|
المناخ الثقافى قبل يوليو1952
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 5296 - 2016 / 9 / 26 - 14:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
المناخ الثقافى قبل يوليو1952 طلعت رضوان أعتقد أنّ المناخ الثقافى المصرى (قبل يوليو1952) كان أحد ركائز النهضة المصرية، لأنّ مثقفى تلك الفترة حرصوا على ترسيخ (العقلانية) والعقلانية لاتكون إلاّ بترسيخ (التعددية) مع نبذ (الأحادية) لذلك فإنّ هذا المناخ الثقافى استطاع أنْ يـُـرسّخ لآليات الليبرالية ومنها حرية الفكر، ومن أمثلة ذلك أنّ إسماعيل أدهم فى دفاعه عن طه حسين بعد إشتداد الهجوم عليه بسبب كتابه (فى الشعرالجاهلى) لم يكتف بالكتابة عن حرية الرأى والتعبيركما فعل الكــُـتاب بعد يوليو 1952، وإنما كتب مؤيدًا رأى طه حسين بشأن ما أورده عن الأنبياء العبرانيين. فكتب إسماعيل أدهم (( إنّ آباء اليهودية الأول كإبراهيم واسحق ويعقوب ليسوا أسماء أشخاص، بل هى طواطم اعتقدتْ قبائل بنى إسرائيل فى غرارتها الأولى، جهلا بأنها مُـتسلسلة منهم فعبدتها، فلما تقدم الزمن، حوّلوا هذه الطواطم إلى أسماء أشخاص اعتقدوا بأنها آباءهم الأول. ومباحث روبرتسون وأرنست رينان وفريزر فى هذا الباب لاتضع مجالا للشك فى هذه الحقائق. وأنّ قصورالشرقيين عن الإتصال بثقافة الغرب، تسبب فى عدم فهم طه حسين فعدوه غير ذى منطق)) (مجلة الحديث- إبريل1938 وأشار إلى كتاب روبرتسون " العبادة والزواج فى بلاد العرب القديمة" وأيضًـا كتابه " أديان الساميين وأنبياء بنى إسرائيل " وأشار إلى كتاب آرنست رينان (تاريخ اللغات السامية " وأشار إلى كتاب جيمس فريزر " الزواج فى العهد القديم ") وإسماعيل أدهم رغم عمره القصير( 17فبراير 1911 – 23يوليو 1940) يعتبر عبقرى زمانه. وخسرت البشرية كثيرًا برحيله المبكر(مات منتحرًا) وكان فى كل كتاباته فى مجال العلوم الإنسانية، يُحرّض على ضرورة الخروج من العصورالوسطى. ومن كلماته المهمة فى هذا الشأن (( إنّ فى الشرق استسلامًا محضًا للغيب. وفى الغرب نضالا محضًا مع قوى الغيب. وبين منطق الغرب وروح الشرق تسيرالبشرية فى قافلة الحياة )) وكتب (( إنّ تركيا وإنْ كانت وطنى الأصلى إلاّ أنها شقــّـت طريقها للحياة (بعد إلغاء الخلافة) ويمكنها أنْ تخطو خطوات فى الاندماج فى الأسرة العالمية المتحضرة 0 أما الشرق العربى فللأسف لايزال أمامه الطريق مظلمًا 0 ورسالتى كإنسان قبل أنْ أكون كتركى أنْ أعمل على إنارة السبيل أمام هذا الشرق، ركن الإنسانية الكبير" (إسماعيل أدهم ناقدًا – تأليف د. أحمد إبراهيم الهوارى- دارالمعارف المصرية- عام1990- ص240 ) فى هذا المناخ يلتقى الباحث بمفكر ليبرالى قلــّـما يُذكر اسمه هو ( أحمد زكى أبوشادى) إذْ عندما نادى الأصوليون بضرورة تدريس الدين فى الجامعة. وكذلك تدريس القرآن للمسيحيين، تصدى لهم على صفحات مجلة (أدبى) ودعا إلى منع التعليم الدينى فى جميع مدارس التعليم العام وكتب (( إنّ تعليم الدين فى المدارس غير موحدة العقيدة، فيه أخطرعوامل التنافر، كما نعرف ذلك بالتجربة. والفضائل الأدبية التى يجب أنْ تــُـدرّس فى المدارس يجب أنْ تقوم على السيكولوجيا الحديثة. وعلى فلسفة (علم) الاجتماع، بحيث يشعر كل طالب بشخصية ضميره كوازع ومرشد فى نور العلم الصحيح، لما