|
المقروء والمنظور في مسرحية للروح نوافذ اخرى
صباح الانباري
الحوار المتمدن-العدد: 1410 - 2005 / 12 / 25 - 11:11
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
1-المقروء: بنية الانتظار وخيبة العودة في نص المسرحية الاشتغال على النص قبل العرض نقديا هو جزء من تقليد متبع من قبل غالبية نقاد المسرح ومتابعيه الذين احسب نفسي واحدا منهم . وقد اشارت الكثير من المقالات والدراسات ، في عنونتها ، الى احدهما او كليهما معا فكتبوا عن المسرحية الفلانية بين النص والعرض، او من النص الى العرض ، او بين النص المقروء والعرض المنظور ، او رؤيا النص ورؤيا العرض.... الخ. وقد يخرقون هذا التقليد اضطرارا فيتناولون عرض المخرج ورؤياه بعيدا عن نص المؤلف ورؤياه ، وهذا ما يحصل غالبا في المهرجانات المسرحية ، او في الحالات التي يصعب الحصول ، لسبب او لاخر ، على النص . لقد شاهدت عرض مسرحية قاسم مطرود "للروح نوافذ اخرى" ولم تتيسر لي ، حينها نسخة من المسرحية فاضطررت الى تناول عرضها ، والكشف عن منظومته الجمالية ، وصوره التي رسمها المخرج احمد حسن موسى بدراية واتقان كبيرين ، وجسدتها على الخشبة نخبة من ممثلين كانت على رأسهم الفنانة القديرة "آزادوهي صاموئيل" . وبعد زمن ليس بالقصير حصلت على نص المسرحية وقرأته مرتين ، مرة بدافع المتعة ومرة على اساس كم الابداع المتحقق فيه استنادا على رؤيا المؤلف واشتغاله على طريقة المزاوجة الدينامية بين الصورة والكلمة ، وتركيزه على (ثيمة) الانتظار التي اسبغت على مشاعر شخوص المسرحية غموضا فرضته عليهم طبيعة هذه (الثيمة) وتأثيراتها النفسية والاجتماعية والادائية (الكيفية) او الالية التي عملت على وفقها مستنفدة قصوى طاقاتها على مدى قسمي المسرحية . في القسم الاول جسدت الانتظار ثلاث شخصيات رئيسة هي الزوجة والاخت والام فضلا عن شخصيتين مفترضتين ظليتين حتمت وجودهما عقدة استجابة الشخصيات الرئيسة او ملامسة مجسها لعتمة حياتهم الداخلية وضبابيتها . لهذا جعل المؤلف اسميهما ، ذان وايان ، ثابتين ، وافعالهما متغيرة بحسب نوع الوظيفة التي يؤديانها كالمراقبة او التعليق او الدخول في الحدث ، او المساهمة في تجسيد فعل النص بالصوت والحركة دون ان يكون لها وجود خارج هذه المحددات . وحتى عندما يكون حوارهما موجها ، مباشرة ، الى شخوص المسرحية الثلاثة فان هؤلاء الثلاثة لا يتحاورون معها بالطريقة نفسها وان اجاباتهم في اغلب الاحيان توجه الى آخرهم (الظل) الموجود ازاء كل منهم وهذا يعني ان شخوص المسرحية ، بشكل عام ، يسيرون بخطين متوازيين لا يلتقيان في اية نقطة من نقاط تطور النص . فان كان ذان وايان يشكلان طرفا في النص فانهما يرتبطان بالطرف الثاني من خلال علاقات خارجية ، غير محكومة ، بوحدة وتناقض الاضداد مما يلغي عمليا صراعهما الدرامي ويجعل المسرحية تدور حول نفسها بدلا من ان تصعد الى ذروتها، ولا يغير من الامر شيئا تدخلهما او استجابتهما لردود الافعال التي يفترض ان يقوم بها الغائب / الاسير ، ولا تماهيهما الذي يستمر معهم على مدى عجز استجابته او اجابته عن اسئلة المنتظرين له بصبر ولهفة وجنون . اذن (الثيمة) التي اشتغل عليها قاسم مطرود في هذا القسم هي ثيمة الانتظار المشوب بالصبر النافد كحالة من حالات افرازات الحرب ونتائجها . اثقل بها على الشخصيات الثواكل (الزوجة والاخت والام) وجعلهن رهنا بهذايانات لا طائل من ورائها ان لم تنته بعودة من ينتظرن . وهنا يبرز على السطح فعلان اولهما مبني على توكيد