|
البديل السياسى والرقص مع الذئاب
محمد السعدنى
الحوار المتمدن-العدد: 5282 - 2016 / 9 / 11 - 21:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هى دعوة لالتقاط الأنفاس ومحاولة للتبصر فى ماوراء ماتكابده بلادنا من وقائع وتحديات وأحداث ربما تأخذ بتجربتنا الوطنية إلى منحى مفارق لطموحات الأمة، وربما تبدو للوهلة الأولى معضلات تستعصى على الحل، لكنها عند المعالجة العلمية تبدو فى حقائقها مبشرة بآفاق لابديل لنا من الإمساك فيها بتلابيب اللحظة والبناء على معطياتها. كلام كبير. لابأس، دعنا نحاول تفكيكه ثم إعادة تركيب الصورة بعد التخلص من الرتوش والإضافات حتى تتضح الرؤية. فى المشهد رفاق مسيرة عسيرة وصورة حشد ومواكب فى عيون صبية بهية عليها الكلمة والمعنى، هذا كلام الشعراء ونزق الثوار أما كلام التحليل السياسى والمفكرين وأصحاب العقول الباردة فى قدرتها على أن تلمس قلب الأشياء فهو شئ آخر. هناك غضب الشارع ومعاناة الجماهير وإحباطها، وهناك أزمة السلطة فى طموحها وتقاعد الحكومة عن الوفاء بمسئولياتها، وهناك مفارقة القوى السياسية والأحزاب والمجتمع المدنى لقواعد السياسة وموجباتها، وهناك اغتراب القادرين والأكفاء عن المشهد العام وتفاعلات الأحداث وتقلباتها، وهناك تحديات الإقتصاد والإرهاب وتهديدات قوى الهيمنة العالمية وتدخلاتها. وهناك فى صدر الصورة مؤسسات استمرأت الوجود على الهامش وتحللت من المسئوليات وتبعاتها، وهناك أجهزة ومؤسسات أخرى لم تصلها متغيرات الفكر فى بلادنا ومن حولنا ومستحدثاتها وتحولاتها. وهناك ظاهرتان مستجدتان تنامت بحكم الفراغ السياسى أعمالها، ولعلنا كتبنا عنهما فى مقال سابق، وهما تنامى وجود مجتمع سياسى إفتراضى بديل يسكن فضائنا الإلكترونى ولا نستطيع علمياً تحديد هويته وردود أفعاله وتوجهاتها، ثم تنامى ظهور المؤسسة العسكرية فى المشهد العام وفاء بمتطلبات المرحلة وبحكم الضرورة وتحدياتها. فى المشهد أيضاً عناصر إيجاب لايمكن إنكارها، ولعل دعوة مصر ضيفاً على مجموعة العشرين فى الصين واهتمام القوى البازغة عالمياً كالصين والهند وروسيا، وكذا القوى الأوروبية التقليدية كألمانيا وفرنسا بمصر والحفاوة وحسن الإستقبال لرئيسها، لدليل على سياسة خارجية تحاول بكل جدية وإصرار أن تضع مصر فى قلب تفاعلات عالم يشكل نظامه الجديد ويعيد رسم خرائط القوى الدولية والإقليمية الفاعلة فيه. وربما هذا الملف يقابله حظ أوفر من الشأن الداخلى لرعاية الرئاسة المباشرة له والتعهد به. من أيجابيات المشهد أيضاً أن مصر بعد ثورتين غير مصر قبلها، والقياس نسبى، فقد استقرت فى بلادنا قواعد يصعب التنصل منها، مثل انتهاء التزوير الفج فى الإنتخابات العامة، ومجلس نواب رغم حداثة عهد الكثيرين من نوابه بالعمل العام يستطيع أن يمارس الرقابة ومكافحة الفساد وأن يقول لا فيجبر الحكومة على إقالة وزير وراءه قوى ضغط وكفلاء أقوياء ويحيل ملفه للنيابة العامة، وجيش يتم تسليحه وتحديثة ورفع مستويات إعداده وتأهيله، بل ويتحمل تبعات الفشل الحكومى ويتدخل لإنقاذ أعمال الدولة ويساعد فى التنمية الشاملة باحتراف رغم كل المشكلات التى تصدرها له الحكومة ووزراؤها، ورغم مايقوم به من عمل شاق فى تفريغ سيناء من الإرهاب المدعوم داخلياً وإقليمياً ودولياً، وهو الأمر الذى استعصى على دول كبرى فى محيطنا الدولى. ورغم مايمكن أن يقال بشأن الأمن العام إلا أننا أمام دولة لاتزال ثابة رغم أزمتنا الإقتصادية بسبب حكومة تفتقد القدرة على الفعل والمبادرة. سبب رئيسى للتناقض بين السلطة والمحيط العام هى أن السلطة فى بلادنا سلطة تقليدية محافظة، ربما أكثر من اللازم، لكن ذلك طبيعة أى سلطة فى مثل ظروف عالم يتحرك بسرعة، عالم قادر على المفاجآت والدهشة، وفى ظل قوى سياسية ونخب تبدو مغيبة مستقيلة عن أداء دورها والاشتباك فى حوار مع الدولة وممارسة الضغوط لفرض سياسات بديلة تقنع بها الناس وتجذب لها نواب البرلمان وتخلق للدفاع عنها قواعد جماهيرية ومجموعات ضغط للدعوة والفكر، لكن من أسف فقوانا غير الفاعلة لاتزال محافظة أيضاً وتقليدية، ومن الصعب أن يكون التقليدى بديل مقبول لتقليدى آخر يمتلك قواعد السلطة، وربما لو تحركت الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدنى من نقابات عمالية ومهنية واتحادات طلابية واتحادات نوعية وجمعيات أهلية وتنظيمات تعاونية، وتبنت سياسات بديلة مقنعة للناس والدولة لتغير الأمر، لكن من سوء الطالع أن قوانا السياسية معطلة ومفلسة تلوم السلطة على غلق المجال العام وهى نفسها منغلقة على نفسها، وعندما طرح بعض النشطاء ماسموه البديل الوطنى المدنى، تخندقوا من البداية للدفاع عن الفكرة بأكثر مما شرحوها واستغرقهم كلاب الحراسة الجدد المتخندقين حول مصالح الرأسمالية المتوحشة وأذنابها، وتناوشتهم الدببة الثقيلة فى الإعلام بكل ضيق أفقهم واستنفدت طاقتهم فخرجوا كما دخلوا خالين الوفاض. ولعل البداية لم تكن جيدة ممن تخيروا عنواناً يشى بإيحاءات لها صدى عند ذئاب المجتمع الإفتراضى على شبكات التواصل ممن يترصدون الدولة ويسيئون لقواتنا المسلحة الوطنية، فاختيار البديل الوطنى يعنى بالمقابلة التشكيك فى وطنية السلطة القائمة، والمدنى ترمى لمفاهيم يتداولها ثعالب الفيس – كما يسميهم حمدى رزق فى مقالاته البليغة – عن عسكرة الدولة. ثم المفاهيم والعناوين العامة التى صاغها أخونا د.عمار على حسن وزملاؤه كانت عريضة وعامة وفضفاضة ولاتحمل رؤى تفصيلية أو مخططات وآليات تنفيذية، ولعله اجتهاد محمود كان لابد من خدمته فكرياً وسياسياً أكثر مما حدث ولعل عمار قادر وزملاؤه على ذلك وماكان ينبغى للبعض أن يدفعوه بالتسرع والسخرية ليكتب مقاله الشهير "مهلاً أيها الشتامون". عناصر الإيجاب فى الصورة أيضاً رغم عسرات هنا واخفاقات هناك هو اعتراف القيادة بأننا فى حاجة لشبكة حماية اجتماعية تمثل واجب الوقت لحماية الناس من غلاء الأسعار والخدمات، ولعلنا نطمح إلى سياسات اقتصادية أكثر جدية تدفع بالإنتاج وتشغيل المصانع المتوقفة وانجاح مشرع الصناعات الصغيرة والمتوسطة الذى رصد له مائتى مليار جنيه، وكذا إعادة