|
أي دور للدين في سياق التطور التنموي والديموقراطي الشامل؟
سامر أبوالقاسم
الحوار المتمدن-العدد: 1411 - 2005 / 12 / 26 - 08:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا أحد يختلف حول وهن وتبعية مجتمعنا . والكل متفق على أننا ضعفاء ، اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا ، وأننا مغلولو الإرادة ، مقيدون بإملاءات الغير ومصالحه . لكن لا أحد يمكنه إنكار الحركية الدائبة والمستمرة ، التي يعرفها مغربنا ، في إطار مطالبة القوى الديموقراطية ومحاولتها الخروج بالبلاد من الأزمة ، التي تمكنت من أغلب الفئات والشرائح الاجتماعية الدنيا والمتوسطة . من خلال البحث عن سبل تجاوز المعيقات ، والإجابة على الإشكالات الحقيقية في مختلف مناحي العيش .
وقد بدأت ، في الآونة الأخيرة ، تتبلور شروط فرض نسبي لخيار المشروع المجتمعي ، ذي الأبعاد الثلاث : التنموي الشامل ، والديموقراطي الشفاف ، والحداثي المعقلن . وذلك بالرغم مما يمكن أن يقال في شأن التفاوتات الحاصلة على مستوى الإرادات ، أو على مستوى درجات المفارقة القائمة بين الممارسة والخطاب .
لكن البعض منا ، هنا بالمغرب ، بدل أن يعمل على التفكير والاجتهاد بهدف توفير شروط الحل السياسي العملي والبديل التنموي الممكن ، تبنى شعار "حتمية الحل الإسلامي" ، وتحدث ، وأسال المداد في إطار تمجيد هذا الشعار، واعتبره المفتاح السحري ، الذي سيحل كل المشاكل ، ويسد كل ثغرات السياسات المنتهجة سابقا ، ويطعم كل الجائعين ، ويشغل كل العاطلين ، ويأوي كل المشردين ، ويكفل كل المحتاجين ! وقد استمد فهمه هذا ـ حسب نظره ـ من الصحيح المستمد من القرآن الكريم والسنة ، وحدد أدواره ، ثم أخذ يسعى للقيام بها ، من خلال أوسع مساحة ممكنة يتيحها الهامش الديمقراطي.
وقد جعل من "إحياء الدين" في صفوف الجماهير، و"مد اليد" و "التقرب" من أجهزة الدولة ، ومواجهة " أعداء الدين " المفترضين داخل الوطن ، أهدافا له سعى إلى تحقيقها من خلال مد جسور التواصل مع سائر المسلمين في البلدان الإسلامية ( البحث عن مصادر التمويل ) ، وبناء المساجد ( المقرات ) وتعميرها ، والقيام بالوعظ ( الشحن ) وتقديم النصيحة ، وممارسة الخطاب الإعلامي ( التحريض ) والعمل على التوعية ، والانتشار في الأرض ( التوسع ) وتنظيم الخرجات الدعوية . فازداد بذلك عددًا وعدة ومؤسسات .
وها هو ذا واقع البلدان الإسلامية ، ( سواء في الماضي أو الحاضر ، والله أعلم بما نستقبله من الأيام ) ، شاهد من منطلق الممارسة التجريبية والعملية ومؤكد ، أن هذا الشعار وهذه الأهداف لم تتجاوز سقف الخطابة السياسوية الضيقة . إذ يتبين للناس ، يوما بعد يوم ، أن الشعار وحده لا يطعم ، ولا يسكن ، ولا يشفي ، ولا يدرس ، ولا يغني... وقد اتضح أن حجم المتطلبات من جهة ، والإكراهات الداخلية والخارجية من جهة أخرى ، هو أكبر بكثير من تبني أو حمل شعار ، والدخول به في حقل المزايدة السياسية . فهذا الشعار ، لم يكن له سوى أن أتاح لأصحابه الفرصة للصراع على مراكز القرار داخل مؤسسات المجتمع والدولة من جهة ، وللدعوة إلى تنميط المجتمع والإنسان المغربيين ، على الشاكلة التي كان يحيى بها العرب قديما في شبه الجزيرة العربية ، ونسخ تلك العادات بشكل مطابق للأصل ، سواء على مستوى المأكل أو الملبس أو المسكن ... من جهة ثانية ، بالإضافة إلى أنه مكنهم من استيراد بعض تجارب الشرق الفاشلة ، التي لم يكن بإمكانها أن تجني على المغرب والمغاربة سوى ما حصل من أفعال إجرامية ، يوم 16 ماي 2003 بالدار البيضاء.
