وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 5302 - 2016 / 10 / 2 - 18:05
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
(1 ) :
(ان مانراه اليوم في عالمنا الاسلامي ليس صراعا بين الحداثة والتراث , كما يزعم البعض ,ولكنه حالة احتضار للثقافة العربية والاسلامية التي لم تعد قادرةعلى طرح اجابات حقيقية لاسئلة العصر الملحة . هي حالة من الارتباك والتشنج الفكري اودت بالبعض منا الى الانفصام . وبالبعض الاخر الى الياس, وبالاخرين الى العنف والتطرف , انها حالة من اليتم الثقافي والفقر الروحاني نحاول ان نخبئها خلف التدين الزائف او الصراخ المدوي على قضايا تافهة وصورية ) .
الباحث الالماني – المصري حامد عبد الصمد من كتابه :
( سقوط العالم الاسلامي : نظرة في مستقبل امة تحتضر ).
(2 ) :
لم تاخذ شعوبنا بالحداثة الفكرية, بل اخذت بالتحديث وبالحداثة الاداتية , اي الحداثة التقنية . فنحن نستورد اجهزة الحاسوب والهواتف الذكية والمعدات والاثاث المستخدمة في مكاتبنا ومنازلنا ,وجميع مستلزمات الحياة الاخرى ,لكننا في نفس الوقت نصف الغرب بالشيطان الاكبر وبالغرب الكافر وبالعدو الامبريالي . لقد تاثرت شعوبنا ومثقفينا بالحضارة الغربية وبمظاهر هذه الحضارة وانجازاتها وبفلاسفتها وحاولت بعض الاحزاب والافراد من المثقفين اقتباس بعض التجارب لتطبيقها على مجتمعاتنا .
في مقابل فكرة التقدم المستمر لمجتمعاتنا الى امام ,بتنا نشاهد التراجع المريع وتفكك مجتمعاتنا وسريان موجة التطرف والعنف والقتل . احىدى مشكلات مجتمعاتنا ومثقفينا واحزابنا انهم يعظمون ذواتهم ويعظمون التاريخ والتراث , بما فيها تراث ورموز الاحزاب الشمولية .وينظرون الى انفسهم ك ( نخبة )و( طليعة )لقيادة شعوبهم نحو التحررمن الاستعمار والتبعية للغرب .
يصفون الاخرين المخالفين لهم بالشياطين والكفار, او العملاء والجواسيس . انهم يعيشون في حالة ( شيخوخة فكرية) وثقافية , يعيشون في الماضي ولا يتطلعون الى صناعة المستقبل . الطفل الرضيع يرضع من ثقافة الماضي والبكاء على الاطلال وثقافة الحلال والحرام ومكافحة روح البحث العلمي والتشبث بالاسطورة.
ترتبط جزء من مشكلاتنا في تخلف مؤسسات الدولة وتخلف التعليم في بلداننا وتخلف مناهج الدراسة بمختلف مراحلها , والتداخل بين السياسة وبين المؤسسة الجامعية والتعليمية بمختلف مراحلها .السبب الثاني لتردي الاوضاع في مجتمعاتنا هو التخلي عن نقد الذات ونقد التاريخ والتراث والسياسة ونقد الايديولوجيات والاحزاب لحساب تقديس الذات المتضخمة والمصابة بالفصام , وتقديس التاريخ والتراث وقادته ورموزه .
ان المؤسسات الدينية والاحزاب الايديولوجية تستند الى عقيدة ثابتة , ولديها خطوط حمراء . فلا يمكن مس القران وشخصية النبي محمد , او التشكيك في الرواية الاسلامية .
يكتب حامد عبد الصمد في كتابه (سقوط العالم الاسلامي : نظرة في مستقبل امة تحتضر ) –ط1 – 2016 – الناشر : سطور – بغداد – شارع المتنبي :
(لاتوجد اية ادلة تاريخية غير اسلامية ان احدا خارج الجزيرة العربية في النصف الاول من القرن السابع سمع بنبي اسمه محمد او بدين اسمه الاسلام . فمن الواضح جدا ان قادة المسلمين بعد وفاة الرسول هم الذين اخترعوا هذه القصة ليبرروا غزواتهم على اراضي الفرس والروم ومصر. وبخاصة في العصر الاموي نجد كما هائلا من الاحاديث تم ( اخراجه )لتعطي الحاكم سلطة مطلقة وتبين فضل بني امية على باقي القبائل ).
ونفس الامر ينطبق على نشوء الاحزاب الشمولية في العالم العربي وغموض اصول تاسيسها والتعتيم على البدايات . اما هذه الاحزاب ومنتسبيها فياخذون بالرواية الرسمية , حيث تم اخراجهاعلى طريقة اخراج الاحاديث النبوية.
في الاحزاب الشمولية تحولت كتابات مفكريها وقادتها الى نصوص مقدسة لايجوز الخروج عنها , حيث تحولت السياسة الى دين جديد.وتم رفع قادة الاحزاب الى مصاف الالهة , وتم منحهم سمة العصمة فلا يجوز نقدهم بتاتا .الى يومنا هذا تقوم الاحزاب بتبرير تاريخها (المقدس )وتبرير الجرائم التي ارتكبتها , وتبرير اخطائها ايضا .
لقد وصفوا المخالفين لهم بالشياطين والمارقين على الدين والكفر , واطلقوا عليهم تسمية عملاء الاستعمار والجواسيس .
