|
الديمقراطية والنظام السياسي العربي( الحلقة2)
منذر خدام
الحوار المتمدن-العدد: 5278 - 2016 / 9 / 7 - 03:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
البيئة الاجتماعية للنظام السياسي العربي. تعد المجتمعات العربية مجتمعات شابة إذ أن أكثر من 65% من عدد السكان ينتمون إلى الفئات العمرية الشابة(ما دون العشرين سنة).وتتميز أيضا بمعدلات نمو مرتفعة تزيد عن 3% في أغلب الدول العربية. يتركز القسم الأكبر من السكان في الريف (1)، وتنتشر في صفوفهم الأمية والتقاليد والعديد من الأمراض الاجتماعية الأخرى، ويتميزون بضعف قابليتهم للتنظيم والتفاعل مع معطيات العصر ومنجزاته خصوصا في الحقل الاجتماعي. وحتى ذلك القسم من السكان الذي يسكن المدن لم يبتعد كثيرا عن أصوله وروابطه الريفية، وذلك بسبب المستوى المتدني للتطور الرأسمالي وضعف التشكل الطبقي في المجتمع العربي.بصورة إجمالية يمكن ملاحظة ثلاث طبقات في المجتمع العربي هي التالية : 1-الطبقة البرجوازية بكل شرائحها البيروقراطية والطفيلية والكمبرادورية والتقليدية. 2- البرجوازية الصغيرة . 3-طبقة العمال والفئات الفلاحية الكادحة .(2) من زاوية الموضوع الذي نبحث فيه ،أي قضية الديمقراطية في الوطن العربي من الأهمية بمكان عدم الاكتفاء بالتوقف عند الحدود الخارجية للتشكيلات الطبقية القائمة بل الدخول إلى بنيتها وتفحصها ،عندئذ ولا شك سوف تبدو متمايزة كثيرا وخصوصا من ناحية الدور الذي تلعبه أو يمكن أن تلعبه في الحياة الاجتماعية والسياسية . لقد ذكرنا أن الطبقة البرجوازية تتكون من أربع فئات هي البرجوازية التقليدية، والبرجوازية البيروقراطية، والبرجوازية الطفيلية، والبرجوازية الكمبرادورية، لكل منها سماتها المتميزة ودورها الاجتماعي والسياسي الخاص. لقد بدأت البرجوازية التقليدية سيرورة تشكلها خلال مرحلة الاستعمار نتيجة للتحولات التي أجراها المستعمر في بنية الاقتصاد خدمة لمصالحه فجرى التحول من الاقتصاد الزراعي التقليدي إلى الإنتاج الزراعي والصناعي المنفتح على السوق وبشكل خاص على الخارج.ومن البداية جاء تكوينها هجينا من عناصر إقطاعية ومن زعماء العشائر والقبائل إلى جانب كبار التجار والمرابين. وبسبب افتقارها إلى التصيّر الطبيعي المكتمل فإن البرجوازية التقليدية باعتبارها الممثل الاجتماعي للأشكال الطبيعية لدوران راس المال المحلي، ورغم مضي نحو نصف قرن على الاستقلال الوطني لا تزال تحمل سمات النشأة الأولى مع كل التغيرات التي طرأت على العالم . ففي مجال استقصاء الربح تبرز بوضوح العناصر الرأسمالية ، أما في المجالات الاجتماعية والسياسية فتبدو واضحة السمات الإقطاعية المتخلفة . الفئة البرجوازية الأخرى التي لعبت دورا خطيراً في جميع الدول العربية وبشكل خاص في الدول التي حكمتها الفئات الثورية الجديدة، هي البرجوازية البيروقراطية.ومع أن المصطلح لا يزال إشكاليا إلا انه أصبح محدد الدلالة وهو يشير إلى تلك الفئات التي تحتل مواقع معينه في جهاز الدولة أثرت من خلالها.