|
دور المربي في المجتمع
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 1410 - 2005 / 12 / 25 - 11:39
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تخضع التربية في المجتمعات للمورث والتقاليد والأعراف الاجتماعية والقيم الدينية السائدة وكذلك لتوجهات السلطات الشمولية في العصر الراهن، فهي تقسر المجتمعات تحت طائلة العنف والاستبداد لإخضاعها للمورث والتوجهات الشمولية المعاصرة، فالأساليب التربوية تحتكم لاستخدام العنف والاضطهاد والقسر لضمان عدم تخطي الأجيال عتبة تلك التوجهات، فالفرد في المجتمع يخضع لسلطات متعددة من العنف (الأسرة: الأب والأم والأخ الأكبر، والأقارب ومعلم المدرسة والقوي...) وأخيراً السلطة بكل أجهزتها القمعية تفرض نهجها الاستبدادي على أفراد المجتمع لقسرهم على إتباع توجهاتها. تحت كنف تعدد سلطات العنف ينمو ويعيش الفرد وينهل توجهاته سلوكه وتصرفاته منها ويمارس العنف المضاد كإحدى شرائع المجتمع، فالقوي يضطهد الضعيف وعلى مستوى الأسرة يضطهد الرجل المرأة، والمرأة تضطهد أبناءها، والأبناء يضطهد بعضهم الأخر، وأبناء المنطقة الواحدة يضطهد أحدهما الآخر والغني يضطهد الفقير...وهكذا فإن مسلسل العنف والاضطهاد يتناسل وينتهي بالسلطة القابضة على أجهزة العنف لاضطهاد الجميع!. إن دور المربي داخل أسرة المجتمع المحتكمة للعنف والاضطهاد، لايمكنه أن يشذ عن دائرة العنف ذاتها. وتأتي السلاسل الأخرى المكملة (الفقر، الأمية، الجهل...) لتفعل فعلها في تكبيل المجتمع وبغياب الدور الايجابي الفعال للدولة في التربية الاجتماعية تصبح قيود المجتمع لاحصر لها، فهي تشكل سلاسل حديدية تربط المورث بكل سيئاته بالحاضر وإفرازاته المكبلة وعنفه غير الإنساني. يقول ((أجاثون))"أن الإله نفسه ليس قادراً على تغيير الماضي". إن المعوقات الأساس للمربي كـ (الفقر والتخلف والأمية والعنف...) تعيق عمله ويقف عاجزاً أمامها، فالمجتمع الذي تأسره تلك المعوقات لايمكنه أن يخطو نحو المستقبل أية خطوة ايجابية. إن إعادة تأهيل المجتمع تربوياً، يتطلب قبل كل شيء إنقاذه من أسر الفقر والجهل والأمية...وتلك البراثن لايمكن التخلص منها دون تدخل الدولة باعتبارها الراعي الأساس للمجتمع. والدولة الفقيرة (أو المُفقرة) هي الأخرى أخرى أسيرة الموارد المالية الشحيحة التي تحتاجها مشاريع التأهيل التربوي، وإن وتوفرت الموارد المالية خلت عقول الحكام من القيم والأخلاق والمسؤولية تجاه شعوبها. وبالعكس تسعى لتكريس تلك البراثن في المجتمع لتكبله أكثر بالقيود، للحفاظ على سلطتها لأمد غير محدود ولا يتم ذلك إلا من خلال إفقار المجتمع وإغراقه بالمزيد من الجهل والتخلف والأمية!. يعتقد ((فورا ستيه))"أن البلد المتخلف اقتصادياً، هو بلد مختلف تربوياً". إن منظومة القيم والأخلاق والنوايا الحسنة التي يحملها المربي للمجتمع لاتُعينه على أداء عمله التربوي، فالتربية الاجتماعية ليست مبادرة فردية يضطلع بها مجموعة مؤمنة بالقيم الإنساني. إنها عملية معقدة تقع مسؤوليتها على الدولة والمجتمع والنخب وتحتاج لعقود من الزمن للإعادة صياغة منظومة الوعي الاجتماعي بما يحقق مستقبله المنشود. إنها حرب ضارية، تخوضها النخب الثقافية وعلى جبهات مختلفة لدحر التخلف والفقر والأمية والمورث السيئ...