يكتب حامد عبد الصمد في كتابه السابق :
( العجيب في الامر ان معظم الحكام العرب حلفاء اقوياء للغرب ويحافظون على مصالحه ويدينون له بالولاء , ويتلقون منه الاسلحة والمعونات .ومع ذلك تحرص الانظمة المستبدة على تصوير الغرب على انه سبب كل بلاء في بلادنا ).
نفس الامر ينطبق على منتسبي الاحزاب القومية و الشيوعية والذين يسكن الكثيرون منهم بلاد الغرب الراسمالي المتوحش , حيث يستلم الكثير منهم مبالغ الاعانات من الحكومات الغربية ومن اموال دافعي الضرائب . قسم منهم قاموا بتحويل اموالهم الضخمة والمسروقة من ميزانيات بلدانهم الى بلدهم الاوربي او الامريكي الجديد . قسم من هؤلاء ومن غيرهم من يظهر في الفضائيات الامريكية والاوربية والامريكية من العراقيين يصفون النظام الملكي في العراق بالعمالة, رغم ان المحاكمات التي اجريت لرجالات العهد الملكي بعد 14 تموز 1958 لم تثبت عمالتهم , بل كانوا رجال يحبون وطنهم .لقد سجن الكثير من العلماء واساتذة الجامعات العراقية والمثقفين وتعرضوا للتعذيب وللسجن وللاعدام وللاغتيالات من قبل الانظمة العسكرية المتعاقبة .
وما حصل في العراق لايختلف عما حصل في الدول العربية الاخرى .وكان اخرهم اغتيال الكاتب الاردني ناهض حتر برصاص الظلاميين . لقد بدا تراجع مشاريع التنوير والحداثة باستلام العسكر والاحزاب الشمولية للسلطة في البلدان العربية .
لقد بدا تفكيك مؤسسات الدول العربية بتدخل السياسي في سلطة القضاء والتعليم واللجؤ الى الاحكام العرفية بدلا من الاحتكام الى دستور ثابت .لقد اصيب السياسيون والكثير من المثقفين بالنرجسية وتضخم الانا وتم تحويل قادة الفكر والاحزاب الى ايقونات مقدسة لايجوز المساس بها ونقدها .
لقد تحولت السياسة الى دين جديد واخذ الشيوعيون يخالفون الديالكتيك الماركسي بتقديس النصوص الماركسية واضفاء صفة العصمة على قادة الاحزاب الشيوعية وعلى مفكري الشيوعية.كما رفع الشيوعيون العراقيون عبد الكريم قاسم الى مرتبة العصمة فهو ( ابن الشعب البار )و( الزعيم الاوحد ).
الكثير من الكتاب الشيوعيين يعملون اليوم على تلميع صورة الزعيم عبد الكريم قاسم رغم اخطائه الفادحة ومجيئه الى السلطة بمشروع بريطاني بامتياز .وهنا لانتحدث عن عمالة بل عن خدمة متبادلة قام بها قاسم بابادة العائلة المالكة حتى لايتم الاستنجاد بقوات حلف بغداد او الاتحاد العربي حيث كان حلف بغداد يضم الباكستان وايران تركيا والعراق وبريطانيا والولايات المتحدة الامريكية .او حتى لايتم الاستنجاد بالملك حسين لان الاردن كان مرتبطا باتفاقيات امنية مع العراق بالاضافة الى ارتباطهما بالاتحاد العربي .
احصى احد طلاب الدراسات العليا في العراق اكثر من
(55) لقب تم اطلاقه على عبد الكريم قاسم . لقد تحولت الكثير من الاحزاب الشيوعية في العالم العربي الى احزاب في خدمة السلطة واصبح عملها معرقلا لحرية الفكر ولا تمارس النقد على برامجها وعلى قادتها .لقد اعلن الصحاف وزير اعلام صدام بعد سقوط نظام البعث بان القيادة السياسية كانت تفكر في اصداردستور ثابت وبناء حياة ديمقراطية. انه يطرح هذه الاكاذيب بعد 35 سنة من حكم البعث وهو نفس كلام الشيوعيين عن نية عبد الكريم قاسم بالتحول الى تسليم السلطة الى المدنيين واجراء انتخابات برلمانية واجازة الاحزاب السياسية.
انها حالة فصام فكري ونفسي للاحزاب السياسية ولعدد كبير من المثقفين , حيث يزداد التعصب الفكري بين اوساط المثقفين .
مسك الختام
يكتب حامد عبد الصمد في نفس كتابه :
( في حين ننظر الى الغرب كعدو كافر , تمتليء شواطئنا ومدننا بالسياح الاجانب الذين يوفرون لنا بذلك اهم مصدر للدخل القومي .الكثيرون ممن يعملون بمجال السياحة لايجدون بديلا عنه ويشعرون في القوت ذاته انهم يبيعون ارواحهم للشيطان , لانهم يحملون الخمور ويساعدون على البغاء.منذ شهور قابلت شابا من خريجي كلية الشريعة والقانون ومع ذلك كان يحمل الشيشة والكحول للسياح الاجانب باحد فنادق الغردقة . رايت في عينيه الحسرة والنقمة والشعور بالذنب .
( امال بس الواحد يعمل ايه ياباشا ؟)كان تعليقه الوحيد على عمله الذي يخجل منه ).
نلتقيكم على حواضر فكرية وثقافية خالية من التعصب ..
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