|
ماجد ابو شرار .. نموذج فلسطيني للمثقف الغرامشي
جهاد الرنتيسي
الحوار المتمدن-العدد: 5309 - 2016 / 10 / 9 - 04:32
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
ثمة ما يحيل الى الغرامشية لدى استعراض تجربة المثقف الفلسطيني ماجد ابو شرار دون ان يتعلق الامر بتقارب سنوات عمره مع عمر الفيلسوف الايطالي انطونيو غرامشي لدى رحيلهما وتاثيرات الفكر الشيوعي عليهما او عجز روما عن امتصاص صدى موتهما المدوي الذي يتجدد بين حين وآخر في بحث الحائرين عن خيارات مختلفة للخروج من المنزلقات الفلسطينية المتلاحقة وتفكير الاحزاب الشيوعية بتجديد شبابها وازالة التكلس الذي يعيق آليات تفكيرها . الاحالة تعيد الى مواصفات "المثقف العضوي" الذي تحدث عنه غرامشي في "دفاتر السجن" التي كتبها على مدى عشر سنوات قضاها في سجون الفاشية خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي وتضمنت حصيلة تفكيره حول النظرية الماركسية وعوامل تغيير الواقع والادب والنقد وتربية الاجيال . الفكرة التي كانت دارجة عن ابي شرار انه كان شيوعيا قبل انخراطه في حركة فتح وبناء على خلفيته الشيوعية شكل مع ماركسيين وماويين في الحركة تيارا يساريا ترك بصمته على حياتها الداخلية وكيفية صناعتها لقرارها وعلاقاتها مع المنظومة الاشتراكية والقوى التقدمية في المنطقة . الذين عرفوا ماجد عن قرب وساجلوه في افكاره وقناعاته يقللون من وجاهة هذه الفكرة رغم علاقته وشريكه الاقرب في قيادة يسار الحركة نمر صالح بالاتحاد السوفيتي والعواصم الدائرة في فلكه وارتباطاتهما باليسار الفلسطيني والقوى والاحزاب اليسارية في المنطقة والعالم . الكاتب والسياسي عبدالعزيز السيد الذي تمتد علاقته بماجد الى بدايات ستينيات القرن الماضي ينفي جازما انتماءه للحزب الشيوعي الا انه يشير في شهاده له تضمنها كتاب اصدره بعنوان "ماجد ابو شرار .. مسيرة لم تنته بعد" لصداقات ابي شرار الحميمة مع اساتذته وزملائه الشيوعيين وحرصه على الاحتفاظ بهذه الصداقات وحرصهم عليها . شهادة عبدالعزيز السيد تلتقي مع ما كتبه الروائي والناقد غالب هلسا عن مجموعة ماجد ابو شرار القصصية "الخبز المر" الصادرة في مطلع الثمانينات حيث يشير لنفاذ القصص الى التكوين النفسي العميق للفلسطينيين الذي يرتد على الذات فيدمرها او يتحول الى فعل يجعل من الفلسطيني فدائيا . يجد هلسا في ذلك ما يصفه بالافتراق عن المفهوم المشوه والشديد السذاجة للواقعية الاشتراكية الذي كان سائدا في تلك المرحلة ليرجح اراء نقدية تؤشر الى وجود نزعات وجودية في قصص المجموعة . تضاف الى شهادة السيد ورؤية هلسا شهادات شفهية لقادة ونشطاء اليسار الفتحاوي الذين يعيدون نسب ماجد ابو شرار ونمر صالح للحركة الشيوعية الى رغبة يمين الحركة في الحد من نفوذ خصومه اليساريين بتعويمهم ومساواتهم مع رفاقهم الحزبيين السابقين الذين خلعوا انتماءهم الحزبي قبل الانضمام للحركة وتنفير قطاعات فتحوية محافظة من الطرح المناوئ لطروحات اليمين . يشير الكاتب البريطاني ستيفن جونز في كتابه عن غرامشي الى كتابة الاخير الكثير من المقالات التي تحث على تثقيف العمال بهدف تطوير المجتمع الايطالي وبث الوعي لدى الطبقة