من خصائص هذه البرجوازية أنها لا توجد خارج جهاز الدولة، وما إن تسيطر عليه حتى تقوم بتوسيعه بصورة كبيرة وتزيده فعالية ،وتحول الدولة إلى دولة أمنية ، وهي تتميز بالحد الأقصى من الفساد والتملق السياسي.يقول كارل بروتنتس(( وعندما يتكلمون عن البرجوازية البيروقراطية فإنهم يقصدون عناصر معينة بين جهاز الدولة وفي الدوائر الحكومية العليا، المعزولة عن الشعب، بل والمعادية له والتي تستخدم وضعها من أجل الإثراء الذاتي ومن أجل كل العمليات غير الشريفة … وبسبب وضعها الخاص وأساليب ثرائها ، تتميز البرجوازية البيروقراطية بالحد الأقصى من الفساد والملق السياسي وهي قادرة على أن تحتل أكثر المراكز عداءاً للوطن والشعب ))(3). إن توسيع البرجوازية البيروقراطية لرأسمالية الدولة هو في نفس الوقت تعظيم لدورها في المجتمع.وعند حد معين من التوسع الرأسمالي تتكون ظروف ملائمة لولادة فئة برجوازية جديدة هي البرجوازية الطفيلية الشريك الرئيس للبرجوازية البيروقراطية في اقتسام فائض القيمة المستحوذ عليه من قطاع رأسمالية الدولة ومن الاقتصاد الوطني ككل. تتميز البرجوازية الطفيلية في تعميم النشاطات الاقتصادية غير الإنتاجية وتشجيع ما يسمى بمشاريع الأبهة وتنمية النزعة الاستهلاكية في المجتمع ، وتعميم وضعية اللاقانون والفساد. ونظرا لسرعة جنيها للثروة وتعظيمها فإن قسما هاما من البرجوازية التقليدية ينتقل من وضعية المستثمر والمنتج إلى وضعية الطفيلي. ومع توسع الطلب على القروض من المصادر الخارجية وتوسع دائرة العلاقات الاقتصادية الخارجية تزداد وتتعمق علاقات التبعية. وإذا أخذنا بعي الاعتبار أن السياسات الإنمائية التي تنتهجها البرجوازية البيروقراطية والطفيلية تركز على الاستهلاك وعلى استنزاف الموارد المحلية وخصوصا من المصادر الاستخراجية ،فإن تشويه الهياكل الاقتصادية والوقوع في فخ المديونية الخارجية والداخلية هي النتيجة المنطقية التي لا مفر منها. في هذا السياق يتعاظم شان البرجوازية الكمبرادورية كمتطفل على مسار العلاقات الاقتصادية مع الخارج. لقد ظهرت البرجوازية الكمبرادورية تاريخيا كوسيط لترويج سلع المستعمر والسلع المستوردة بصورة عامة.استخدم مصطلح(( البرجوازية الكمبرادورية )) لأول مرة في الصين من قبل ماو تسي تونغ في الثلاثينات من القرن العشرين للإشارة إلى الممثليات التجارية للمصالح والشركات الأجنبية وتوسع لاحقا استعمال المصطلح ليشمل أيضا جملة النشاطات المتعلقة بالترويج للاستثمارات الأجنبية وما يرتبط بها من صفقات وعقود خارجية وعمولات. ومن الطبيعي أن يكون لهذه البرجوازية تأثير قوي على جهاز الدولة. يقول بولنتزاس (( إن ما تعنيه تقليديا البرجوازية الكمبرادورية جزء من البرجوازية الذي ليس له قاعدة خاصة لمراكمة رأس المال، والذي يتصرف نوعا ما كمجرد وسيط للإمبريالية الأجنبية (لهذا يقرنون بعض الأحيان هذه البرجوازية بالبرجوازية البيروقراطية )وهو بذلك تابع بتمامه لرأس المال الأجنبي من النواحي الثلاث: الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية)).