|
نقاط عن المثلية والجنس ..
احمد حسن
الحوار المتمدن-العدد: 5300 - 2016 / 9 / 30 - 12:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من الأخطاء الشائعة تصور وجود شكل نموذجي ، أو معياري ، أو طبيعي .. للجنس ، وهو الجنسية الغيرية ، ومن ثم يكون غيرها ، مثل الجنس المثلي ، بمثابة انحراف نفسي أو تربوي أو هرموني .
الجنس رغبة غريزية مثل الطعام ﻻ موضوع لها ، هي رغبة تستهدف الإشباع دون أن تشرط هذا الإشباع بموضوع معين ، خاصة في مراحل الصبا والمراهقة قبل أن تعطى التجربة ذوق خاص وميول خاصة مستقرة ، فيمكن - وهذا أمر شائع في الريف مثلا ، اعتبار البهائم موضوعا لإشباع الرغبة الجنسية ، ويمكن إشباعها عن طريق التخيل والحلم والملامسة الذاتية دون وجود أي موضوع خارجي ، واحيانا يستخدم الشخص أدوات - على حسب الحال - بديلا لأي موضوع حي .
تشير الأديان والأساطير إلى مجتمعات كانت المثلية فيها هي الشكل (النموذجي) أو( الطبيعي ) لللنشاط الجنسي ، ما يعرف بقوم لوط ، حيث ﻻ يمكن هنا اعتبارها " انحرافا أو شذوذا عن السائد ، بل العكس تماما ، وتنتشر المثلية في التاريخ البشري طوليا وفى أنحاء المجتمعات البشرية - حتى التي تحكمها أنظمة دينية - عرضيا ، إلى درجة تجعلنا نراجع فكرة أنها انحراف شخصي أو خلل عند أشخاص ، بل أنها احد أشكال النشاط والتمتع الجنسي لدى البشر مثل الغيرية ، وقد عزا علماء عنصريين المثلية إلى خلل في كيمياء المخ أو التكوين الهرموني ، ولكن لم يساند مزاعمهم أي بحوث علمية معتبرة ، وقد تندهش إذا عرفت أن كثيرا من المتميزين والعباقرة في الفنون وعدد مرموق من المفكرين أيضا كان مثليا .
المجتمعات العربية عموما ، وبوجه خاص الصحراوية حيث نشأ الدين ، عرفت المثلية وغرقت في ملذاتها وأشاد بها كتابها قبل الإسلام - رغم وجود ديانات عديدة هناك منها الإبراهيمية والصابئة والمسيحية واليهودية ، ولم يكن ذلك مستهجنا أو منكورا ، بل كان محل مباهاة ، وبعد الإسلام أيضا استمر هذا النوع من النشاط الجنسي ، ومن المعلوم أن الإسلام لم يأتي بنص تحريم واضح له ، فقط استنكره في صورة لوط . ووعد الإسلام أيضا المؤمنين بغلمان حسان في الجنة .
أما في الحضارة الغربية الحديثة فقد كان منتشرا وغير مستهجنا إلى عصور ليست بعيدة ، ومؤخرا بدأ الاعتراف به مجددا كنشاط حر يدخل في باب الحريات ﻻ يجب استهجانه أو إدانته .
ليس الإنسان فقط - بل أن الأبحاث - ويمكن أيجادها بسهولة على النت - تشير إلى وجود الجنس المثلي عند الحيوانات وبنسبة قدرت بحوالي 10 % في بعض الدراسات ، فقط اكتب - الجنسية المثلية عند الحيوانات - على أي مؤشر بحث وستبهرك النتائج .
الحب والجنس والامتلاك
لم يعرف البشر ما يعرف بالحب الرومانسي إلا من عدة قرون ، حيث تدبج الأشعار في المعشوق تصور حسن وتصف الهيام به ، وبحسب الثقافات السائدة فقد اعتبرت المرأة هي المعشوق ، لكن على جانب موازي كان هناك من يتغزل علنا ويكتب بعشق مشاعر تجاه أفراد من نوعه ، انظر على سبيل المثال سونيتات شكسبير ، وأشعار الحسن ابن هانئ الشهير بأبو النواس . الحب الرومانسي فصل بين الجنس والعاطفة ، بل وركز على قصص عشق محبطة وعلاقات أفلاطونية ، ونظر إلى الجنس على انه شيئ ادني من المشاعر وغير روحي بل وقد يدنس المشاعر السامية . هذه الروحية العاطفية التي تعكس إحباطات وتجارب فاشلة تنتهى دائما إلى أطلال ، ليست بعمق الحب الجنسي الذي تغزل أيضا بمفاتن حسية لكنه متحققا وبهيجا بالمقارنة مع تعاسة العاشق الرومانسي . الخوف القبلي والأسري على أملاك الأسرة أن تذهب إلى يد اجنبي عن الجماعة أو القبيلة ، هو الأساس الذي ربط بين التناسل - كحارس للميراث - والمثلية ك " انحراف " فقد أصبحت وظيفة الجنس المعلنة ، خاصة الجنس الشرعي حيث تدخل الزوجة ضمن ممتلكات الزوج ، هي انجاب الوارث للثروة ، وفى عملية مزدوجة استمر التمتع بالخليلات وبالغلمان وبالعلاقات المثلية ، مع إنشاء وتعظيم غطاء أخلاقي يحتقرهم في العلن ، وبخاصة ماعد انحرافا - المثلية - عن الجنس التناسلي الشرعي .
