أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الشخصية الأفريقية والأدب الأفريقى















المزيد.....

الشخصية الأفريقية والأدب الأفريقى


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5276 - 2016 / 9 / 5 - 15:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الشخصية الأفريقية والأدب الأفريقى
طلعت رضوان
يتميز الإبداع الأفريقى بالتحولات التى طرأتْ على شعوب أفريقيا ، بعد احتلال الاستعمار الأوروبى للقارة السوداء الغنية بمواردها الطبيعية. وتركــّـز الإبداع حول الدفاع عن الخصوصية الثقافية للشعوب الأفريقية، مع أشكال المقاومة ضد الاحتلال الأجنبى. ومن بين النماذج المهمة رواية (سهم الله) للأديب النيجيرى (تشينوا أتشيبى) ترجمة سمير عبد ربه - والصادرة عن المجلس القومى للترجمة- عام 2014.
تدور الرواية حول شخصية (إيزولو) كبير كهنة (أولو) الذى منحه أهالى قبيلته الحب والتقدير، وأشعروه بقوة نفوذه عليهم، بينما هو كان يتشكك ويتساءل ((هل هذا النفوذ حقيقى؟)) وذلك رغم أنّ الأهالى منحوه حق اختيار أيام الأعياد القومية. وكان خصومه ينتقدون أحاديثه حول (تشويه صورة الآلهة) فكان يتحداهم قائلا أنّ من يقول هذا الكلام ((لا يستطيع معرفة الفرق بين وجه الإله ووجه القناع)) وكان على وعى بأنّ الناس هم الذين اخترعوا الآلهة المحلية. وكان (أولو) إلهـًـا فوق كل الآلهة. بل إنه وصف أحد الآلهة بالإله الجبان. وأنّ الإله (شوكو) أوشك على تدمير العالم. بل إنّ الإله (أولو) يـُـدمّر الإنسان. وقال للأهالى إنّ أولو لن يـُـحارب معكم كما تعتقدون. فى إشارة- بلغة الفن- على ضرورة أنْ يعتمدوا على أنفسهم.
ومن إشاراته العديدة الموحية عن اختراع الآلهة، يدخل الأديب إلى باب الأساطير المصبوغة بالخرافة، مثل أنّ مرض الأرواح لا يمكن علاجه إلاّ بالنار. وحيرة الناس عند معرفة الفرق بين الأفعى العادية و(الثعبان المقدس) وأنّ أهالى ست قرى قالوا لجد إيزولو ((سوف تتحمّـل الآلهة من أجلنا)) وأنّ شجرة الأودالا ((مقدسة بالنسة لأرواح الأسلاف)) وإذا زادتْ بذور البطاطا فإنهم يـُـقـدّمون قربانــًـا لأولو عرفانا بالجميل، وإذا كان العدد ناقصًـا يبحثون عن السبب عند العرّافين. ورغم الهوس بالخرافات ، فإنّ ذلك لم يمنع أهالى شعب (أنينتا) من حرق إلههم.
فى ثنايا الرواية تمكــّـن الأديب من تضفير الأساطير بصراع القبائل بالاحتلال الإنجليزى، فعندما حدثتْ معركة بين قبيلتيْن، فإنّ ممثل الاحتلال تمكــّـن من وقف الحرب بينهما، ولكنه- بدهاء المحتل - ((جمع كل الأسلحة وأصدر أمرًا لجنوده بتكسيرها فى وجوههم، ثم فصل فى النزاع وأعطى الأرض للقبيلة التى تستحقها)) وقال ممثل الاحتلال إنّ الحكم غير المباشر يرتكز على الإرادة الوطنية أو القومية بالنسبة لعديد من الأمم الاستعمارية)) وبعد هذا الكلام حاول- بسذاجة بالغة- أنْ يبدو الاحتلال الإنجليزى مختلفــًـا فأضاف ((نحن نسعى لتطهير النظام القومى من شوائبه، لبناء حضارة عليا تسمو فوق الجذور القومية التى اكتسبتْ أفكارها من قلوب وعقول الشعب)) ثم تناقض مع نفسه فقال ((لا يجب أنْ نــُـدمّـر البيئة الأفريقية أو العقل الأفريقى أو أصل جنسه)) تصوّر مُـمثل الاحتلال أنّ الشعب سينخدع بكلامه (المعسول/ المتناقض) ولذلك كان تعقيب إيزولو ((كلمات.. كلمات.. حضارة.. عقل أفريقى.. بيئة أفريقية. هل- هذا الكلام الاستعمارى- أنقذ رجلا كان مدفونــًـا إلى رقبته حيـًـا، وقطعة من البطاطا المُـحمّـرة فوق رأسه لجذب النسور؟))
