|
ديكتاتورية الطبقة العامل في جبل عوام
عذري مازغ
الحوار المتمدن-العدد: 5287 - 2016 / 9 / 17 - 02:53
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
يخشى الناس عادة ديكتاتورية الطبقة العاملة ﻷسباب كشفتها عادة تجارب إنسانية في كل من الإتحاد السوفياتي والصين وغيرهما، سأحدثكم عن ديكتاتورية عمال مورست دون هذه الهالة الضخمة التي تثيرها مجازر بعض التجارب، نحن عمال مناجم جبل عوام مارسناها بشكل نسبي طيلة سنوات الرصاص بالمغرب حتى بداية العشرية الأخيرة من القرن العشرين، وكان من الطبيعي أنها لم تثر جدلا ضخما كما أثارته تجارب أخرى، وعلى الرغم من أن الأمور لم يتسنى لها أن تتفجر كدين جديد يدعو إلى الجهاد، ويشحن الذمم إلى غزوات وفتوحات كما الشأن في أي مذهب،على أن ذلك لم تكن له تلك الأهمية القصوى، كان العمال بجبل عوام بفعل نضالاتهم الصغيرة قد حققوا أمورا لم توفرها الدولة المغربية في كل قطاعاتها الإنتاجية بدون استثناء، لم تكن العلاقة بين العامل ومرؤوسيه أكثر من علاقة وظيفية تستند إلى تسلسل طبيعي بسبب هيكلية النظام الوظيفي بالمغرب، مدير عام له اليد الطولى على الشركة، مهندس يقوم بمهامه التقنية، ورؤساء الورشات الوظيفية، ثم العمال في القاعدة الهرمية، إنه تسلسل وظيفي يقوم على تظام يستند إلى التسلسل النظامي العام للدولة، حتى لا نقول بأنه تسلسل هرمي، كانت مكاسب العمال قد تم تحقيقها، في شكلها العام بالتحقين الطبيعي، لم تنزل مرة واحدة كما ينزل الوحي، بل كانت تستوعب بالممارسة العملية في الإنتاج، إن أول الأمور يجب الإنتباه إليها هي أن العمل المنجمي عمل قاسي جدا ومحفوف بالمخاطر، وهذا أمر كان يستوعبه أغلب العمال، إن ساعات العمل الثمانية مضنية ومجهدة تماما، عمل يتم داخل أوراش في باطن الأرض، في درجة حرارة عالية جدا وبتقنيات تفاوتية، تقنيات العمل في الستينات ليست هي نفسها تقنيات العمل في السبعينات، التقسيم الوظيفي لعمل العمال أيضا أستعب مع الممارسة العملية، لكن ما كان مثيرا من جهد العامل هو أنه، في ظروف عمل قاسي يكتشف العمال اغترابهم الحقيقي ليس متبلورا تماما كما عند أي فيلسوف ماركسي، بل إنه يكتشف فطريا وهذه كانت قاعدة أن يولد عامل المنجم مناضلا بالفطرة أيضا، إن ظروف المنجم القاسية تفترض نظاما في العيش لأجل الإستمرار في العمل بدء من الوجبات الغذائية إلى النوم إلى العمل، نظام مختلف نسبيا، وجبات أكل العامل المنجمي أكثر مما هو معتاد، وجبتين في الصباح: عندما يستيقط من النوم يتناول فطوره، عندما يقف عند عتبة الورش العملي يجب أيضا أن يتناول وجبة أخرى تسمى أيضا