(4). إذاً الحلف الطبقي البرجوازي الحاكم في الدول العربية يتكون من البرجوازية البيروقراطية، والبرجوازية الطفيلية، والبرجوازية الكمبرادورية ،إلى جانب البرجوازية التقليدية ،التي تمثل التعبير الاجتماعي عن الأشكال الطبيعية لدوران رأس المال الخاص المحلي وتضم بشكل رئيسي البرجوازية الإنتاجية والبرجوازية التجارية والبرجوازية الخدماتية. وبطبيعة الحال لا يشكل هذا الحلف الطبقي حالة مستقرة، بل يتعرض إلى انزياحات مستمرة في مواقع الهيمنة فيه بحسب الظروف المستجدة. من حيث المبدأ يجري الصراع بين البرجوازية البيروقراطية بصفتها التعبير الاجتماعي عن رأسمالية الدولة، والبرجوازية التقليدية باعتبارها التعبير الاجتماعي عن رأس المال الخاص. في سياق هذا الصراع تصطف البرجوازية الطفيلية بحزم إلى جانب البرجوازية البيروقراطية نظرا لاشتراكهما في الوضعية الطبقية في حين تتردد البرجوازية الكمبرادورية. إن احتمال تغير موقع الهيمنة الطبقية في داخل الحلف البرجوازي المسيطر بين البرجوازية البيروقراطية والبرجوازية التقليدية لا يتعلق بالمعطيات الداخلية فقط ، بل وبدرجة التبعية للخارج. من حيث المبدأ تقف الإمبريالية إلى جانب الشكل الخاص للرأسمالية في البلدان المتخلفة وما يعبر عنها من برجوازية تقليدية وتعمل في الوقت نفسه على تنمية طابعها الكمبرادوري خصوصا عندما تكون الظروف الداخلية غير مستقرة وتشهد نمو تيارات سياسية واجتماعية غير مرغوبة، وهذا ما يحصل في جميع الدول العربية في الوقت الراهن تحت عنوان الخصخصة والإصلاح الاقتصادي. الطبقة الاجتماعية الأوسع انتشارا في البلدان العربية هي طبقة البرجوازية الصغيرة. لقد توسعت هذه الطبقة كثيراً بسبب الإصلاحات الاقتصادية التي جرت في البلدان العربية خلال العقود الأربعة الماضية، نجم عنها حراك بعض الفئات الاجتماعية صعوداً أو هبوطاً . ففئة ملاك الأراضي التي تأثرت كثيرا بإجراءات الإصلاح الزراعي التي اتخذها وطبقها العديد من الدول العربية هبطت إلى وضعية البرجوازية الصغيرة، في حين ازداد نفوذ العسكر وتحسن واقعهم المادي فانتقلوا إلى وضعية البرجوازية الصغيرة. كثيرا ما يختلط مصطلح "الطبقة الوسطى" مع مصطلح "الطبقة البرجوازية الصغيرة" في ظروف التخلف. لقد ظهرت الطبقة الوسطى تاريخيا في سياق الصراع بين الفلاحين والطبقة الإقطاعية وتصدت لإنجاز الثورة البرجوازية في البلدان الأوربية.في البلدان المتخلفة من الأصح الحديث عن البرجوازية الصغيرة بدلا من الطبقة الوسطى، وذلك بسبب خصوصية البناء الاجتماعي وعدم تمايزه بما يكفي نظرا لضعف النمو الرأسمالي. تضم البرجوازية الصغيرة القسم الأكبر من الطبقة الفلاحية إلى جانب جمهور الحرفيين والمهن الحرة والعديد من الفئات الاجتماعية الأخرى. لقد كانت الطبقة الفلاحية النقيض الفعلي للحلف البرجوازي الإقطاعي الذي سيطر على مقاليد الحكم بعيد الاستقلال، منها انبثقت أغلبية الحركات والأحزاب السياسية خلال مرحلة النضال ضد الاستعمار أو بعده. ومع أنها تشكل جزءا من البرجوازية الصغيرة إلا أنها تتميز بجملة من الخصائص تجعلها طبقة خاصة بذاتها. تعود هذه الخصائص بشكل عام إلى طبيعة الحياة الريفية وشروط العملية الإنتاجية الزراعية. في المجتمع الريفي يمكن التمييز بين الفئات الاجتماعية التالية: أ-الفلاحون الكادحون. تضم هذه الفئة جماهير العمال الزراعيين وأشباه العمال والفلاحين الصغار والفلاحين المتوسطين. السمة الجامعة لهذه الفئة هي انهم جميعا يعملون لتحصيل قوت عيشهم دون أن يستغلوا أحدا، بل على العكس هم ذاتهم موضوع للاستغلال. ب-الفلاحون الأغنياء. تضم هذه الفئة الفلاحين الذين يشتركون مع البرجوازية الريفية في الوضعية الاجتماعية، لكنهم يختلفون عنها في انهم يعملون في الزراعة على وسائل الإنتاج التي يملكونها، ويستأجرون قوة عمل إضافية لإنجاز العمليات الإنتاجية. ت- البرجوازية الريفية وهي تتحدد ليس بحجم ما تملك من وسائل الإنتاج وإنما بحجم استثماراتها وبطريقة استثمارها لها وهي من منابت وأصول اجتماعية مختلفة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1- الأمانة العامة وآخرون " التقرير الاقتصادي الموحد لعام 1995"، (القاهرة،جامعة الدول العربية ،1995 ) 2-عبد الفضيل، محمود " تضاريس الخريطة الطبقية في الوطن العربي نظرة إجمالية- نقدية" المستقبل العربي السنة (9) العدد (95) ،كانون الثاني/يناير 1987،ص 74-79.أنظر أيضا عبد الفضيل،محمود"التشكيلات الاجتماعية والتكوينات الطبقية في الوطن العربي:دراسة تحليلية لأهم التطورات والاتجاهات خلال الفترة( 1945-1985)، ص (112-205). 3-بروتنتس، كارل "الاستعمار الجديد : جوهره وأشكاله"،(موسكو ،دار التقدم،1966 ). ص 52-53. 4-بولنتزاس ، نيكوس (( الطبقات الاجتماعية في النظام الرأسمالي اليوم ))، ترجمة إحسان الحصني ، (وزارة الثقافة، دمشق ، 1983 ) ص 118 .
#منذر_خدام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديمقراطية والنظام السياسي العربي( الحلقة1)
-
الديمقراطية وبيئتها المفهومية(الحلقة 7)
-
الديمقراطية وبيئتها المفهومية(الحلقة 6)
-
الديمقراطية وبيئتها المفهومية(الحلقة 5)
-
الديمقراطية وبيئتها المفهومية(الحلقة 4)
-
الديمقراطية وبيئتها المفهومية(الحلقة 3)
-
سيناريو الحل المقبل
-
الديمقراطية وبيئتها المفهومية(الحلقة 2)
-
الديمقراطية وبيئتها المفهومية(الحلقة 1)
-
ممكنات الديمقراطية في الدول العربية(الحلقة 6)
-
ممكنات الديمقراطية في الدول العربية(الحلقة 5)
-
ممكنات الديمقراطية في الدول العربية(الحلقة 4)
-
ممكنات الديمقراطية في الدول العربية(الحلقة 3)
-
ممكنات الديمقراطية في الدول العربية(الحلقة 2)
-
ممكنات الديمقراطية في الدول العربية(الحلقة1)
-
وهم الهويات الكبرى
-
اشكالية تأصيل الديمقراطية في الفكر الاسلامي( الحلقة5)
-
اشكالية تأصيل الديمقراطية في الفكر الاسلامي( الحلقة4)
-
اشكالية تأصيل الديمقراطية في الفكر الاسلامي( الحلقة3)
-
اشكالية تأصيل الديمقراطية في الفكر الاسلامي( الحلقة2)
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|