لجأ ضباط الاحتلال إلى القسوة لدرجة أنهم كانوا- أحيانــًـا- يجلدون بعض المواطنين، فساد الرعب بينهم، لذلك عندما تحدى شابٌ أفريقىٌ أحد الضباط الإنجليز، وأهانه فإنّ صديقــًـا قال له ((هل جننتَ حتى تهاجم الرجل الأبيض؟ لقد سمعتُ أنّ عائلتك من المجانين)) وهذا الشخص الذى قال هذا الكلام، لم يكن خانعـًـا أو انتهازيـًـا أو عميلا للمحتل ، وإنما كان يقرأ (الواقع) لذلك قال لمن حوله ((الرجل الأبيض جاء ليبقى.. الرجل الأبيض جاء ليقضى على عاداتنا..إننى متأكد مما أقوله لكم الآن وسوف ترون)) ثـمّ أضاف ساخرًا ((هو يملك قوة مصدرها إله حقيقى، قوة تحرق مثل النار. إنه الإله الذى نجتمع عنده فى اليوم الثامن من كل أسبوع)) وكان الإنجليز يـُـشرعون فى إنشاء طريق جديد مُـسفلت، فكان تعقيب هذا الشخص الذى أجاد قراءة الواقع ((الطريق الجديد.. الدين الجديد.. كل ذلك جزءًا من نفس الشىء.. الرجل الأبيض يملك بندقية وفأسـًا وقوسـًـا ، ويحمل النار فى فمه. ولن يـُـحارب بسلاح واحد))
وركــّـز الأديب على مزج الاستعمار بالدين، حيث أنّ الإنجليز شجـّـعوا على بناء الكنائس، وعلى أنّ يتخلى الشعب النيجيرى عن آلهته المحلية، ولذلك عندما سمع إيزولو جرس الكنيسة ، بدأ يفكر فى الدين الجديد، وساورته الشكوك، وأصبح خائفــًـا لكون الدين الجديد مثل الجزام. وعندما اعتنق ابنه المسيحية عنــّـفه، ولكن صار من العسير محاولة رده عن ذلك الدين. وعندما سأله البعض عن معنى جرس الكنيسة، لخــّـص رأيه قائلا ((يعنى أنْ تترك جمع البطاطا لتذهب إلى الكنيسة. وينشد الناس أغنية الفناء)) ورغم ذلك فإنّ إيزولو استسلم للأمر الواقع ووافق على دخول ابنه فى المسيحية، بهدف أنْ ((تكون الكهنوتية من نصيب الابن)) وبرّر موقفه قائلا لابنه ((العالم يتغير من حولنا.. وأنا لا أحب ذلك.. ولكن إحساسًـا يتملــّـكنى بأنّ أولئك الذين يرفضون صداقة الرجل الأبيض اليوم سيقبلون غدًا)) فعل إيزولو ذلك رغم معارضة زوجته الشديدة. وعندما وصفه البعض بأنه ((سهم فى قوس ربه المحلى شعر (إيزولو) بنشوة كبيرة)) وانتهى الأمر بإيزولو أنْ ((عاش فى أيامه الأخيرة فى بهاء وعجرفة وكاهنــًـا مهووسًـا))
واختتم الأديب روايته قائلا ((عرف زعماء القبيلة وشعبها النتيجة النهائية التى كانت بديهية. فقد وقف الإله بجانبهم ضد الكاهن الطموح والعنيد. لقد وقف بجانب حكمة أسلافهم، فالرجل مهما كان عظيمًـا لن يكون أعظم من شعبه. وقد عاقب الإله كاهنه وتخلى عنه)) والأكثر دلالة أنّ الناس قـدّموا البطاطا على الدين الجديد. ولكن صار حصاد البطاطا يتم باسم الابن.
ورغم التحولات فى شخصية إيزولو (من التمسك بالآلهة المحلية إلى قبول المسيحية) فإنّ الأديب نجح فى جعله أحد الرموز القومية للشعب النيجيرى، حيث كان ممثلو الاحتلال الإنجليزى يعتبرونه أحد المُـحرّضين الأساسيين ضد الإنجليز، ولذلك سجنوه أكثرمن مرة. ولذلك أبدع الشعب النيجيرى أسلوب (المُـقاومة السرية) وكل ذلك رغم محاولات بعض الكتاب الإنجليز، فى خلق أساطير (ملفــّـقة) حول (العلاقة التاريخية بين بريطانيا ونيجيريا) مثل كتاب (جورج آلين) المعنون (مصالحة قبائل النيجر البدائية) وجاء فى الفصل الأخير منه ((من أجل تلك المطالب (مطالب الاحتلال) بل من أجل حياة أفضل و(احتلال هادىء) فإنّ نيجيريا مغلقة وستظل مغلقة حتى تفقد الأرض بعضًـا من خصوبتها.. إنّ نيجيريا تــُـقـدّم ذراعيها لأجل الرجال (الإنجليز) فى الهند الذين جعلوا من الإنجليز صـُـناعـًـا للقانون.. إنه لمن الفخر الشديد أننا لا نخاف من هذه الشعوب المُـتخلفة.. إنّ الجنس البريطانى سيأخذ مكانته.. إنّ الدم البريطانى سيحكم)) ولكن عندما سمع أحد رموز الاحتلال الإنجليزى هذا الكلام ، كان له رأى آخر، حيث قال ((نحن البريطلنيين مجموعة من الفضوليين نفعل كل شىء بغير حماس. انظر إلى الفرنسيين، إنهم لايخجلون من تعليم ثقافتهم إلى الأجناس المُـتخلفة.. ويقولون لحاكم هذه الشعوب إذا لم تكن راضيًـا ، فتعال وحاربنا. أما نحن البريطانيين فماذا نفعل؟ إننا نتخبط من طريقة إلى عكسها))
فى تلك الرواية البديعة فإنّ مؤلفها تمكــّـن من (التأريخ الروائى) لفترة من عمر الشعب النيجيرى، فضفــّـر- بالإبداع الروائى- بشاعة الاحتلال الإنجليزى بمقاومة الشعب النيجيرى للاحتلال ، بالأساطير التى امتزج فيها ما هو غيبى ، بالتراث الذى شكــّـل الشخصية القومية للشعب النيجيرى، من خلال الوعى بمُـجمل تراث الثقافة القومية لشعوب أفريقيا. وأعتقد أنّ الأدب الأفريقى عنصر مهم – بجانب الدراسات التى تناولتْ الثقافة القومية لشعوب أفريقيا - لفهم الشخصية الأفريقية. وشكرًا للأديب تشينوا أتشيبى على روايته الممتعة.. وشكرًا للمترجم الصديق سمير عبد ربه على ترجمته البديعة.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القومية المصرية ومرحلة ما قبل يوليو1952
- هل كذب شاعر الر سول فى شهادته ضد عائشة ؟
- أثر الواقع الاجتماعى على النص القرآنى
- لماذا اختلفتْ برلمانات مصر بعد يوليو1952؟
- رد على السيد ماسنسن بشأن القومية المصرية
- هل الواقع أفرز النص أم العكس ؟
- من أفرز الآخر : الواقع أم النص ؟
- ملاحقة القرآن للواقع (2)
- لماذا تجاهل النقاد مسرح اللامعقول لتوفيق الحكيم؟
- لماذا وقف القرآن مع الوثنية وليس مع المسيحية
- ملاحقة القرآن للواقع الاجتماعى
- لماذا تختلف الأنظمة فى الدفاع عن مواطنيها ؟
- متتالية أسباب النزول
- لماذا غفر الله لوحشى ولم يغفر لأم النبى ؟
- هل النص الدينى سابق على الواقع أم العكس؟
- مغزى تجاورضريح محمد بن أبى بكروضريح مارجرجس
- ما حقيقة موقف سارتر من الصهيونية ؟
- العلاقة بين المجتمع والنص الدينى
- نوال السعداوى والقمنى والفاشية الدينية
- حملة التضامن مع سيد القمنى


المزيد.....




- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن استهداف موقع حيوي في إيل ...
- إلى جانب الكنائس..مساجد ومقاهٍ وغيرها تفتح أبوابها لطلاب الث ...
- بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س ...
- أمين سر الفاتيكان: لبنان يجب أن يبقى نموذج تعايش ووحدة في ظل ...
- الكنائس المصرية تفتح أبوابها للطلاب بسبب انقطاع الكهرباء
- صورة جديدة لسيف الإسلام معمر القذافي تثير ضجة في ليبيا
- إسرائيل: المحكمة العليا تلزم الحكومة بتجنيد طلبة المدارس الي ...
- في -ضربة- لنتنياهو وائتلافه.. المحكمة العليا الإسرائيلية تأم ...
- ما هو تردد قناة طيور الجنة على النايل سات ؟ والعرب سات وأهم ...
- موسم الهروب من الشمال.. المسلمون المتعلمون يفرِّون من فرنسا ...


المزيد.....

- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الشخصية الأفريقية والأدب الأفريقى