فطور وهي دسمة نسبيا، عند إتمام دورة العمل يتناول غذاءه، حين يخرج من العمل يتناول غذاءه العائلي، إنها عملية شحن طبيعي لممارسة عمل قاسي، هذا أمر لا يعرفه الكثير من الناس العاديين، ﻷكي يبدأ يوم عمل جيد، عليه أن ينام قدرا كبيرا من الساعات في اليوم بشكل يجد نفسه مضطرا للتكيف مع هذا النظام إذا أراد أن تكون له استمرارية في العمل، والحاصل أن وقته في الأغلب مخصص بشكل خاص للعمل ومنه بالتحديد حتى الوقت الذي يسمى خارج إطار العمل، بهذا الشكل يفطن العامل إلى اغترابه لذاته، إن أغلب وقته يوفره للشركة التي يعمل لها. إن ساعات العمل ليست سوى جزء من العمل الفعلي اما ساعات النوم فهي أيضا تدخل في التمهيد للعمل، وعليه يجب أن نتصور العملية بشكل كلي لنخلص إلى دور زوجة العامل في تهيئه (إنها تلعب دورا غير مباشر في عمله إن شئتم لذلك نجد أن أغلب العمال متزوجون) إذا اختل هذا النظام يمكن أن يتسبب في أحداث مميتة، الأكل يوفر الطاقة الكافية للعمل والنوم الجيد يوفر تركيز الحواس والانتباه الجيد للمخاطر ( يجب معرفة أن الحرارة في المنجم تثير النوم في المناجم، إذا لم ينم المرء جيد فهذا يعني احتمالات أكبر للتعرض للحوادث خصوصا وأن المناجم تكثر فيها غازات قاتلة إن لم ينتبه لها العامل)، وبهذا ربما يفطن العامل إلى اغترابه، لعل الجمل الأكثر تعبيرا على هذا الإفتطان كثيرة في لغة العمال (العمل لا ينتهي بل أنت من ينتهي، هل انتهت الأرزاق فوق الأرض حتى أبحث عنها تحت الأرض، هل كل حياتي مرهونة للظلام، يجب أن نتوحد لأجل تخفيف معاناتنا وصولا إلى أن عمل العامل هو من سمح بوظائف أخرى مترتبة عنه، اجور الموظفين والمساعدين والتقنيين... قاموس كامل من المعانات )..إن هذا الإحساس بدورهم في العمل يؤهلهم إلى التموقع في عملية الإنتاج بشكل عام وتبلور دورهم الأساسي في بنية مجنمع عمالي بمختلف وظائفه الإجتماعية، لعل أكثر الأمور استغرابا في كل نضالات العمال هو إضراب عام أدى إلى تغيير طبيب في مصحتهم وهو طبيب أجنبي امتنع عن اعطاء منحة للإستراحة لعامل، بسبب من موالاته لإدارة الشركة (سأحاول في هذ الأمر أن لا أتطرق إلى الصراع الوظيفي للقائمين على الشركة من مهندسين وتقنيين وأركز على أمور تبلور وعيا عماليا فطريا بعيدا عن الشحن الإيديولوجي، إن الأمور مرتبطة جدا ومنها تلك التي تنضج بشكل يجب الحسم فيها من طرف العمال، إن القفاز توفره مثلا بلديات أوربية لعمال النظافة بدون هالة، انطلاق من قناعة هذه البلديات بوجوبها، وفي جبل عوام تطلب توفره إضرابا عاما احتقرته بعض الفيئات المثقفة وأثير حوله الكثير من السخرية)...