كل هذا يتم بالاعتماد على " أصول عريقة " ، مستندة إلى " المصدرين الأصليين الشريفين" : الكتاب والسنة ، وما " استمد " منهما عن طريق منهج " السلف الصالح " . بغض النظر عما تبلور لدينا في فكرنا الإسلامي المتنور ، من مقاصد عامة وكبرى ، متمثلة في قيم الحرية والمساواة والعدل ، أو ما يمكن تسميتها اليوم بالقيم الإنسانية الكونية ، على اعتبار أنها أصبحت قاسما مشتركا بين الإنسانية جمعاء . وبصرف الاهتمام عن غايات حفظ الثروة وتوزيعها العادل ، وحفظ وترسيخ الأمن والاستقرار ، والحرص على التنظيم المؤسساتي للمجتمع والدولة ، وبناء مفهوم المواطنة الكاملة ، وإشاعة روح التعاون والتضامن والتكافل . وفي غفلة من مقاصد التعارف والتبادل والتكامل والتلاقح على المستوى العالمي ، وتحقيق السلام الدولي والحماية اللازمة لحقوق الإنسان .
فهل بهذا الفهم والعمل ، يمكن اعتبار " الحل الإسلامي " " فريضة " و" ضرورة " ؟ أيجوز اعتبار ارتداء الزي الأفغاني أو السوداني أو الإيراني ..." فريضة " يوجبها الدين الإسلامي ؟ وهل يمكن اعتبار التقتيل والتذبيح ـ بما يزهق الأرواح ويفقد الإحساس بالأمن والاستقرار ـ " ضرورة " يحتمها الواقع المغربي ؟ وهل بمثل هذه السلوكات يتم إبراز بينات " الحل الإسلامي " والرد على المختلفين في التقدير والرأي من " علمانيين " و " متغربين " ...؟ أبمثل هذه الأساليب يمكن حل مشاكل المغرب والمغاربة ، السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ؟
إن مثل هاته الممارسة لا تفهم سوى في نطاق تحويل العقيدة والشريعة إلى إيديولوجية ، تتخذ من التعبد وتعليل أحكام ومواقف " السلف " ذريعة ، وإلى تكتيك سياسي مصلحي ، يعتمد حسب الظروف والأحوال . وفي إطار تغييب ما يحدث من مستجدات في الواقع والعالم . وفي سياق حالة من التمذهب ، التي لا تفسر إلا بكونها تغليف لدواع وأهداف فئوية محددة وقاصرة . وهو ما يفسر التقلب في الموقف الذي وقع بخصوص قضية المرأة .
أفلا يمكن لهذا البعض منا أن يساعد في عملية الخروج من دائرة العجز عن الانخراط في عجلة التطور والتقدم ، ويقر بالإمكانيات الهائلة المتاحة من خلال مواقف الإسلام المتنور ، ويساهم في التغلب على عقدة الخوف ـ النفسية ـ التي تحول دون الانصهار في الثورة العلمية والحضارية الجارية في عالم اليوم ، ويعمل على المساهمة في التحرر من عقدة التفوق الماضوي واستيعاب ما يقع حولنا من تجدد على مستوى الواقع ومتطلباته وكذا إكراهاته ، الحالية والمستقبلية ؟
ألم يحن الوقت بعد لإدراك واستيعاب أن الإصلاح أو التغيير لن يتم إلا في إطاره الشمولي ، عبر الانخرط في سياق الحفاظ على أمن المجتمع من جهة ، والتضامن والتعاون مع الآخرين لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية ، التي تفرضها الإرادة القوية لإنجاز تنمية شاملة من جهة ثانية ، والتحول إلى قوة اقتراحية بمنظور ديموقراطي حداثي من جهة ثالثة .
أما زال الاعتقاد قائما ، بأن البعض أحرص من الآخر على الهوية ومقوماتها حين تطرح ضرورة الذهاب إلى التنمية ؟ وأنه أحرص على التحكم في الاجتهاد بنية التحكم في عملية التنمية ؟ وهل لا زال الاعتقاد سائدا بأن الديموقراطية وحقوق الإنسان هما فكرتين شيطانيتين تمارسان فعل الغواية على الناس ؟ وهل الاعتقاد لا زال ضاربا في الأرض ، لحد الآن ، بأن الصراع في العالم هو صراع ديني ، لا علاقة له بتوزيع الثروات وأسواق الاستهلاك ؟ وهل لا زلنا غير مستعدين لتجاوز سقف التخوف من تفسيخ أخلاقنا وعلاقاتنا وحضارتنا ؟
إن ما يفسر وهننا وضعفنا هو تخلفنا وأميتنا وجهلنا وتقوقعنا على ذواتنا . وتتمثل مداخل تجاوز الوضع المأزوم في تقوية جميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية ، وذلك بتظافر الجهود ، والاجتهاد حسب الوسع ، وتحرير الطاقات الإنسانية الخلاقة والمبدعة ، وتحرير المجالات الواعدة ، واحترام الحق في الاختلاف وتدبيره.
فعلى الجميع أن يستوعب الدرس ، ويركز على الإشكال المركزي ، الذي ينبغي أن يتصدر أولويات تفكيرنا واجتهاداتنا ، الكامن في التحدي التنموي الشامل ، وتقليص الفروقات الاجتماعية الشاسعة ، ومحاولة الالتحاق بركب التقدم الحضاري المنجز، والتفكير بجد في الخيار السلمي لتحقيق التغيير المطلوب والمنشود بدل الاصطدام .
بلغة أخرى يمكن القول ، على البعض منا أن يفكر ويبدع في أشكال وطرق وكيفيات ربط القواعد الدينية بمتطلبات التنمية ، وتوضيح حدود العلاقة التي يمكن أن تقوم بين الدين والسياسة إن استطاع إلى ذلك سبيلا ، بدل الانغماس في بريق الشعار . إذ السؤال المطروح الآن : أي دور للدين في التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي ؟ وأي تشريع إسلامي للتنمية والديموقراطية والحداثة ، بمغرب اليوم ؟
#سامر_أبوالقاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل العلمانية تعبير عن تحول دخيل منحرف ؟
-
التيار السياسي الديني وإشكالية الجنوح إلى الإرهاب
-
الديمقراطية بين:واقع التدين المصلحي ومطلب التغيير المجتمعي
-
الفهم الساذج للهوية معيق للبناء المجتمعي وتحديثه
-
حين تتحجر الأفكار أو تتطرف أو تحلق في الغيب
-
تغيير المناهج التعليمية
-
إصلاح التعليم الديني جزء من
-
الجابري وإشكالية الفصل والوصل بين الدين والسياسة
-
الحقل التربوي وإكراهات واقع التدين ومتطلبات إرادة التحديث
-
القوى الديمقراطية بين واقع التدين ومطلب التغيير الاجتماعي
-
الأحزاب السياسية وضرورة توفير مناخ المصالحة بين الفرد والمجت
...
-
حين تتحجر الأفكار
المزيد.....
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية
...
-
بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول
...
-
40 ألفًا يؤدُّون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تواصل إشتباكاتها مع جنود الاحتلا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا للاحتلال في مستوطنة
...
-
“فرحة أطفالنا مضمونة” ثبت الآن أحدث تردد لقناة الأطفال طيور
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|