العاملة . اشارة جونز تقود الى كتاب سيرة نزيه ابو نضال "من اوراق ثورة مغدورة" الذي يتضمن العديد من الاشارات الى اهتمام ماجد ابو شرار باقامة معسكرات لتدريب الكوادر وتثقيفها في الاردن قبل العام 1970 مما يعني اهتمامه برفع سوية وعي الكادر الفتحاوي . يكشف هذا الاهتمام عن ميل الى "تثقيف السياسي" لازم حذر الوقوع في "تسييس الثقافي" مما وفر لابي شرار افقا لتجربة اعلامية مختلفة بمقاييس زمن بعض سماته الاستقطابات والرؤى الاحادية والتمترس وراء المواقف. تلتقي بعض ملامح تجربة ابو شرار الاعلامية مع بعض ما انجزه غسان كنفاني حين اختار عبارة "كل الحقيقة للجماهير" شعارا لمجلة الهدف ووضعه الى جانب "اللوغو" في اعلى الغلاف رغم الطبيعة الحزبية للمجلة ففي مذكراته يشير نزيه ابو نضال الى معارك خاضها ماجد مع ياسرعرفات في وقت مبكر من اجل ايصال حقيقة ما يجري في خطوط المواجهة وعدم استسهال الفبركات والمبالغات في اظهار البطولات وادعاءات تحقيق انتصارات لم تتحقق حتى لو كان الهدف منها رفع المعنويات واثارة الحماسة . لكي تصل الحقيقة كاملة الى الناس عمد ابوشرار الى مبادرة غير مسبوقة حين فتح ابواب الصحيفة المركزية لحركته "فتح" امام كافة كتاب ومنظري القوى السياسية الفلسطينية التي تختلف في وجهة نظرها مع الحركة حيث يشير الشاعر احمد دحبور الى ان ماجد "كسر" بذلك العصبية التنظيمية وحول الصحيفة الى ناطق رسمي باسم عموم المقاومة دون ان تفقد اسمها . كانت لابي شرار رؤية مختلفة للاداء الاعلامي تقوم على فهم الوعي الشعبي وايجاد اليات النهوض به بدلا من البناء على الاوهام وادعاء البطولات ففي احدى لقاءاته يعيد الشاعر "ابوعرب" الذي تحول فيما بعد الى نجم غناء ـ يتداول اشرطته الفلسطينيون في كافة اماكن تواجدهم ـ فكرة عمله في اذاعة الثورة الفلسطينية الى ماجد الامر الذي فتح افقا لاغناء الاحساس بهوية كانت الحركة الوطنية تسعى في ذلك الوقت لبلورتها واتاح لاجيال فلسطينية الاقتراب من تراث لا يعرفه بعضها بالاستماع الى لون مختلف من الشعر والغناء . خلال مراسلات مع المثقف العراقي فخري كريم ناشر "المدى" وصاحب التجربة الشيوعية العتيدة تطرقنا الى كتابات ماجد ابو شرار وفوجئت بانبهار الاول وهو يعود الى علاقته بالاخير قائلا انه لا ينسي الدور الذي كان يقوم به في دعم الشيوعيين العراقيين خلال وجودهم في بيروت . انبهار كريم بذكر ابو شرار لم يكن الاول فقد صادفت ما يماثلة خلال لقاءات مع كتاب و روائيين عرب لكنه لفت نظري الى تفاصيل سمعتها من مجايلي ماجد حول علاقته بالكتاب والمثقفين الذين كانوا يفرون من بلدانهم الى بيروت بحثا عن النجاة من انظمتهم او مساحات اوسع للتفكير وارتباطات ابو شرار بمثقفي اليسار الفلسطيني وكان لافتا للنظر ان معظم هذه العلاقات كانت تأخذ منحى الرعاية والدعم الذي يأخذ في بعض جوانبه منحى التماهي في توحيد المواقف وتصليبها لمواجهة "الهيمنة الثقافية" التي وردت في دفاتر غرامشي . انتشرت في احدى مراحل العمل الفلسطيني ظاهرة القيادة التي تعاملت مع المقاتلين بمنطق المقاول والعمال ووصل الامر الى الاتيان بعمالة اسيوية للقيام ببعض الاعمال واحتاجت هذه الظاهرة الى سنوات