لعل من الأشكال الجميلة في المجتمع العمالي أن يولد طفل يستوعب ثقافة العمال، لعل أيضان كانت مهمة التدريس في المدارس العمومية مختلة لنظام تعليمي، إن العامل المنجمي الأمي أصلا كان يحب في ابنه الذي يدرس، أن يفسر له قائمة أجوره التي تمنح له في كل أداء، لقد أدت أمور الأمية إلى ترابط حميمي بين العمال وأبنائهم، لكن مع ذلك كانت هناك مشكلة قائمة: إن واقع السياسة التعليمية كانت على تنافر طبيعي بين ما يدرس وما يستوجبه فهم أب حول أجوره، تفترض الديموقراطية المحلية دروس محلية أيضا، في هذا الصدد، الديموقراطية لا تعني فقط حق التصويت، هذا إشكال لم يستوعب بعد: الديموقراطية هي أن يكون الشأن المحلي سابقا للشأن الوطني، في التعليم لا نعرف عن جبل عوام سوى أنه ملهم تاريخيا، لقد عمل الكثير من الدول التي حكمت المغرب على أن تلهمنا على دوره في الصراع السياسي بين الممالك نتج عنه إحراق مدينة عوام بكل معالمها التاريخية، أحرق العمال بشكل تراجيدي أيام ما يسمونه بالسلطان الأكحل المريني، ومنذ ذلك الوقت، اعتبر جبل عوام منسيا تاريخيا برغم أن أركيولوجيته تبقى حية، لم تقم فرنسا الإستعمارية غير وضع لمسات فوق بصمات التاريخ، ليست فرنسا من اكتشف المنجم، بل اكتشفه المغاربة عامة..اكتشفه الأمازيغ بالتحديد، حتى اسم المدينة المنهارة، المحروقة، لازال يحتفظ برمزيته الأنتروبولوجية: "إغرم أوسار"، ويعني القصر الهرم بالأمازيغية (أو القصر الكبير بتعريفات أخرى تناسب التاريخ المضلل)..مع أن المنطقة حافلة بمواقعها الأركيولوجية المفعمة، سنترك الامر، لن نتكلم عن تيحونا بواد أنجدام، ولن أتكلم عن التلوث الإشعاعي بالمنطقة الذي عبر عن مسه في الذاكرة الشعبية بمس الجن الأحمر تناسبا مع السلطان الأحمر المريني او الجن الأكحل تناسبا مع السلطان الأكحل المريني أيضا لا علاقة للأمر بديكتاتورية الطبقة العاملة مع أن التاريخ ملهم كثيرا.. في نضالات جبل عوام، يكتس هم عدالة قضيتهم كل شيء، فهم من جهة ليسوا اعداء أحد، هم فقط أعداء الباترونا التي تستغلهم، ليسوا مع تنصيب الملك أو تنصيب الرئيسيتبع في الدولة، همهم الأساسي كان هو تنصيب حقوقهم. والدي حتى الآن لا يعرف من هو ماركس، الذي يعرفه والدي وهو واحد من المشاركين في كل إضرابات المنجم وبصمت عميق، لم يعلن يوما أنه شيوعي؟ وهذا يكفي على أنه ليس شيوعي، بالمقابل ووجه اشتراكه في الإضرابات على أنه شيوعي، في الستينات كان يؤخذ العمال في أكياس إلى مركز أزرو على أنهم شيوعيون موالون للإتحاد السوفياتي والحقيقة أن لا أحد من هؤلاء كان يعرف لا ستالين ولا لينين ولا ماركس حتى . كانت دوافعهم هي تحسين أجورهم على أقل تقدير، كانوا عمال بسطاء استوعبوا آلية الإستغلال وناضلوا لتحسين ظروفهم.. في هذه الظروف من كان يعرف السرفاتي؟ والسؤال ليس بريئا، إنما أحضر بعض ما يسطر في تاريخ المغرب، حركة إلى الأمام، على الأقل لم تكن مستوعبة لدى العمال كحركة ماركسية تحررية على الرغم من انها ساندت نضال العمال، يمكنني استخلاص الأمر بيقين تام، كانت الحركات التحررية في المغرب سجينة سريتها: البيانات تمنح سريا، الوثائق وكل ما يحث إشعاعها، في جبل عوام كانت تصلنا جرائد التقدم والإشتراكية مجانا كإرث للحزب الشيوعي الفرنسي، مع ذلك ، وشخصيا كنت أعلم أن وثائق إلى الأمام محصورة لدى رفاق معينين، كانت غاية في السرية، وكانت في أحسن الاحوال لأبناء عمال من الجامعة التحقوا للعمل في المنجم ، كانت وثائق طلابية بالأساس ، كان اسم السرفاتي في جبل عوام يحيل في المخيال الجمعي إلى شخص خطير، معارض للنظام الذي كان محمودا في المخيال، بدليل أن كل الإضرابات العامة للعمال كانت تقام فيها رموز عامة: إضراب عام تتصدره لافتات تنصر الملك إضافة إلى صور الملك على صدر الخيمة التي تنصب رمزا للإضراب، ومعنى ذلك ببساطة، عند العمال، هو أنهم يعبرون على أن إضرابهم ليس ضد النظام بقدر ما هو ضد الباطرونا، والحقيقة أن السلطة دوما كانت تقف مع الباطرونا ، وكانت دوما تتهم القيادة النقابية بأن إضرابها إضراب سياسي، كان المشكل، وهذه تربية "الإتحاد المغربي للشغل"هو أن لا يكون إضراب العمال إضرابا سياسيا، أن يكون عمليا فقط (أقصد من العمل)، كانت الأمية مبررة كثيرا في طمس حقيقة الإضراب، صحيح أن كل عمل نضالي هو بالضرورة عمل سياسي، إلا أن النقابة تحث كثيرا في أن لا يفهم الأمر كذلك، حتى في الحوار الإجتماعي بعد إضراب عام نصل فيه أن يكون الحوار مباشرة مع الحكومة، أو أعضاء منها، كان يواجه العمال بمصير مكفهر، يحث على أن يحضر الحوار قامات معينة تفهم في السياسة، وكان هذا الفهم مختلا حتى، كان يقال لنا بأن الحوار مع أعضاء الحكومة، يجب أن يتم من خلال شخصيات (نخبة) تفهم الخطاب السياسي من طرف الحكومة لكي تعمل هذه النخبة على اسقاطه من خلال استعابها له: "العامل قد ينجر، وقد ينطق بأمر لا تحمد عقباه"، حتى النقابة البديل التي اعتبرت نفسها ليست خبزية، كان لها في المنجم نفس التقسيم، في سنة 94 من القرن الماضي، دعت نقابة بلجيكية، دعما لها لإضراب العمال بمناجم جبل عوام، وللتعريف بقضيتهم ببلجيكا، دعت لإرسال عمال للإدلاء بشهادات حول معاناتهم، دعت عمال وليس قادة نقابيين، وانا الآن أعيش في أوربا وأعرف جيدا كنه هذه الدعوة التي تعني ببساطة، شهادة عمال ضحايا التعسف، عمال يتكلمون عن معاناتهم بدون خلفيات أيديولوجية، كانت النقابة التي طرحت بديلا كنقابة ك.د.ش، النقابة الغير خبزية كما تنعت، كان قادة هذه النقابة ضد إرسال العمال إلى بلجيكا على اعتبار أنهم غير مسيسون، في المنجم يمكن فهم الأمر بشكل إجابي جدا، القادة لا يريدون أن يتورط عامل في وحل سياسي وكان الأمر متفهما من الكل، والحقيقة أن الأمر كان خطأ ذريعا.. إن شهادة عمال بسطاء أحسن بكثير من شهادة القادة النقابيين من حيث كل نقابي يحتمل فيه أن يكون مشحنا إيديولوجيا إضافة إلى أنه أيضا سيعمل على خلق تحسيس بالأمر والشعوب الأوربية تفهم هذا جيدا، تفهم حنكة النقابي أو السياسي، لكن