مصادر الشرعية الجزء الثاني .

سعد سوسه

الحوار المتمدن-العدد: 5285 - 2016 / 9 / 14 - 09:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

لقد بقيت مصادر الشرعية تتحكم بها الفئة القابضة على السلطة فهي تنشئ وتضيف وفق مقتضيات الواقع وكان هذا من اسباب عدم الاستقرار السياسي الذي تعاني منة الانظمة العربية حتى الانظمة السياسية العربية المعاصرة تعيش حالة من اللاستقرار السياسي والاجتماعي منذ الاستقلال وحتى الوقت الراهن .
لقد استندت شرعية الانظمة الملكية الى قاعدة الولاء الديني – والقبلي والى ايديولوجية رساليه ذات طابع اصولي شديد المحافظة او الى البعدين معا 0 فالسلطة الملكية الاردنية تستمد شرعيتها من انتسابها الى الرسول الكريم (ص) كذلك اعتمادها على العشائر كقاعدة مستقرة للدولة والنظام , كذلك النظام الملكي المغربي .
اما النظام السعودي فقد استمد شرعيتة التقليدية من المذاهب الدينية ، كما ان جميع بلدان الخليج العربي والجزيرة العربية تتسم عموما بتعلقها بالقيم الدينية والحضارة الاسلامية0 والاسرية 0 فالاسلام والقبيلة هما حجر الزاوية في بناء المجتمع والهيكل السياسي للنظام وهما في ان واحد الاساس الاصلي للنظام والدستور والنظام التشريعي بصورة عامة 0
وقد حاولت بعض الدول الى تدعيم شرعيتها بمصادر اضافية من خلال تبني نضاما ليبراليا مثل الكويت , الاردن والمغرب والبحرين وقد ساعدها في ذلك التطورالحاصل في بنيتها الاجتماعية والاقتصادية وتكوينات مجتمعاتها الاثنية .
وبعضها الاخر استطاع ان يوفق بين الدين وعناصر التحديث الحضاري مثل السعودية 0 كذلك تطور العلاقة بين الملك والدولة والمجتمع على اساس الوظيفة والخدمة وتاتي عملية تحقيق الليبرالية السياسية وان كانت شكلية لاتمس جوهر النظام القائم من خلال اجراء الانتخابات البرلمانية التي جرت في الاعوام 1984, 1989,1990 لتضيف مصدرا جديد لشرعية النظام الاردني .
اما النظام المغربي يستند في شرعية التقليدية الدينية الاسرية الى تصور واضح لتراتيب المؤسسية وبهذا فهو لايترك سوى هامش للاحزاب السياسية والبرلمان قنوات لتمرير الارادة الملكية ولايمكنها ان تصبح قرارا او مبادرات معارضة للسياسة المركزية 0
وبعد واقعة 1979 بمكة المكرمة في اعادة النضر في التنظيم السياسي للبلاد والبحث عن مصادرجديدة لتعزيز شرعية سلطتها وقد تمثل هذا التفكير الجديد في المبادرة التي قام بها الملك فهد عام 1980 بتكليف لجنة عليا لوضع مشروع دستور للبلاد .
يمثل الدين كمصدر تقليدي لجميع الانظمة الملكية القائمة فهو جزء من شرعيتها لكن يختلف في مدى استعمال هذة الايديولوجية فهو يكاد يكون ضعيف في الكويت والامارات وهو مرن ونسبي كما في الاردن والمغرب بينما يكون قويا في سلطة الاسرة السعودية .
زد على ماتقدم هنالك مصدر جديد للشرعية هو الفاعلية (الامر حكرا على العرب) والفاعلية تعد اليوم من المصادر المهمة والمعول عليها من قبل الانظمة السياسية العربيةعموما وعلى مستوى الانطمة الملكية اخذت الفاعلية اشكالا عدة لاهمييتها.
1-الاقتراب من دولة الرفاة , واستخدام برامج الخدمات الرفاة الاجتماعي بما يحسن من صور الانظمة لدى مجتمعاتها وخاصة دول النفط والخليج العربي .
2- توسيع مجالات وفرص العمل والكسب والحراك الاجتماعي لاعداد كبيرة من الشرائح الاجتماعية 0
3-ارساء قواعد وتقاليد ورموز تكرس الموؤسسة الملكية مثل اختيار ولى العهد وانتقال السلطة وتحديد الاختصاصات بين افراد الاسرة الماكة وقد اضافة هذة الامور الى منصب الملك او الامير اوالسلطان قوة رهيبة لم تكن متوفرة من قبل.
4-انشاء اجهزة امنية وعسكرية حديثة لتعزيز هيبة الدولة وامتداد سيطرتها على بقية اطراف الدولة والمجتمع.
ان اهمية الفاعلية كمصدر حديث في اضفاء الشرعية على الانظمة الملكية وخاصة في دول الخليج العربي والجزيرة العربية لايعني انها اطمانت الى كسب الرضا وموافقة المجتمع فالشعور بعدم الرضا يتزايد باستمرار خاصة الجيل الجديد من الشباب الذي لايزال قسم منة يلتزم بالتقاليد الاسلامية السلفية والبعض الاخر يطمح في توزيع عادل للثروة والعدالة الاجتماعية والاغلبية تتسائل عن شرعية الانظمة .
لكن المشكلة قد تكون في دولة الملك للاسرة الملكية العربية في اعتاب مرحلتها الاخيرة وان يكن حالها يختلف في الحجم وليس النوعية .
اما في مابخص الانظمة الجمهورية فقد قامت واستندت في حكمها على قاعدة ان الشعب هو المصدر الاساسي لشرعية ممارسة السلطة وهو مانصت علية المواثيق والدساتير التي جاءت بها ثورتها حيث وصفت هذة الثورات بانها جماهيرية .
