أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد التاوتي - حقوق العصر.. تحقيقات في جريمة ازدراء العقل و معاداة الإنسان















المزيد.....


حقوق العصر.. تحقيقات في جريمة ازدراء العقل و معاداة الإنسان


أحمد التاوتي

الحوار المتمدن-العدد: 5310 - 2016 / 10 / 10 - 02:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هذا جزء من مقدمة الكتاب، "حقوق العصر" المنشور بعنوان فرعي: "تحقيقات في جريمة ازدراء العقل و معاداة الإنسان"...، أقدمه هنا من اجل التفاعل مع رفاقي بالحوار المتمدن..

[ لكل نظام: بنية، سياسات، و قيادات..
إذا كان مبلغ العمل، إسقاط القيادات، بقيت نفس البنية و نفس السياسات، لتصوغ لك نفس القيادات من جديد.
و إذا أسقطت السياسات، بقيت نفس البنية، لتصوغ لك نفس السياسات بقياداتها على المقاس من جديد.

يراودني السؤال التالي؛
... بفوضانا "الخلاقة" الراهنة، مَن أولى بالتقويم، الحكام أم الأديان؟
لنرى عن كثب وضع الحكام و وضع الأديان إزاء الإنسان.

أولا: لكل شخص سلوك.. و وراء كل سلوك فكرة. فأين نصنف الدين و أين نصنف الحاكم؟
الحاكم يصنف في خانة الأشخاص، و السياسة تصنف في خانة السلوك، أما الدين فيصنف في خانة الأفكار.
من حرر حاله كله، بمجال الإبداع و الخلق في ذاته، يحاسب الأفكار.، يوجه السلوك و يلهم الأشخاص.
و من حرر إرادته فقط، بمجال الإبداع و الخلق في ذاته، يحاسب السلوك.، و يوجه الأشخاص.
أما من حرم من طرق ذلك المجال الحيوي الخصب، و أوكله إلى قوى ما ورائية وهمية، فلا يجد له مندوحة من أن يحاسب الأشخاص و يسبهم فحسب.
و لذلك تجد في فضائيات و حوارات و خطابات المودعين سرائرهم إلى غيب مبهم و مشبوه، أكثر الناس شتما للناس.

ثانيا: "يفترض" في الحاكم أنه يسير الشأن العام.. و هناك "قنوات" متواضع عليها لمحاسبته..
أما الدين فيهتم بالشأن العام.. و يحشر أنفه أيضا في الشأن الخاص.. ثم لا توجد قنوات متواضع عليها لمحاسبته.. أكثر من ذلك، لا تجوز محاسبته.. فلا اجتهاد مع النص، و ليس بعد الحق إلا الضلال كما يردد أنصاره..
لقد طال الأمد بهذا الوضع لمدة قرون، اكتسب فيها الحاكم العربي جميع أوصاف الدين، من حشر أنف أجهزته في الحياة الخاصة للمواطنين، إلى فرض عدم جواز انتقاد حكمه.. فلا تفلسف مع "المصالح العليا" للوطن، و ليس بعد "الثورة" زمن الوطنيات الصاخبة، أو بعد "النظام" بزمننا هذا، إلا الخيانة كما يردد أتباعه..
أمام هكذا وضع، وجب نقد الأفكار الهدامة التي أفسدت الحكام و السياسات و المواطنين على سواء.

بالصفحات المقترحة، نسلط الضوء على محاور عدة، مع التركيز بطبيعة الحال على الدين و المرجعية الفكرية، أي البنية الثقافية الأساس بتربتنا، لاعتبارنا بأن مشاكلنا ثقافية بالأساس، قبل أن تفرع عرفا اجتماعيا، و أغصانا سياسية و اقتصادية.
و أنا سعيد اليوم، عندما انحاز إلينا كثير ممن يسمون بالمسلمين المعتدلين بعد طول عنت معهم، و أضحوا يرون معنا أخيرا و بعد خراب البصرة مع الأسف، بأن مشاكلنا ثقافية بالأساس قبل أن تكون غير ذلك.

سيجد القارئ الكريم، أسلوبا موجها إلى العموم، ينزع إلى أسئلة الحياة بدلا عن منظومة المفاهيم.. و إن دعت الضرورة أحيانا إلى معالجة مسائل مجردة. و عمدت قصدا إلى التمثيل غالبا بما يفكر به المواطن البسيط و الأفكار المشاعة على مستوى عريض و إن كانت مبتذلة.. كما عمدت إلى استعمال حتى النبرة الشعبية البسيطة، قصيرة النفس، سافرة التبرم و التأفف.. أمر قد يجعل بعض الذين ألفوا الأساليب النخبوية التقليدية غير راضين عنها. و هم معذورون في ذلك لأن هذه الانشطارية بين ما يمكن تصوره ثقافة "أهل الكتاب"، و ما يقال عنه ثقافة الدهماء، خللٌ ترسخ في عقولنا منذ دخول العصر الإسلامي الأول ( عصر النبوة و الراشدين)، و تأكد فيما بعد مع العصر الإسلامي الثاني ( عصر الضعف)، و عاود ظهوره بقوة بالعصر الإسلامي الثالث ( عصرنا هذا منذ سبعينيات القرن الماضي).. حتى أصبحنا نصنف مسائل من مثل كسب الأشعري أو خلق القرآن ضمن الثقافة "العالمة"، و مسائل مثل اتجاهات التنكيت الشعبي مكثفة الاستثمار في الحياة السياسية، وافرة الدلائل للأبحاث الاجتماعية، ضمن الثقافة "المبتذلة".. كما صرنا نناقش على سبيل المثال، بمواقع التواصل الاجتماعي، مسالة الإرجاء أكثر من مناقشتنا مسالة العدالة الانتقالية... و أصبح أبطال ثقافتنا التاريخيون، يتبارون من لظى قبورهم الغابرة، في انتخاباتنا "الديمقراطية" الحالية.

و لم يقتصر الأمر على نخبنا التقليدية في ذلك.. فلقد سارت على نفس النهج حتى الكتابة النخبوية الجامعية عندنا..
و هذا التهويم خارج التاريخ للانشغال بالمُلهيات النظرية التقليدية المميعة، يساعد كثيرا دعاة الفكر الديني على الإمعان في تحريف العقول القلقة من الناشئة عن المناطق التي يعتبرونها مواضع خطر على مُحكماتهم و محمياتهم.. و قطع الطريق على مجرد التفكير في استفادة محتملة من "صيحات البرية" العديدة و المتلاحقة التي أطلقتها و ما زالت تدوي بها هامات أكاديمية في العلوم الإنسانية لا يشق لها غبار بعالمنا العربي منذ الصدمة إلى اليوم.
و للحقيقة، فإن بعض الكتابة النخبوية، تقليدية أو معاصرة، ضرورة.. و كلنا أفاد منها.. و لولاها على كل حال لما فهمنا كثيرا من هذا الركام الذي وُلدنا بين أوحاله.. و هي كتابة - على علاتها- لا تدخل كلها ضمن النهج المشار إليه.
و لكن عندما يتعلق الأمر بالكتابة من أجل التغيير الثقافي و الانتقال المعرفي العريض حسب الإيقاع البطيء لسير الشعوب، يجب التبسيط، و يجب التمثيل بالملاحظة، و يجب مناقشة الأفكار البسيطة المبتذلة و حتى الأفكار الخرافية التي تصنع المزاج العام عندنا.. و يجب التخفف من مقولات الكتب إلى معالجة مقولات الرصيف.. و يجب النزول من بروج الإشكاليات إلى شعاب و أودية الاستفهام البسيط في مبناه، ثقيل العيار في معناه..، حيث العقل السائد الشائع..
من جهة أخرى، جرى تقليد عندنا، محاولة تغيير الذهنيات و معالجة أفكار الشعوب و معتقداتها عن طريق الإبداع الأدبي بأنواعه.. و هو فضلا عن كونه أسلوب غير مباشر، عفا عنه جهل جارف باللغة و بالفن. و عزوف عن متابعة الإبداع بصفة عامة لدى شعوبنا بالزمن الحاضر.. و إذا جاز استعارة لغة المنشطين بالتلفزيون، يمكنني أن أقول بالنظر إلى بؤس واقعنا الثقافي و السياسي، بأن "الوقت داهمنا" و لم يعد أمامنا إلا الحسم الفوري و المباشر في قضيتنا الأساسية العالقة..، و هي التخلف الذي يعود إلى بنيتنا الثقافية العبرانية المقدسة..

و من أجل الوضوح منذ البداية..،
تركيزنا على تلك البنية بتحليلنا، سيكون تركيزا على ما يقدمه لنا التراث و التاريخ.. و الأحكام المترتبة عن ذلك، تكون متعلقة بالتاريخ و ليس بأحلام الشعوب التي تبقى مقدسة و محترمة و منزهة عن التحليل.
فأحلام جدتي حق فطري لها، و ليس لأحد أن يمنعها.. و لن يكون بمقدوره ذلك و إن أراده، ثم لا يسعه إلا احترامها.
فإذا كانت الشعوب ترى في الآلهة رمزية الحق المطلق، و ترى في الأنبياء رمزية المثال المطلق، و ترى في الكتب المقدسة رمزية الخير المطلق..، فاحترام ذلك واجب حتى على الأجانب عنها، لأن الرمزية هنا تتعلق بقيم فطرية إنسانية عالمية ( الحق، المثال، الخير).، و إن كانت من ناحية الشكل، أي الرمز الذي يدل عليها ( الآلهة، الأنبياء، الكتب )، تخص ثقافة محلية خاصة.
و الناس على مختلف اتجاهاتهم من أنقى الفطرة إلى أقذى العقائد، قد يختلفون في أسلوب ترميزهم للقيم المطلقة و لكن لا يختلفون في إجماعهم عليها و في تقديرهم لها و في السعي لتحقيقها و إن لمآرب مختلفة أو متعارضة أحيانا مع جوهرها.. بل لا يتفاوتون في ذلك باعتبارها قاسم فطري إنساني مشترك.. و على مستوى تقديسها- و هو مستوى رمزي- كل الناس سواء و إن اختلفوا في تعبيرهم عن ذلك.
فمستوى المقدس إذن، يستغرق المسافة التي تنساب عليها بديهة الإنسان في تقبلها لكليات الخير بالرمزية التي تقرها كل ثقافة إلى تلك الكليات.. و هو مستوى قابل للجريان بنفس الجرعة – إن جاز التعبير- على كل الثقافات و الحضارات و الشعوب كيفما كان الخلاف بينها.. هو قسم مشترك إنساني طبيعي لا يحتكره دين أو عرق أو لا دين.
أما ما يجري امتدادا لها – أي لتلك الرمزيات- بالتاريخ، فيبطل عن أن يكون رمزا ممتنعا عن الدراسة بجميع الأدوات المتاحة، لأنه أصبح مجسدا موضوعيا قابلا، بل طالبا بإلحاح، للتقييم و التقدير و المساءلة.. و ذلك من أجل عمليتي الاختبار و الاعتبار الضروريتان في مسيرة التقدم و التطور الإنساني.
فالله أو يهوه، رمز الحق، يبقى معبودا كرمز للحق.. و يستبعد من تحليلات السياسة.. أما الله في التاريخ، فتطور سياسي لأفكار الحكم.
و الأنبياء رمز المثال، يحضون بالتقديس كرموز لذلك.. أما الأنبياء في التاريخ، فتطور سياسي للزعامة في القيادة، أو للزعامة في الإصلاح، حسب طبيعة سياق الديانة.
و الكتب المقدسة رمز الخير، تبقى مقدسة كرمز للخير.. أما الكتب المقدسة في التاريخ، فتطور ثقافي لصياغة القانون، أو لأساليب التربية، حسب طبيعة سياق الديانة أيضا.

و عَودٌ على الصورة من زاوية أخرى لتمام الرؤية..،
كلما جرى الرمز بالتاريخ، بدا للمؤمنين به بأن ترجمته إلى الواقع ليست دقيقة، فتعددت محاولات الترجمة و تفرقت إلى مذاهب و عقائد و سياسات أدت جميعها إلى اصطدامنا بصخور العصبية..
و "كحل مريح"، أضحت حجة عدم تمثيل الدين الذي في مروي التاريخ و في متداول النص و في متواتر التراث، للدين الذي في "الرؤوس"، حجة شائعة، و رياضة ممارسة على صعيد واسع..
فجميع البدايات – و البدايات عادة ما تبدو واعدة- تمثل الدين.. ثم نهاياتها جميعا – و نهاياتها عادة ما تكون كعاداتها- لا تمثل الدين...
و هكذا يكون الإنسان، هو "ابن الكلب" أولا و أخيرا، حسب هذا المنطق العجيب... إذا أصاب، فذلك من الدين.. و إذا اخطأ، فذلك لأنه كذلك من الأصل، و هو لا يمثل الدين...
و لهؤلاء الذين "يجدونها في رؤوسهم" و لا يكادون يتفقون على إتقانها بأطرافهم، و لا حتى الإفصاح عنها بجملة مفيدة تدل على فهمهم لما يعتقدون، أطمئنهم منذ البداية بأننا في هذه الصفحات نعدكم بان هذا "الشيء" الذي برؤوسكم سيبقى مصونا و منزها عن أي نقد و أية معالجة من طرفنا.. بل نذهب حتى تقديسه معكم.. و بان نقدنا و تحليلنا سينصب على النص المقروء، و الواقع المكابد، و التاريخ السافر، و التراث المتداول، الذي لا يمثل –باعترافكم- الدين الذي برؤوسكم.. و الذي يمثل –مع الأسف- قصارى ما نجد، و ما تجدون أنتم أيضا عن الدين إذا ما اضطرتكم الظروف إلى الإفصاح.. و يمثل جماع السفينة المخرقة التي تقلنا معا.. و إن أبت لكم راحة الوهم الإقرار بذلك..
نقطة أخرى محورية بهذه الصفحات، أود أن يتمعن بها القارئ جيدا لفهم ما يستقبله من أفكار...
إعجاز الديانات العبرانية، و إذا اعتبرنا افتراضا أنه إعجاز حقيقي و ليس طلسمي و لعب بالألفاظ و بالعواطف، و هو كذلك إلا أننا نسلم معها افتراضا، للتقدم في التوضيح..،
فهذا الإعجاز المؤسس أساسا على إعجاز "الاستثمار" في الكوارث الطبيعية قبل الإسلام، و على إعجاز "الاستثمار" في البلاغي و الغيبي و المعرفي و حتى الجنسي مع الإسلام، لا يستلزم - منطقا و وضعا- الحقيقة أو العدالة أو الفضيلة. و لا يدل - منطقا و وضعا- بالضرورة على أنه يصدر عن الخير المطلق بهذا العالَم..
فالعلم و القوة قد يجتمعان في أيقونة شر.. و لذلك لا يصح إعجازٌ، كداعِ إلى الاستئناس بالبرامج الموجهة إلى إصلاح البشرية، إلا إعجاز العدالة التي يستحيل منطقا و وضعا أن تجتمع مع الشر.
و نؤكد مرة أخرى.. إعجاز العلم و القوة المتداول كثيرا بالأدبيات العبرانية لا يدل إطلاقا على صدق في الدعوى.. فنحن نسلم معها في ذلك لسير النقاش كما قدمنا، ليس إلا.. و نعفو عن كونه يدل على أن الدين لجأ إليها لأن طلاسمها و المخادعات و المغالطات بها متوفرة، و مجالها شاسع مفتوح، و يمكن أن تنطلي على الإنسان العادي..
أما إعجاز العدل، فلأنه يمس مباشرة مسلمات الفطرة بالإنسان العادي في شؤونه العملية، و معاملاته اليومية..، أضحى متمنعا عن أن يعبث به الدين و يلوي عنق حقائقه كما في العلم.

و بعبارة بسيطة..،
العلم و القوة يمكن أن يجتمعا في كيان شرير.. أما مع العدالة فيستحيل ذلك.. و حتى على مستوى الأشخاص..، لا يمكن أن تصادف عدلا فاضلا و شريرا في نفس الوقت.. و لكن يمكن أن تجد عالما، قويا..، و شريرا في آن واحد.
و لهذا السبب، و من أجل طمس هذه الحقيقة، تم التركيز بإلحاح غريب و غير طبيعي في الأدبيات العبرانية على إمكان وجود الدولة العادلة "الكافرة"، في محاولة فاشلة لتثبيت عكس تلك الحقيقة في الوعي الجمعي للمؤمنين، لعلم الدين العبراني مسبقا بأن العدالة و الأخلاق و التشريع، هي مادته الراسب فيها حتما بأوضاع يستحيل عليه إخفاؤها.. و عليه بالتالي أن يهون من قيمتها، و أن يوهم المؤمنين بأنها قد تجتمع مع "الكفر"، و الكفر ببضاعته، كما دلس عليهم، جماع الشر.

و على هذا، إذا أردنا أن نتكلم في الإعجاز مرة أخرى، علينا أن نتكلم عن إعجاز العدالة و التشريع و الحقوق.
فكفانا زغلوليات و كياليات تخويف أطفال، دام فضلكم...

حتى ما يسمى بالإعجاز العددي.. و هو ضرب من الانتقائيات المخادعة لكلمات تخدم توافقا عدديا عبثيا محددٌ مسبقا برؤوسنا..، و إذا اعتبرنا - افتراضا - أنه صحيح هو أيضا..، فإنه لا يدل بأي منطق على أن موضوعه ( النص المقدس) صادر عن الحق المطلق.. لأنه إذا صح - على كونه لم يصح- لا يعدو أن يكون دليل تحكم في لعبة الكلمات لا أكثر و لا أقل.. و هذه كانت رياضة من الرياضات العبثية الطلسمية للنساطرة قديما بقصد التعالي على الناس.. و حرفة إقطاعية الهوى من حرف "أهل الكتاب" عموما..
أما الإنسان السوي، فاتجه بفطرته السليمة في الحضارة العربية الإنسانية، إلى إبداع فن أدبي على نحو اللزوميات، و إلى تأسيس علم رياضي على نحو الجبر.. ثم انتهى اليوم في الحضارة الأوروبية الإنسانية إلى الرقمية العددية التي لم يدعي أحد من روادها بأنه يصدر عن وحي من الحق المطلق.. و لم يبشر أحد منهم بدين جديد.
الديانات العبرانية تعلم جيدا، بأن المجال الحقيقي للإعجاز، إعجاز العدل، هو مطبتها الأولى و الأبدية.. و لذلك حاولت منذ الطور الثالث بها( الإسلام)، استطرادا لبداية غير موفقة مع اليهودية، حاولت الاستحواذ على هذا المجال "الشَرود"، بجعل مقولاته جميعا توقيفية.. رسمتها بعنايتها، و أعفت عقول المؤمنين من الاشتغال بها، إلا على سبيل الجمباز داخل قُبتها لا عادين خارجها و لا متكلفين، تخريجا و استنباطا و مقابلة و قياسا..
فالتشريع لحياتنا الاجتماعية، بما فيها اقتصادنا و سياستنا، وقفيا..
و الأخلاق وقفية..
و حتى الغيب، باعتباره "موطن" العدل العبراني أين "يتأول" جميع تناقضاته تحت مسمى الحكمة الغائبة عن أفهامنا، و الشبكة الأخيرة لنجاته من مآزقه و حرجه المنطقي و الإنساني مع العقل البشري..، فحتى هذا الغيب، رُسمت تضاريسه مقدما، و جُفت به الأقلام، و صارت معارفنا عنه وقفية.
بهذه الحيلة، سدت "ثغرة" القلق المعرفي و الوجودي و الأخلاقي للإنسان، و حيل بينه و بين أن يجرأ على مجرد المحاولة في السؤال حول هذه الأوثان الوقفية الماثلة كأشد صفاقة من أصنام الكعبة، بوصفها معلومات من الدين بالضرورة لا يراجعها إلا فاسق مرتد.
لا يُشَكك في ذلك مسألة أننا أدرى بشؤون دنيانا التي يوردها المحرفون الجدد بكل مناسبة، قاصدين بها – تدليسا – مسائل التشريع.. فواضح في الأثر و سياقه أنها تتعلق بالمسائل التقنية.. و هذا ما تطبقه جيدا دول الخليج و المملكة السعودية الإسلامية و الدول الإسلامية و العربية الأخرى أيضا، في تعاملها مع التقانة و التكنولوجيا و الخدمة الغربية عموما.. في الوقت الذي تحافظ فيه بقوانينها، و بتعاطيها مع الهيئات الدولية و برامجها، على خصوصيتها التشريعية لذات السبب المتقدم، و تتحفظ على كثير من لوائحها بما يحرمها أحيانا حتى من بعض الامتيازات.

