|
العراق وخيار السلام
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5290 - 2016 / 9 / 20 - 22:04
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
جمعني اليوم لقاء مع أحد زملائي المحامين من الذين قضوا عمرا طويلا في عالمي السياسة والقانون بادرني بعد التحية بموقفي من السلام في العراق، الشيء الغريب أن الرجل معروف عنه بجدية حواراته ونضجها ونحن في عرض الطريق وليس في مكان يسمح للحوار، المهم الرجل كان مستفزا من حالة خاصة أثارها أحد أعضاء مجلس النواب فيما يخص مسألة وجود البعثين في داخل المؤسسة السياسية الحاكمة أو خارجها كواقع حال، القضية الحوارية التي يتناولها النقاش هي في التساؤل الأتي (هل أن العملية السياسية الحقيقية التي يزعم البرلماني بديمقراطيتها تؤمن بحق الشعب في الخيار أم لا تؤمن بجدوى خيار الشعب؟)، إن كان الجواب نعم فليس من حق المشرع أن يحدد للشعب طريق واحد ويطلب منه الأختيار الحر في هذا المحدد الأوحد. وإن كان الجواب لا فأتركوا الناس هي التي تختار ما يناسبها بموجب نفس الخيار الذي منحتموه لأنفسكم لأن تكونوا قادة عليه، خيار الصندوق الأنتخابي الذي يمثل حقيقة بشكل أو أخر إرادة الأمة وقرارها، فلست أولياء وأوصياء علينا حتى تشرعوا ما هو الصالح وما هو غيره وما من حق أحد بالوجود أن يمنع المجتمع أن يقارن بين الأشياء ليختار منها الأنسب، تقولون أن البعث مجرد عصابة مجرمين وسراق وقتلة والخ من الأوصاف وعملتم على أجتثاث عناصره بمختلف الأماكن والوظائف لتقتلوه وتخنقوا ما تبقى من وجوده ومع ذلك فأنتم خائفون وجلون من وجوده، هل هذا يعني أنكم فشلتم في أقتلاعه من الواقع العراقي أم أنكم لا تتمتعوا بالمصداقية في عملكم وأنكم نسخه أخرى من ذات المنهج والروحية البعثية. الخيار الديمقراطي الذي أرسى السلام في المجتمعات المهتزة والتي خرجت أما من أتون حرب أهلية أو واقع سياسي سلطوي ديكتاتوري هو الخيار الحر الكامل دون إقصاء أحد أو وضع البعض بدرجة vip والأخرون في منزلة الشياطين، الأصل أن الشعب هو من يحدد الطريق وهو من يختار وهو صاحب الحق المصلحة في الخيار وفي تحمل نتائج الخيار، بدون هذه الحرية لا يمكن للديمقراطية مهما كانت قوتها أو شكلها العام أن تنتصر للسلام لأن هناك طرف ليس من حقه أن يقول أنا موجود وأنا من حقي الأساس أن أمثل نفسي وأدافع عن وجودي، المنطق الديمقراطي يفترض أن الجميع يعرض بضاعته أمام الناس والجميع يختار بملء الحرية ما يريد، عند ذلك سيسقط من يسقط في النزال السلمي وينجح الجدير بالتمثيل ويرضى الجميع بأن الأمة هي الحكم وهي الفيصل الحقيقي. في تجربة إيرلندا الشمالية وكل الجمهوريات الأوربية الشرقية وفي تجربة جنوب أفريقيا وحتى في التجربة المحلية داخل العراق في إقليم كردستان كان السلام الأجتماعي شرطا أساسيا لنجاح الديمقراطية في بناء السلام العام، أكثر الوسائل التي تعري القوى السياسية والأحزاب هي أن تتركها تعمل في وسط بيئي ديمقراطي حقيقي يضمن للجميع حق الخيار الحر وحق العمل دون تمييز أو مفاضة أو قمع، سترى عند ذلك صدق أو كذب الادعاءات والشعارات التي ترفعها وسيكون المواطن الرقيب الحر والحاسم في التقييم، أما أن تحدد طريقا واحدا للناس وتطلب منهم أن يكون لهم رأي محدد بنعم فقط وتعتبر هذا انجاز ديمقراطي ، الحقيقة هنا تشير إلى أسوأ أنواع الديكتاتوريات وأشدها ابتذالا وأهانة للمجتمعات حين يكون التفضيل بين السيء والأسوأ وشديد السوء. كل الذين يتساءلون عن سبب فشل التجربة الديمقراطية في العراق ومن يجيب أن سببها الأساسي هو غياب الوعي المجتمعي وغياب الممارسة الطويلة والثقافة الديمقراطية تشكل أهم