|
كذب الكذب عقوبة الجبناء
عبدالقادربشيربيرداود
الحوار المتمدن-العدد: 5296 - 2016 / 9 / 26 - 21:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن التدخل العسكري الجبان الذي خاضته أمريكا وبريطانيا وفرنسا، ودول غربية أخرى في أفغانستان، العراق وليبيا، ودول ما يسمى (الربيع العربي) أثار جدلاً كبيراً في الأوساط الإقليمية والعالمية، بعدما اكتشف دهاقنة السياسة زيف طروحاتهم؛ المتمثلة بحجج واهية، وأكاذيب لتضليل الرأي العام العالمي، كوسيلة للتصعيد ضد شعوب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، منها الشعب العراقي والليبي، والعمل على تفتيتهم وتقسيمهم إلى طوائف وإثنيات متحاربة بعضها مع بعضها الآخر، لان تلك الحجج استندت على افتراضات خاطئة، وأخطاء كبيرة؛ تعدت ذريعة حماية المجتمع الدولي من خطر أسلحة الدمار الشامل العراقية، وتصوير ما بدا مذبحة وشيكة سيقوم بها القذافي في بنغازي، وتم تهويل الوضع، والمبالغة في حجم التهديد كي يصل بالنتيجة إلى تغيير النظام الحاكم في البلدين دون تخطيط واضح لما سيحدث بشأن ذلك التغيير القسري، والتداعيات التي تتبعها، فكان وبكل المقاييس خطأً قاتلا لأن الأمر تعلق بأرواح البشر ودمائهم وأعراضهم وأوطانهم، فصار ذلك التدخل المشين حدث مفصلي غيّر مجرى تاريخ المنطقة، وأثـّر في فهمنا للسياسات العالمية التي أعاقت - عمداً - الديمقراطية في المشرق العربي. تجلت تلك الأخطاء في عدم التحقق من التهديد الفعلي، وعدم إعطاء الأولوية للحلول السلمية، وعدم الاستماع لجميع الشهود، وعدم أخذ رأي الخبراء في الموضوع، فتبع ذلك التدخل السافر تداعيات خطيرة، حيث تحولت ليبيا إلى صومال جديدة تطل على البحر المتوسط، والعراق إلى دولة حاضنة ومصدّرة للإرهاب، وتم تدمير البلدين، والعبث بمكوناتهما الاجتماعية، وبكيانيهما الوطنيين، ونسيجيهما الاجتماعيين، وتمكين القوى المعارضة والموالية للغزاة الصليبيين من السيطرة على النظام الجديد، والحفاظ على الدمار الشامل باسم فضفاض (حكومة وحدة وطنية)، وفرض دستور يؤسس للخراب بشكل يصعب استعادة لحمة الوطن في المستقبل القريب، والتأكيد على الانتماءات الطائفية كصلة بين المواطن والدولة، وذهب بالمجتمعات نحو المحاصصات الطائفية التي هي نوع من التعايش، الذي تحول إلى احتراب وخصومة، وخلق فوضى وخراب واسع؛ ما ولد فراغاً استراتيجياً كبيراً، زاد فيه الوزن النسبي لإيران وتركيا والسعودية، ودول إقليمية أخرى، بالإضافة إلى ظهور تيارات إسلامية متطرفة سيطرت على مساحات جغرافية واسعة، وأصبحت فيما بعد حاضنة للإرهاب، ومصدرَ تهديد للأمن الإقليمي، وسبباً لإشاعة الإرهاب في العالم. ما كان ذلك ليحدث لولا أن بعض الأنظمة العربية كانت مهيأة للتآمر مع دول العدوان، ومتواطئة مع إسرائيل، متناسين أن دول العدوان بقيادة أمريكا، ينظرون إلى منطقتنا من زاوية نظر إسرائيلية صرفة، فكان ما حدث مغامرة مزرية، وهذا يوضح كيف سيرسم التأريخ صورة لبوش الابن وبلير وساركوزي وكاميرون وغيرهم أكثر من الذين صاروا وبلا منافس من أعتى غزاة الأرض قاطبة، لأن التقارير الدولية - ومنها تقرير تشيلكوت - فضحتهم، وأثبتت بطلان حججهم. ولكن يبقى السؤال المحيّر، لماذا تم اختيار هذا التوقيت لإصدار تقارير تكذب كذب هؤلاء العتاة، بعد سنوات عجاف من التدمير والفوضى والتخريب اللا محدود بحق منطقتنا؟ لكن برغم كل تلك المآسي والمحن لم يتعظ شعبنا، وشعوب المنطقة من الدروس القاسية؛ لأن بلير وبوش الابن ورامسفيلد وديك تشيني هم أنفسهم يصولون ويجولون في بلداننا بكل حرية ووقار، محملين بنفس الأجندات التخريبية، ويُستقبلون كما يُستقبل رؤساء الدول، وتُدفع لهم أموال طائلة؛ مقابل أن يلقوا محاضرات في فلسفة السلم والتعايش السلمي بين الإثنيات والطوائف المختلفة، وصولاً إلى تشكيل خلية إدارة الأزمات، متناسين أن هؤلاء هم من صنعوا الأزمات أصلاً، وكانوا السبب المباشر في أشاعتها؛ فمن سخرية التأريخ أن يعد مجرمو الحرب وسطاء سلام. اليوم المرشح الجمهوري (ترامب) يتوعد - كزملائه – بأنه إن تولى الحكم، وجلس في المكتب البيضاوي؛ فأنه سيأخذ النفط العراقي، ويترك البلاد لتأكل نفسها دون أن يكترث، وهذا التهديد شمل كل البلدان التي تعاني من صراع مسلح، الصراع الذي سوقوه لأسباب استعمارية وعدوانية. وقبل أن نجيب على سؤالنا المحير، أرى أننا ما زلنا أمام حالة مشابهة؛ إن لم تكن الأقوى، إن لم تنتبه امتنا إلى ما ستؤول إليه الأحداث في القادم من الأيام. قال تعالى: (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) فاعتبروا يا عرب، يا مسلمين، وافهموا الدرس -
#عبدالقادربشيربيرداود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دور المراة في حل النزاعات وبناء السلام والتوافقات
-
محاربة الفساد فريضة وضرورة وطنية
-
داعش؛ فرانكشتاين أمريكي بامتياز
-
الواقع التركي ما بين سيناريوهات انقلاب العسكر وحراك الشعب
-
ديمقراطيتهم قتلت إنسانيتهم
-
شباب الأمة وتداعيات اللجوء والاغتراب
-
كامب ديفيد منتجع التسكع السياسي للخليجيين
-
الغرب وتجارة الشبهات
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|