فيه من خيره وخير وطنه وخيرالإنسانية. أما شئون العبادات لمن يؤمن بها، فلا شأن لها بالمدرسة، ولا بأى مظهر من مظاهرالحكم. ولايجوز أنْ تتسرب إلى المعاملات. ولا ينبغى أنْ تـُفرق بين أبناء الوطن الواحد)) (مجلة أدبى- ينار- مارس 1937) وفى نفس الإتجاه كتب محمود عزمى مؤكدًا على المفهوم العالمانى للتعليم قائلا (( نحن ممن يدينون بضرورة جعل التعليم العام قائمًا على فكرة (المدنية) غير ذات الصبغة الدينية. وأنّ التعليم الذى يُصرف عليه من خزينة الدولة يجب أنْ يكون غيرخاضع لغير إعتبار القومية. وليس له نزعة دينية خاصة )) (مجلة الجديد- 15فبراير1925) وكتب عبدالقادر حمزة ((كيف أصبحنا آلات جامدة لاتكاد تتحرك إلاّ بالدين وللدين، وكأنما لم يخلق الله لنا عقولا. وكأنما نحن مسخّرون بلا إرادة ولاتمييز. وكم من حركات دينية وقفتْ فى وجه مُـكتشفات علمية صحيحة، فكانت حاجزًا منيعًا ضد كثيرمن المبادىء العلمية، والأمثلة على ذلك جمة)) (المقتطف- مارس1904) ويدعوعبد الحميد الحديدى إلى أنه (( ليس من مصلحة الدين حشره فى كل شىء0 وتعريضه لأنْ يتصادم من وقت لآخر مع الأنظمة والأحوال العادية فى حياة الأمة )) (السفور- 28يوليو1916) وعندما نادى الأصوليون بضرورة عودة الخلافة (مرة أخرى) تملقــًـا للملك فاروق، تصدى لهم (محمد سيد كيلانى) فى كتابه (الشريف الرضى) وكتب أنّ الخلافة ((كانت شؤمًا على على الشرق والشرقيين)) وكأنما كان يواصل رسالة على عبد الرازق. وفى عام 1947 يتقدم محمد أحمد خلف الله برسالة لنيل درجة الدكتوراة عن (الفن القصصى فى القرآن الكريم) ويكتب د0 هيكل عن أثر الفلسفة فى فرنسا أنها ((بثـــّــتْ فى الشعور العام فكرة جديدة فى الأخلاق والمعاملات، فصارتْ فرنسا المُـفكرة تعمل لبناء عمرانها الاجتماعى على أساس من العقل والعلم )) (هيكل – السفور- 14/4/1916) فى هذه الفترة كانت الديموقراطية (إحدى آليات الليبرالية) قد إشتد عودها إلى درجة أنْ يرفض رئيس الوزراء (مصطفى النحاس) تتويج الملك فاروق فى حفل دينى تدعيمًا لفكرة الدولة العصرية التى تـُـفرّق بين الدين والسياسة. ولم يرضخ لضغوط رجال الأزهر. ولم يرضخ لكل الأصوليين. ولم يرضخ لرغبة الملك وأتباعه فى القصر. ومصطفى النحاس كان على المستوى الشخصى شديد التدين، ومع ذلك كان يرفض التوقيع على أى قرار أو أية ورقة حكومية عليها عبارة (بسم الله الرحمن الرحيم) وكان منطقه فى ذلك أنّ التدين شىء والعمل العام شىء آخر. وحدث أنْ أعلنت وزارة الأوقاف عن مسابقة لتعيين موظفين إداريين. وجاءتْ نتيجة المسابقة بنجاح عدد كبير من المسيحيين، فألغى وكيل الوزارة المسابقة0 فكتب المسيحيون الناجحون شكوى إلى مصطفى النحاس (رئيس الوزراء) فأصدر قرارًا من مادتين : الأولى التحقيق مع وكيل الوزارة والثانية تنفيذ نتيجة الإمتحان، لأنّ كل المتقدمين لهذه المسابقة مصريون. فى ظل هذا الزخم الليبرالى لم تكن مصادفة أنْ يتم إنشاء بنك مصرى 100% عام 1920 فى محاولة لتمصيرالاقتصاد. وأنْ يبادر شعبنا فى تدعيم أفكار طلعت حرب، وذلك بالمسارعة فى الاكتتاب. ويُصدرحزب الوفد بيانه الشهير الذى حرّض فيه المصريين على أنْ يسحبوا ودائعهم من المصارف الانجليزية. ويذكر رشاد كامل أنّ مصركلها قرأت البيان ((وفى سرعة غريبة تحوّل البيان إلى واقع