|
براءة
زين اليوسف
مُدوِّنة عربية
(Zeina Al-omar)
الحوار المتمدن-العدد: 5286 - 2016 / 9 / 15 - 16:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
و بعيداً عن الضجيج الذي ما زال يثيره تنظيم داعش في أغلب بقاع الأرض شهد هذا الشهر عروضاً مسرحية متميزة قامت بأدائها أمامنا العديد من التيارات الإسلامية التي تعودنا على توحدها سابقاً فوق سريرٍ واحد..تلك التيارات و التي تعودت على ترديد شعار "البنيان المرصوص" المستهلك جداً حين حديثها عن تلاحمها بدأت أخيراً أعراض الرغبة في الانفصال تطفو على سطح غرف نومها و التي كانت مشتركة سابقاً..فبدأت في التهام بعضها البعض بذات العنف الذي يلتهم فيه الذكر الشرقي أي أنثى ترفضه أو ترغب في الانفصال عنه.
و كانت أولى تلك العروض المثيرة للسخرية هو عرض مؤتمر غروزني..ذلك المؤتمر الذي كان الغرض منه التعريف بمعنى عبارة "أهل السنة و الجماعة"..فلقد قام ذلك المؤتمر بنبذ أكبر التيارات الإسلامية تشدداً و ربما تطرفاً في العالم الإسلامي من ذلك التعريف و هي التيار السلفي و الوهابي و جماعة الإخوان المسلمين و التي انتهجت جميعها منذ قساوة أظافرها سياسة الإقصاء الفكري و الاغتيال الجسدي ضد مخالفيها..تلك الأحزاب و من خلال ردة فعلٍ هستيرية أثارت ضحك كما سخرية أغلب ضحايا قمعها و إقصاءها باتت تتحدث حين تلقيها لتلك الصفعة عن سياسة الإقصاء التي مارسها ذلك المؤتمر تجاهها و التي تهدف إلى التسبب في تفريق الأمة!!..تلك التيارات القائمة دوماً -و ربما أبداً- على الإقصاء باتت تتحدث حين تجرعها من ذات الكأس عن بشاعة ممارسته تجاه الآخر المختلف!!.
بل و قام البعض مدافعاً عن تلك التيارات المنبوذة -حالياً- بالتصريح بأن الغرض الحقيقي من مؤتمر غروزني هو تثبيت تهمة الإرهاب على تلك التيارات دون عن غيرها..و كأنها تهمة باطلة و كأننا منذ صغرنا لم تشهد ذاكرتنا بأن أغلب -إن لم يكن جميع- العمليات الإرهابية كانت ذات مرجعيةٍ دينية و فكرية تابعة لتلك التيارات و التي تقف غالباً موقف المتفرج من دون أي إدانة لما يفعله بنا أبناءها البررة!!..و لكن لا بأس..فالصفعة كانت موجعة خاصةً وأنها لم تكن متوقعة من قبل تياراتٍ دينية عديدة تعودت على ممارسة سياسة الصمت فيما مضى تجاه ذلك التطرف الذي تعودنا عليه جداً من قبل تلك الأحزاب المطرودة من جنة أهل السنة و الجماعة..و لعل ما زاد من قسوة تلك الصفعة أنها تمت برعاية و مباركة أكبر مؤسسةٍ دينية في العالم الإسلامي و هي مؤسسة الأزهر الشريف.
أما ثاني تلك العروض فكانت تبرأ حزب التجمع اليمني للإصلاح ذو الأيدلوجية الإسلامية المتطرفة من انتماءه أو حتى ارتباطه عقدياً أو فكرياً بجماعة الإخوان المسلمين..بالرغم من أن ذلك الحزب إمتهن دوماً الإشادة بمؤسس الجماعة الشيخ حسن البنا و بالمرشد العام للجماعة و بالرغم من أنه عندما تم عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي -و المنتمي إلى تلك الجماعة- من منصبه قام حزب الإصلاح بتنظيم العديد من المظاهرات المنددة لهذا العزل أمام السفارة المصرية في العاصمة صنعاء..بل و قام أيضاً -مُغرداً خارج سرب الموقف الرسمي اليمني حينها بعدم التدخل في الشأن الداخلي المصري- بتكفير كل من ساهم في عزله و ببث العديد من البرامج على قناته الإعلامية الرسمية حاثاً المصريين على الثورة على الانقلاب على الشريعة الإسلامية و المتمثلة -حسب وجهة نظر الحزب- في شخص محمد مرسي.
و لكن و بمجرد انتهاء مؤتمر غروزني سارع ذلك الحزب مهرولاً لإعلان براءته من الإله الذي انقلب فجأة إلى شيطان يريد له و لأتباعه الغواية عن الصراط المستقيم..و بالنسبة إلى أتباعه الذين قد -و أقول قد- يتساءل بعضهم عن سبب هذا التغير الجذري في الموقف الرسمي للحزب تجاه الأب الروحي له سيتم تبرير الأمر لهم بآيةِ:"إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ"..في خطوةٍ لن تكون بالجديدة على نهج الأحزاب الإسلامية التي تمتهن دوماً التهام الآخرين بل و التهام بعضها البعض إن لزم الأمر للنجاة بنفسها من التهلكة.
و لكن قد يتأمل البعض بأن تلك العروض المسرحية ستنتج لنا بعد انتهائها تياراتٍ إسلامية معتدلة تعترف أخيراً بأبجديات تقبل الاختلاف عنهم و تتعايش سلمياً مع جميع التيارات الفكرية كما الدينية و المذهبية الأخرى المختلفة عنها..فالإسلام المتطرف بات يلقى رفضاً شديداً من قبل الكثيرين و خاصة من قبل من ما زال يحتفظ بفطرته السليمة التي لم تتشوه بعد بعفن التطرف الديني و أفكاره..و في ذات الوقت بات يلقى أيضاً رفضاً شديداً من قبل جميع دول العالم المتحضرة إنسانياً و فكرياً بعد أن وجدت أنه أصبح يقاتلها حتى على أراضيها..و لعل لهذا و لتجنب النبذ و المحاربة و التضييق عليها من قبل الجميع قررت تلك التيارات الدينية نبذ العنف ظاهرياً و التبرؤ من أكبر التيارات الممولة لها مادياً كما عقائدياً..و لكن هل سينتج عن عروض البراءة تلك أي اختلافٍ جذري في الممارسات الفكرية الدينية للتيارات الدينية الإسلامية؟؟..للأسف لا أشعر بقرب حدوث ذلك الأمر طالما أنهم يريدون كل دولهم أن تكون "إسلامية".
#زين_اليوسف (هاشتاغ)
Zeina_Al-omar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خلافة
-
فلنجلد زين كثيراً!!
-
مثلي مثلك
-
طابورٌ خامس
-
24 ساعة
-
تحالف
-
إلهٌ تهاوَى
-
بضع ساعات
-
أوهام
-
عن أركانٍ خمسة!!
-
مكعبات
-
الطوق و الأسورة
-
من دون أي شغف
-
نبضةٌ إضافية
-
أريد
-
حرب
-
مغناطيس
-
قصة مذهبين
-
أفكارٌ هشة
-
ختان..اغتصاب و تحرش
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
-
ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|