العودة ، وثانيهما على توكيد الانتظار . يتجسد الاول من خلال حضور الغائب المنتظر ، ويتجسد الثاني من خلال اللحظة الحاسمة او اللقاء الذي سيغير حياتهن برمتها . ولاهمية هذه اللحظة، غير العابرة ، تقوم الابنة بمحاولات كثيرة لتذكير امها بالماضي الذي غابت فيه صورة ابنها ولان "الذاكرة لا تحفظ العابر من الايام ولا تخلد الصغائر منها" وهي في تألقها تحتاج الى يقظة كاملة منها (من الام) والى فتح ابواب ذاكرتها ، واغلاق نوافذ نسيانها التي يبدو ان لا سبيل الى اغلاقها . في القسم الاول، عموما، استأثر الانتظار بمعاناة المرأة واستحوذ على مشاعرها كزوجة او ام او ابنة . فالزوجة هنا ولشدة قسوة الانتظار عليها ، وثقل ايامه ولياليه ، ولانها لم تعد تفكر باي شئ خارج دائرة تأثيراته النفسية والاجتماعية (الاسرية) صار فكرها احاديا وصيرها حبيسة له ، مقيدا فعلها الحر بفعله ومداها بمداه ، ولم يترك لها فسحة سوى فسحة انتظار زوجها التي تأمل ان يكون لها من القوة ما يجعلها تمزق شرنقة الحزن ولياليها الطوال. ولشدة ريح الانتظار وعصفها الذي احاط بالام فقدت ذاكرتها ولم تعد تحفل بالقادم من الايام . وربما تستطيع الصدمة التي اضاعت ابنها اعادة ذاكرتها في لحظة اللقاء المحموم الذي سيشكل بحد ذاته صدمة استرجاعية تعيد لها ما ضاع من سالف الايام . اما الابنة فقد حولها الانتظار الى أم لأم حتى نسيت مذاق حياتها ، ودفنت روحها في قبره الضيق ، معللة نفسها بالخلاص ومعولة على القدرة الاسترجاعية لتلك الصدمة . ويستمر الانتظار .. انتظار اللقاء المرتقب، والامل الذي يجدد الحياة ويوقد الجذوة فيها بعد ان اوشكت تلك الجذوة على الانطفاء . ويبدأ القسم الثاني برتابة حياتهن كما هو الحال في مفتتح المسرحية بالاعمال البيتية الرتيبة نفسها حتى لحظة دخوله عليهن ببرود كبير ولا مبالاة اكبر فتبدو لهن المعجزة باهتة واللقاء المرتقب بلا حرارة وبلا عواطف وبلا جنون . فالعائد من غيبته الطويلة المضنية قد تغيرت صورته وبهتت ملامحه وشاب هيأته الوهن وما عاد قادرا على تغيير ما خطه الزمن على وجوه منتظريه . وبذا يكون قاسم مطرود قد امعن ايغالا في التأكيد على لا جدوى الانتظار ولا جدوى العودة بل لا جدوى الحياة ما دامت افعال المنتظرات تصب ، آخر الامر، في عبثية حياتهن ولا جدواها . العودة اذن لم تبدد غربتهن التي استوطنت كياناتهن كلها ، ولا ان تقلب الموازين او تخفف حدة الياس الذي اسلمهن الى خيبة لم يحسبن لها حسابا ، وبذا تحولت العودة الى مفترق طرق سلكت كل واحدة منهن طريقا لا تلتقي مع طريق الاخرى الا من حيث كم الخيبة والغربة التي شعرت كل واحدة منهن على انفراد، فالأم على سبيل المثال لم تعد قادرة على محو آثار الغربة التي تعايشت معها سنوات قاسية ادت بها الى فقدان ذاكرة الماضي حد انها لا تستطيع ان تتقبل الحاضر او ان تديم انتمائها اليه : "كيف لي ان اتصور انك ابنتي وهذا البيت بيتي. وان قبلت الفكرة فلا استطيع ان احس بكما مثل ابنائي لانني ما زلت اعيش الغربة هنا" والزوجة التي التقت اخيرا ببقايا زوج مهشم لا يرغب في الاستمرار معها انتظرت تابوته مودعة اياه كما لو كان ميتا فعلا : "دعيني ابكي لاغسل دكة القرابين ، واقص شعري الذي حناؤه دم ، وانوح عليه ، اودعه" والاخت التي رأت في عودته موتا وخواءا اعلنت عن عدم قدرتها على التآلف مع الموت : "لا استطيع الاستمرار مع الموت .. سأترككما واجر معي انكساري ، وحزمة الضوء التي انطفأت " واخيرا يعلن الغائب اعترافه بتبلد