كانت الايديولوجية الثورية اساسا قويا في اظفاء الشرعية على الانظمة التى تبنتها منذ الخمسينات والستينات وحملت مضامين مختلفة كما كانت الايديولوجية القومية العربية ايديولوجيا عامة لكل العرب ولكن اختلفت وتفاوتت في استعمال مضمون هذة الايديولوجيا, اذ وصلت للدرجة القصوى في بعض الانظمة العربية مثل العراق وسوريا وفي مصر تصاعدت الفكرة القومية لتصبح –دين الدولة- السياسي الفعلي خلال ازمة السويس1956 وابان مرحلة الوحدة المصرية السورية 1958 –1961 وبعدها تراجعت هذه الايديولوجية في فترة الستينات والسبعينات لقد ادت الايدولوجية القومية ادوارا مختلفة ومتناقضة في كل من تونس والمغرب والجزائر .
فالانظمة القومية حددت اعداء الامة بالاستعمار والصهيونية كما ساعد ذلك القدر الملموس الذي حققتة على مستوى التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية , والتغيرات في الهياكل الطبقية والمؤسسية مع تصعيد امال وطموح مجتمعاتها .
وامام هذة الايديولوجية القومية والاشتراكية والثورية كان على الجماهير ان تنسى حقها في المشاركة المقننة بالصيغة الليبرالية لكون هذة الصيغة تسمح للقوى السياسية التقليدية بالعودة للاستيلاء على السلطة ثانية وهذا يعني انكار مبدا التعددية الحزبية السياسية والاجتماعية كما اصرت الانظمة الثورية من خلال ايديولوجيتها على صفة سياسية واحدة وعلى صيغ انصهارية لكل التكوينات الاجتماعية الاثينية في قالب وطني واحد .
لكن مااستطاعت هذة الانظمة ان تفعلة في السياسة كان متعذرا عليها في الاجتماع لذلك كلفتها هذة الصيغة قدرا هائلا من الصعاب والمشاكل حيث تحولت هذة الايديولوجية الى دين دولة أي الى مجموعة من الافكار المفروضة على المجتمع فرضا والخارج عنها يصبح خارجاعلى دين الدولة 0 وهو حال الايديولوجية الدينية ازاء المواطن العلماني. والايديولوجية القومية ازاء المواطن الذي يصر على وطنية حقيقية اذ يجب على المحكومين ان يكونوا على دين الحاكم وايديولوجيتة .
واذا كانت الايديولوجية القومية ارتبطت بفكرة العروبة عموما في الوطن العربي فقد اصبحت ايديولوجية الدولة الوطنية في الوقت الحاضر في بعض الانظمة الجمهوريية اكثر ملائمة للسلطات القائمة وان وصفت بالانعزالية اوالاقليمية او القطرية 0
لقد مثلت ايديولوجية الدولة القطرية مصدرا مهما من مصادر الشرعية في فترات الصراع الوطني مع الاستعمار0 ومن الجدير بالذكر ان هذة الايديولوجية القطرية قد تكون متخفية وراء شعارات وقومية او دينية وخير من جسدت هذة الظاهرة هي (البورقيبية) في تونس حيث ارتبطت الايديولوجية الوطنية –القطرية – بشكل وثيق بشخصنة السلطة .
مع ان تشخصن السلطة يمارس على نطاق واسع في اغلب الانظمة العربية0فان ايديولجيا الدولة الوطنية التونسية هي التي قدمت لنا المثال الواضح لهذا المصدر من مصادر الشرعية العربية المعاصرة .
قد تكون الانظمة السياسية الجمهورية حاليا تتميز بازمة الايديولوجية 0 ان السلطة في بعد هذة الانظمة كالجزائر لاتستطيع الى مالانهاية اسناد شرعيتها الى انها منبثقة من الثورة ولاتستطيع كذلك النظام المصري الادعاء الدائم بانة منبثق من ثورة 1952 وكثير من مخرجياتة السياسية ولايمكن عدها امتدادا طبيعيا لسنوات الثورة الاولى كما انة من الصعب على الموارنة في لبنان ارساء شرعية النظام الذين يهيمنون علية الى مالانهاية على دورهم التاريخي في قيام الكيان المعاصر .
ان جمال عبد الناصر والنظام السياسي الذي اقامة خارج نطاق تشكيلات الشعب المصري حيث عزز من شرعيتة كبطل قومي بمصدر مظاف من خلال تاميم شركة قناة السويس 1956 0
كذلك السادات بعد النجاح العسكري الذي حققة في عملية العبور العسكرية الناجحة لقناة السويس فقد وفرت الحرب للسادات دورة العظيم واصبح عبور القناة هي التفويض لاقامة مصركما يريدها واصبحت كلمة العبور رمزا الشرعية جديدة .
ربما تعد فاعلية الانجاز مصدر جديد ومعقول لشرعية الانظمة السياسية العربية 0 وبما قدمة النظام السياسي من انجازات في صالح المجتمع وتطورة لكن حينما تكون المنجزات متواضعة فالانظمة تحاول تضخيمها اعلاميا بما يفيدا النظام ويجعل منها مصدر للشرعية وحينما لاتكون هنالك منجزات قابة للتضخيم الاعلامي فات هذة الانظمة تلجأ الى الايحاء بانها على وشك التحقيق وحينما تمر فترة طويلة من دون تحقيقها فان ذلك يكون دائما بسبب المؤمرات الخارجية او بسبب تقاعس او تخريب من قبل قوى داخلية حاقدة ومعادية للشعب .

#سعد_سوسه (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات