قد حولوها إلى ساحات إعدام وتعليق للجثث.



#سامي_عبد_العال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شفاهية الخطاب الديني
- مستقبل الإرهاب الديني
- هل يمكن اغتيال الأفكار؟
- لماذا لم يهتف أحدٌ...-الشعبُ يريدُ بناءَ النظامِ-؟!
- الدولة – الإله: نقد اللاهوت السياسي
- حدود الأنتنا: ماذا عن وجود الآخر؟
- صناعةُ التراث: لماذا لا نُغيِّر المفاهيم؟!
- ما هو نقيض المقدس؟!
- في ضرورة الوقاحة
- القطيع
- تناسُخ الغباء السياسيّ
- هوامش الثورة: مُفارقة النظام والفوضى
- التفكير السياسي بوصفه -حَدَثاً-
- عندما تصبح الشعارات الدينية رصاصاً لغوياً!!
- مسارات الخطاب (طُرق مفتوحة)
- تداول الخطاب: السوق اللغوية
- قراءة الخطاب: عن أرشيف الثقافة.
- سلطة الخطاب: لماذا لاهوت اللغة؟!
- الخطاب والثقافة وإنتاج المعنى ( مشكلة فلسفية)
- أطفال داعش


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي عبد العال - التكبير والتكفير