|
ناهض الحتر وتمزيق صورة - الإله الخادم - من العقول البالية
محمد المناعي
باحث
(Manai Mohamed)
الحوار المتمدن-العدد: 5295 - 2016 / 9 / 25 - 22:05
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
جريمة اغتيال الكاتب و الصحفي الأردني ناهض الحتر ، لم تحرك في الناس فقط موضوع اغتيالات الرأي و التصفية الجسدية بسبب خلاف فكري أو عقائدي أو سياسي وهي جريمة حصدت عبر التاريخ عدد كبير من الأدباء و الفلاسفة و المفكرين و العلماء وحتى رجال دين مختلفي المذهب والزعماء السياسيين الذين يتحولون تدريجيا الى أصوات مقلقة ثم محرجة ثم لا يطاق وجودها فتتم التصفية عادة بمساهمة وإرادة جهاز الدولة أو جهاز دولة ما وبإخراج ذو طابع عقائدي يبرر الفعلة أو من طرف عصبيات مختلفة و بطواطؤ من الدولة و تغافل منها . هذه الجريمة فتحت النقاش في موضوع أكثر عمق من الحدث نفسه وهو مكان المقدس ومجاله في مخيال الناس و تصرفاتهم و مكان الابداع و الحرية ومجالها في واقع الناس و علاقاتهم وصورة الاله من خالق الى خادم... فالرسم الكاريكاتيري الذي اقترن باغتيال ناهض الحتر لم يصور ما يجول بخاطر الدواعش ( فكريا كل متبني للفكر السلفي و يؤمن بتطبيق الشريعة ) بل صور ما يجول في مخيلة أغلبية المؤمنين من بسطاء العقول الذين لم يطرق النور و الفكر و العلم أبواب عقولهم ، فهم أيضا لا يرون في الدين سوى تجارة في شكل مقايضة ، بضاعة ببضاعة ، لباس مميز وصلوات و كثير من التسبيح و صوم وقشور دينية كثيرة وحقد على المختلف وقلق في الشعور و حدة في الطبيعة مقابل جنة فيها الكثير من الأكل والجنس على اختلافه ( مع الجواري و مع الولدان ) و اله في خدمته يامره في الدنيا ( دعاء ) و يامره في الاخرة فيستجيب "كن فيكون "و البقية مجرد تفاصيل للتأثيث لا طائل من اعمال العقل فيها و التفكر فيها و التدبر ...حتى القرآن في اذهانهم لا حاجة للتطلع في مختلف اياته فهناك احاديث بسيطة يمكن بها قضاء الحياة بكل بساطة و أريحية ... "من فعل كذا له الف حسنة" و "من فعل كذا تمحى سيئاته" وهكذا و تندرج أغلبها في الفهم التجاري للعقيدة يضاف لها " من بدل دينه فاقتلوه " و" بين المسلم والكفر ترك الصلاة " ليتحول أغلب من حوله الى هدف محتمل للقتل و التصفية وطبعا ، يضاف لها ايضا " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله " ليعلنها حربا على باقي البشرية واعتبارهم أعداء محتملين و مشاريع جثث وبالتأكيد دون نسيان ألاف الفتاوى التي تنتهي ب " يستتاب ثلاثا ثم يقتل " . هذه النظرة للدين مؤصلة في الفكر السلفي بجميع تشعباته و في تعاليم الشريعة باعتبارها ركام من أفهام و تراجم و تفاسير الناس للنص الديني و لكتب التاريخ التي تؤثث الشريعة أمثال كتب الحديث للبخاري و مسلم و غيرهما ، وهي دستور الوهابية و داعش والقاعدة وكل الحركات الارهابية المنظمة و هدف الحركات المرجئة كالاخوان و بقية تنظيمات الاسلام السياسي مع اظهار غير ذلك و طبعا الدين الشعبي لأغلب " الأمة " . في هذا الإطار فان العامة من المسلمين لا يعنيهم هل يسمح الدين حقيقة بالسخرية من فهم بعضهم للدين أم لا و لا يعنيهم عدم وجود ما يمنع تصوير و تخيل الاله أو " الرسل و الانبياء " وتمثيلهم و تجسيدهم في النص الديني بل يهمهم ماهو شائع و متداول تحت العنوان الكبير " الاساءة للمقدسات " " الاساءة للذات الالهية " " الاساءة للنبي محمد " و الموضوع غير قابل للنقاش حول معنى الإساءة و المسافة الفاصلة بين الخيال و الابداع و التفكير و النقد و بين الاساءة . المقدس غير قابل للنقاش مقدس بالنسبة لمن ؟ و اين تنتهي حدود المقدس؟ وهل حياة الانسان ليست مقدسة؟ و هل قبول الاختلاف ليس امرا مقدسا ؟.... فتكون المحصلة قرار الانتقام لا النقاش و محاولة الفهم . أمام هذه الحمية القطيعية و الاندفاع الغرائزي يضع هذا المؤمن البسيط و ذاك السلفي المتخلف الاله في مرتبة أدنى منه و في موضع القاصر العاجز الذي يحتاج الى حماية منه و دفاعا منه و انتقاما له فيستصغر ربه حد الاحتقار رغم انه يؤمن انه على كل شيء قدير لكن يستسيغ التناقض حد التفاهة ويكرس من حيث يدري أو لا يدري صورة الاله الخادم . هذه الصورة القائمة على الاستصغار للاله تتكرر في اليوم الاف المرات في فهم الدعاء المقترن اليا بالاستجابة و اعتباره أوامر من تحت إلى فوق واجبة التنفيذ فتكرست صورة " صورة الاله الخادم " الذي يطبق اوامر عباده بحذافيرها بمجرد فهم سطحي ل "ادعوني استجب لكم " و ترافق هذه الصورة الاله في الجنة فهو في مخيال هؤلاء المشرف على البستان العملاق الذي فيه من كل الثمرات و الأكل الشهي و الخمر بأصنافه و هو أيضا في صورة مبغى مجاني حيث الجنس يتم جماعيا مع عشرات الجواري و الغلمان و الجميع في خدمة هذا الذكر الفحل بما في ذلك الاله نفسه حسب مخيلة السلفي و المؤمن العامي ... يحيلنا هذا الى الرسم الكاريكاتوري الذي نشره ناهض حتر وانتهى بتكفيره ثم التحريض عليه ثم سجنه ثم التهاون في حمايته ثم اغتياله والذي صور فيه بكل اختصار وظيفة الاله في الجنة حسب مخيلة الفكر الاخواني و السلفي و العامي ايضا و علوية التعامل معه كخادم مطيع وهي صورة تعري المستوى المتدني الذي بلغه خيال الانسانية تجاه مقدساتها و عقائدها وهي صورة نسجها بكل ابداع ابو العلاء المعري منذ أكثر من الف عام في مؤلفه " رسالة الغفران " حيث سخر بأسلوبه النقدي من سلوك اهل الجنة كما يتخيلها العوام عكس الصورة التي ابدعتها الشعوب منذ الاف السنين حول الحياة الأخرى و حول الالهة التي وضعت فيها كل ما تهدف اليه و لا تستطيعه ( قيم ) القوة و العدل و السلطة و الحماية و العون و منح الحياة و منح الخلود و منح اسباب العيش الرغيد وناه عن الظلم فبنت نسيج اسطوري وعقائدي ساعدها على بناء حضارة و بناء قيم مشتركة لا بناء صورة مشوهة اساسها القتل و سفك الدماء في الدنيا و سكر و جنس في الاخرة . ناهض الحتر حرك المياه الراكدة في مجتمعات لاتزال تعيش في ما قبل ابو العلاء المعري وقبل رسالته ، انه تظافر التخلف و الاستبداد السياسي زائد التطرف العقائدي و سذاجة التفكير جعل من شعوبنا قطيعا مهتاجا متعطشا للانتقام قليل الصبر عديم التسامح يحتاج لثورة في الفكر و في الدين و السياسة و ثورة على الخضوع لكل من يحمل تفويضا مزورا للحديث باسم الاله على هذه الأرض . تحية لروح ناهض الحتر و من سبقه بدمائه الزكية على درب الحرية و رفع غشاوة الجهل المقدس ، والمسيرة تستمر
#محمد_المناعي (هاشتاغ)
Manai_Mohamed#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الذكرى الستين لإصدار مجلة الأحوال الشخصية ،حقوق المرأة ال
...
-
من أجل تنسيقية وطنية للقوى الديمقراطية و التقدمية .
-
اليسار التونسي : المسارات المختلفة و الفرص الضائعة
-
الفضاء الثقافي-مانديلا- زهرة تقدمية في رمال متحركة
-
داعش : الامبريالية حين تستثمر في الجهل و الدين و الدم
-
الاتحاد العام التونسي للشغل : حركة نقابية صنعت مجد شعب
-
في اليوم العالمي للعمل اللائق : واقع من العمل المهين في المن
...
-
حملة نقابية عربية مساندة للنساء الموريتانيات ضحايا الاتجار ب
...
-
الحراك الشعبي وقود المسار الثوري التونسي
-
أي خطاب ديني ممكن في مواجهة التطرف و الارهاب؟
-
دورالنقابات في مناهضة الهيمنة الامبريالية
المزيد.....
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية
...
-
بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول
...
-
40 ألفًا يؤدُّون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تواصل إشتباكاتها مع جنود الاحتلا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا للاحتلال في مستوطنة
...
-
“فرحة أطفالنا مضمونة” ثبت الآن أحدث تردد لقناة الأطفال طيور
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|