|
شروط الثورة ومسيرة التجسيد _ ح2
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5304 - 2016 / 10 / 4 - 02:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نكمل مبحثنا ونتابع دراسة الواقع العراقي من منظور الثورة الضرورة والثورة الترف، وهل نحن ثوريون بمعنى قادرون على الأستجابة لشروط الثورة ومبرراتها أولا؟ أم أننا مجرد صدى فارغ لمسمى كثيف وضخم وشديد الوطأة على كاهلنا المتعاجز عن فعل الضرورة، ثم نسأل أنفسنا ما هو رصيدنا الروحي من ثورة الحسين؟ التي غيرت مفهوم الدين من عقيدة إيمان بأن الله هو المدبر القادر على التغير إلى تجسيد معنى لا يغير الله بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، القضية الصادمة والتي نعيشها اليوم وفي ظل ذكرى النهضة الحسينية أننا كعراقيون لم نغادر مع اعتزازنا وفخرنا بثورة الحسين وتجلياتها موقع التمني والتفاخر بالغير وبالسلف دون أن نبادر الفعل الإيجابي الذي يمزق حالة الظلم والأستكانة والرضوخ للواقع، إلا أننا ما زلنا نؤمن بأن الإنسان أقل قدرة على التغيير من كونه فاعل إلى كونه مفعول به، لذا تمسكنا بالدعاء والأمل والدعوة على الظالم وتركنا السلاح من هدف التغيير إلى هدف التنابز والتشاتم والقتل السخيف. في الوضع العراقي الذي يشهد حالة أنفصام حقيقي بين الواقع المتعب والمتشظي بين أفكار ورؤى لا يجمعها جامع ولا يربطها رابط، وبين حقيقة أننا كشعب عانى الكثير من الظلم والاضطهاد والاحتلال والتغييب والتغريب، شعب منهكة حقوقه من السلطة وما وراء السلطة، مسلوب الإرادة من مؤسسات حولت المجتمع إلى وسائل للمكاسب المحرمة والمشبوهة دون أن تمنحه شيئا بالمقابل إلا وعود كوعود الجنة وصكوك الغفران، هذا المجتمع الذي يختزن في داخله غضب في مراجل من نار لكن تلك المؤسسات التي تلعب بعقله الجمعي تنجح في كل مرة لتوجيه غضبه للطريقة التي تدمر الشعب وتنتهك أخلاقياته وأعرافه لتنجوا من غضبته وتعود لتستمطيه مرة أخرى وبعنوان جديد، هذا الشعب والمجتمع يبدو لمن يراها ظاهرا أنه مهيأ تماما للثورة العارمة التي تطيح بعرش الظلم والتخلف ويرى الشرارة بين بين، ليعود بعد فترة أخرى وينظر وإذا الصورة مختلفة عاد الشعب لنومته والمجتمع لتمجيد الظالم والمحتل والمستحمر. هل هذا يعني أن الثورة بعيدة عن الأنفجار وأعلان الولادة ليكمل رجال الثورة النضال الثوري الحقيقي لقيادة المسيرة نحو الهدف الذي بلور الثورة، كل الظن أننا كعراقيون ومن خلال قراءة في ضميره الأصيل أرى أن الثورة بالطريقة التي تحصل عادة وحصلت في الكثير من المجتمعات لا يمكنها أت تغير واقع ولا تستبدل رؤية برؤية، ما لم تسبقها ثورة بالوعي تعيد للضمير العراقي الجمعي قيمته وتخلصه من أسر الحرام والقداسة والخوف والتردد والشك، العراقي اليوم مشتت بين تأريخية مقيته تمزق نوازعه التحررية وتشتت وعيه وتأخذه لمساحات فارغة إلا من عبث جنوني، وبين حاضر مؤلم يجرده من كل قيم الثورة ويربطه ككائن خائف بمصلحة البقاء من أجل البقاء، لذا ترى العراقي اليوم راغب ومتحمس للثورة ولكن سياط الخوف والعوز والقلق والتشظي تجر به من رأي إلى رأي ومن فكرة لفكرة لينتهي كما يقال في المثل (جالس على الحديدة) ينتظر الفرج من الله، لقد قتلوا روح التمرد في نفس العراقي وحولوه إلى كائن مهزوز كائن يمشي خلف خوفه ولم يسبق قدره لذا لا ثورة في الأفق الآن. المشكلة النفسية الأساسية التي يعاني منها المجتمع العراقي والمتمثل بنموذج الشخصية العراقية، هي التقاطع المتعارض بين واقع