و للقارئ المستعجل أقدم خلاصة التحريات العامة في تحليلنا بثلاث كلمات:
عدم تسامح صارم مع ما يحمي الرمز ( الآلهة، الأنبياء، الكتب) و يدوس على القيم المرموز لها ( الحق، المثال، الخير).
و تسامح كريم مع ما يحمي الرمز ( الآلهة، الأنبياء، الكتب) و يحافظ في نفس الوقت على القيم المرموز لها ( الحق، المثال، الخير).
و توافق كلي مع من يحافظ على تلك القيم المطلقة بدون كبير حاجة إلى رموز تقربه إليها زلفى..
و مهما كان اختلافنا مع المؤمنين الذين يعتقدون في اتحاد رمزهم و مرموزهم، فإننا ندعوهم إلى معالجة المسألة من حيث وضعها على الساحة السياسة اليوم، لكي نصل إلى تعقل واقعي للدوار الحاصل حول المقدس و علاقته بالحقوق و بكرامة الإنسان.. ذلك أن اعتقادهم نفسه يبقى إيمانا و ليس إدراكا.. و الإيمان كما الرؤيا.. أصله وحي، أي رؤيا "مكيفة" إن جاز التواضع.. يلزم أصحابه و فقط.. و لا يفرض على المجال العام.. فلا يمكن مثلا، أن نُقدم على احتلال دولة جارة لنا، بدعوى أن رئيس دولتنا زاره طائف في المنام، و أخبره بأن تلك الدولة أرادت به شرا..
هذا مع افتراض بطبيعة الحال، أننا وصلنا إلى درجة من الغبن، بحيث نُتَوج على أقدارنا رئيسا على هذا المستوى المتقدم من المسخ.
ثم أنه ( الإيمان) لا يختلف كثيرا من حيث السند المنطقي عن الرمزية.، بل لا يرقى إلى قوتها و صلاحيتها إذا علمنا بأن الرمزية الانثروبولوجية لها دور واضح على الأقل، و ليس مميعا و عائما على رحلي، و على رحل جاري، و رحل قادم محتمل، و رحل حتى ماض يحتمل اكتشافه مستقبلا من دلائل التاريخ باستخدام رياضتنا الوطنية، رياضة لوي عنق القرائن - المحببة إلى جماهيرنا- في حالة عدم تأييدها لدعاوى مركزيتنا العبرانية.
هذا على مستوى الانشغال النظري.
أما على مستوى الواقع فقد تقتضي اللياقة بك، احترام حتى بعض الحيوانات التي يقدسها جارك مثلا..
فإذا ما كان لهذا الجار أفعى يقدسها، و يرمز بها إلى "الحب و السلام و التعايش"..، ثم أخرجها إلى الشارع و هو لا يبالي بتحرشها بالناس، وجب اقتناصها، و لكن يستحب عدم قتلها احتراما لمشاعر ذلك الجار الطيب الساذج.. و الحل المبدئي هو ضبطها و إعادتها إلى منزل جارنا و توصيته بمراقبتها و تقييد حركاتها.. ( سياق العلمانية).
و أما إذا تركها تتكاثر بأفاعي عديدة و هو لا يبالي بخروجها و قبيلها جميعا على الناس، فماذا يجب هنا؟..
سؤال معلق، لتأمل القارئ..، (استشفافا لسياق ما بعد العلمانية)...

قد يبدو المثال غير مناسب لغير المتعودين على "التفكير" المفتوح ( على وزن تنوير)، الموضوعي الاستقصائي، متجدد الأدوات.. و يجب التماس العذر لهم، لتعودهم طوال قرون على "التفكُر" المغلق ( على وزن تقعُر)، المنكس في المنصوص عليه و المقرر لهم فحسب، لا عادين و لا مفلسفين و "العياذ بالله".
و هو بالأحرى مثال في تمام المناسبة.. عمدت إليه عن قصد لتقريب الصورة و لو بأهون أشكالها فجاجة، و لإيصال الفكرة حتى إلى الأطفال.. و إلا فتعالوا لنرى لطف الأفاعي و سماحتها أمام ما نحن بصدده ]

...



#أحمد_التاوتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علاقة داعش بالخلافة الأمريكية
- تسامح الجزائر مع اكتساح النشاط الطقوسي/السياسي للمجال العام
- سؤال عن مستقبل الثقافة في الجزائر
- مصر تصحح مسار الربيع
- الإلحاد و الإسلام
- هوس الإعجاز عند المسلمين
- لعنة الاستراتيجيا
- طبيعة الرهان الديمقراطي في المجتمع الجزائري
- الربيع الأمريكي بالمنطقة العربية
- اليسار العربي، من تشخيص الأنظمة إلى تثقيف المجتمعات
- موسم العودة إلى الحجاز
- العهد البوعزيزي الجديد و الخطر المسيحي القادم
- العلمانية المؤمنة
- فضائية المستقبل تتجاوز اليسار و اليمين
- المسلمون طيبون
- الحوار المتمدن و التغيير
- مستقبل الثقافة في مصر
- الشعب المصري قبل كل شيء
- الحرب و الغاز الطبيعي: الغزو الإسرائيلي و حقول غزة البحرية
- كتابة الجيتول و النوميديين القديمة


المزيد.....




- 82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد التاوتي - حقوق العصر.. تحقيقات في جريمة ازدراء العقل و معاداة الإنسان