الجنس النمطى والشرعي بوجه عام هو اسؤ انواع النشاط الجنسي ، سواء بسبب انه يمارس عادة كواجب ، انه أمر تابع لمؤسسة الزواج أو للمؤسسة الأخلاقية وا رشاداتها ، وليس نشاط حر تلقائي مرتبط بتفاعل حر مع الرغبة ، والجنس من هذا النوع هو جنس مقموع وخاضع ، جنس خادم للملكية والميراث ومرعوب من تجاوز قائمة التوجيهات المقدمة سلفا ، يقضي على دور المخيلة فى اكتشاف مناطق اللذة وفي إبداع أوضاع انسب لأطراف العلاقة ، وغالبا المرأة – الخائفة من التعبير بحرية عن رغابتها - هى ضحيته الاولى وهو السبب الاكبر في حدوث ما يسمى بالخيانة الزوجية ، او الانطفاء المبكر لشعلة الرغبة الجنسية .
في علوم التشريح وكذلك في علم النفس الحديث لا يوجد في خريطة الجسد أماكن جنسية وأماكن غير جنسية ، كل جزء في الجسد يصلح أن يكون موضعا للذة جنسية ، من الشعر إلى أظافر القدم ، وعند الجنسين تتوزع الأماكن المليئة بأعصاب وموصلات حسية كثيفة – مناطق الإثارة - تقريبا في ذات المناطق من الجسد ، وﻻ يخلو جسد ذكري من مكونات أنثوية أو العكس بنسبة لا تقل عن 49% من كروموزوماته ، وبمظاهر فسيولوجية مشتركة في اغلبها . كل رجل هو انثي بنسبة ، وكل انثي هي ذكر بنسبة ، يمكن المضي قدما والقول أن كل رجل أو امرأة يحمل ميل مثلي أما كامن أو معبر عنه ، أن احتقار المثلية في احد وظائفها هي إخفاء ودفاع ضد مثليتنا الدفينة.
العديد من الصداقات الودية الحميمة التى ننشئها مع أفراد من نفس جنسنا ، كثيرا ما تكون مثلية ناقصة ، او مثلية تسامت فى صور مختلفة واختفي فى القاع جانبها الحسي ، وذلك دون حتى ان ندفكر للحظة فى تصورات مثلية .
الثقافة والتجربة هي ما يعزز لدينا ذوقا جنسيا خاصا ، مثيرات محددة ، ارتباطات شرطية ، أو ميل جنسي محدد ، وحيث تهيمن ثقافة ذكورية محافظة ودينية ، فالمتوقع بالقطع أن يكون الميل المعياري هو الجنسية الغيرية ، وان تمارس الثقافة -وهى تسيد قيمها ، تحقيرا للأنشطة الجنسية المثلية عموما ، والغيرية غير الشرعية بعد ذلك، ويتعاظم القمع عندما يتدخل القانون الى جانب الثقافة فى قمع النشاط الجنسي الخارج عن اللائحة المعيارية لثقافة مجتمع .
لن أهين هنا أصحاب الميول المثلية بالحديث عن عدم احتقارهم ، فالحقارة الحقيقية هي أن نفرض وصاية على ميل شخصي " طبيعي " كغيره من الميول ، على غيرنا ، ومع ذلك يجب التسليم إن اثر التربية والثقافة ﻻ يختفون بسهولة من الجهاز النفسي والنشاط السلوكي والانطباعات ، فقد رسخت الثقافة عبر قرون نظرة استهجانية لغير الجنس التناسلي ،ولا يزال حتى الان أشخاصا يدعون الثورية يحتقرون رفيقتهم لانها متحررة جنسيا ، او تعبر عن رغباتها بسفور في العلاقة ، والاسؤ انها احيانا تتعرض لتحرشات فعلا باعتبارها – سهلة - ولم تضع التيارات التقدمية والثورية دراسة تلك القضية والعمل عليها على جدول أعمالها ، ومن ثم قد تجد شخص يطرح موقفا ثوريا ، سياسيا أو اقتصاديا ، وهو فى الوقت ذاته رجعى ومتخلف واستبدادي في رؤيته للحياة الجنسية برمتها ، ويحمل قيمها الحارسة للتناسل ، حارس الميراث .
#احمد_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإمام على
-
قاعة خالية
-
أمهات المؤمنين - بين البشرية والعصمة
-
لا لتلك الدعوة المزرية الي الوحدة
-
الإسلام وإشكالية تحرير العبيد
-
محنة العقل الدينى
-
معالم ومنعطفات الثورة المصرية - الجزء الاخير ورابط تحميل الك
...
-
كيف نري تجربة الشاعر عبد الرحمن الابنودي
-
معالم ومنعطفات الثورة المصرية من 2011 إلى 2014 - الجزء الثال
...
-
الغريب
-
معالم ومنعطفات الثورة المصرية - من 2011 الى 2014 - الفصل الث
...
-
معالم ومنعطفات الثورة المصرية من 2011 إلى 2014
-
بداية اخري
-
الماركسية والإصلاحية - الفصل الثالث - الجزء الثالث والاخير -
-
الماركسية والاصلاحيون - الفصل الثالث - الجزء الثانى .
-
الماركسية والاصلاحية - الفصل الثالث - الجزء الاول
-
الماركسية والإصلاحية - الفصل الثاني - الجزء الثاني - إشكالية
...
-
الماركسية والإصلاحية - الفصل الثاني - الجزء الاول - إشكالية
...
-
الماركسية ومفهوم الاصلاحية - كيف ؟ - خاتمة الفصل الأول -
-
الماركسية ومفهوم الاصلاحية - الفصل الاول - الجزء الثاني
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|