يفرض شروطه وأحكامه القاسية بأعراف خارج منظومة المعتقد الديني، وبين تقليد وتعلق غير مسبوق ولا مماثل له في كل السلوك البشري فيما يخص أرتباطه بالعقيدة، كما يقول الدكتور علي الوردي وكثيرا ممن درسوا الشخصية العراقية تجد العراقي متدينا حد الذوبان في الدين ولكن لا مانع لديه أن يكون ملحدا وأنتهازيا مع الله في موقع أخر، ويرى ذلك من باب الضرورات أو من باب مقولته العامية (شسوي هاي قسمتي) هذا التبرير يأت دائما في مقدمة الأعذار التي يسوقها للهروب من تهمة الأنفصام السلوكي، لذا فلا ثورة الحسين يمكنها أن تدفع به لموقع التمرد والأكتشاف والتحدي، ولا الضرورات التي تفرضها حالة التناقض بين كونه يعيش في مجتمع يملك كل أسباب الغنى والرفاهية وبعاني أعلى درجات الفقر والعوز من أن ينحاز للثورة والحرية ويبادر لرسم المنهج الثوري والأنتقال من مرحلة التنظير إلى مرحلة العمل المؤسساتي الذي يمهد لقيام الثورة. لذا فلا يمكن كما أسلفت أن نتوقع مخاض ثورة حقيقية في الواقع العراقي، فبعد ثورة الحسين عام 61 للهجرة وبعدها ثورات ابناءه زيد بن علي وثورات متلاحقة قام بها العلويون والزنج والقرامطة لأسباب وعلل وما عانت البيئة الحاضنة لهم من التنكيل والتعقيب والقتل والدمار، لم تحدث ثورة حقيقية في العراق وكل التغيرات التي حصلت هي تغيرات خارجية لعبت بها قوى اقليمية وأعاجم بمعنى أنهم ليسوا من أهل البلد، وحتى ما يقال عن ثورة 14 تموز عام 1958 لم تكن ثورة عراقية بمعنى ثورة شعب ومجتمع، بل كانت حركة تمرد عسكرية خالصة، والدليل أنها لم تغير من بنية المجتمع وأفكاره وثقافته من الجذور فبمجرد أن سقطت قيادة التمرد سقط التمرد وعادت العلاقات والقيم القديمة من عشائرية ودينية لتلعب دورها، الثورة الحقيقية هي الثورة التي تعيد صناعة الإنسان ليتماهى مع روح الثورة وتجعله منساق تماما مع هدفيتها ومحققا لها بوعي ومنهج متكامل.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هذيان عاشق مغرور
-
الحاجة للفن حاجة للحرية _ قراءة أنطباعية في لوحات الفنانة ما
...
-
هذيان ميت
-
شروط الثورة ومسيرة التجسيد _ ح1
-
هل كان الحسين مظلوما في ملحمة الثورة وقضية التحرير؟ ح2
-
هل كان الحسين مظلوما في ملحمة الثورة وقضية التحرير؟ ح1
-
الصوت والصدى وأنحياز المشاعر.
-
نحن والحسين الرمز والقضية. إستيعاب أم أستلاب
-
موعد مجهول على أبواب مغلقة
-
الدين ومستقبل البشرية.ح 1
-
الدين ومستقبل البشرية.ح 2
-
مزادات فكرية
-
شوكولاتة بطعم النفط.
-
مشاكل التأقلم مع الهوية الفردية والجمعية في الفكر الديني
-
حديث سري جدا مع قطرات الندى
-
أعترافات ملحد
-
لماذا نتخوف من الغد
-
متى تنتهي جدلية الدين والدنيا
-
على نية الرحيل أحمل همي
-
العراق وخيار السلام
المزيد.....
-
الصليب الأحمر يتسلم المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وجادي
...
-
القناة 13 العبرية: وصول الاسيرين يهود وموسيس الى نقطة التسلي
...
-
الكنائس المصرية تصدر بيانا بعد حديث السيسي عن تهجير الفلسطين
...
-
وصول المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وغادي موزيس إلى خان ي
...
-
سرايا القدس تبث فيديو للأسيرة أربيل يهود قبيل إطلاق سراحها
-
سرايا القدس تنشر مشاهد للأسيرين -جادي موزيس- و-أربيل يهود- ق
...
-
قائد الثورة الاسلامية يزور مرقد الإمام الخميني (ره)
-
خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز
...
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|