عملى. وقوطع كل ما هو بريطانى. وقام الطلاب بتشكيل لجان للمقاطعة هدفها إقناع الأهالى بمقاطعة كل الشركات الانجليزية والتعامل فقط مع المحلات الوطنية)) وهو الأمر الذى أكّدته هدى شعراوى (مذكرات هدى شعرواى- دارالمدى للثقافة والنشر- عام2003- ج2- ص114)) ونجح بنك مصرفى تحقيق حلم الاقتصاد الوطنى، ومن أمثلة ذلك أنه خلال الفترة من 1922 – 1946 أنشأ 21شركة مصرية فى مجالات مختلفة، بدأتْ بمطبعة مصر وانتهت بشركة مصر للحريرالصناعى، مرورًا بشركة مصر للنقل والملاحة وشركة مصر للتمثيل والسينما " (رشاد كامل : طلعت حرب: ضمير وطن- هيئة الكتاب المصرية- عام1999- ص56- جدول رقم 1- ص203) الحديث عن تجربة الليبرالية المصرية قبل يوليو 1952 يتطلب الحديث عن دورالمرأة المصرية فى النهضة (هدى شعراوى، منيرة ثابت، درية شفيق، سعاد الرملى إلخ) وأول فتاة مصرية ترتدى روب المحاماة (نعيمة الأيوبى) وأول فتاة مصرية تقود طائرة عام 1934(لطيفة النادى) ويتطلب الحديث عن الصحف والمجلات وكتب الفكر والأدب، والحركة التشكيلية إلخ، ولكن كل موضوع من هذه الموضوعات يتطلب حديثًــّـا مستقلا 0 وإذا كان انقلاب يوليو 1952، الفاشى العسكرى، هو السبب الحقيقى فى إجهاض التجربة الليبرالية، بسبب التوظيف المكثف للدين فى كل مؤسسات الدولة وفى خطاب المسئولين وفى كتابات الكتاب ، فإنّ الأمانة العلمية تقتضى الاعتراف بأنّ الليبرالية السياسية كانت قاصرة وهزيلة وأعجزعن التكافؤ أو حتى الاقتراب من التعادل مع تيار الليبرالية الفكرية. فرغم الإنجازات التى أشرتُ إليها فى بداية هذه الدراسة على صعيد العمل السياسى، ورغم الدور الوطنى لأعضاء حزب الوفد ، ورغم تحدى سعد زغلول للملك فؤاد فى بعض المواقف، ورغم ممارسة الديموقراطية فى بعض الانتخابات لدرجة سقوط رئيس الوزراء (يحيى إبراهيم) أمام أحد مرشحى الوفد عام 1924 (د. هويدا عدلى- التسامح السياسى- رسالة دكتوراه- مركزالقاهرة لدراسات حقوق الإنسان- عام2000- ص124) رغم ذلك وغيره كثير، إلاّ أنّ المحصلة النهائية تؤكد عجز الليبرالية السياسية عن الالتحام والتوافق التام أو حتى النسبى مع تيار الليبرالية الفكرية. ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف كانت مقاومة الأصولية الإسلامية ؟
-
العلم والفكر ودورهما فى نشأة النهضة المصرية
-
الملاحم اليونانية وهل أفادت البشرية
-
التشابهات داخل شُعب الديانة العبرية
-
الأنظمة الاستبدادية والمرجعية الدينية والمآسى البشرية
-
بداية النهضة المصرية
-
ما مغزى أن يكون رئيس الوزراء أحد اللواءات؟
-
لماذا يتجاهل المستشرقون والإسلاميون (المعجزات) المصرية؟
-
الصراع النفسى داخل الضابط (المثقف)
-
أليس نظام الكفيل عبودية عصرية ؟
-
هل دوافع المستشرقين المدافعين عن الإسلام بريئة؟
-
الديانة العبرية والأساطير والتضحية بالأبناء
-
أردوغان يطالب باسترداد الأهرام
-
تواصل حوار القرآن مع الواقع
-
هل يمكن إنهاء زواج رجال الأعمال برجال السلطة؟
-
هل الحضارة المصرية حضارة موت ؟
-
ما سر الولادة المتعسرة لقانون بناء الكنائس ؟
-
لماذا ارتدى بوكاى عمامة المسلمين ؟
-
لماذا يسعى الأصوليون للتدخل فى كتب التراث ؟
-
العلاقة المُضادة بين الميتافيزيقا والعقلانية
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|