العلل والأسباب، تؤكد الوقائع على الأرض أن الفشل ليس بسبب ذلك بل ذلك يعود لجانبين أن مفهوم الديمقراطية صاغها دستور المحتل قائم على التفريق بدل المساواة وعلى التجزئة والتناحر بدل مبدأ السلام، حين يمنح الدستور للبعض حق متعال على الأخرين ويسلب أبسط مبادئ حقوق الإنسان الأساسية ستكون النتيجة الفشل المؤكد والحتمي، لا يوجد دستور ديمقراطي في العالم يمنع حزب أو جهة سياسية من العمل الديمقراطي ويمنع على الشعب أن يختار بحرية كاملة، لا يوجد دستور في العالم كله يمنع على إنسان أن يعمل ويعيش ويكون جزء طبيعي وفاعل في المجتمع لكونه يحمل فكرا سياسيا ما حتى لو يكن في يوم من الأيام متهما أو مرتكبا جنة أو مخالفة جنائية لمجرد فقط أن أمن بخياره الفكري السياسي. لست بعثيا ولم أكن ممن يتمنون بقاء البعث لهذا الوقت الطويل متحكما بالناس وفقا لمقولة وفلسفة الحزب الواحد او الحزب القائد، ولست مؤمنا أيضا بالبديل الذي جاء به الأحتلال والعملية السياسية المحرفة ممن تسلقوا جدار الديمقراطية وأصبحوا أركانا لها ومظاهر تذكرنا بمقولة الأرنب والغزال، ولكن من وجهة نظر أخرى تتعلق بالبحث عن السلام والحفاظ على حقوق الإنسان أقول أن النهج التصفوي لا يمكن أن يقتلع فكر ولا يمكنه أن يصحح التاريخ تزيفا أو تحريفا للحقائق مع كل هذا الفشل الذي يحيط بديمقراطية المحتل وتحكم توجه سياسي واحد، ولكن علينا حتى نكون موضوعيين وصادقين في النقد والمعالجة أن نتضع من الوضع الأماني الأن، فبعد عقود طويلة من إنهيار النازية والفاشية نرى اليوم حضورا فاعلا وقويا لها في الساحة برغم التصفيات والمحاربة والحظر الدستوري والقانوني لها. إن العمل من أجل السلام والعمل من أجل البناء السليم والأنتقال للغد لا بد أن يكونا عبر أليات ديمقراطية سليمة مع مراعاة حقوق الإنسان وتطبيق القانون بعدالة، يساند ذلك كله نظام أقتصادي حر وقوي يعتمد الأنتقال إلى التنوع السلعي والخدمي الذي يساهم في تطبيق مفهوم مدنية الحياة الطبيعية للمجتمع، والتخلص من السياسات المالية والتجارية القائمة على توظيف الريع وجعله عماد الأقتصاد الوطني، إن بناء نظم خدمية تعليمة وتربوية وصحية وبيئية محدثة وقادرة على أن تكون بمستوى فعال للجميع وبدون تمييز ، وإحياء كل الروابط والقيم الجمعية التي تعزز مبدأ المواطنة الواحدة، ومحاولة العبور الجاد من البحث في مزابل التاريخ والتمسك بالثأر والثأر المقبل على أحداث لم نك نجن جزأ فاعلا فيها أو من أبطالها كفيل بتهيئة الأرض ليكون السلام خيار الأمة وعنوان فعلها الأجتماعي.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل نحتاج اليوم الى عمل جبهوي نخبوي في القيادة والتخطيط لرسم
...
-
هيت لك ....... كلمات على وزن الشعر
-
المدرسة العقلانية التجريبية ودورها في كشف ماهية المعرفة
-
رحيل شاعر البلاط ...... من مأتم الشعر
-
توظيف علاقة القيمة الدينية في الأقتصاد المجتمعي.
-
تداعيات الانهيار ومرحلة ما بعد السقوط
-
القيامة والنار وعبيد الصنم
-
القضية الأخلاقية والإنسان المستبعد منها
-
صورة البطل في المخيال الشعبي الديني. ح2
-
صورة البطل في المخيال الشعبي الديني. ح1
-
إحياء الوعي أم تفعيل العقل ح1
-
الحقية والرأي ومديات مفهوم التجربة بينهما
-
لماذا ننحاز للعقل ونتهمه دوما بالتقصير
-
الأقتصاد الريعي والمدنية الأجتماعية.
-
الدين الإنساني اليوم بين اتقليد والتجديد
-
مذكرات رجل ... كان ح4
-
مذكرات رجل ... كان ح3
-
مذكرات رجل ... كان ح2
-
مذكرات رجل ... كان ح1
-
مديح الحروف المسافرة .... لك أنت وحدك يكون المديح فرضا
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|