هي لا تحتاج إلى هذه الحنكة، بل إلى شهادة ضحايا، إن النقابي ملم ومستوعب للأمر، بينما العامل مستوعب فقط لمعاناته. الأول له خلفية سياسية والثاني يتكلم ببراءة، وهذا ما كان قادة النقابة البلجيكية يريدون، يريدون تحسيس الرأي العام البلجيكي من خلال شهادات عمال حقيقيين يعيشون تلك المعانات، والذي فهمه القادة النقابيين كان بخلفية حساسيتهم نحو النظام: كانوا يخافون أن يدلي العامل البسيط بشيء يسيء إلى النظام السياسي في المغرب وهذا ما يقصدون به أن العامل البسيط ليس له وعي سياسي، بمعنى ليست له ضوابط كضوابط النقابي نحو اللعبة السياسية. على أن ما يجرني إلى الحديث في الأمر ليس هذا بالتحديد، بدأت مقالي هذا بعنوان حول ديكتاتورية الطبقة العاملة، وانا أضعه، أضع في الإعتبار أني لن أتكلم عن رأي نظري، بل مقارنة بين أمور عشناها في جبل عوام أمور تعاش فيه الآن، لست لأتحدث عن ديكتاتورية بروليتارية في نظام سياسي قام سابقا كنظام الإتحاد السوفياتي، بل عن تجربة تنم عن وعي سوسيولوجي لطبقة عاملة نشأت في ظروف عادية، قادتها تجربتها النضالية أن تصنع نوعا من الرفاه الإجتماعي، أحب أن أضع المفارقة التالية: هل عمال مناجم جبل عوام في الألفية الثالثة أحسن بكثير من عمال مناجم جبل عوام نهاية الألفية الثانية؟؟. للإجابة على هذا السؤال إليكم ماكان يرفضه حتى مثقفي البورجوازية في جبل عوام ، لقد أفرزت جانبا من السخرية حول إضراب العمال على قفاز، ولن أدخل في إضرابات أخرى يمكن اعتبارها نصرا للعامل من حيث تلك المقولة الإسلامية الجميلة، والتي وظفناها بشكل عمالي جيد: انصر أخاك ظالما ومظلوما، انطلاقا مني شخصيا: أنا شهدت شهادة زور في حق مهندس منجمي ضرب في المنجم من طرف عامل: العامل لن أذكر اسمه كان متزوجا وله ستة أطفال، كان يعمل معي وهو المسؤول عن المتفجرات، ولأن المتفجرات تقع بعيدة عن نقطة الورشة التي نعمل بها، ولأنه يمنع قانونيا وضع المتفجرات حيث مكان العمل، كان رفيقي هذا الذي لم يكن معي في علاقة جيدة، يحضرها إلى مكان العمال وضبطه يوما ما مهندس الأمان أو التأمين لا أدري، لن أذكر أيضا اسم المهندس برغم أني كنت أعزه لأنه كان مع علمه الهندسي، كان يتقن العزف على الوطر ملهمي، لم أكن على علاقة جيدة بصديقي العامل لأسباب تقنية، أنا كنت حفار perforatour وهو كان خشاب: boisour ، ولأن كل العمل يقع على عاتقي، كنت حريصا أن تكون وسائل عملي على ما يرام، كنت كل مرة أشعر بأن الحفار ينقصه شيء أذهب لأطلب غيارا بشكل أوحى لبعض رفاقي العمال أني نمام، وكان صديقي الخشاب لا يأتمنني، كان كثير الخصومات معي لأدنى سبب، شخصيا لم أكن أفهم عدوانيته لي إلا حين وقع مشكل خصامه مع المهندس: اتصل بي في الصباح الصديق العامل بالإدارة ع.ن. قال بأنهم يريدونني بخصوص شهادتي فيما وقع أمس مع المهندس الفلاني، أخبرته أنه لم يقع شيء، قال بأن الأمر لا يهمه شخصيا، علي أن أدلي أمام اللجنة التأديبية: حضرت إلى اللجنة، كان المهندس باعتباره مسؤولا حاضرا ولم يعجبني الأمر: بالنسبة لي إما أن يحضر الخصمين او أن لا يحضرا، وهو أمر مخل: أرأيت أمس كيف هاجمني رفيقك في العمل؟ ـ أي رفيق، سألته ـ فلان، أجاب بشكل ملح.. ـ رفيقي لم يهاجمك، تناقشتم على وضع المتفجرات، وليس لديك أي دليل على أنه هو من وضعها، كانت هناك منذ أسبوع، أضف إلى ذلك أننا لسنا وحدنا من يعمل في تلك الورشة.. ــ لم يهاجمني حين نزولي في السلالم؟؟ ـ نعم لم يهاجمك.. ـ أنت كذاب! ـ لا أنت من يكذب!، احتشي، هو رجل ذو عيال وليس أعزب مثلك. هذه كانت شهادتي في حق العامل الذي أخبره ع.ن. أني شهدت في صالحه، كنا حتى لا يكلم بعضنا الآخر.. كن أعرف انهم قد يستغفلونه، لكن السيد ع.ن. أخبره باني لم أشهد ضده. وعلى الرغم من انهم واجهوه بأني اعترفت بما فعل، أنكر هو الأمر. في المنجم، حيث نقتات وجبة الفطور الثانية قبل الدخول إلى ورشة العمل كما أشرت سابقا، التحق بنا رفيقي العامل وعانقني بحرارة، ثم أشار يعتذر عن سلوكه معي ليخبرني بأن بعض العمال هم من حرضوه علي وأشار في الأمر في وجههم.. هذا أيضا جزء من عملية التوحد العمالية، ننصر بعضنا، نتجاوز خرافة القانون والتشريعات، شخصيا، القانون حين لا يخدمني، لا يخدمنا كعمال هو ليس قانون وهذه قاعدة أولى في النصال برغم الشق الآخر الذي لم أناقشه هنا.. العلاقة مع الباطرون . في قرية تيغزة، كان المجتمع العمالي مجتمعا ميثاليا جدا: كل ما حققه العمال من امتيازات اجتماعية أثارت غيرة القطاعات الوظيفية الأخرى، أذكر صديقا كان يحسد بشكل واضح أجور العامل التي تتسواى أو تكبر على أجره وهو أستاذ في التعليم الثانوي، قال لي بالتحديد ونحن في إضراب التسعينات: رفيق! أنا لا أقصدك، لكن في الحقيقة أؤيد ما يقع لكم، عمال أميون يتساوون في الأجور معنا، أجبته: ـ أنت أستاذ فيزياء، صحيح؟ ـ نعم صحيح، اجبني ـ أنت لا تدرس سوى معادلات ونظريات فيزيائية أنتجها آخرون، العامل يخرج يوميا كمية معينة من المعادن، أنت درست كما درست أنا شخصيا بضرائب يدفعها كل المواطنون، شخصيا لا أحتقر مهنة التعليم، لكن على المعلم أن يفهم أن مهنته لها وجود بوجود ضرائب هؤلاء العمال ، أنت تعلم أمورا أنتجت سابقا ولست منتجا.. ــ مهنة التفكير أكثر من مهنة العمل العضلي من حيث الطاقة! ـ صحيح.! لكن أنت لا تنتج عملا جديدا بل تكرر معادلات درستها، أنت لا تضمر طاقة أصلا..! لنعد إلى الجميل الذي حققه العمال والذي كان موضوع حسد لبعض القطاعات، في تيغزة الجميلة جدا كان هناك مستشفى عمالي يدخله كل شعب تيغزة بفضل ليونة العمال: أي شخص لا ينتمي إلى العمال، يستطيع بموجب حصوله على بطاقة العامل أن يقتني دواء وفحص طبي مجانا.. في تيغزة مسبحين صيفيين، ملعب لكرة القدم، ملاعب لكرة التنس، ملاعب للكرة الحديدية، نقل مجاني بالنسبة للطلبة، نقل بأجر رمزي بالنسبة لكل سكان تيغزة إلى السوق الأسبوعي، قاعة سينما، حانة، سوق مغطاة بكل التسهيلات، رحلات لأطفال المدارس ومخيمات، رحلات للعمال