صياغة مفاهيم وفلسفة التعليم ولايترك فى أيدى غير الأكفاء ولا المؤهلين. ولعلى أحيلك لمقالى الأسبق فى الأخبار " هندسة الدولة أو الكارثة ياسيادة الرئيس" لتراجع ملامح تخطيط عام يصلح ان يشكل رؤية استراتيجية يمكننا وضع ملامحها ومحدداتها موضع التنفيذ. التناقض بين السلطة والقوى الوطنية وارد ويمكن تفهم أبعاده فى إطار ظروفنا الطارئة فى مرحلة تحول تحمل همومها وسلبياتها طبائع الأمور بعد ثورتين، وعلينا جميعاً التذرع بالحكمة والموضوعية ونحن على ثقة أننا لابد أمام مرحلة تغيير ينبغى أن تكون واسعة، ولعلها تكون مبادرة قائد فى مشروع تعبوى وتفتيش حرب يحال فيه كل الفشلة إلى الاستيداع ومحاسبة من رشحهم واختارهم، وأن توكل الأمور للمحترفين والأكفاء والموهوبين حتى لو شكلوا عبئاً ومناهدة على الأجهزة التى ثبت عدم قدرتها على الإختيار السليم. ولعلك تلاحظ أننى لم أناقش مبادرات وبدائل المدعين من قوات المارينز المحمولة علينا جواً من "ناسا" ومن التنظيم الدولى للإخوان ومن ثعالب دغل الانترنت العقورة فجميعهم دأب على الرقص مع الذئاب. مصر فى خير ولازال يحدونا الأمل على حل تناقضاتنا على أرضية وطنية، إذ ليس هناك بديل آمن غير ذلك.
#محمد_السعدنى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار الغضب والأمل مع شباب 25/30
-
الإيكونوميست وأخواتها: تاريخ من الترصد والمغالطة
-
اللامنتمى يحلم بالمستحيل: إحالة إلى عصام حجى
-
من شبه الدولة إلى الدولة الراسخة - 2
-
من شبه الدولة إلى الدولة الراسخة
-
سيادة الرئيس: إعادة هندسة الدولة أو الكارثة
-
فى عمق الأزمة: فارق كبير بين التسويق والتسوئ
-
متى تحلق الصقور فى سمائنا ياسيادة الرئيس؟
-
تيران وصنافير: توقيت خاطئ وممارسات مخجلة
-
كلاب الحراسة الجدد
-
بشأن قواعد اللعبة: كلام للرئيس
-
العم سيد حجاب: إلّاك
-
مصر بين مراهقة الداخل وترصد الخارج
-
لاهوت القوة وصناعة الفوضى
-
مصر وإفريقيا: الصورة والإطار
-
مهام الرئيس وتوجهاته لايحددها الفاشيون
-
الشباب والدولة: الفيل والعميان
-
د. حسين مؤنس وإدارة عموم الزير
-
مجلس النواب وبيان الحكومة
-
مصر فى حرب وجود فانتبهوا: كلام للشعب ونوابه
المزيد.....
-
سحب الدخان تغطي الضاحية الجنوبية.. والجيش الإسرائيلي يعلن قص
...
-
السفير يوسف العتيبة: مقتل الحاخام كوغان هجوم على الإمارات
-
النعمة صارت نقمة.. أمطار بعد أشهر من الجفاف تتسبب في انهيارا
...
-
لأول مرة منذ صدور مذكرة الاعتقال.. غالانت يتوجه لواشنطن ويلت
...
-
فيتسو: الغرب يريد إضعاف روسيا وهذا لا يمكن تحقيقه
-
-حزب الله- وتدمير الدبابات الإسرائيلية.. هل يتكرر سيناريو -م
...
-
-الروس يستمرون في الانتصار-.. خبير بريطاني يعلق على الوضع في
...
-
-حزب الله- ينفذ أكبر عدد من العمليات ضد إسرائيل في يوم واحد
...
-
اندلاع حريق بمحرك طائرة ركاب روسية أثناء هبوطها في مطار أنطا
...
-
روسيا للغرب.. ضربة صاروخ -أوريشنيك- ستكون بالغة
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|