وتواجه خلالها مجموعات لاحصر لها من مناهضٍ التغيير، أما لعدم وعيهم بجوانبه النفعية وإما بوعيهم الكامل لما سيسببه من ضرر لمصالحهم الخاصة. إن النهج التربوي الصحيح يجب أن يهتم بشكل أكثر بالأجيال الفتية، لأنها عنصر المستقبل ولها القدرة على تفعيل المناهج التربوية الجديدة والعمل بها...فالمورث من القيم والأعراف الاجتماعية لايشكل تأثيراً كبيراً عليها، قياساً بكبار السن!. وبالرغم من أهمية النهج التربوي الصحيحة لإعادة تأهيل المجتمع تربوياً، يبقى العنصر الأساس فيها، المربي الذي يتوجب أن يكون مؤمناً بها وملماً بمهامه ومسؤوليته الاجتماعية. يعتقد ((أوغوست ستون))"أن المربي الحقيقي ليس فقط الفرد الذي يحمل قيماً ثقافية ولا هو الواضع لنظريات التربية، إنه الإنسان الذي يدفعه ميله العميق لتكريس نشاطه وحياته لتحقيق القيم الثقافية للشبيبة". إن إعداد المربي الحقيقي للقيام بمهامه في إعادة تأهيل المجتمع وإنقاذه من براثن الأمية والجهل والتخلف والمورث السيئ.....تعتبر من أوليات العمل التربوي، فالبرامج التربوية الجيدة ليست كافية لإعداد جيل جديد قادر على مواجهة تحديات المستقبل. وتتحمل الدولة المسؤولية الكاملة لإعادة تأهيل المجتمع تربوياً، لما تمتلكه من موارد مالية تتطلبها المشاريع التربوية التي ينهض بها نخب المجتمع من علماء التربية والاجتماع والمثقفين.
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التربية الاجتماعية-الهدف والغاية
-
مفهوم التربية
-
الشعور بالدونية عند المرأة
-
الكاتبة المغمورة والناشر
-
حقوق المرأة بين المورث والوعي
-
صور التعبير عن المشاعر والأحاسيس
-
الروح والحب
-
الثقافة والجسد
-
المرأة ومجتمعات العيب
-
حقوق المرأة في التشريعات الدولية
-
المطالبة بمهر الزواج للرجل أسوة بالمرأة
-
حقوق المرأة بين المورث والقيم الاجتماعية
-
المرأة والمجتمع المتخلف
-
مؤسسة الزواج بين الربح والخسارة
-
زير النساء وزيرة الرجال
-
المرأة والكيانات الحزبية
-
المرأة والجمال
-
نصيحة عاشقة
-
الحب والخيبة
-
ثورة امرأة
المزيد.....
-
ترامب يعلق على رفض بايدن إمكانية مهاجمة إسرائيل لمواقع إيران
...
-
ترامب لإسرائيل: اضربوا منشآت إيران النووية
-
وزير كويتي سابق: لن تكون هناك أزمة حدودية مع العراق إذا حسنت
...
-
أنباء عن استهداف شقة في شمال لبنان بـ -مسيرة-
-
بايدن: الفرق الأميركية والإسرائيلية على تواصل دائم بشأن التط
...
-
إسرائيل: مقتل جنديين في هجوم بمسيرة -من الشرق-
-
لأول مرة منذ بداية الحرب.. الجيش الإسرائيلي يستهدف طرابلس شم
...
-
الجزائر تستغرب من عدم تحديد الجناة في تفجير -السيل الشمالي-
...
-
المغرب.. رصد عوامل تعرض 40% من تلاميذ المملكة للتحرش الجنسي
...
-
بايدن -قلق- مما سيفعله ترامب في الانتخابات الرئاسية، في أول
...
المزيد.....
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
-
المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب
...
/ حسام الدين فياض
-
القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا
...
/ حسام الدين فياض
المزيد.....
|