|
المحبة والتسامح من وجهة النظر الأصولية
فاخر السلطان
الحوار المتمدن-العدد: 1411 - 2005 / 12 / 26 - 10:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أن يدعو بعض النواب السلفيين(!) في الكويت إلى المحبة والتسامح عن طريق نبذ التعصب الطائفي الذي يؤدي – حسبهم – إلى كره الآخرين وقد يصل إلى تكفيرهم دون بينة أو برهان، هو ليس سوى تفسير أصولي تاريخي ضيق لا يمت لمفهوم التسامح الحديث بأية صلة، تفسير يسعى لطرق موضوع التسامح من بابه الديني الإسلامي فحسب ولا يعبأ بإطاره الأوسع أي الإنساني. فهي دعوة قائمة على البينة والبرهان الدينيان، أو كل ما يثبت من خلال الاستنباط أنه مخالف لصريح ما ورد في الدين ومناهض لما يدعيه الخطاب الديني. وهو استنباط لا يمكن له أن يتعايش مع قيم الحياة الراهنة لأنه لا يرتبط ولا يعترف إلا بمدلوله التاريخي. كما لا يمكن أن تكون له صلة بالمنجز العلمي الراهن الذي يعتمد على تعددية مناهج البحث والتفسير ولا يرضى بالوصاية الفكرية التفسيرية التي يدعو لها الخطاب الديني. وعليه، يمكن طرح التساؤلات التالية: ما مصير الرؤى والأفكار التي تستند إلى "البيّنة" في التكفير، والتي تقوم بعض الشخصيات والجماعات الدينية بوصم شخصيات وجماعات دينية أُخر بها؟ وهل يجب مواجهة تلك الأفكار "التكفيرية" (!؟) وطردها من المجتمع ومحاربة أفرادها، أم هي جزء من صور التنوع التي يحتضنها التسامح؟ ومن الذي يحدد ما هو بيّن ومبرهن بكفره، وما هو غير ذلك؟ وما موقف تلك الرؤية من المفهوم الحديث للتسامح، وهو المفهوم المنتشر في إرجاء العالم حيث لا يستند في تعريفه إلى المعايير الأصولية الضيقة، هل يمكن استيعابه أم لا يمكن؟ وما هو موقف الدستور الكويتي من الرؤية الدينية الضيقة، هل تتماشى معها أم تتماشى مع الرؤية الحديثة؟ وهل نستطيع معالجة مرض عدم التسامح في مجتمعنا من خلال طرح هذا النوع من الرؤى الفئوية التي لا تحسب إلا حساب مصالحها الخاصة لا المصلحة الكلية للمجتمع بجميع تشكيلاته وألوانه؟ أم هو مجرد طرح يراد منه التطبيل للتوسع السياسي والاجتماعي لفئة دينية والتضييق على الأخر غير الدينية بدافع الهيمنة والاستبداد؟. إن التيار الديني يستغل المفهوم الإنساني الحديث للتسامح لتحقيق مآربه. فهو مفهوم يبتعد مسافات زمنية كبيرة عن المفهوم المستند إلى الفكر الأصولي، واستطاع أكثر من نصف العالم أن يعتمد عليه لتحقيق قفزات نوعية في قضايا التعايش والتقدم والتطور، فيما لا يزال التيار الديني (ومن ضمنه في الكويت) يستغله بطريقة قاصرة ومؤلمة وبعيدة كل البعد عن أي مسعى حداثي وحضاري تعايشي. إن الأسئلة الفائتة من شأنها أن تلقي الضوء على ثغرات لا يزال التيار الديني في الكويت يعجز عن حلها. فهو يضع هذا الشعار الإنساني والحديث أمام منعطف لم يكن من حقه أن يتبناه أو حتى أن يتطرق إليه، باعتبار انه مفهوم بعيد كل البعد عن أدبيات الخطاب الديني وفقهه وممارساته وتصوره للقضايا والموضوعات وللحياة الحديثة بشكل عام. فهل لنا أن نعرف موقف مدعي المحبة والتسامح الأصولي من قضايا الحريات العامة في المجتمع، وهي القضايا التي تعتبر الترمومتر الرئيسي لمعرفة الموقف من باقي القضايا التي يقع تحت إطارها ويحتويها ملف التسامح. هل لنا أن نعرف موقفهم "التسامحي" من حرية العبادات للجماعات غير الإسلامية وبالذات غير التوحيدية كالسيخ. وهل لنا أن نعرف موقفهم "التسامحي" من حرية العبادة للمسيحيين الذين دعوا مؤخرا لبناء مزيد من الكنائس في البلاد. وهل لنا أن نعرف موقفهم "التسامحي" من ممارسة الإسماعيليين لطقوسهم الدينية، وهي الجماعة التي تتشكل في إطار مجموعة كبيرة ومنظمة من الوافدين. وهل لنا أن نعرف موقفهم "التسامحي" من ممارسة الصوفيين لشعائرهم الدينية، خاصة وأن الكويتيين يمثلون نسبة كبيرة منهم. وهل لنا أن نعرف موقفهم "التسامحي" من منهجية النقد التي يجب أن تطال التاريخ وأفراده. وهل لنا أن نعرف موقفهم "التسامحي" من حرية الرأي والتعبير بشكل عام في الكويت، ونظرتهم لقضايا الارتداد الديني، والمساواة، والمرأة، والمسلم وغير المسلم، والالحاد، وغيرها من القضايا التي تعتبر بالنسبة إليهم خطوطا حمراء دينية. أم أن قضية المحبة والتسامح تتعلق فقط بوجود كويتيين سنّة لابد أن يتعايشوا مع الشيعة والعكس صحيح. فهل التسامح يتشكل في الإطار الطائفي إم إنه مفهوم إنساني واسع وشامل وكبير لا يزال التيار الديني الأصولي بشقيه الشيعي والسني غير قادر على استيعاب أهدافه ومقوماته، ولا يستطيع أن يجاري مخرجات تفسيره. وحتى النظرة التسامحية السنية تجاه الشيعة والشيعية تجاه السنة فإنها عادة ما لا تخلوا من تفضيل طرف على آخر، حيث يتم طرح الموضوع على أساس انه منّة من طرف ضد الآخر وأمر لابد منه في إطار عملية التعايش في المجتمع. أي أن النظرة الأصولية لقضية التسامح، سواء من قبل السنة تجاه الشيعة أو العكس، هي نظرة فوقية وليست نظرة تنطلق من مفهوم المساواة والمواطنة. ولو أن مجموعة من المواطنين طالبت مجلس الأمة بالاعتراف بها وتشريع عملها كمجموعة ملحدة، والسماح لها بتشكيل جمعية تدعو من خلالها لأفكارها وأنشطتها، فإن أول صدمة ستواجهها وأول العراقيل ستوضع في طريقها ستكون من قبل الحركات أو التجمعات الإسلامية التي ينتمي إليها مدعو المحبة والتسامح الأصولي، والتي إمّا ستنعتها بالكفر أو ستقمعها وتفرض الاستبداد عليها بحجة المحافظة على "الثوابت والمسلمات والقيم الدينية"، والمبرر في هذا المنع يرتبط بالتفسير الديني الفقهي التاريخي مهما كانت درجة التأييد الموجودة في نصوص وروح الدستور الكويتي للجماعة الملحدة، حيث تكون محصلة ذلك عدم الاعتراف بحرية الاعتقاد التي هي جزء لا يتجزأ من المفهوم الحديث للتسامح ومن قيم الحداثة بشكل عام. فالاعتراف بحرية الاعتقاد لدى الإنسان انطلاقا من حقه كإنسان، وليس انطلاقا من الفهم الديني والجواز الشرعي، هو موقف يدلل على مركزية الحداثة ومفاهيمها في هذا الإطار بوصفها هي الحَكَم لقبول أو رفض تلك الحرية. في حين أن الاعتراف بذلك انطلاقا من التفسير الديني الفقهي التاريخي يدلل على أن الخطاب الديني، وليس الخطاب الحداثي، هو البوصلة في تأييد أو رفض حرية الاعتقاد أو مجمل الحريات الإنسانية الأخرى. كما أن دستور الكويت في دفاعه عن الحريات العامة قد وُضع لكي تسير البلاد في ركب الحداثة لا أن تتراجع وتتقهقر وتظل أسيرة التفسير الأصولي للحياة. إن دعاوي المحبة والتسامح الصادرة من قبل الشخصيات الأصولية لا يمكن التشكيك في نوايا أصحابها، لكن لابد من التشكيك في الإطار الديني الذي ينطلقون منه، وهو إطار فقهي تاريخي لا يعترف بمفاهيم حقوق الإنسان الفرد أو بالمساواة أو بالتعددية الفكرية والثقافية أو بحرية التعبد وممارسة الطقوس الدينية، فهل يمكن أن نعتمد على من ترفض منطلقاته الفكرية المفهوم الحديث والواسع والإنساني للتسامح، في أن تفضي دعواته إلى المحبة والتسامح في المجتمع؟.
#فاخر_السلطان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحاجة ماسة لتيار الإصلاح الديني في الكويت
-
الفوضى سياسة البعث من العراق إلى سوريا
-
وقت الدبلوماسية.. بين واشنطن وطهران
-
إخوان مصر.. هل يستطيعون التعايش مع الديموقراطية؟
-
-ديمقراطية- التجمعات الدينية.. هيمنة وإلغاء
-
بين صلاح الدين وصدام والزرقاوي.. لم نتعلم الدرس
-
ادعاءات.. وافتراءات ضد الديموقراطية
-
الاسلام هو الحل
-
إلغاء حكم الإعدام.. وحق الاختلاف
المزيد.....
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية
...
-
بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول
...
-
40 ألفًا يؤدُّون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تواصل إشتباكاتها مع جنود الاحتلا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا للاحتلال في مستوطنة
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|