|
الذات الإلهية لم تطلب من احد الدفاع عنها
عادل صوما
الحوار المتمدن-العدد: 5310 - 2016 / 10 / 10 - 02:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لم يرد أي نص في الادبيات الإبراهيمية كافة يطلب الله فيه من أي انسان الدفاع عنه أو اغتيال من يسيء إليه. ولأن المقال عن المستفيدين من الاسلام سياسيا، اقول انني لم أقرأ في القرآن آية واحدة يفوّض الله فيها أي إنسان بإغتيال من يسيء إليه، ولأن "القرآن حمّال اوجه" كما قال الامام علي بن ابي طالب، اقول لم يرد ايضا في الاحاديث أي كلمات بهذا المعنى، ومن ثمة من يقتل الاخر أو يحاكمه بسبب الاساءة الى الذات الإلهية، إنما يفعل ذلك بايعاز من عقيدة قمعية تخشى زوال سلطاتها، ولا تحترم حقوق الانسان لأنها لا تعترف بها من الاساس ومنها حق الحياة، والفاعل يفتئت على الذات الإلهية (إن وُجدت) باغتيال من لم تطلب اغتياله، وواقعيا يسيء إلى الكون الذي خلقنا، بعدم إحترام العقل وهو نتاج ملايين السنين وأرقى ما خلق الكون. في السياق نفسه، لم يطلب الله في الادبيات الابراهيمية كافة، تدمير اثار وتراث المجتمعات، لأن هذا الامر عدوان على ارشيف تاريخ الإنسانية كلها وذاكرتها، ويستحق ان يصنّف "جريمة حرب" كما وصفت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي اعمال المالي المستفيد من الاسلام سياسيا احمد الفقي المهدي الذي شارك في تدمير اثار واضرحة تاريخية في تمبكتو، وحكمت عليه بالسجن، والامل ان يقف أبو بكر البغدادي في المحكمة نفسها كمجرم حرب، قبل ان يُغتال سينمائيا وتُطمر جثته في مكان أو بحر ما، لأنه حامل معلومات استخبارتية من أقذر ما تكون. الآلة العمياء استنكرت الحكومة الأردنية، واقعة إغتيال حتّر، مثلها مثل غيرها من حكومات تترنح تحت وطأة الآلة العمياء المتوحشة، التي اُمرت بتنفيذ اجراءات إعادة عصر مات بلغته ومفاهيمه وغزواته وتصوراته للحياة والكون والانسان، ومن هذه الاجراءات إغتيال ناهض حتّر أمام قصر العدل في عمان لمعان ورموز، بعدما أطلق مسّلَح، لا يستعمل شفرات الحلاقة لأنها حرام ويرتدي ملابس لا تنتمي للمجتمع الاردني بأية صلة، ثلاث طلقات على دماغ حتَّر، قبل أن تتمكن قوات الأمن التي كانت في محيط المحكمة من القبض عليه وكأنه اعزل من السلاح ، لأن تنويمه عقائديا ألزمه بعدم الهرب امام قوات الامن بعد اغتيال الهدف. المنفِّذ رياض إسماعيل عبد الله، اشتغل إماما وخطيبا لأحد المساجد، وكان معروفا لأجهزة الأمن الاردنية بآرائه المتطرفة، وهذا ما يفسر ضيق افقه وتبرير شعوره "بالغضب" من رسم حتّر الكرتوني، الذي يسخر ويقهقه في حقيقة الامر على الفقه الداعشي، الذي يريد من قدرات الله تنفيذ منافعه الشخصية، وفي الوقت نفسه يقول: سبحانه تعالى عن كل شيء. كيف يتعالى عن كل شيء ونحن نطلب منه تنفيذ ما نريد؟ كل الحكومات في الدول الناطقة بالعربية تستنكر الفقه المستفيد من الاسلام سياسيا السائد اليوم، لكن الامر غير المفهوم انها تتبناه كما هو من جهة اخرى. بالنسبة لإغتيال حتّر، كان رئيس الوزراء الاردني المحرّض الاول على ناهض حتّر عندما أمر باعتقاله ومحاكمته بسبب الرسم الكرتوني، ما أجج الرأي العام، ودفع بهيئة الادعاء في الأردن إلى توجيه تهمة "إثارة النعرات المذهبية والعنصرية" لحتّر، رغم ان كاريكاتور الرجل لا يتناول هذا الشأن ابدا، ثم تحولت التهمة بسبب تعليقات المغيبين عن الوعي ومن لا يعرفون مناسبة تنزيل سورة واحدة كاملة من القرآن إلى إساءة "للذات الإلهية"، لكن المحكمة، غير المصابة بفيروس الاستفادة من الاسلام سياسيا كما هو بيّن، أصدرت قرار الإفراج عنه مقابل كفالة مالية. باسبور الجنة شلل العقل الناطق بالعربية وما نراه اليوم من لامعقوليات ومنها اغتيال ناهض حتّر لم يأت من فراغ، بل جاء نتيجة مناخات لم تشهدها الدول التي تتحدث العربية منذ ظهور الاسلام، ووصلت إلى تفخيخ المساجد واغتيال المشايخ طمعا في دخول الجنة (؟!) إضافة الى تجاذبات بين خطابات التيارات العلمانية وإعصار تيار المستفيدين من الاسلام سياسيا، وإنفصام الشخصية الذي ارتضته الحكومات وبه تهادن حالة وحشية التيارات المستفيدة من الاسلام سياسيا، وتعتبرها حالة أمنية شرسة على كيانها، وليس حالة ثقافية خطيرة على المجتمعات. تحارب حكومات الدول الناطقة بالعربية هذه التيارت الشرسة امنيا لأنها حركات عنيفة تسعى بدون مواربة، رغم انها تنطلق من مساجد لا تقول سوى لا إله إلا الله، الى كرسي الحكم، وتحاول مقاومتها كحالة ظلامية تهيّج الجموع عليها ببرنامج الخطبة الجامعة، كما يحدث في مصر والاردن، إضافة إلى إيقاف عشرات الخطباء في المساجد عن الخطابة في المنابر لتأييدهم تنظيمات إرهابية خلال العقود الماضية، لكن لم تنظر هذه الحكومات حتى اليوم نظرة جدية إلى المصدرين الأخطرّين وهما المناهج التعليمية التي لا تناسب هذا القرن، والفقه المتزمت ضيق الافق الذي يعالج قضايا حياتية حديثة بمقولات قيلت كان الفكر ايامها يعتبر ان الفضاء هو السماء (الجنة) ووسيلة المواصلات هي الدواب، واضطر اصحابه اليوم تحت وطأة العلم وبراهينه الى عملية ترقيع غريبة هي عمل الشيء وإدانته، ما يجعل المجتمعات التي تتحدث اللسان العربي تعيش حالة إنفصام شخصية لا تستطيع رؤية العالم كما هو وتحاول التأقلم معه في الوقت نفسه. نكوص كوكبي على سبيل المثال، وفي سياق إغتيال حتّر وخوفا من مؤسسات حقوق الانسان العلمانية، اسرعت جماعة الإخوان المسلمين الاردنية غير المرخصة، إلى إدانة قتل حتّر، بينما المجرم وشريحة كبيرة من المجتمع على رأسها رئيس الوزراء يرون ان حتّر أساء للذات الإلهية، رغم ان استعمال العقل لمدة دقائق يؤكد ان رسومات ناهض حتّر سخرت بقسوة جريئة من الذين يسيئون للذات الإلهية وليس العكس! بعد وصول جماعة الفكر المتطرف الى الحكم في مصر، كرموا الرئيس انور السادات واعتبروه شهيدا، واعطوا زوجته، التي شهدت اغتياله بعينيها واصيبت هي الاخرى كما يبدو بانفصام الشخصية، صك غفران بهذه الدرجة، بعدما اغتال مجرمون من مدرستهم الفقهية الرئيس السادات من خمس وثلاثين سنة. وقال عبود الزمر وهو متأثر لقناة تلفزيونية فضائية: "السادات كان راجل طيب جدا"، مع ملاحظة ان عبود الزمر نفسه حاول اغتيال الرئيس السادات مرتين باطلاق الرصاص عليه لكنه لم يصبه. حالة الانفصام تختلف عند تنظيم الدولة الاسلامية المؤمن بتطبيق شرع الله، فقد حث عنصر منهم على ذبح امه علانية في شارع امام المارة، لأنها نصحته بترك التنظيم. الفتوى مخالفة صريحة للقرآن الذي يأمر بشكل حاسم جدا تكريم الابوين حتى لو اشركا بالله نفسه، ما يعني ان الخليفة ابو بكر البغدادي اساء بدون مواربة للذات الإلهية، لأنها انزلت القرآن المعصوم على الرسول محمد. وبينما يسطو التنظيم نفسه على بنوك وبترول ومحلات ونساء وغِلمان العراق وسورية الحلوين، قطع افراد منه بالسيف ذراع صبي في الحادية عشرة من عمره، مسكين جائع يعيل اسرته ويريد إطعامها بسرقة بطارية سيارة مستعملة وبيعها، من ايام وهم يقولون بشكل هستيري امام الناس في السوق : "هذه الذراع سرقت بطارية ويجب معاقبتها". إنفصام الشخصية المذكور سيؤدي بهذه المجتمعات إلى إنتقال حتمي لحضيض أسوأ دموية مما نراه الان، والسيناريو المفجع انه انتقل الى دول الغرب الضائعة بين عائدات البترول الشهية وقيم الحرية والديموقراطية والعلمانية وحقوق الانسان، التي تبدو الآن للشركات عديمة الهوية حاكمة الدنيا فعلا من وراء الكواليس، كأنها ديكور لطيف وليس اسلوب حياة. الشركات عديمة الهوية القومية لا تدرك اهمية التمتع بمشهد نهر السين وبرج إيفل في جولة بوهيمية تنشد الروح فيها بعض الحرية، وخطورة ان يجد الفرنسي أو عاشق باريس الاجنبي اليوم عشرات الكلاب المدَّربة مع جنود ومئات التحريين السريين ورجال الشرطة يحرسون معالم باريس، ما يضع الروح في زنزانة كئيبة تفكر في المصير المعتم للمجتمعات والشركات على السواء.
#عادل_صوما (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاغتيال العقائدي والاغتيال السياسي
-
الهوية وقانون الحريات والعلمانية
-
المواطنة المتساوية وانفصام الشخصية
-
البوركيني وثقافة الملابس
-
عالم كيمياء وفقيه كلام
-
البابا فرنسيس يؤسس اخلاقيات تخالف الموروثات الابراهيمية
-
أتنادون باالخلافة وتبخلون على خليفة رسولكم بجزيرتين؟!
-
في معضلة تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم
-
يعيش يعيش حكم المرشد
-
هل أفلست الاديان شكلا ومضمونا؟
-
افراط البطش الذي يتجاهل القرآن والاحاديث
-
تعدي مؤسسة على صلاحيات الله المطلقة
-
-موال الهوى-: رواية تعبق بثقافات البحر المتوسط
-
المسلمون المتنورون والصم المسيحيون
-
ختان العقل ووأد الروح واستهجان الاستنارة
-
تحت خط الفقر العلمي
-
التمييز والعنصرية والتقية ومصادر التمويل
-
الازدواجية الاخلاقية في الضمير الجهادي
-
ليته يستقيل قبل تشرين
-
الفرق بين رجال السياسة وبائعي التمائم
المزيد.....
-
مرشح جمهوري يهودي: على رشيدة طليب وإلهان عمر التفكير بمغادر
...
-
الولائي يهنئ بانتصار لبنان والمقاومة الاسلامية على العدو الا
...
-
شيخ الأزهر يوجه رسالة حول الدراما الغربية و-الغزو الفكري-
-
هل انتهى دور المؤسسات الدينية الرسمية؟
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ال
...
-
الكشف عن خفايا واقعة مقتل الحاخام اليهودي في الإمارات
-
الجهاد الاسلامي:الاتفاق أحبط مسعى ايجاد شرق اوسط حسب اوهام ا
...
-
الجهاد الاسلامي:نؤكد على وحدة الدماء وصلابة الارادة التي تجم
...
-
الجهاد الاسلامي:نثمن البطولات التي قدمتها المقاومة بلبنان اس
...
-
الجهاد الاسلامي:اتفاق وقف اطلاق النار انجاز مهم يكسر مسار عن
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|