أنفسهم، شبيبة عاملة مبدعة، قاعة سينما تصلح أيضا لأنشطة مسرحية، تعويضات اجتماعية للعمال، صابون، حليب، تعويضات عيد الأضحى، تعويضات الكراء، تعويضات عن التدفئة (طون من أعواد التدفئة أو كمية من البنزين بالنسبة لعمال آخرين، نقل طبي، لقضاء حاجات العمال اليومية، حتى الأجور الرمزية التي يدفعها الزبناء في النقل تذهب نحو التبضع، تدخل إلى الصندوق الأسود الذي يعني باحتواء خسائر محتملة: خسائر في الإضراب، تعويض عامل حول إجراء عملية طبية باهظة الثمن، سلفات بدون فائدة، وأشياء كثيرة، رحلات مجانية، مخيمات للأطفال إلخ.. هذه هي ديكتاتورية العمال في مناجم جبل عوام، أثارت غيظ حتى الفئات المثقفة .. ماذا تبقى من هذه المزايا الآن في جبل عوام؟ بقي البؤس وهذا ما يطرب الذين يحجمون على النضال وينتظرون أن ياتيهم الرفاه من الرأسمالية، كان جبل عاوم هكذا في نظام رأسمالي حقق كل مزاياه الإجتماعية في مواقف نضالية يسميها العمال بروتوكول ، عمال مناجم جبل عوام حققوا ما يسمى في القانون: العقدة الجماعية تنفي العقدة الفردية، وحدة العمال كما عرفناها في جبل عوام تعني: إذا اتفقنا على أن جبلا ما غير موجود، برغم وجوده الحقيقي، فهو غير موجود. هذه هي ديكتاتوريتنا، وهي ديكتاتورية لم تسيء لأحد حتى الآن، لم تقتل شخصا ولم تسجن آخر . أعتذر على بعض الأخطاء الإملائية بسبب نقص النظر.
#عذري_مازغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حور عين في الحياة الدنيوية
-
حين يصبح الإعجاز كارثة على أصحابه
-
الحقيقة ليست أكثر من مجرد عملية حفر
-
أفغنة القضاء المغربي
-
دائرة المشردين
-
الإسلام بين الهمجية والتهذيب
-
-بويفيذاحن-
-
وصية شاشا ورمزيتها السياسية
-
المثلية الدينية
-
اليسار وإشكالية الديموقراطية
-
المظلة
-
العلمانية بين النضج المدني وغيابه
-
حول الأزمنة البنيوية عند مهدي عامل
-
خواطر مبعثرة
-
حكامنا خنازير
-
القومية من منظور مختلف
-
خواطر ملبدة
-
نقض لاطروحة الأستاذ عصام الخفاجي في حواره في الحوار المتمدن
-
حرب اللاجئين
-
رد على أبراهامي حول مقاله -لم يفهموا ماركس يوما ما-
المزيد.....
-
25 November, International Day for the Elimination of Violen
...
-
25 تشرين الثاني، اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة
-
استلم 200000 دينار في حسابك الان.. هام للموظفين والمتقاعدين
...
-
هل تم صرف رواتب موظفي العراق؟.. وزارة المالية تُجيب
-
متى صرف رواتب المتقاعدين لشهر ديسمبر 2024 وطريقة الإستعلام ع
...
-
استعد وجهز محفظتك من دلوقتي “كم يوم باقي على صرف رواتب الموظ
...
-
-فولكسفاغن-.. العاملون يتخلون عن جزء من الراتب لتجنب الإغلاق
...
-
إضراب عام في اليونان بسبب الغلاء يوقف حركة الشحن والنقل
-
متى صرف رواتب المتقاعدين لشهر ديسمبر 2024 وطريقة الإستعلام ع
...
-
مفاجأة كبرى.. مقدار زيادة الأجور في المغرب وموعد تطبيقها ومو
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|