|
ازدهار الجنس البشري 7-8
راندا شوقى الحمامصى
الحوار المتمدن-العدد: 5302 - 2016 / 10 / 2 - 17:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أن التأمل فى أى تحول اجتماعى كبير يثير التساؤل عن شيئين هما موضوع السلطة الضرورية لتحقيق هذا التحول وما يلزم من هيئة لتمارس هذه السلطة. بالأخذ فى الاعتبار كل ما يحيط بالتكامل المتسارع لكوكب الأرض وشعوبها من مضامين وإشارات فإن كلا هذين المصطلحين ( أى السلطة والهيئة ) فى حاجة عاجلة لأن تعاد صياغتهما. على مر التاريخ وعلى النقيض من التأكيدات الدينية أو الفكرية فقد كان مفهوم السلطة هو : أنها ميزة يتمتع بها أفراد أو جماعات بل وغالباً ما كانت تعامل على أنها مجرد وسائل تستغل ضد الآخرين. وهذا المفهوم للسلطة وبغض النظر عن الانتماءات الاجتماعية والدينية أو السياسية لمن كانت بيدهم مقاليد السلطة فى عصور معينة وفى بعض أجزاء العالم، فقد أصبح هذا المفهوم للسلطة من الموروثات التى تسببت فى الانقسامات والصراعات التى اتصف بها الجنس البشرى خلال الآلاف من السنين الماضية. عموماً فقد كانت السلطة من الأشياء التى تميز بها إما الأفراد أو الأقليات أو الشعوب أو الطبقات أو الأمم. وقد كانت أيضاً ميزة ملازمة للرجال وليست النساء. لقد كان تأثيرها الأساسى هو القدرة على الاستحواذ، التفوق، الهيمنة، المقاومة والغلبة، بالإضافة إلى ما تجلبه من مكاسب أخرى. ولا يغفل التاريخ أن هذا المفهوم ومثل هذه الممارسة للسلطة هى المسئولة عما أصاب البشرية من انتكاسات هدامة أضرت بمصالحها، ولكنها أيضاً كانت السبب لما اكتسبته الحضارة الإنسانية من تقدم ورقى كبير. ولكى نقيم المكاسب تقييماً سليماً لابد من الاعتراف بالانتكاسات والفوارق الواضحة فى أنماط السلوك التى أدت إلى المكاسب وإلى الانتكاسات. أن العادات والسلوك المتصل بممارسة السلطة والتى برزت إلى حيز الوجود خلال العصور الطويلة من طفولة وفترة مراهقة الجنس البشرى قد وصلت أقصى مدى من مفعولها ( تأثيرها ). واليوم - وفى حقبة تتصف معظم مشاكلها الملحة بطبيعة عالمية فإن التمسك بفكرة أن السلطة ميزة تتمتع بها مختلف قطاعات الأسرة البشرية خطأ بيِّنٌ من الناحية النظرية ولا يفيد التنمية الاجتماعية والاقتصادية للكرة الأرضية من الناحية العملية. أما من تمسك بها وكان فى الماضى معذوراً فإننا نجدهم اليوم، وقد تقطعت بهم السبل وأن خططهم قد وقعت فريسة اخفاقات واصطدمت بعوائق لا يمكن تفسيرها. لو تجدى القاطرة نفعاً فى دفع قمر صناعى إلى مداره حول الكرة الأرضية لكانت السلطة فى مفهومها التقليدى القديم مناسبة وملائمة مع احتياجات البشرية المستقبلية. إن متطلبات النضج وكمال الإدراك تدفع بالجنس البشرى إلى تحرير ذاته من كل ما هو موروث من فهم واستعمال للسلطة وأنه على ذلك لقادر بدليل أن البشرية ورغم هيمنة هذا المفهوم التقليدى عليها إلا أنها استطاعت أن تضع السلطة فى قوالب تتناقض مع هذا المفهوم التقليدى لها. يقو م التاريخ شاهداً ودليلاً على أن الناس من كل الأجناس وعلى مر العصور وفى فترات متباعدة، تمكنوا من التعرف على موارد إبداعية واسعة فى دواخلهم. ولعل أوضح مثال لذلك هو قوة الحق وهى عامل من عوامل التغيير والتعبئة التى صاحبت بعضاً من الطفرات العظيمة فى التجارب والخبرات الفلسفية والدينية والفنية والعلمية للجنس البشرى، وكذلك حسن الطبائع وقوة الشخصية وتأثير المثل الأعلى سواء على نطاق الأفراد أو المجتمعات البشرية. لم ينل بعد مفعول القوة التى ستنتج من تحقيق وحدة العالم الإنسانى حق قدره ولاشك فى أنه سيكون مفعول ذو تأثير قوى بحيث وكما ذكر حضرة بهاء الله ( ما معناه ) : " أن بإمكانه إضاءة الأرض كلها ". ستنجح المؤسسات الاجتماعية فى استخراج وتوجيه القدرات الكامنة فى وجدان شعوب العالم بدرجة تكون معها ممارسة السلطة محكومة بمبادئ منسجمة مع الاهتمامات التى ستنشأ وتستجد لجنس بشرى يسير حثيثاً نحو النضج والكمال , وهذه المبادئ تتضمن إلزام الممسكين بزمام السلطة بكسب ثقة واحترام وتأييد محكوميهم، والتشاور صراحة وعلناً بأكبر قدر ممكن مع كل من سيتأثر بقرارات تتخذ ويُقَيِّمُونَ بشكل موضوعى الاحتياجات الحقيقية وطموحات المجتمعات التى يقومون على خدمتها ويستعينوا بالإنجازات العلمية والفضائل الأخلاقية لكى يستخدموا موارد المجتمع وإمكانياته بما فيها طاقات وقدرات أعضائه استخداماً امثلا. لابد لأى سلطة فعالة ومؤثرة من أن يكون على رأس أولوياتها بناء وتأسيس الوحدة والحفاظ عليها بين أعضاء المجتمع وأعضاء مؤسساته الإدارية بالإضافة إلى توخى العدل والإنصاف فى كل الأمور. ومن الواضح أن مثل هذه المبادئ لا يمكن أن تُنَفَذ إلا فى بيئة ديموقراطية قلباً وقالباً. وكلمة ديمقراطية هنا لا تعنى بالضرورة تبنى الأيدلوجية التحزبية (الأحزاب ) التى اتخذت فى كل مكان من الديموقراطية اسماً ورسماً لها والتى بالرغم من إسهامها المؤثر فى تقدم البشرية فى الماضى لكنها اليوم تجد نفسها تخوض فى وحل من الإخفاقات ومن اللامبالاة والفساد الذى كانت هى نفسها سبباً له. لا يحتاج المجتمع فى سعيه لاختيار من يقع على عاتقهم اتخاذ قرارات جماعية نيابةً عنه، ولا تخدمه فى شىء الممارسات السياسية من اختيار وترشيح وحملات انتخابية واستجداء للأصوات. عندما تتاح للناس - كل الناس - فرص الحصول على التعليم والتدرج فيه ويقتنعون بأن اهتماماتهم التنموية الفعلية تباشر وفق برامج مقترحة تقدم لهم، سيكون باستطاعتهم تبنى أساليب انتخابية يكون من شأنها إصلاح وتنقية الشوائب تدريجياً من عملية اختيار هيئاتهم المنوط بها اتخاذ القرار. كلما اكتسبت عملية توحيد الجنس البشرى قوة دفع إلى الأمام، سيجد من يتم اختيارهم بهذه الطريقة السليمة الخالية من الشوائب أن لابد من أخذ الأمور فى الاعتبار والقيام بالمجهودات من منظور عالمى. على ولاة أمور البشر المختارين ليس فقط على المستوى القومى بل والمحلى أيضاً، يتفضل حضرة بهاء الله موجهاً (بما معناه) : " أن يعتبروا أنفسهم مسئولين عن تحسين أحوال وصلاح البشرية جمعاء."(ازدهار الجنس البشري)
#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ازدهار الجنس البشري 6-8
-
ازدهار الجنس البشري 5-8
-
ازدهار الجنس البشري 4-8
-
ازدهار الجنس البشري 3-8
-
ازدهار الجنس البشري 2-8
-
ازدهار الجنس البشري 1-8
-
الأديان وتطوّر المجتمعات
-
التعصبات هادمة لبنيان العالم الإنساني
-
وحدة الأديان
-
كُلكم أثمار شجرة واحدة وأوراق غصن واحد
-
قدوم العصر العظيم
-
لغة عالمية من أجل وحدة العالم الإنساني
-
المرأة مكانتها ومساواتها بالرجل
-
موعود الأمم وعلامات مجيئه
-
الأساس الروحانى لحقوق الإنسان-وجهة نظر بهائية6-6
-
الأساس الروحانى لحقوق الإنسان-وجهة نظر بهائية5-6
-
الأساس الروحانى لحقوق الإنسان-وجهة نظر بهائية4-6
-
تخلُّف العالم العربي...أسبابه وسُبل الخروج منه2-2
-
تخلُّف العالم العربي...أسبابه وسُبل الخروج منه.1-2
-
الأساس الروحانى لحقوق الإنسان-وجهة نظر بهائية3-6
المزيد.....
-
بدء احتفالات الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الاسلامية في ايران
...
-
40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
تفاصيل قانون تمليك اليهود في الضفة
-
حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق
...
-
أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة
...
-
لأول مرة خارج المسجد الحرام.. السعودية تعرض كسوة الكعبة في م
...
-
فرحي أطفالك.. أجدد تردد قناة طيور الجنة على القمر نايل سات ب
...
-
ليبيا.. وزارة الداخلية بحكومة حماد تشدد الرقابة على أغاني ال
...
-
الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|