لتخرج من دائرة المسكوت عنه وتجد صداها في كتابات خجولة وهناك . من خلال شهادات الذين عملوا مع ابو شرار يبدو واضحا انه كان حساسا تجاه هذه الظاهرة حيث يشير احمد دحبور الى قول ماجد خلال حوار ثنائي " اسمع يا احمد يوميات مقاتل هذه التي تكتبها عن المقاتلين سننشرها دون توقيعك، لا تجحظ ، اعرف انك تكتبها بدم الشاعر وانفجاراته , لكنها ليست لك انها للمقاتلين الذين كتبتها عنهم ، لماذا يقاتل الفدائي دون ان يشهر اسمه ، ثم نطالب باسمائنا في كل مناسبة" وفي تخريج دورة عسكرية لطلبة فلسطينيين قدموا الى لبنان من باكستان كان يسمو وهو يتحدث عن المقاتل الذي "يحمل بندقيته في يده، وظهره الى الحائط، ولا يرى من العالم الا قضيته" معبرا بذلك عن ذهنية المثقف الذي تحولت الثورة بالنسبة اليه مشروع حياة ولم تكن يوما سبيلا للثراء . تكتمل الملامح بانغماس ماجد في الاتحادات الشعبية حيث كان يجد الوقت الكافي لمتابعة قطاعات الطلاب والمرأة التي كانت من اكثر القطاعات حيوية في العمل الوطني الفلسطيني . وتتجلى تجربة المثقف العضوي وقدرته على النفاذ والالتحام في علاقة ابو شرار بفلسطيني الخط الاخضر حيث يشير محمد بركة رئيس لجنة المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربية في مناطق "48" خلال اشهار كتاب "مسيرة لم تنته" الى ان وقع مقولة ماجد "انتم اشرف من في هذه الارض من المحيط الى الخليج" على فلسطينيي الداخل بعد احداث يوم الارض كان اشبه بما يقع على مسامع الابن الذي ضاع بين خرائب البيوت والنكبة فيما يرى الروائي ايميل حبيبي في اغتياله بعض محاولات اغتيال المستقبل ويربطه باغتيال غسان كنفاني ليظهر حجم الخسارة . يصعب قراءة النسخة الفلسطينية من المثقف الغرامشي التي مثلها ماجد ابوشرار خارج سياقها الزمني وبعيدا عن التجربة التي كانت تستقطب هذا النمط من المثقفين فمن غير الممكن ان يأتي ذكر ماجد دون الحديث عن ناجي علوش او حنا ميخائيل وغيرهما من الذين كرسوا حالة تطهر وانسجام بين الفكرة والممارسة وصاروا حراسا لضمائر اجيال من النخب الفلسطينية ما زالت تستعصي على الغزو الثقافي والافساد المالي والسياسي .
#جهاد_الرنتيسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تبعيث ولحدنة
-
في تسييس الضمير الفلسطيني
-
ما اثقل التركة
-
كنت فلسطينيا
-
في غواية المسالك
-
في المسالة الكردية
-
مقامرة المالكي تتجاوز الخطوط الحمراء
-
فهلوة المالكي
-
في الطريق الى جنيف 2
-
مازق الاسلام السياسي و ازمة العقلانيين العرب
-
قيامة الكرد
-
غزة تتمدد في فراغات رام الله
-
الدور والدور المفترض للمعارضة الايرانية
-
طبعة شيعية للاسلام السياسي العربي
-
العصب العاري في سيرة الغبرا
-
بروفا اخيرة لحراس الهواء
-
الموت عطشا
-
بداية البدايات ... ام الحكايات
-
عدمية المقاطعة والاقصاء
-
رواية الحزن العراقي والانسان الباحث عن انسانيته
المزيد.....
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
-
محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت
...
-
اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام
...
-
المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|