عواطفه ورجوعه على طريق الغربة التي الفها وتعايش معها على مدى سنوات الاسر : "لا اعرف لماذا تبلدت عواطفي .. كنت اتحرق شوقا في الايام الاول الى رؤيتكم حتى كنت ادفن راسي تحت الوسادة واجهش بالبكاء والغربة تلفني وعلى مر السنين لم اعد أألف نفسي لانها تختلف عني " اذن اشتغال قاسم مطرود على الانتظار ثيمة وعلى لا جدواه نتيجة اعطت صورة واضحة عن مخلفات الحرب وتفكيكها لبنى الروابط الاسرية بطريقة تحذيرية اكدت حرصه على ناسه ، وامله في خلاصهم ، وخوفه عليهم من السقوط تحت براثن الكارثة . فضلا عن منحه النص روحا عراقية وان كانت مقببة بمسرح اللا معقول الذي درسه بعناية وفهم للظروف التي ادت اليه دون ان تكون به حاجة الى المغامرة او الجنوح لان الناس هنا كما هم في اوربا، ما بعد الحروب والكوارث ،امتلكوا الاستعدادات الكافية لتقبل هذا المسرح وفهموا ان حاجتهم اليه والى مبدعيه الاصائل ، بمقتضى الضرورة ، امر حتمي ادخر لنفوسهم ما يكفي من العزاء والرجاء . وكحصيلة استنتاجية اخيرة لم يفتح قاسم مطرود، في خاتمة نصه ، النوافذ التي اراد . واحال امر فتحها ، مستقبليا ، الى قارئه الذي لا بد له ان يهتدي يوما الى نوافذ الروح الاخرى ليطل منها على عالم جديد لا يسفك الدم البشري ولا يقتل انسان اخيه الانسان ولا يحصل فيه ما حصل للزوجة والابنة والابن والام وهذا هدف انساني نبيل لم تبتعد المسرحية او تحيد عنه بأي شكل من الاشكال .
2- المنظور : صور الانتظار وحتمية العودة في عرض المسرحية
لا وجود لمسرح بلا صورة فالصورة أداة فاعلة من أدوات العرض الفنية التي تفترض وجود العين المبصرة كشرط أساسي لقراءتها ، ولا يغير من الأمر شيئاً اقتران تلك الصورة بالصمت في حالة (البانتومايم) او بالنطق في حالة المسرحية الحوارية الصائتة ان كل لحظة تمر على خشبة المسرح تشكل او توثق صورة تلك اللحظة مؤطرة بالإضاءة وقطع الديكور والأزياء والسينوغرافيا والألوان . وعلى وفق هذا تدخر المسرحية الكبيرة عدداً هائلاً من الصور يشتغل المخرج على تكثيفها وبثها الى المتلقي كرموز بصرية ذات دلالات محددة .هذه الدلالات هي التي تشكل المعنى العام للمسرحية. وفي المسرح العراقي الكثير من العروض المسرحية التي اعتمدت الصورة كبنية أساسية في توضيح الأفكار وإيصالها ، ومن تلك العروض مسرحية (للروح نوافذ أخرى ) التي سنقوم بقراءة لغة عرضها قراءة بصرية تعتمد الصورة فيه أساسا في القراءة. ففي المسرح الخالي آو المساحة الخالية تصبح الصورة العنصر الأكثر أهمية والادق دلالة من العناصر الدرامية الأخرى . أنها مفتاح اللغة البصرية للخشبة .تلك اللغة التي تحول الخشبة الى كتاب تقرأه العين كمجموعة من الصور الدالة التي تدعمها وتعمق دلالتها الإضاءة والموسيقى والمؤثرات الصوتية والأزياء والمكياج . وفي مسرحية ( للروح نوافذ أخرى ) التي كتبها الأستاذ قاسم مطرود و أخرجها الفنان احمد حسن موسى صور سمعية وبصرية نجح المخرج في تأطير محتواها بإطار رؤياه الفنية فجعلنا نقرأ ونحن في مقاعدنا ،لغة العرض من خلال الصور آلاتية :
الصورة الأولى: ظلام تمهيدي ثقيل يغطي الخشبة بضع ثوان يطبع في عين المشاهد سوداوية تنبئ باصطباغ الأحداث آلاتية بصبغتها القاتمة، ثم يتوهج الضوء في بقعة كاشفاً عن امرأة موشاة بالسواد : امرأة تنتظر أوبة ابنها جاعلة من الانتظار مبرراً لوجودها واستمرارها في حياة كل ما فيها مظلم وسوداوي : تتناغم مع هذه الصورة المرئية صورة سمعية لرجل يعلن عن أسماء العائدين من الآسر .
الصورة الثانية في ثلاث بقع ضوئية ، وضمن مثلث تقليدي ، تظهر صورة الزوجة والأم والملاك وتبدأ أولا الصور الذهنية بالانطلاق من شفتي الام بتكرار تسويفي لكلمة (يعود) وهي كلمة تمنح الصورة الذهنية إضاءة غامرة تقطعها او تتقاطع معها في تناقض مؤقت . عبارة الزوجة (لن يعود)
الصورة الثالثة : تخرج المرأة الملاك من الصورة وتظل الزوجة والأم في بقعتين فترة طويلة نسبيا يتم أثناءها تفريغ الحوار الذي لم يخلو من الاستطرادات التي أثرت في الإيقاع وحولته من السرعة الى البطء .وعلى الرغم من التناقص اللوني الحاد بين زي الزوجة والأم من جهة وزي الملاك من جهة أخرى إلا ان القتامة ظلت باسطة سطوتها على صورة المشهد برمته .
الصورة الرابعة: تبدأ بظلال ذهنية خفيفة تعمق إيقاع الأمل في ذهن الزوجة فتتحول من الضد إلى الحياة ولكنها مع ذلك لا تستطيع عقلنة عودته فتتحول صورة عودته الذهنية الوهمية ( سيعود ) الى نوع من الهستريا يتحول فيها فعل الرقص الى الشعور المفرط بالألم والمرارة .لقد استطاعت الفنانة ايمان ذياب ان ترسم بجسدها على الخشبة صورة حية ناطقة معبرة بوضوح وعمق عن حقيقة المرأة العراقية في ظروف حرب ضروس ، ولقد ساعدها في رسم هذه الصورة المؤلف الموسيقي سليم سالم الذي جعل الإيقاع يتناغم معها سمعيا وبصريا .
الصورة الخامسة: يهجم الدود على الزوجة والأم . فتنقضان عليه ضربا وقتلا في حركات مرنة بارعة مؤثرة جعلت اللامرئي مرئيا في عدده وحجمه حتى بتنا نقاتله بصريا دفاعا عن هاتين المستوحدتين ..لقد ملأت أزادوهي صاموئيل وايمان ذياب الفراغ في المساحة الخالية التي عملت كل منهما عليها في هذا المشهد اكثر من أي مشهد آخر .. لقد التحم الفضاء بالفضاء ولم يعد هناك ثمة فضاء للفراغ . ولقد ساهمت الأزياء ، التي بعثرتها الأم والزوجة في منتصف المسرح، بجعل التناغم اللوني شديدا كما ساهمت الموسيقى بشحن المشاهد المتلقي بصورة ذهنية تساوقت مع مجريات المشهد فجعلت صورته اكثر حضورا او تأثيرا من صور المشاهد الأخرى .. تنتهي هذه الصورة عندما تجمع الأم كل ذلك الركام من الملابس في يسار المسرح لتعود إلى البقعة نفسها التي كانت فيها من قبل ويعود الظلام ليبسط سطوته على الصورة جاعلا فضاءها اكثر قناعة واضخم حجماً من جسدي الممثلتين الضئيلتين وتفشل حتى الصورة الذهنية للحوار في ملء المساحة الخالية التي اتسعت واتسعت حتى شملت الخشبة كلها .
الصورة السادسة : في منطقة خيال الظل تظهر الأم وهي تبحث عن ابنها ( هناك ) ثم سرعان ما تدخل (هنا) مع الجثة/ الدمية .تسحبها بمشقة إلى وسط المسرح ..تحتضنها ..ترضعها من صدرها الرؤوم .تسحبها ، الى حافة المسرح بينما انشغلت الزوجة ،طوال ذلك الوقت ، بحفر القبر وتهيئته ليستقبل الجثة الدمية .لقد كان القبر مظلما وكانت الزوجة تؤدي في الظلام حركات لم نستطيع رؤيتها بوضوح بسبب الظلام الذي تعمد مصمم الإضاءة سنان العزاوي والذي نجح أيما نجاح في تصميمه للإضاءة هو الآخر ان يجعل الممثلة تتكلم في الظلام فترة قبل أن يسلط الضوء عليها . الصورة السابعة: ترتفع الخشبة الأمامية ويظهر الابن /الزوج ممددا بكفنه على الأرض .. ينهض من الموت .يقف بساق من خشب وذراع مبتورة وتتحول النغمة من ( سيعود ) إلى ( عاد ) ..والثلاثة ألان في ثلاث بقع ضوئية في مثلث مشابه للمثلث التقليدي الأول .يحد من حركاتهم ويحجم أفعالهم. .لقد كانت ايمان ذياب في لحظات الصمت التي ميزت هذا المشهد عن المشاهد الأخرى تعبر بجسدها بطريقة ذكرتنا بالفنانة الكبيرة هيلينا فايكل في مسرحية (الأم شجاعة وأبناؤها ) وربما درست ايمان صور هيلينا ثم بدأت بتقليد حركاتها وأوضاعها على الخشبة .أما الفنانة القديرة قديسة المسرح العراقي ازادوهي فقد كانت حيوية في ملء فترات الصمت .فعالة في التواصل مع الفعل الدرامي القائم على الخشبة ولم يخلو وجهها ولا ملامحها ، طوال صمتها من تعبير دقيق وانفعال حقيقي .
الصورة الأخيرة : يتبدد الوهم الذي سيطر على ثلاثتهم .الابن /الزوج يناجي أمه ولم تعد تناجيه واكتفت بدخول قوقعة ال (سيعود )من جديد .والزوجة رحلت الى أفق بعيد في صورة من اجمل صور الرحيل على الخشبة والابن صعد ثانية إلى السماء ليغيب ملاكه أيضا عن المكان الذي (هنا ).وحدها الأم تبقى على الخشبة منتظرة في صورة المسرحية الأخيرة
من الرؤيتين نستنتج ما ياتي: 1-ان المخرج اشتغل في عرض المسرحية على بنيتين اساسيتين هما بنية الانتظار مجسدة من خلال كم الصور الهائلة الموثقة بكل لحظة من لحظات العرض والمؤطرة بفراغ من العتمة ولونها المأساوي . وبنية العودة مؤكدا عليها من خلال تكرارها على لسان الام مرات عديدة .
2-ولان المخرج اراد لعرضه ان يكون معقولا وان يبتعد عن النظرة التشاؤمية لكتاب مسرح اللا معقول اشتغل في نهاية العرض على حتمية العودة في الوقت الذي كان قد اشتغل فيه مؤلف النص على خيبة العودة .
3-حذف المخرج شخصية (براء) وشخصية (ذان) وشخصية (ايان) لانهم ، على وفق رؤياه، شخصيات ليس لها محل من دراما العرض. فبراء شخصية تتشابه بمشاعرها وعواطفها وسلوكها مع مشاعر وعوطف وسلوك الام ، وذان وايان شخصيتان افتراضيتان تتعارضان مع فكرة اخراج النص اخراجا واقعيا . وكان المؤلف قد ابتكرها لتخدم فكرة النص ولتسبغ غموضا ، غير مقصود ، على شخوصه ولتعطي انطباعا عن وهم العودة وعبثية الانتظار.
4-ومع ان المخرج في عرضه، اوصل الشخصيات الى مفترق الطرق فغادرت الزوجة الى (البعيد) ، وغادر الابن الى (السماء) ، الا انه ابقى الام في حالة انتظار دائم ولسان حالها يؤكد على ان ابنها الغائب (سيعود) .بينما جعل المؤلف شخوصه يغادرون مفترقهم كل على طريقه الخاص ودونما استثناء .
5-الاختلاف في بعض مفردات الرؤيتين، رؤيا النص ورؤيا العرض ، وسلامتهما فنيا وفكريا يشيران الى ان النص يمتلك طاقات فنية وفكرية ودرامية كامنة فيه تجعل امر تناوله ، اخراجيا ونقديا ، امرا واردا وممكنا ومتعددا بتعدد قراءاته واختلاف الرؤى بين هذه او تلك من القراءات .
6-فتح المخرج نوافذ الروح كلها وترك نافذة الامل مشرعة امام حركة شخوصه في زمن العرض . في الوقت الذي كان قد اقر المؤلف بوجود نوافذ اخرى للروح لم تفتح بعد واحال امر فتحها الى قارئه ليطل منها على عالم جديد يؤسسه خارج زمن النص.
#صباح_الانباري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القمع والقتل الجماعي في رواية جهاد مجيد دومة الجندل
-
دراما في تنغيل الموروث وتفعيل الوارث.. قراءة في مسرحية حازم
...
-
الموناليزا السومرية .. سيدة الوركاء .. دراما في تنغيل المورو
...
المزيد.....
-
لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق
...
-
بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
-
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات-
...
-
نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين
...
-
أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا
...
-
الفصل الخامس والسبعون - أمين
-
السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال
...
-
رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
-
مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|